Saturday, October 15, 2011

الإعلام الإلكتروني: كي يتكلم وطنياً وبالعربية

الإعلام الإلكتروني: كي يتكلم وطنياً وبالعربية

سركيس ابو زيد
من المفاهيم المعروفة تاريخيا معادلة ميزان القوى، حيث الأقوى هو الأقدر على السلطة والحكم. أما اليوم فيجب إدخال معادلة التوازن الزمني، أو اختصار الزمن لأن الأسرع في امتلاك وسائل المعرفة والانتاج، هو الأقدر على التحكم بالفعل والتأئير.
يدخل العالم مرحلة جديدة من التطور التقني في ميدان الاعلام والاتصال. تتمثل بحلول أجهزة جديدة متعددة الاختصاصات: تلفزيون وإنترنت وهاتف، مكان الاجهزة المعروفة، ما يؤدي الى خروج أجهزة التلفزيون التقليدية من السوق، لتنضم الى أجهزة التلكس والآلة الكاتبة القديمة, الخ ...
مع الاعلام الجديد يزول الرقيب والصحافي: لقد أصبح المتلقي مراسلا من دون وسيط. فـ«الجورنالجي» ـ يتحول إلى «مدّون»، حيث أصبح الاعلام تواصليا وانتفى الوسيط. المرسل والمتلقي أصبحا شخصا واحدا يتفاعل ويتواصل بحرية وشراكة مفتوحة. والوسيط أصبح شبكة متوفرة لكل إنسان, فلكل فرد القدرة على بناء وسيلته, وهي أصبحت سهلة المنال وغير مكلفة.
إنه العصر الجديد, عصر ما بعد «الصورة التقليدية» التي لعبت سابقا الدور الأساسي في انهيار المعسكر السوفياتي, وهي تلعب اليوم دورا أساسيا في الربيع العربي وربيع الثورات والتغيير في العالم.
والسؤال المطروح أوروبيا وعربيا وعالميا هو: في زمن الاعلام الالكتروني كيف ندخل العولمة مع خصوصياتنا الوطنية؟
قبل الإجابة لا بد مما يلي:
اولا: من يحكم الشبكة العالمية للمعلومات؟
1- مؤسسة الإنترنت الأميركية للأسماء والأعداد المخصصة «أيكان» ICANN، تعمل في كاليفورنيا على تنظيم المرور على شبكة المعلومات العالمية كشرطي مرور للإنترنت.
الحكومة الأميركية تسيطر على «أيكان» وتمنع حركة العـمل على الإنتـرنت لدى أي أمة.
2- أربع شركات أميركية: غوغل، ياهو، إم. إس. إن، وأميركا أون لاين، هم الوسطاء أو السماسرة الأربعة، الذين يستأثرون بنسبة 75 في المئة من قطاع صناعة الانترنت على مستوى الكرة الأرضية. تتقرب الادارة الأميركية منهم بسبب نفوذهم ودورهم.
من يملك محركات البحث يسيطر على المعلومات ويتحكم بها. مثلا القواميس المعتمدة مثل wikipedia تقدم معلومـات رسـمية مقـننة وموجهة. تسمح بالمشاركة من قبل القراء، لكن المصدر له حق المراقبة وعدم الموافقة على النشر. ويمكن تحديد مكـان المشـغل بينما العكس ليس سهلا. بإمكان «غوغل» مثلا تحليل وتوجيه المشغل عبر تحديد ملفه الشخصي ومكان وجوده. المعلومات التي يرسلها تختلف من شخص الى آخر ومن بلد الى آخر، إذا أرادت.
ثانيا: الأسواق مفتوحة, وستدخلها شركات أميركية ذات انتشار دولي احتكاري, حيث العالم كله «سوق داخلي» لها. وهذا ما لا يتوفر حتى عند كبريات شبكات التلفزة الاوروبية والعربية التي ستفقد سلطتها الاحتكارية نتيجة تشتت المشاهدين وتفتت موارد الإعلانات.
هذا الخطر القاتل سوف يهدد قطاع الإنتاج التلفزيوني, والسينمائي, مما ينعكس على ثقافة البلد ووظيفة الثقافة في حماية المصالح الوطنية.
ثالثا: إن عالم البث التلفزيوني التقليدي محكوم بضوابط, ترعاه هيئات ناظمة, على خلاف عالم الانترنت المنفلت من الضوابط. لذلك هناك عجز كامل عن حماية حق الملكية التجارية والأدبية خاصة ذات الطابع الوطني.
وهذا سيكون له أثر بالغ على الثقافة الوطنية, وميول المشاهدين وقناعاتهم وخياراتهم التى ستتصف بالعولمة فيما سيختفى منها ـ تدريجيا ولكن بخطى ثابتة ـ كل ما له صلة بالخصائص المحلية الوطنية، مما سيطرح إشكاليات عدة تبدأ بالاستهلاك ونمط الثقافة إلى أساليب الحياة كافة, سواء على الصعيد الفردي الخاص أو العام.
رابعا: إن الشبكات الوطنية أصبـحت تقلـيدية وباتت في حـالة تردٍ تقـني، ومـتأخرة جدا عن نظيراتها، وتطويرها يحتاج الى كلفة عالية وهذا ما لا يقوى عليه القطاع الخاص.
خامسا: الانسان وحيدا في العولمة
كتب أحدهم على الفايسبوك: «عقلي يتعرّض للانتهاك على مدار الساعة, على هذا «الفايسبوك» وعبر شاشات التلفزيون. لست فاعلاً على أي أرض. أنا أتلـقّى فقــط, وأتلقّى ما يريدون هم أن أتلقّاه, وإذا ناقش عقلي المغدور ما وصله وأعمل المنطق فيه, يتعرّض للقمع المباشر منَ الجميع. أشعر أني أصبحت «خروفاً» يُساق إلى الذبح ويُقال له إنّ المناسبة هي عيد ميلاده. سيُذبَح احتفالا به».
وعن هذا التسلط العالمي والفراغ الوطني اعتبر عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو Pierre Bourdieu أن التلفاز يمارس نوعاً من الاحتكار «المونوبول» في تشكيل عقول شريحة مهمّة من الناس، وذلك بتعبئته أوقاتهم القليلة بالفراغ أو باللاشيء، الأمر الذي ينأى بالمواطن عن المعلومات الملائمة التي ينبغي أن يمتلكها بغية ممارسة حقوقه الديموقراطيّة. فماذا يقال عن الانترنت؟
سادسا: البحث عن المعنى
لعلّ التحدّي الأكبر يكمن في حرص الاعلام الوطني على صدقيته التي لا توفرها المعلومات الموجودة في المواقع الإلكترونية، لأنها تنشر المعلومات نفسها، منقولةً ومترجمةً ومقتبَسةً من مصادر عربيّة وعالمية؛ بحيث يغدو هذا التنوّع مخادعاً وزائفاً. فيما يكمن التحدّي الأساسي في حرص الاعلام على البقاء كسلطة رابعة في المجتمع، والحرص بالتالي على مهنة الصحافي كمراقب وناقد ودافع للتغيير، خصوصاً أن الإعلام الصحافي الإلكتروني يكاد يقضي على هذا الدور، من خلال تحويل الصحافي إلى داعية لشركات الإعلان التي تموّل الصحافة الإلكترونية المجانية.
إن اعتماد شعار النوعـية قــبل أيّ اعتبار آخر، هو التحدّي الأكبر للاعلام الإلكتروني المستـقبلي، المبنيّ على ثوابت مهنــيّة وأخلاقية.
سابعا: العولمة والخصوصيات الوطنية
÷ المستوى التكنولوجي والتربوي في الدولة الوطنية يسمح بالمشاركة والإبداع لإنتاج أشكال وبرامج ووسائط تعبر عن الخاص الوطني وتحافظ على ما هو أصيل.
÷ الالتزام بوعي وطني يعززالشعور الوطني يعطي اولوية لدعم الانتاج الوطني وتفضيله على الأجنبي لأنه يعبر عن عادات وتقاليد وثقافة وخصوصيات.
÷ الشعور الوطني في الصين مثلا يؤدي الى إعطاء أولوية استعمال البرامج الوطنية الصينية حتى ولو كانت أقل جودة.
÷ العمل من أجل إنشاء فضاء مشترك بين دول متقاربة مما يوسع السوق المحلية ويعزز القدرات في المنافسة: إما توسع السوق أو تخرج من السوق.
ثامنا: «تعريب الإنترنت»
تواجه اللغة العـربية عـددا من مواطن القصور في سياق السعي لتوسيـع دائرة الدخول إلى المحتوى العربي على الإنـترنت. لذا لا بد من توجيه اهتمام أكبر لتطوير اللغة العربية كي تضم مصطلحات جديـدة في ميداني الأعمال والتكنولوجيا. ولا شك في أن الترجمة غير السليمة غدت سببـا أكـيدا لضياع المعنى الحقيقي لنصوص ومصطلحات بذاتها.
ينبغي أن تبذل جهود الى تعريب الإنترنت على مستويات عدة. ولعل من بين المبادرات المهمة التى اتخذت في هذا الشأن عملية تعريب ما يطلق عليه «أسماء النطاق», من أجل مساعدة المستخدمين العرب الذين لم يألفوا الألفبائية اللاتينية على استخدام الإنترنت بالعربية.
تاسعا: جاهلية ما بعد الحداثة: فائض معلومات وقلة تفكير
قيل: أنا أفكر اذن أنا موجود أنا أفكر اذن أنا أقول لا
التفكير هو بداية الطريق الى معرفة الواقع وتغييره. لذلك تعتمد الولايات المتحدة في تثبيت سلطتها وهيمنتها على فائض المعلومات وتعميم نمط حياتها التبسيطي والاناني من جهة، ومن جهة اخرى انعدام المحتوى النهضوي التنموي ومنع التفكير لأنه يؤدي حكما الى النقد والرفض والتغيير.
المشكلة ليست في الآلة بل بالنظام الذي يستعملها ويديرها.
التكنولوجيا تقرب المسافات وتعزز التواصل بين الاقارب والاهل وابناء الامة الواحدة ومع المحيط المهني والنفسي (اهواء متقاربة) عبر الحدود والحواجز.
لكن المسألة هي كيف يستعمل الانسان والنظام والمجتمع الوسائط لتشغيلها في الصراع من اجل التحرير والحرية والنهضة. انها عولمة المعرفة ضد أممية السلطة.
كيف ندخل العولمة في خصوصياتنا الوطنية في زمن الإعلام الالكتروني؟
فائض المعلومات والبيانات وانتشار الشبكات بحد ذاته لا يبني نهضة وتنمية. وقيمة التكنولوجيا وفعلها يتجسد بتفاعل الانسان لتصبح معرفة ووعياً.
العالم العربي شاب ومأزوم وربيعه عبّر أخيراً عن خصوصياته، لذا يسعى إلى بناء نظام مدني ديموقراطي مقاوم يواجه قوى التكفير والإلغاء والردة ومحاولات الهيمنة والاحتواء الخارجي، وكان للإعلام دور في تفجير معاناته.
الإعلام الالكتروني صورة من الواقع بكل تناقضاته، ما يهمنا هو الغزو الطائفي الذي يجتاح المواقع والمنابر في ظل غياب إعلام علماني فاعل، وخصوصيتنا الوطنية تزول مع سقوط الدولية الوطنية الديموقراطية المقاومة. والبداية تنطلق بإنتاج صورة تعبر عنا. فلنضع إعلامنا العلماني على شبكة الانترنت.

كاتب لبناني
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: