- إسرائيل": الأيديولوجيا والواقع
د. أسعد عبد الرحمن
قبل ستين عاماً، في 14 أغسطس 1951، اعتبر أول مؤتمر للمنظمة الصهيونية العالمية في إسرائيل لقاءً تاريخياً. حينها، تحدث رئيس الدولة الوليدة (اسحق بن تسفي) ورئيس الحكومة (دافيد بن غوريون) عن أملهما في "استمرار الهجرة العظيمة للسنين الثلاث الأولى للدولة". وفي هذا السياق، توقع كثيرون إعلان المنظمة الصهيونية عن حل نفسها بعد تحقيق الهدف الرئيس، أي إنشاء "الدولة" وكل مؤسساتها "السيادية". لكن، مع مرور 100 عام على المؤتمر الصهيوني الأول، تجرأت أصوات على اقتراح استبدال الحركة بمنظمة يهودية عالمية. وحين أعلن رئيس الوكالة اليهودية (إبراهام بورغ) "قرار إغلاق المنظمة في غضون فترة محدودة"، مرت الأيام دون تطبيق القرار. ومع استمرار تواجد ونشاط المنظمة الصهيونية ومؤسساتها، زاد الحديث في إسرائيل عن ضرورة استبدالها بحركة يهودية عالمية. وفي هذا يقول السياسي المعارض "يوسي بيلين" في مقال بعنوان "حان الوقت لإلغاء الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية": "أصبحت المنظمة الصهيونية فقاعة تجري داخلها انتخابات في دول مختلفة تمهيداً للمؤتمر، وتجري صراعات قوية، ويجري التصويت في الإدارة واللجنة التنفيذية الصهيونية والمؤتمر، ويحصون الأصوات بحرص من غير أن يكون لكل هذه الأشياء أي صدى في حياة الدولة".
وبالمقابل، ازداد وضوح حقيقة كون اليمين الإسرائيلي هو من أبرز داعمي بقاء الحركة الصهيونية. فقد كتب زئيف شترنهل: "الاعتراف بالواقع الذي نشأ بعد 1949 أكبر عدو للصهيونية. والصهيونية يجب أن تكون حركة في صيرورة دائمة، تعتمد على القدرة اليهودية في تغليب إرادتها على ما حولها. ولهذا لا يستطيع حراك القومية المحتلة أن يعترف بأي وضع نشأ في أي زمن في السلسلة التاريخية باعتباره وضعاً نهائياً". ويضيف شترنهل: "من هنا ينبع بطبيعة الأمر تصور أنه لا توجد أي قدسية للخط الأخضر وأن الاستيطان في أراضي1967 لا يقل شرعية عن استيطان الجليل أو النقب". وفي هذا السياق ذاته، جاء قول رئيس هيئة الأركان السابق للجيش الإسرائيلي موشيه يعلون الطامح لزعامة اليمين كله: "الصراع غير قابل للحل ويمكن أن يستمر 100 عام أخرى". أما مستشار الأمن القومي الجنرال يعقوب عاميدرور فأكد أن "حدود1967 غير مقبولة لأنها تُبقي عدداً كبيراً من اليهود خارج إسرائيل"!
لم تعبر الحركة الصهيونية في يوم من الأيام عن المصالح الحقيقية للجماعات اليهودية، بل استغلت العقبات التي واجهت عملية دمج اليهود، وافترضت "أبدية اللاسامية" وفشل أي عملية إندماج لليهود مع الشعوب الأخرى. فـ"الشعب اليهودي"، وحسب رؤيتها، موجود بسبب أعدائه، وبالطبع لا يمكن الاندماج مع الأعداء، ذلك أن الاندماج سيلغي "الهوية اليهودية". من هنا، نسجت الصهيونية منظومة أفكار سياسية واقتصادية واجتماعية، بل وأخلاقية ودينية، تمحورت كلها حول مقولات "الأمة اليهودية العالمية"، "العودة لأرض الميعاد"، و"أبدية اللاسامية".
وفي مقال كاشف بعنوان "التحرر من الصهيونية"، يقول اسحق ليئور: "التحرر من الصهيونية ليس تعبيراً فظاً. فعلى أي حال تقف خلفه الآن مصالح وعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة وجيش ضخم وجائع للصدقات. وإذا كان الآباء أخطأوا في استخدامهم للأسطورة، فينبغي (الآن) الانفصال عنها من أجل الأبناء والبنات. نحن لا نحتاج إلى التنازل عن حياتنا. ولكن من أجلها علينا أن نتحرر من الصهيونية". ومثل هذه القراءة تعززها الحقائق أدناه: ففي ظل الحروب المتكررة، مع عدم وجود حكومة إسرائيلية تؤمن بأهمية السلام وتسعى لتحقيقه مع الفلسطينيين، تنامت أعداد الإسرائيليين الراغبين في الهروب من إسرائيل والعودة إلى الأوطان الأصلية. وبحسب دراسة إسرائيلية حديثة، فإن حوالي "مليون إسرائيلي يمثلون 13 في المئة من الإسرائيليين اختاروا العيش في الخارج بحثاً عن ظروف حياة أفضل". وبحسب موقع (قضايا مركزية) الإلكتروني الإسرائيلي، الذي نشر الدراسة، فإن "توجه الإسرائيليين للهجرة سيؤثر على مستقبل إسرائيل ومستقبل المشروع الصهيوني بشكل عام". وجاء في الدراسة أن "التقديرات الرسمية الإسرائيلية تفيد بأن أكثر من 750 ألف إسرائيلي، أي ما يعادل 10 في المئة من الإسرائيليين يعيشون خارج إسرائيل" وفقاً لوزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية التي أشارت إلى أن "التقديرات الحالية لعدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج أعلى بكثير من تقديرات العام الماضي". وأضافت الدراسة أن نحو "100 ألف يهودي هاجروا إلى خارج إسرائيل خلال العقد الأول من إقامتهم، وارتفع العدد بحلول 1980 إلى 270 ألف إسرائيلي"، حسب تقديرات الدائرة المركزية للإحصاء. كما ارتفع العدد ووصل إلى 550 ألفاً، أي ضعفي ما كان عليه في خمسينيات القرن العشرين". كما أظهرت إحدى عمليات المسح أن ما يقرب من 60 في المئة من الإسرائيليين أبدوا رغبتهم في الاتصال بسفارة أجنبية طلباً للجنسية أو لجواز السفر، وأن حوالي 100 ألف إسرائيلي حصلوا بالفعل على جوازات سفر ألمانية، ولدى عدد كبير منهم جنسية مزدوجة بما في ذلك نصف مليون إسرائيلي يحملون جواز سفر الولايات المتحدة، إضافة لما يقارب ربع مليون طلب لا تزال قيد الدراسة.
أما الخلاصة التي توصل إليها معدو الدراسة فهي أن "مغادرة الإسرائيليين اليهود تساهم في تقويض الأيديولوجية الصهيونية". يضاف إلى ذلك، وبحسب الدراسة، فإن "ربع الإسرائيليين الشبان في أوروبا يتزوجون من غير اليهود. ولا ينتمي غالبية هؤلاء إلى وسط يهودي، ولا يشاركون في أي نشاطات يهودية. ورغم إعلان كثير من المهاجرين اليهود نيتهم العودة، فمن المرجح أن يبقى المهاجرون الإسرائيليون في البلدان التي اختاروا العيش فيها كونهم يعيشون هم وعائلاتهم حالة استقرار واندماج في مجتمعات تلك البلدان". ثم خلصت الدراسة إلى القول "إنه رغم الجهود التي تبذلها كل الحكومات الإسرائيلية للحد من ظاهرة الهجرة، من خلال طرح كثير من المغريات، فإن هذه الحوافز ليست كافية لعودة مليون إسرائيلي (المفقودين)، علماً بأن ظاهرة الهجرة تعتبر إحدى التحديات السياسية الخطيرة التي تعرض الطابع اليهودي لإسرائيل للخطر".
إذن، المنظمة الصهيونية فشلت في هدفها الرئيس، فلم تعد أرض فلسطين "الوطن القومي ليهود العالم" الذين يعيشون برفاه في معظم دول العالم. كما أن مغريات إسرائيل الاقتصادية، على كثرتها، لم تعد توازي ما يحققه اليهود داخل دولهم. وهذا يشكل ضربة قاسية لأهم أسس الصهيونية، وتعاظمه يعني تزايد التشكيك اليهودي بجدوى المشروع الصهيوني ككل.
الاتحاد، ابوظبي، 9/12/2011
حاييم آسا
العام 2011 يحمل بين جناحيه شرق أوسط مختلف، أساس التغيير فيه يكمن في السياقات الثورية التي وقعت في مصر، في سورية وفي دول كليبيا وتونس. ظاهرا هذا تغيير يستدعي استمرار سياسة الجمود. ومع ذلك، فمن أجل البقاء المادي للدولة، تحتاج اسرائيل حاجة ماسة لرؤيا سياسية أمنية يفترض بها أن تجلبها (اذا ما تحققت) الى شاطىء الامان. بكلمة معروفة اخرى: الامل.
صورة الرؤيا المقترحة تنبع من فهمنا للواقع القائم. وأحبذ أن اعرض الفرضيات الاساسي بشأن الشرق الاوسط، توقع محدد يحتمل أن يفسد ويحتمل أن يتحسن. نحن ملزمون بان نضع فرضيات في نظرة 5 10 سنوات، إذ أن الامر افضل من اغماض العيون التام ومحاولة العمل فقط بأثر رجعي، عندما نكون مطالبين بتنفيذ أعمال هي على حدود 'يوم الدين'.
الفرضية الاساس: مصر تتحول الى دولة فيها ديمقراطية غير متوازنة، بمعنى ديمقراطية مع انتخابات حرة متعددة الاحزاب، فيها صراع قوى بين نظام مدني ذي صلة اسلامية ـ سنية وبين جيش غربي. صراع القوى هذا يميل، برأي محللين معينين، في صالح العنصر الاسلامي؛ بمعنى ان مكانة الجيش ستضعف بمرور الزمن. من جهة اخرى، فان مكانة النظام الجديد أيضا ستهتز اساسا بسبب مشاكل اقتصادية حادة لا يتمكن من ايجاد حل لها. في السنوات القريبة القادمة الجيش سيأخذ مسؤولية عن المواضيع السياسية والامنية، بينما الحكومة المدنية ستكون مسؤولة عن كل الشؤون الداخلية. مثل هذا التوزيع للمسؤوليات يخلق تعلقا لمصر بالولايات المتحدة، ومن هنا إذن تواصل الولايات المتحدة كونها محورا هاما في استقرار العلاقات بين اسرائيل ومصر.
سورية، بالمقابل، ستدخل على ما يبدو في فترة طويلة من الفوضى، المواجهة فيها بين السنة والعلويين ستصبح أكثر حدة. وسيتميز الوضع باضطراب اشكالي ومركب من الصعب تقدير نهايته (لا طبيعة النهاية ولا موعد النهاية).
الاردن بانتظاره مسيرة مشابهة وإن كان الدعم للاردن في السياق الاقتصادي أسهل بسبب عدد سكانه القليل (استثمارات بضعة مليارات هي ذات أثر فوري ومباشر على وضعه الاقتصادي). على اسرائيل أن تدخل فورا في نشاط مبادر اليه مع الملك الاردني والسماح للاردن بتجنيد أموال في اوروبا وفي الولايات المتحدة وبالتالي محاولة احلال الاستقرار في الاقتصاد الاردني بالسرعة الممكنة.
الحياة في الشرق الاوسط الجديد ستصبح أكثر 'استقلالا' ظاهرا؛ بمعنى أن مدى التدخل المباشر من الولايات المتحدة سيقل.
فهي ستكون في الخلفية ـ لاعب 'خلفي' يقدم المعدات والقدرات العسكرية المتطورة. وهكذا تتحول تركيا الى لاعب رئيسي من ناحية اسرائيل، وربما حتى لاعب حرج. تركيا هي الجسر الوحيد الذي لاسرائيل حيال مصر، وكذا ايضا حيال العنصر السني في سورية.
اذا كانت مصر في العهد السابق هي الحجر الاساس لاستقرار السياقات حيال الفلسطينيين (الى جانب الولايات المتحدة)، سنرى أن تركيا تحل محلها. لتركيا يمكن أن يكون دور هام في استقرار العلاقات بين اسرائيل ومصر بسبب الصلة السنية. عمليا، يمكن للاتراك أن يُحلوا الاستقرار بقدر ما أيضا في علاقات اسرائيل مع العنصر السني في سورية. وفضلا عن ذلك، فان محور تركيا مصر يمكنه أن يشكل بديلا من نوع جديد لمصر المباركية ويكون أساسا لاستقرار علاقات اسرائيل مع دول الطوق الاول حولها. ثمة لذلك آثار بعيدة المدى ايضا على الموقف من الفلسطينيين بشكل عام ومن غزة بشكل خاص (وجود الاغلاق زائد لا داعي له).
الاستراتيجية العليا يجب أن تكون قائمة على اساس التطلع الى الاستقرار (Balancing) المرتب لعلاقات اسرائيل مع كل دول الطوق الاول حولها (مصر، الاردن، سورية، لبنان والفلسطينيين)، على اساس اتفاقات وتسويات سلمية. مفهوم الاتفاقات والتسويات واسع ويشمل أيضا 'تفاهمات' مع 'اعداء' (مثل سورية او حافظ الاسد). بمعنى استقرار الطوق الاول حول اسرائيل يشكل في نظرنا هدفا مركزيا يجب تحقيقه بكل وسيلة ممكنة ـ اذا كانت هناك حاجة لاتفاق سلام نعقد اتفاق سلام، واذا كانت حاجة للتهديد باحتكاك عسكري نفعل هذا ايضا. استقرار الطوق الاول يشكل عنصرا مركزيا في فهم تعطيل التهديد الكامن في دول الدائرة الثانية والدائرة الثالثة كالعراق وايران.
المستشار الاستراتيجي لرئيس الوزراء الراحل اسحق رابينمعاريف 8/12/2011
القدس العربي، لندن، 9/12/2011
واشنطن- (رويترز): تعرضت القوات الجوية الأمريكية لانتقادات شديدة الخميس بعد الكشف عن إلقاء بقايا رفات ما لا يقل عن 274 جنديا أمريكيا في مقلب للقمامة بولاية فرجينيا. وأقرت القوات الجوية بالاجراء المثير للجدل الشهر الماضي وقالت إنها أوقفته في عام 2008. لكنها لم تكشف عن عدد الجنود الذين ألقيت بقايا رفاتهم في القمامة إلا بعد تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست. وطبق هذا الاجراء في دفن أشلاء جنود أمريكيين قتلوا في انفجارات كبيرة وعثر على بقاياهم بعدما كانت أسر الجنود قد تسلمت جثثهم. وقالت القوات الجويةإن أسر 274 جنديا قتيلا أعطت الجيش الاذن بالتعامل مع أي بقايا لكنها أضافت أن الاسر لم تكن على علم بأن هذه الرفات سينتهي بها الحال في مقلب للقمامة بعد حرقها. ودافع رئيس اركان القوات الجوية الامريكية نورتون شوارتز عن قرار عدم إقالة أي شخص على خلفية الاجراء لكن وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا طلب من القوات الجوية إعادة النظر في العقاب الذي ستفرضه بسبب ما حدث.
القدس العربي، لندن، 9/12/2011
القدس المحتلة - امال شحادة: عندما خرج الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى جمهوره على الملأ للمرة الثانية منذ حرب تموز (يوليو) 2006، كانت القيادة العسكرية الاسرائيلية في الطرف الثاني من الحدود ترسم مخططاتها العسكرية في مواجهة الاحداث التي تشهدها المنطقة. واذا كان تزامنُ ظهور نصر الله مع مشاركة وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك في تدريبات عسكرية على الحدود الشمالية صدفةً، فإن التهديدات التي اطلقها باراك للبنان وحزب الله من جهة، وسورية وايران من جهة اخرى، جاءت بشكل مدروس ومبرمج، فالقيادة الاسرائيلية صدمت بظهور نصر الله، وقد احتاج باراك الى وقت حتى يرد عليه بالقول: «تصرف نصر الله دليل ضعف وضائقة، فهو يعرف أن الناس يتهمونه بالخوف، فخرج لبضع دقائق ليستعرض عضلاته».
ولم تتأخر كثيراً التصريحات الاسرائيلية، فرأى بعض الجنرالات في هذا الظهور ذريعة للتهديد بالحرب، وهناك من راح يهدد بحرب على الجبهات الأربع: سورية ولبنان وغزة وايران. رئيس جهاز الاستخبارات السابق عاموس يدلين، كان الاوضح بينهم، ففي تحليله للاوضاع في المنطقة توقَّعَ حرباً ثالثة مع لبنان وعملية عسكرية قريبة في غزة. اما ايهود باراك، فعلى رغم ان القيادة الاسرائيلية كانت قد أعلنت عند سقوط صواريخ الكاتيوشا الأربع على شمال البلاد أنها على قناعة بأن حزب الله لا يقف وراء هذه العملية، فقد اختار باراك أن يتكلم في الوقت الذي كان يتحدث فيه نصر الله امام جمهوره، فأعلن ان بلاده ترى ان الدولة اللبنانية مسؤولة عن إطلاق الصواريخ، ثم بعدها حزب الله. وقال إن في لبنان مشاكل داخلية كثيرة تحدث، وفي المقابل يتدرب جيشه على مختلف السيناريوات المتوقعة في ظل التطورات الاخيرة.
ولم يفصل باراك بين حزب الله وسورية، بل جعل الطرفين ملفاً واحداً، فالإسرائيليون يرسمون اليوم مخططاتهم العسكرية والسيناريوات المتوقعة انطلاقاً من ان سورية ولبنان وايران وحزب الله سيتحولون جبهة واحدة في حال تصعيد حربي، وأن سورية بالنسبة للاسرائيليين ستكون نقطة الانطلاق، ووفق ما ستنتهي اليه الاحداث الداخلية سيرتسم مستقبل المنطقة.
سقوط الرئيس السوري بشار الاسد امر حتمي ومسالة وقت، وفق باراك، ورغبة اسرائيل اليوم، كما يُفهم من تصريحاته، هي أن يسقط الأسد، لان ذلك سيُضعف حزب الله وايران على حد سواء.
جولة باراك في الجولان السوري المحتل وإشرافه على تدريبات عسكرية لوحدات القوات المدرعة في الجيش «لواء جولاني» جاءت بشكل مفاجئ، لكن هناك من فسَّرها بأنها تظاهرة رد بها على قيام سورية قبل بضعة أيام بإجراء تدريبات على اطلاق صواريخ متوسطة وبعيدة المدى. وأراد باراك ان يطلق رسائله الى سورية من اقرب نقطة، ليعلن ان بلاده لا تخشى مثل هذه التدريبات، بل ترى فيها «مؤشر ضعف وضائقة يواجهها النظام في سورية». هذه التصريحات ترافقت مع كشف أهداف التدريبات: «احتلال بلدات لبنانية في الجنوب وأخرى سورية». ثم أعلن وزير الجبهة الداخلية متان فلنائي، عن نيته نصب بطارية «القبة الحديدية» لمواجهة صواريخ يحتمل ان تطلق باتجاه مدينة حيفا، خشية اصابة مصانع تكرير البترول في المدينة.
السيناريو الابرز الذي تتخوف منه اسرائيل وتستعد مختلف الاجهزة الامنية والعسكرية له، هو حصول تدهور سريع في سورية يهدد مكانة الاسد، ما يدفعه الى إخراج أزمته الداخلية نحو اسرائيل في قصف صاروخي يائس يشعل المنطقة برمتها. فينضم حزب الله من الشمال الى جانب سورية، وحماس من الجنوب. هذا السيناريو لا يستبعده سياسيون وعسكريون وامنيون، وأيضاً خبراء في اسرائيل. وهذا ما دفع رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بعد ساعات من اجراء التدريبات العسكرية في سورية الى استغلال إحياء ذكرى مؤسس الدولة العبرية ديفيد بن غوريون، والتلميح الى ان بلاده لا تقبل استمرار أي تهديد لأمنها ووجودها، ليس فقط من ايران، انما ايضا من سورية. ورد على الدعوات الاميركية والاوروبية بعدم تنفيذ عملية عسكرية ضد ايران من دون تنسيق مع واشنطن، بالتذكير بتجربة بن غوريون، لجهة صموده امام الضغوط واتخاذ القرار الصحيح بإقامة الدولة العبرية، مشدداً على انه «لولا قرار بن غوريون واصراره على حق اليهود لما اقيمت دولة يهودية مستقلة».
حديث نتانياهو هذا اعتبره مسؤولون امنيون سابقون مؤشراً لاقتراب تصعيد امني في المنطقة في مقابل التحركات الاميركية والاوروبية للتنسيق في كيفية التعامل مع الملف السوري.
وقد زار اسرائيل مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فلتمان، ونقل عن مسؤولين اطلعوا على تفاصيل لقاءاته مع القيادة الاسرائيلية انه أطلع الجانب الاسرائيلي على ما تخطط له الولايات المتحدة ودول غربية من تصعيد للضغوط الاقتصادية والسياسية والعسكرية ايضاً على النظام السوري لإسقاطه.
ضرب إيران يساوي حرباً شاملة
خلافاً للاجواء التي اثارتها القيادة السياسية الاسرائيلية على مدار السنوات الثلاث، وكان يهيمن عليها استعراض العضلات العسكرية واطلاق التهديدات بتدمير كل من يهدد امن الدولة العبرية وكيانها، فان التطورات التي تشهدها المنطقة تجعل كل تهديد يطلق اليوم حدثاً خطيراً وكل استعداد أو تدريب عسكري أو حشد للقوات، بمثابة اجراء يسهل تحويله صداماً مباشراً.
ففي اسرائيل، يزداد القلق لدى جهات عدة من عسكريين وامنيين وسياسيين واعلاميين، من ان ينجح رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزير دفاعه ايهود باراك في جر الجيش إلى توجيه ضربة الى ايران تجر المنطقة الى حرب شاملة. هذا التخوف دفع الى تحذير القيادة من ان المخاطر التي تهدد وجود الدولة العبرية لا تقتصر فقط على قنبلة نووية من ايران او تهديد مستمر من حزب الله وسورية. ايتان هابر، الذي تولى في السابق منصب مدير عام رئاسة الوزراء في زمن اسحق رابين، رأى ان الربيع العربي والتهديد الديموغرافي عاملان خطران يهددان وجود اسرائيل الى جانب الجهود المبذولة في المنطقة لنزع الشرعية عن الدولة العبرية.
ويقول هابر انه على رغم أن الاحداث هي في كل دولة عربية الا ان نتائجها ستصل حتى حدود الدولة العبرية، فالنتائج الاولية للانتخابات في مصر تشير الى ان قوى اسلامية راديكالية ستحكم الدول العربية، خاصة تلك التي تعلن فيها جهات عدوة كراهيتها للدولة العبرية ورغبتها في القضاء عليها. وهذا الوضع سيؤدي الى محاصرة اسرائيل بطوق من الدول المعادية التي تحكمها تنظيمات لا تعترف باسرائيل.
ويضيف: «الاجواء التي تسود البلدان العربية قد تمس باتفاقات السلام مع مصر والاردن. والغاء السلام مع هاتين الدولتين يعني وقف التعاون الاقتصادي والامني ليس فقط مع مصر والاردن انما مع الفلسطينيين ايضاً، وبذلك تكتمل محاصرة اسرائيل حتى من المناطق القريبة جداً منها. وسيضعها هذا الواقع تحت حصار اسلامي متطرف يشتد شيئاً فشيئاً، ما يلزم القيادة الاسرائيلية جعل اسرائيل في حال تاهب ويقظة، وهذا يعني زيادة الانفاق العسكري والامني. وزيادة كهذه ستكون على حساب المواطنين وحياتهم اليومية».
وحول الرغبة في نزع الشرعية عن اسرائيل يقول هابر: «ان التطورات السياسية التي شهدتها عدة دول عربية في السنوات الاخيرة، بينها دول تعتبر صديقة لاسرائيل، وبرزت فيها الجهود لنزع الشرعية عن اسرائيل، من شانها خلق مصاعب في مختلف مجالات الحياة في اسرائيل، خاصة الاقتصاد والأكاديميا وغيرهما». ويحذر هابر من ان الرابح في هذه المعركة هم العرب، حيث يحققون نجاحات في جهودهم، وهذا يشجعهم على الاستمرار في نشاطات نزع الشرعية عن اسرائيل، فيما القيادة الاسرائيلية لا تملك الرد على هذه الجهود.
اما العنصر الثالث الذي قد يؤدي الى القضاء على اسرائيل، وفق إيهود باراك (أ ف ب).jpg هابر، فيكمن في الخارطة الديموغرافية لدى الفلسطينيين والدول العربية المحيطة. ويدرج هابر ما يقلقه من ارقام متصاعدة لهذا الخطر. فيورد ضمن ما يورده ان عدد المصريين يصل حتى 84 مليوناً، فيما كان العدد عند توقيع اتفاق السلام مع الرئيس انور السادات لا يتجاوز 32 مليوناً، ويستخلص مما اورده تحذيراً للاسرائيليين من ان الوضع الامني والسياسي في المنطقة والتطورات في الدول المحيطة في اسرائيل لا تحتاج الى قوى عسكرية كبيرة للجيش الاسرائيلي، انما تحتاج لما اسماه هابر» رئيس اركان جيش ابيض»، أي قائد سياسي يتمتع بتفكير يختلف عما يفكر به نتانياهو ومن حوله وبطريقة ابداعية في مواجهة هذه المخاطر.
وهابر ليس وحيداً في هذا الموقف. وهناك من يقول إن رأيه يسود حتى في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية وأجهزة الاستخبارات.
الحياة، لندن، 9/12/2011
Tags:
0 comments: