خرافات الإدارة والعمل الحديثة
هل تنجو منها شركاتكم؟
البروفيسور فريك فيرمولن
أستاذ الإدارة الإستراتيجية والدولية المساعد بكلية أعمال لندن
هل تنجو منها شركاتكم؟
البروفيسور فريك فيرمولن
أستاذ الإدارة الإستراتيجية والدولية المساعد بكلية أعمال لندن
هل سمعت يوماً ما يقال عن أنّ سور الصين العظيم هو البنيان البشريّ العملاق الذي تمكن رؤيته من الفضاء الخارجيّ؟ حسناً، إنها خرافة، ولا يمنع انتشار هذه الخرافة توفّر دليلٍ واضح على خطئها.
ومثل خرافة سور الصين العظيم هذه، تشهد دنيا الأعمال والإدارة خرافاتٍ تنتشر وتستقرّ بالرغم من حضور الأدلة الواضحة النافية لها أو المشككة بها. إليكم ثلاثة أنواع من الخرافات والتوهّمات وأمثلةً عليها.
1- الأوهام التي يغذّيها مبتدعوها
أول زمرةٍ من الأوهام والخرافات هي تلك التي يختلقها أو يتصوّرها أصحابها ويعملون في الوقت ذاته على إثباتها وتخليدها "self-perpetuating myths" وتوجد في كل الصناعات. خذ مثلاً صناعة السينما. توجد لدى شركات التوزيع أفكارٌ مسبقة ثابتة حول أيّ الأفلام سيكون ناجحاً وأيها سيكون فاشلاً. مثلاً: من المقبول عموماً القول بأنّ الأفلام التي تضم العدد الأكبر من النجوم، ولدى ممثليها رصيد نجاحات ضخم، ويقوم بشؤونها فريق إنتاج مخضرم ستبلي بلاءً حسناً على شبّاك التذاكر.
أول زمرةٍ من الأوهام والخرافات هي تلك التي يختلقها أو يتصوّرها أصحابها ويعملون في الوقت ذاته على إثباتها وتخليدها "self-perpetuating myths" وتوجد في كل الصناعات. خذ مثلاً صناعة السينما. توجد لدى شركات التوزيع أفكارٌ مسبقة ثابتة حول أيّ الأفلام سيكون ناجحاً وأيها سيكون فاشلاً. مثلاً: من المقبول عموماً القول بأنّ الأفلام التي تضم العدد الأكبر من النجوم، ولدى ممثليها رصيد نجاحات ضخم، ويقوم بشؤونها فريق إنتاج مخضرم ستبلي بلاءً حسناً على شبّاك التذاكر.
من شبه المؤكّد أنّ أفلاماً كهذه تحظى بعددٍ كبير من المشاهدين، لكن ما السبب الحقيقي يا ترى؟ اكتشف البروفيسور أولاف سورينسون من جامعة ييل، والبروفيسور ديفيد واغوسيباك من جامعة ميريلاند أنّ شركات توزيع الأفلام تخصّص جزءاً أكبر من ميزانية تسويقها لهذه الأفلام، بناءً على قناعاتهم وتقييماتهم المسبقة الراسخة. وبعد مراعاة عامل التفضيل هذا في نماذجهم الإحصائية ظهر للباحثين بوضوح أنّ هذه الأفلام لا تبلي بذاتها بلاءً أفضل من غيرها على الإطلاق.
لقد كانت قناعة شركات التوزيع وهماً، ولقد حوّل الموزّعون هذا الوهم إلى واقع بتصرّفاتهم.
2- موضات الأساليب والتقنيات الإدارية
تتمحور هذه الخرافات والتوهّمات حول بعض الممارسات التي تنفجر في بعض الظروف وتغزو شهرتها العالم غزواً كاسحاً مثل "إدارة الجودة الشاملة "، و"ISO9000"، و"سيجما ستة". تتبع هذه الصرعات الإدارية مسلكاً كمسلك صرعات الموضة المختلفة في التصميم والأزياء: وهكذا نراها تزدهر وتضمحلّ، ونراها أحياناً بعد اختفائها تعود للظهور مع شيءٍ من عمليات التجميل والتحوير واتخاذ عناوين جديدة.
تتمحور هذه الخرافات والتوهّمات حول بعض الممارسات التي تنفجر في بعض الظروف وتغزو شهرتها العالم غزواً كاسحاً مثل "إدارة الجودة الشاملة "، و"ISO9000"، و"سيجما ستة". تتبع هذه الصرعات الإدارية مسلكاً كمسلك صرعات الموضة المختلفة في التصميم والأزياء: وهكذا نراها تزدهر وتضمحلّ، ونراها أحياناً بعد اختفائها تعود للظهور مع شيءٍ من عمليات التجميل والتحوير واتخاذ عناوين جديدة.
رغم أنّ كثيراً من هذه الموضات الإدارية خالٍ من أية أضرار –وفي الوقت ذاته يكاد يخلو من أية منافع- فإنّ بعضاً منها يمكن أن يسبّب أضراراً فادحة لا يتنبّه لها معتنقوه المعجبون. خذ مثلاً "ISO9000 ". باختصار: يساعد هذا النظام الشركات على تحديد الممارسات المثلى ضمن تنظيماتها، وتوثيقها، والتحقق من أنّ كل عضوٍ في الشركة يتبع ذلك النهج الأوحد المقيّس standrdized من الممارسات المثلى. ويؤدّي هذا إلى مكاسب معتبرة في الكفاءة والإنتاجية.
لكن لسوء الحظ، وللمفاجأة، تبيّن نتائج عمل البروفيسور ماري بانر من جامعة مينيسوتا والبروفيسور مايك تشمان من كلية أعمال هارفارد أنّ الشركات التي تبنّت نظام "ISO9000" سابقةً لغيرها ببضع سنين قد شهدت تراجعاً في ابتكاريتها يتجلّى من منظور الإبداعات التكنولوجية الجديدة. لقد وجد الباحثون أنّ نظام مجانسة وتعميم الممارسات المثلى يعزّز الكفاءة efficiency، لكنه من جانب آخر كان يقمع الانزياحات عن المعايير وبالتالي يقلّص من فرص اكتشاف المخترعات.
3- أوهام السببية المقلوبة
على مرّ السنين تقدّم كتب الثقافة الإدارية والعملية توصياتها الذهبية للمديرين من خلال تسليط الأضواء على نماذج من الشركات الناجحة ثمّ الخروج بالعامل المشترك الكامن لدى كل أولئك الناجحين. للوهلة الأولى يبدو هذا مسلكاً منطقياً لا غبار عليه. لكن مهلاً! هناك مشكلةٌ لا يكاد ينجو منها بشر: إنّها مشكلة الرؤية المقلوبة والتصوّر المعكوس للأسباب والنتائج.
على مرّ السنين تقدّم كتب الثقافة الإدارية والعملية توصياتها الذهبية للمديرين من خلال تسليط الأضواء على نماذج من الشركات الناجحة ثمّ الخروج بالعامل المشترك الكامن لدى كل أولئك الناجحين. للوهلة الأولى يبدو هذا مسلكاً منطقياً لا غبار عليه. لكن مهلاً! هناك مشكلةٌ لا يكاد ينجو منها بشر: إنّها مشكلة الرؤية المقلوبة والتصوّر المعكوس للأسباب والنتائج.
مثلاً: يشدّد كثير من الكتب على أهمية أن توجد الشركات لأنفسها ثقافة تنظيمية قوية موحَّدة في كلّ أنسجة وأعضاء المنظمة. ويستند هذا النصح على ما رآه مؤلّف الكتاب من وجود هذه الثقافة الموحَّدة لدى هذه أو تلك من الشركات المتفوّقة اللامعة في زمن تأليفه الكتاب.
قد يكون هذا تصوّراً جميلاً ومحتملاً، لكنّ البحث يخبرنا أنّ الشركات في الواقع كثيراً ما تنشئ ثقافتها القوية الموحَّدة نتيجةً لاستمرارها في النجاح سنوات متوالية. وهكذا فإنّ ثقافتهم القوية ليست سبب نجاحهم وإنما هي نتيجة له. وإنّ محاولة إيجاد ثقافة قوية موحَّدة إيجاداً منفصلاً عن الدورة الزمنية والظروف اللازمة لها قد لا يفيد شركتك في التحوّل إلى النجاح على الإطلاق. بل قد يكون مضرّاً ومعرقلاً لتحقيق الغاية المنشودة من ورائه، لأنّ الثقافة الموحَّدة في كل أنسجة وأعضاء المنظّمة يمكن أن تقود أيضاً إلى أمراض "التفكير الجمعيّ" وتردّي الإبداع والتجديد، وهي مشكلاتٌ خطيرة، خصوصاً في بيئة العمل سريعة التغيّر.
الخرافات والأوهام
نصنعها وننشرها ونتمسّك بها.. وندفع ثمنها!
توجد خرافات كثيرة في دنيا الأعمال. بعضها خاص بصناعات معينة، وبعضها عام منتشر. تولد الخرافات والأوهام وتموت بعد حين، لكنّ بعضها معنّد معمّر بشكل مثير للدهشة، وكأنّها فيروسات: وهكذا تجدها تدمّر المنظمة المضيفة (التي تتبنّاها)، وفي الوقت ذاته تتميز بسرعة الانتشار بسبب سهولة استنساخها.
نصنعها وننشرها ونتمسّك بها.. وندفع ثمنها!
توجد خرافات كثيرة في دنيا الأعمال. بعضها خاص بصناعات معينة، وبعضها عام منتشر. تولد الخرافات والأوهام وتموت بعد حين، لكنّ بعضها معنّد معمّر بشكل مثير للدهشة، وكأنّها فيروسات: وهكذا تجدها تدمّر المنظمة المضيفة (التي تتبنّاها)، وفي الوقت ذاته تتميز بسرعة الانتشار بسبب سهولة استنساخها.
يمكنك أن تدعو هذا "نظرية انتقال الخرافات الإدارية بالعطاس"، إذ تعدي الشركات بعضها نتيجة احتكاكها في تعاملاتها. مثلاً: نظام "ISO9000" سهل النقل والمحاكاة لأنّه يقوم على مجموعة مقيّسة من القواعد والإجراءات. وفوق ذلك فإنّ الشركات التي تتبنّاه كثيراً ما تبدأ بتشجيع مزوّديها على اتباع النظام نفسه فتزيد من انتشار الممارسة.
فضلاً عن ذلك، تخبرنا الأبحاث التي أجراها باحثون مختلفون –من بينهم البروفيسور مارك زابراكي في جامعة ويسترن أونتاريو- أنّ قيادات الشركات تميل إلى تضخيم المنافع الناجمة عن تبنّيها أنظمةً معينة في عيون الناس داخل شركاتهم وخارج شركاتهم في مجال عملهم. فتعزّز بذلك مزيداً من انتشار "الفيروس" وتطيل من بقاء الخرافة المخرّبة حيةً مزدهرة.
0 comments: