نحن والإعلام.. من التنويم المغناطيسي الى المُمانعة
الثلاثاء 29 تشرين الثاني 2011، آخر تحديث 11:39 سالم زهران - "البناء"
الشعور بأن الإعلام يخدعنا ويدفع بنا إلى التنويم المغناطيسي بات مبرّراً، بل واقعاً ملموساً يتجلى في سلوكيات بعض الوسائل الإعلامية التي تدفع بنا الى أعماق محيطها فنتحول الى ما يشبه السمك الذي يموت لدى خروجه من بحرها، ذاك البحر بشاطئه التقليدي، من الشاشة الى الراديو فالصحيفة، أو ذاك الحديث بشكله "الافتراضي"، بدءاً من مواقع التواصل الاجتماعي وليس انتهاء بالمدونات والصحف الالكترونية وتلك الكاميرا الصغيرة المثبتة في هاتفنا المحمول والموصولة بموقع وخدمة "يو تيوب". ولعل الجانب الحديث المتمثل في الإعلام الإفتراضي بات الأكثر ضخباً، ربما لأنه كسر احتكار الصحافيين (المحترفين) للتخاطب والتعبير عن الجمهور، إذ بات بإمكان أي فرد أداء دور المُعبر عن نفسه ومحيطه وسط مساحة شاسعة. واستطاع جمع الصوت والصورة والكلمة في قالب واحد، وبالتالي أمكن الاستعاضة عن جميع وسائل الإعلام التقليدية بوسيلة واحدة أقل كلفة واكثر انتشاراً و"ديمقراطية".
مصطلح "الديمقراطية" ينطبق هنا من دون أي مبالغة. فرغم من سلطة وقدرة الغرب المصنّع على حجبه عن شرقنا المستخدم، الا انه يبقى حجباً نادراً لأسباب شتى لعل أبرزها الفائدة الاقتصادية والدعائية وربما الأمنية، فضلاً عن صعوبة التحكم في ملايين المواقع والمدوّنات والصفحات الخاصة.
من تقنيات السباحة التي قد تقينا شرّ الغرق في بحر التضليل الإعلامي، سواء الوسائل الإعلامية التقليدية أو الافتراضية، لنطفو على وجه الحقيقة العارية من كل تزيين وتحريف وتقطيع ومونتاج وما إليها من تقنيات تؤدي كلها الى إظهار صورة مبهرة إلا أنها مخادعة.
ماذا يمكننا أن نفعل حيال كل ذلك؟!
- تقوية جهاز مناعتنا والمساهمة في عدم انتشار عدوى الخداع الإعلامي الى المحيطين بنا من أصدقاء، ورفقاء، وعابري سبيل في يومياتنا وعبر صفحاتنا الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.
- صناعة البدائل التي باتت متاحة بشكل أوسع في ظل العالم الافتراضي الأقل كلفة بل شبه المجاني.
أما الاستعانة بالفأس كنظرية بدائية ترى في الهجر حلاً، أي تحطيم الشاشة وجهاز الكمبيوتر وجهاز الراديو بضربة واحدة، فهي نظرية صحراوية في عالم افتراضي تجاوز "هوامير الصحراء".
فلنحاول عدم الاكتفاء بعيوننا حين نشاهد، بل لنستعن بعقلنا الواعي القادر على التركيز والتفكيك ومشاهدة الصورة بعيداً عن التعليق. فكلما اختصرنا في أدوات الحواس التي نلامس بها الخبر، تكون الملامسة أكثر صدقيةً ودقة. فحين يعلق "المذيع" على مشاهد ترده عبر هاتف محمول من "شاهد عيان" ويقول على سبيل المثال:"ها هي الآلاف تطالب بإسقاط النظام"، حاول أن تنظر الى الشاشة بعينيك لا بعيني المذيع وشاهد العيان وحاول ألا تتأثر بما تسمعه بأذنيك من تعليق مرافق للصورة. وبما يظهر أسفل الشاشة، فبينما أنت تخزن تلك العبارة تغيب عنك عبارات أخرى ذات دلالات مختلفة. ولو قرأت خبراً أو تعليقاً عند صديق على صفحته في "فيسبوك" أو "تويتر" وما بينهما من مواقع تواصل إجتماعي،لا تكن أسير فكرة أن هذا الصديق أقرب جغرافياً منك للحدث وهو من البلد التي تتحرك فيها الصورة، وبالتالي كلامه فصل المقال. فلعلّ صديقك الافتراضي غريق في بحر وسيلة إعلامية ذات "أجندة" خاصة، ولعله "شاهد عيان" من فصيلة "شهود الزور"، وربما ينطلق في خبره من قناعاته وأمنياته لا من مشاهداته الحية ومعلوماته الموثقة. وهذه كلها تقنيات بدائية في تقوية جهاز المناعة الإعلامية، إلا أنها أساسية ومنها يمكن الانتقال نحو تطوير لوسائل الممانعة والمجابهة وتحديثها.
ماذا بعد تقوية جهاز المناعة الاعلامية؟
إن الفرد ليس إلا كائناً اجتماعياً بامتياز وهذا ما يميزه بدرجات عن سائر المخلوقات والكائنات الحية. لذا على الفرد ذي المناعة الإعلامية ان ينقل تلك المناعة الى محيطه الاجتماعي، وبعدها كان محيطنا مختصراً على الأهل وبعض الرفاق والأقارب والجيران، تحول بفضل العالم الافتراضي وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي الى دائرة تضم المئات وربما الآلاف. ووفق نظرية الشجرة الإقتصادية كل صديق في هذه الحزمة لديه مئات او ربما ألوف الأصدقاء، وبالتالي قد يصل خبرك الى مئات الآلاف أو الملايين من دون كلفة مادية وجهد كبير.
اما في المستوى الثاني من الممانعة والمجابهة، أي الذهاب نحو صناعة البدائل فعلينا ألا نحبط جراء ضعف إمكاناتنا المادية مقابل خصومنا. فالفارق يمكن تقريبه من خلال الكادر البشري المميز والمبدع والخطة المبرمجة التي تعتمد على التقنيات المتواضعة والفعالة في آن واحد، فإنشاء صفحة عبر "فيسبوك" يصل منتسبيها الى مئة ألف شخص بات أمراً سهلاً.
أما توزيع صحيفة على عشرة آلاف قارئ في بلد مثل لبنان فربما يغدو مهمة شبه مستحيلة، واذا تحققت فهي في حاجة الى موازنة ضخمة، فيما الصفحة الافتراضية تحتاج الى بعض الجهد والوقت.
من آليات الإعلام الممانع ألا يمارس الخداع على نفسه وأن يحفظ لنفسه هامشاً واسعاً من الاحترافية والموضوعية وبعض الحيادية في نقل الصورة، خاصة ان صاحب الحق لا يحتاج الى الفبركة أو الانحياز، بل هو في حاجة الى الموضوعية والحيادية في نقل الصورة التي غالباً ما تكون أبلغ من كل الخطب الرنانة. فالكثير من التقاير التلفزيونية والمقالات الصحافية، والتدوين الإلكتروني أشبه بخطاب جماهيري لا تقنيات تعبيرية قائمة بحد ذاتها..
الإعلام يخدعنا، لكن سياسة النعامة التي تضع رأسها في التراب ظناً أنها لا ترى الآخرين، غير نافعة، والخطب الرنانة لا تغني، وسياسة الفأس لا تسمن عن جوع، وزمن الفأس ولى وبدأ الزمن "الافتراضي
نحن والإعلام.. من التنويم المغناطيسي الى المُمانعة
Tags:
0 comments: