Saturday, January 7, 2012

قصة صغيرة


تلميذ بشخصية ضبابية مزدوجة قد عرف الغربة مرتين. واجه نفسه المهزومة ومسك بزمام وجعه ورماه في بحر من النسيان واثق الخطى للتفوق على ذاته أولا.
بالأمس كان على مقاعد الدراسة ولم يكن. أسير الصمت راسبا غير فاشلا بعيونا شريدة  خجولة لا تكترث لكنها دائمة التبصر في المستقبل.التحق بالمدرسة التقنية بعد الأكاديمية منها, فلم يجد نفسه  .
بدأت رحلة لغربة في جوار أسرته صباح العيد. كان كل فرد يجلس مكانه على طاولة الفطور يتبادلون الأحاديث المتفرقةحتى وصل بهم الأمر الى تصنيف أبناء الجيران والأحباب والأصدقاء, وفي نهاية الحوار أنهت والدته كلامها الغير عبثي بتأنيب قاس جارح قصدت فيه هز القوة النائمة في نفسه رغم أنها تفديه روحا وجسدا, لكنها فعلت. فسرعان ما ترك مكانه نحو سريره على وسادته وانكب على البكاء, بكاء طفل شفاف تائه عن ذاته الجليدية بدموع من الازدراء والاحتقار.
حالة ركود الأموات لم تدم طويلاو نهض باكرا وهو ما زال في مراهقته بقناعة رجل قد مر عليه دهر, قرر والتحق في صفوف الشرفاء والأقوياء منهم. غادر الدراسة بمقاعدها ووطن برمته قاسما بحتمية لتفوق واحراز النجاح من النوع الأخر ورحل.
وصل الى مطار أفريقيا السوداء على كل مغترب لبناني قذفته الأقدار في ملاعبها لتسجيل أهدافه كي يعود حائزا على النجاح الذي فوضوه أمالا به. حينها نظر نظرة أخيرة خاطفة الى الوراء وصعد الى السيارة المؤدية به الى المكان. أخذ يتأمل ما يحيط به من مناخ رديء وفقر يكتنفه الجهل والتخلف , ومحال تجارية كبير تعود الى الجالية اللبنانية, ومن أخرى ما زال يصغي الى كلمات والده التي تشدو في أذنيه بضرورة التأقلم بمستجدات حياتياتية بصبر وثبات وايماان بمفرده وارادته دونما شكوى أو تراجع.
اختبر كما أي لبناني الجوع والاحتقار, المرض بالملاريا والوقوع بالفخ, غصة الحنين والاشتياق, الضغوط والاضطرابات النفسية, لكنه تجاوزها.
كرس مراهقته بالعمل المضني, اذ مضى الساعات تلو الساعات, فاكتسب المهارات والحكنة وارتفع أجره وكذلك دخله بعيدا عن التجاوزات الدينية بسلوك قويم لم يرهق الضمير, فنجح التلميذ في الغربة. وها هو قد أصبح على مشارف الوصول بطموح ينهال عليه بعد كل شدة تعطيه درسا في الرجولة وعنوانا جديدا للتحقق من هوية الذات.
بقلم غنى جرجوعي.

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: