أليكس فيشمـان- محلل عسكري
"يديعوت أحرونوت"، 23/3/2012
[الولايات المتحدة وتركيا تجريان مداولات مكثفة بشأن
مصير ترسانة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في سورية]
علمت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن مسؤولين كباراً من أجهزة الأمن في الولايات المتحدة يجرون منذ أسابيع مداولات مكثفة مع قادة أجهزة الأمن في تركيا تتعلق بكيفية منع انتقال ترسانة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية الموجودة في حيازة النظام السوري إلى يد عناصر معادية في حال تفاقم أوضاع الفوضى المسيطرة على سورية.
وتشير المعلومات الاستخباراتية الموجودة في حيازة الولايات المتحدة إلى أن ترسانة الأسلحة غير التقليدية لدى سورية مخزنة في الوقت الحالي في 20 منشأة عسكرية داخل الأراضي السورية، وإلى أن نظام بشار الأسد يملك إحدى أكبر ترسانات الأسلحة الكيماوية في العالم أجمع. وبناء على ذلك ثمة تخوفات لدى وزارة الدفاع الأميركية ولدى دول حلف شمال الأطلسي [الناتو] من أن تؤدي الفوضى الآخذة في التفاقم داخل سورية إلى أن يفقد هذا النظام السيطرة على تلك المنشآت، وإلى انتقال الأسلحة والوسائل القتالية فيها إلى يد منظمات "إرهابية".
وقد اندلعت خلال الأشهر القليلة الفائتة معارك عنيفة بالقرب من عدة قواعد صاروخية تابعة للجيش السوري بين جنود هذا الجيش وبين المتمردين، لكن حتى الآن لم تصل أي تقارير استخباراتية تفيد بحدوث محاولات تهدف إلى اختراق المنشآت التي يتم الاحتفاظ بالأسلحة غير التقليدية فيها.
في الوقت نفسه تعهدت أجهزة الاستخبارات التركية أمام الأميركيين بأن تتولى مهمة منع وصول الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية إلى يد منظمات "إرهابية" في حال انهيار النظام في دمشق.
ولا شك في أن هذه المداولات بين كبار المسؤولين الأمنيين في كل من الولايات المتحدة وتركيا تشكل دليلاً على استئناف التقارب بين الدولتين في ظل الأزمة التي تعصف بسورية وأحداث "الربيع العربي". وقالت مصادر رفيعة المستوى في الإدارة الأميركية إن هذه المداولات تناولت أيضاَ إمكان اللجوء إلى استعمال القوة لإسقاط نظام الأسد وإيقاف أعمال القتل التي يرتكبها ضد أبناء شعبه، وإمكان سماح تركيا لطائرات حلف الناتو بالإقلاع من مطاراتها للقيام بمهمات إنسانية أو عسكرية داخل الأراضي السورية.
على صعيد آخر قالت مصادر رفيعة المستوى في الجيش الإسرائيلي أنها لاحظت في الآونة الأخيرة أن هناك تراجعاً كبيراً في قدرة الجيش السوري على السيطرة على الأراضي المحاذية لمنطقة الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان، وأكدت أن هذا الأمر يثير قلقاً شديداً لدى قيادة الجيش والمؤسسة الأمنية في إسرائيل.
نفتالي بنيت - رئيس الطاقم السياسي لبنيامين نتنياهو
2006-2008، ومدير عام سابق لمجلس يهودا والسامرة
"هآرتس"، 27/3/201
[يجب عدم التفريق بين لبنان وحزب الله
في حال مشاركة الحزب في الرد
على هجوم إسرائيلي على إيران]
يتخوف الكثيرون من الرد المحتمل على هجوم الإسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. وعندما نمعن النظر في هذه المسألة يتبين لنا أن الرد الأكثر خطورة سيأتي تحديداً من جانب حزب الله.
حتى الآن لا يبدو أن مصر ترغب في الدخول في مواجهة مع إسرائيل أو أنها قادرة على ذلك. من ناحية أخرى فإن دولة إسرائيل محصنة جيداً في مواجهة الصواريخ التي قد تطلقها حركة "حماس"، كما أنه ليس من المتوقع أن يرد الأردن أو العراق على ضربة إسرائيلية لإيران.
أما فيما يتعلق بسورية فإن عدم الاستقرار يجعل من الصعب توقع رد فعلها علينا، إذ من المحتمل أن يقرر بشار الأسد إطلاق صواريخه على إسرائيل رغبة منه في توحيد صفوف الشعب السوري في وجه العدو الصهيوني، وكي يتحدث عنه التاريخ بوصفه بطلاً عربياً قومياً، من المحتمل أن يمتنع من ذلك لأنه يدرك أن أي قصف مباشر للمدن الإسرائيلية سيؤدي إلى رد قاس على دمشق.
أما بالنسبة لإيران فإن قدرتها على مهاجمة إيران مباشرة محدودة، فهي تملك بضعة مئات من الصواريخ تستطيع إسرائيل أن تعترض عدداً كبيراً منها. يدل هذا كله على أن حزب الله هو الذي يمثل الخطر الحقيقي.
منذ أكثر من خمسة أعوام وحزب الله يستخف بقرار مجلس الأمن 1701 الذي يتضمن منع إعادة تسليح الحزب. وقد نجح حزب الله حتى الآن بتهريب أكثر من 45 ألف صاروخ إلى جنوب لبنان موزعة على آلاف المواقع وفي إمكانها الوصول إلى وسط إسرائيل بالإضافة إلى شمالها. كما في إمكان الحزب أن يقصف يومياً إسرائيل بمئات الصواريخ ولمدة طويلة من الزمن، الأمر الذي يشكل خطراً استراتيجياً.
يدخل الجزء الأكبر من صواريخ حزب الله ضمن إطار الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي عليها. ومن أجل مواجهة هذا الخطر يتعين على إسرائيل أن توضح بأنها لا تفرق بين حزب الله ولبنان، فالحزب هو لبنان ولبنان هو الحزب، لا سيما وأن حزب الله قد درج على وضع مسافة بينه وبين الدولة اللبنانية من أجل تحصين نفسه، وتحديد قواعد اللعبة.
إن أهم الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبتها إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية هي تلك التي وقعت خلال الساعات الأولى للحرب والتي لا علاقة لها بتعبئة الاحتياطيين ولا بسير العملية البرية ولا بتخبط القيادة العسكرية، وإنما تلك المتعلقة بموافقة إيهود أولمرت [رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك] على الطلب الأميركي بعدم مهاجمة الحكومة اللبنانية التي كانت حينها برئاسة فؤاد السنيورة، وتحييد مؤسسات الحكم، وتركيز الهجوم على حزب الله. وقد أدى ذلك إلى حسم مصير الحرب، لا سيما في ظل استحالة القضاء عسكرياً على آلاف مطلقي الصواريخ الذين كانوا يتنقلون وسط المنازل من دون إلحاق الأذى الكبير بالمدنيين.
إن الأوامر العسكرية التي تقضي بالرد على إطلاق الصواريخ من دون إلحاق الأذى بالمدنيين هي أوامر غير ممكنة التطبيق. كما لا يمكن ضرب حزب الله من دون الربط بينه وبين الدولة والمدنيين الذين يتحرك بينهم. قد يكون صحيحاً أن الحزب يحظى بتأييد اللبنانيين، وأنه من دون هذا التأييد يفقد الكثير من قوته. لكن من جهة أخرى فإن اللبنانيين لا يرغبون بأن تتعرض دولتهم وحياتهم إلى الخطر بسبب النزاع بين إسرائيل وإيران.
لذا المطلوب من إسرائيل من أجل مواجهة الخطر من الشمال القيام بثلاثة أمور: أولاً، ينبغي أن توضح بأن إطلاق الصواريخ عليها من لبنان هو بمثابة إعلان الدولة اللبنانية الحرب على دولة إسرائيل، وأن إسرائيل لن تميز بين حزب الله وبين لبنان، لا سيما وأن 18 وزيراً في الحكومة اللبنانية الحالية من أصل 30 ينتمون إلى الحزب.
ثانياً، على إسرائيل أن توضح أن أي إطلاق لصواريخ من لبنان عليها سيؤدي إلى ضرب البنية التحتية في لبنان: محطات توليد الطاقة، الطرق، المطارات، الجسور، ومؤسسات الحكم.
ثالثاً، على المستوى التكتيكي، يجب أن نوضح أن أي بيت تُطلق منه الصواريخ سيهدم، وسيتحمل صاحب البيت، وليس إسرائيل، مسؤولية سلامة منزله. إذ لا يمكن لأنصار الحزب أن يهاجموا إسرائيل وأن ينعموا بالحماية كمدنيين لبنانيين. إن هذه العقيدة القتالية هي التي ستمنحنا القدرة على حسم الحرب القادمة وربما أيضاً هي التي ستمنع وقوعها.
[تقرير جديد للكونغرس: أي هجوم عسكري إسرائيلي على إيران
سيؤدي إلى عرقلة برنامجها النووي نصف عام فقط]
"يديعوت أحرونوت"، 29/3/2012
قال تقرير جديد صادر عن هيئة الأبحاث في الكونغرس في الولايات المتحدة، وكُشف النقاب عنه أمس (الأربعاء) عبر الموقع الإلكتروني التابع لوكالة "بلومبرغ"، إن توزيع منشآت إنتاج أجهزة الطرد المركزية لتخصيب اليورانيوم في شتى أنحاء إيران يضاعف العراقيل أمام إمكان شن أي عملية عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وأكد أن هذا الأمر لا يحظى باهتمام كبير في إسرائيل والعالم كافة وذلك على الرغم من أهميته الفائقة بالنسبة إلى النتائج المتوقعة من شن عملية كهذه.
وشدد التقرير على أن أي هجوم عسكري ستعمد إسرائيل إلى شنه على المنشآت النووية في إيران لن يكون في إمكانه سوى عرقلة برنامجها النووي نصف عام فقط.
ويتطرق التقرير إلى القدرات العسكرية التي تملكها إسرائيل والتي من المتوقع أن تستعملها في حال شن هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، ولا سيما الصواريخ المتطورة والطائرات المقاتلة وطائرات تزويد الوقود.
كما يتطرق إلى ردات الفعل الإيرانية المحتملة في حال تعرض منشآتها النووية لهجوم عسكري، وإلى القدرات العسكرية المتعددة الموجودة في حيازتها، ويشير في هذا الشأن تحديداً إلى احتمال أن تكون إحدى ردات الفعل هذه هي التعرض لأهداف أميركية في شتى أنحاء العالم.
من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة "معاريف" (29/3/2012) أن استطلاعاً جديداً للرأي العام أجري بين الإسرائيليين والفلسطينيين أشار إلى أن 69٪ من الإسرائيليين يؤيدون شن هجوم عسكري على المنشآت النووية في إيران فقط بالتعاون مع الولايات المتحدة، بينما انخفضت نسبة الإسرائيليين الذين يؤيدون شن هجوم كهذا من دون مساعدة الولايات المتحدة إلى 42٪.
وقد أشرف على إجراء هذا الاستطلاع كل من قسم الاتصال في الجامعة العبرية في القدس، ومعهد السياسات وأبحاث الرأي العام في رام الله، وأكد 73٪ من الإسرائيليين و85٪ من الفلسطينيين الذين اشتركوا فيه أن شن هجوم عسكري إسرائيلي على إيران سيؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية كبرى.
على صعيد آخر، بيّن هذا الاستطلاع أن نحو ثلثي الإسرائيليين والفلسطينيين يعتقدون أنه لن تُقام دولة فلسطينية في غضون الأعوام الخمسة المقبلة. كما بيّن أن 68٪ من الإسرائيليين يعارضون مطلب الفلسطينيين أن تلتزم إسرائيل الانسحاب إلى حدود 1967 مع تبادل أراض متفق عليها، بينما يعارض 58٪ من الفلسطينيين استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من دون شروط مسبقة.
[الجيش الإسرائيلي يقررمضاعفةكميةصواريخ"القبةالحديدية"
التي في حيازته استعداداً للمواجهات العسكرية المقبلة]
"معاريف"، 26/3/2012
علمت صحيفة "معاريف" أن الجيش الإسرائيلي قرر أن يضاعف كمية صواريخ منظومة "القبة الحديدية" [المضادة للصواريخ قصيرة المدى] الموجودة في حيازته، وذلك كي يكون على أتم استعداد لمواجهة احتمال تعرّض إسرائيل لقصف صاروخي مكثف في أي جولة مواجهة عسكرية مقبلة.
وجاء هذا القرار في إثر النجاح الكبير الذي أحرزته منظومة "القبة الحديدية" خلال جولة المواجهة العسكرية الأخيرة بين إسرائيل وعدة فصائل فلسطينية في قطاع غزة، إذ إنها نجحت في أن تسقط 59 صاروخاً تم إطلاقها من القطاع على مدن بئر السبع وأسدود وعسقلان، وبذا حالت دون سقوط ضحايا كثيرة.
وقال مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى للصحيفة إنه يجب الحفاظ على هذا النجاح والاستعداد لأي جولات تصعيد محتملة في المستقبل، وأساساً يجب الاستعداد لإمكان أن تكون هذه الجولات أطول من الجولة الأخيرة، الأمر الذي يستلزم التزود بكمية كبيرة من صواريخ "القبة الحديدية".
وأشارت مصادر أمنية رفيعة المستوى أخرى إلى أنه في الوقت نفسه تجري في المؤسسة الأمنية دراسة إمكان الاكتفاء بإطلاق صاروخ واحد من هذه المنظومة ضد كل صاروخ يُطلق على إسرائيل، بينما جرى حتى الآن إطلاق صاروخين رداً على كل صاروخ، وفي حال تحقق ذلك يمكن خفض كلفة هذه الصواريخ كثيراً.
تجدر الإشارة إلى أن كلفة كل صاروخ تطلقه منظومة "القبة الحديدية" تبلغ 315 ألف شيكل. وقد وصلت كلفة تشغيل هذه المنظومة خلال جولة التصعيد الأخيرة مع قطاع غزة إلى 18,3 مليون شيكل.
مارل هيلر
تطرح جولة القتال الأخيرة، التي جرت دون حسم على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، بضعة انطباعات بالنسبة للنتيجة وبالنسبة للآثار المحتملة في المستقبل.
قبة حديدية
اجتازت منظومة قبة حديدية لاعتراض الصواريخ، التي أنتجتها إسرائيل، المرحلة التنفيذية الاولى لها، وقطفت عدة نجاحات مثيرة للانطباع. فقد نجحت المنظومة في أن تميز بين الصواريخ المتوقع سقوطها في المناطق المفتوحة وبين الصواريخ الموجهة للمناطق المأهولة، والامتناع عن اضاعة المقدرات على اعتراض صواريخ من النوع الاول، في ظل اعتراض نحو ثمانين في المائة من الصواريخ من النوع الثاني. وكنتيجة لذلك، منع بلا ريب وقوع قتلى وجرحى إسرائيليين كثيرين كما منع حدوث ضرر كبير بالاملاك. تعطي هذه النتيجة مفعولا للمنطق الاقتصادي، الذي يقف خلف المشروع، رغم الفارق الكبير بين الكلفة المتدنية للصواريخ والمقذوفات الصاروخية التي تطلق من قطاع غزة وبين كلفة الصواريخ التي تعترضها من إسرائيل لإبادتها.
ولكن رغم هذه النجاحات فإن قبة حديدية "لا تغير قواعد اللعب" وذلك لأن معدل الاخفاق في الاعتراض بقي قرابة 20 في المائة، والاخطارات باطلاق الصواريخ التي وجهت نحو إسرائيل بعثت مع ذلك بالسكان المدنيين الى الملاجئ، وألزمت السلطات بالغاء الاحتفالات العامة واغلاق المدارس وكذا شل الاهالي القلقين في بيوتهم. إذا لم يكن الدفاع الفاعل ناجعاً مائة في المائة، فانه لن يلغي الحاجة الى الدفاع السلبي، ولن يمنع التشويش الكبير في نمط الحياة في المناطق التي تقع في مدى الصواريخ. كما أنه لن يعفي الحكومة من الحاجة الى اتخاذ قرارات استراتيجية بالغة الوزن كانت تفضل الامتناع عنها. لقد كانت هذه هي النتيجة هذه المرة، ليس لأن قبة حديدة دمرت 80 في المائة من الصواريخ التي اطلقت نحو دولة إسرائيل، بل بسبب حقيقة ان 20 في المائة من الصواريخ المطلقة التي نجحت في التسلل لم تسقط في مناطق مأهولة. بتعبير آخر، الحظ وحده وقف بين عدم استعداد الحكومة للشروع في تصعيد بحجم واسع وبين الضغط الداخلي الذي لا يمكن الصمود أمامه لعمل ذلك.
معدل نجاح 80 في المائة لا يكفي لإقناع مطلقي الصواريخ من قطاع غزة بانه لا معنى لمواصلة هذه الأعمال (أو تجربة ذلك مرة اخرى في مناسبة اخرى). مثلما لا تلغي "قبة حديدية" الحاجة الى الدفاع السلبي، فانها أيضاً لا توفر ردعا وقائيا. توقفت الهجمات الصاروخية الفلسطينية هذه المرة (وربما تمنع في المرة التالية) فقط من خلال نشاط هجومي يقتل – أو يهدد بالقتل – المشاركين مباشرة في تنفيذ اطلاق الصواريخ هذه، التي تهدد بمس حياة جمهور الناخبين ذي الصلة – الجمهور الفلسطيني. بتعبير آخر، فإن الافتراض/الردع من خلال العقاب يبقى الدافع السائد في هذا الخطاب. في الجولة الاخيرة، ابقت إسرائيل على تهديد ذي مصداقية بالتصعيد، كونه لم يلحق ضررا كثيفا أو مسا بحياة الانسان في أوساط السكان المدنيين الفلسطينيين، ولأن الانتباه الدولي كان موجها للساحة السورية والساحة الايرانية. هذه الملابسات من شأنها أن تتغير في الجولة القادمة.
مصر في دور الوسيط
حتى لو كانت نشاطات إسرائيل تدفع اولئك النشطاء في أوساط الفلسطينيين، المشاركين في اطلاق الصواريخ للوصول الى الاستنتاج بانه حان الوقت لوقف الاعمال العدائية، مطلوب نوع معين من الاتصال لتحقيق فهم بالنسبة لموعد وشروط وقف النار. في الجولة الأخيرة، مثلما في الماضي، الوسيط الوحيد الذي كان يمكن الاستعانة به في هذا الموضوع، كان المؤسسة الأمنية المصرية. وقد عمل المصريون مثلما عملوا في ضوء الفهم بان استمرار القتال وتصعيده المحتمل لا يخدم مصالحهم. ومع ذلك، في ضوء عدم الاستقرار السياسي في مصر توجد إمكانية ألا تتمكن المؤسسة الأمنية المصرية من مواصلة أداء هذا الدور في المستقبل، حتى لو لم تطرأ تغييرات على مفهومها الفكري.
يزمع إجراء انتخابات الرئاسة في مصر في ايار 2012، مع جولة اخرى (وبقدر الحاجة) في الشهر التالي لذلك. خلافا للماضي، لن يكون ممكنا التنبؤ مسبقا ماذا ستكون نتائج هذه الانتخابات. والاهم من ذلك، فان دستورا مصريا جديدا لم يعد بعد، حجم صلاحيات الرئيس لا تزال غير واضحة، وبالتالي ليس واضحا ما الذي سيكون عليه ميزان القوى بين الرئيس، البرلمان، والقوات المسلحة. يتوقع معظم المراقبين بأن تحافظ المؤسسة الأمنية على مكانتها المركزية في نطاق سياسة الخارجية والأمن. كما من غير المتوقع تحييد القوات المسلحة سريعاً مثلما حصل في تركيا في السنوات الاخيرة. اضافة الى ذلك توجد امكانية في أن رئيسا اسلاميا أو ناصريا/قوميا، الى جانب برلمان يسيطر عليه اسلاميون، سيعززان المفهوم الذي بموجبه فإن الدور الصحيح لمصر في جولة نزاع مستقبلية، مصدره في غزة، لن يكون التشجيع على وقف النار، بل دعم المحافل الإسلامية في غزة.
من يقرر جدول الأعمال؟
رغم حقيقة ان "حماس" تسيطر عمليا على غزة منذ العام 2007، فليست "حماس" هي التي أملت الأحداث الاخيرة، بالذات "الجهاد الاسلامي" الفلسطيني ولجان المقاومة الشعبية، فـ "حماس" ليس فقط لا تبادر الى هجمات صاروخية بل وأيدت علنا العودة السريعة الى الهدوء. ولكن بينما لم يكن لـ "حماس" عذبات ضمير على قمع "فتح" بكل وسيلة ممكنة، لم تبد استعدادا للتعاطي بذات الشكل مع "الجهاد الاسلامي" الفلسطيني او لجان المقاومة الشعبية، ولهذا ففي هذه الجولة ن اختطفوا جدول الاعمال العام وفعلوا لـ "حماس" ما فعلته هي على مدى سنوات عديدة لـ "فتح" (وما فعله "حزب الله" للبنان في العام 2006).
توجد دينامية سياسية واضحة في اوضاع النزاع غير القابل للحل، تمنح شرعية لخطاب وعمل يعظمان عنصر المواجهة. هذا الوضع يضع المتحملين لعبء الحكم في موقف غير مريح وحتى متعذر في كل ما يتعلق باتخاذ وسائل حادة تجاه اولئك الاكثر حرية في العمل استنادا الى ميولهم الايديولوجية بالنسبة لإسرائيل ولا يكلفون نفسهم عناء زائدا بالانشغال بالآثار الواسعة لموقفهم. لم تساوم "حماس" أبدا على موقفها الايديولوجي "المتطرف"، ولكن الظروف التي تعمل فيها فرضت عليها احيانا اظهار قدر معين من البرغماتية في سلوكها (بسببها تلقت الانتقادات المهينة من جانب أيمن الظواهري، زعيم "القاعدة"). ولهذا فقد سقطت ضحية، وان كان حتى الان بقدر ضيق، لظاهرة معروفة عن المتطرفين الذين يؤدي لقاؤهم بالواقع الى تلطيف مواقفهم، ويمنحهم تفوقا على المتطرفين الاخرين من النوع الاكثر نقاء. اذا ما وافقت "الجهاد الاسلامي" ولجان المقاومة الشعبية على وقف النار مع إسرائيل في أحيان قريبة أو على مدى زمني طويل، فبانتظارهم مصير مشابه.عن "مباط عليا
الأيام، رام الله، 23/3/2012
1. العملية البرية في غزة..المخاطر والفرص
د. عدنان أبو عامر
مع نهاية الجولة القتالية الأخيرة في قطاع غزة تلقى الفلسطينيون والإسرائيليون رسالة مفادها أنه بعد عدة أيامٍ من القتال يجب وقف النار، حتى المرة المقبلة، رغم أن كليهما شعر بتحقيق الانتصار، انتظاراً للجولة القادمة، في ظل أن التوصّل لاتفاق تسوية مع المنظمات المسلحة ليس له فرصة في المدى المنظور، لكن الأمر الوحيد المطلوب هو إزالة تهديد الصواريخ فوق مستوطنات الجنوب.
ولذلك رأينا وسمعنا وقرأنا جملة انتقادات موجهة للقيادة العسكرية الإسرائيلية لأنها لم تختم أيام القتال الأخيرة دون استهداف مقرات القيادة في غزة، كالمؤسسات الحكومية والبنى التحتية، لأنه في مثل هذه الحالة ستكون الرسالة أوضح بكثير، وإذا لم تستوعب (تل أبيب) هذا الأمر، فسيكون محكوماً عليها بالكثير من جولات القتل والبكاء.
أكثر من ذلك، فقد أظهرت الجولة الأخيرة من المواجهة في غزة أن (إسرائيل) تتصرف في الشرق الأوسط كدولة ذات أيد مقيدة، تفتقر لمصادقة خارجية من أجل البقاء، ما يعني أن وجودها سيكون منوطاً بعلامة استفهام، ما دام أنها تُعدّ ضعيفة ومترددة، لأن "التردد" يشعل نار الصواريخ، التي تُوجهها ضد مرة تلو أخرى المنظمات الفلسطينية.
ورغم أن الأجواء السائدة في محافل صنع القرار الإسرائيلي تزعم أن ما حدث في الأيام الأخيرة هو انتصار ميداني، لكنه لا يزال بعيداً أن يكون ضربة قاضية، ولذلك سرت دعوات متكررة من أوساط بحثية وتحليلية في (إسرائيل) مفادها ضرورة ألا يكون الرد القادم على ضرب الصواريخ موزوناً، بل يجب أن تبين بالردع القوي استحالة الصبر على ذلك، وأن تعمل على كسب تأييد العالم لموقفها.
لذا ، فإن الحكومة الإسرائيلية تبدو مطالبة بأن تستعد لاتخاذ قرار بالذهاب نحو عملية كاسحة لردع المسلحين الفلسطينيين، بحيث يخشون إطلاق صاروخ واحد فقط، وإلا حكمت على نفسها بأن تشارك في حرب استنزاف جديدة، وبأن تُدمر حياة عدد يزداد من سكانها، وإن النتيجة الحتمية لعدم وجود رد قاطع تعني أن تعاود في المستقبل جولة عنف أخرى، لكن ذلك سيحدث هذه المرة بعد أن يفضي واحد من مئات الصواريخ إلى كارثة "مأساوية" يقع فيها مصابون كثيرون.
• المعادلة الخطيرة
ورغم أن المحافل العسكرية في قيادة المنطقة الجنوبية تحذر صباح مساء من التورط فيما تسميه "وحل غزة"، لكنها تعتقد في الوقت ذاته أن توجيه العمليات المعادية للخارج أنشأ وضعا لا مناص معه سوى أن تضرب (تل أبيب) قادة المنظمات الفلسطينية، لأنه أحدث معادلة خطيرة يتم معها بعد كل اغتيال مسئول كبير من غزة إطلاق واسع النطاق يجعل مليون إسرائيلي رهائن.
ولهذا، ترى ذات الأوساط ضرورة تحديد هدف العملية البرية، والانجاز المطلوب منها، والنظام الذي سيفضي لإنهائها، بشروط تريح (إسرائيل)، وتمنع الانجرار إلى غرق جديد في وحل غزة، والأهم من ذلك إنشاء قاعدة تأييد دولي وتفهم لضرورة هذه العملية، من خلال أخذها بعين الاعتبار الانتخابات في الولايات المتحدة، وحساسية نظام الحكم في مصر، وخطر صرف انتباه العالم عن المذبحة في سوريا، وتأثيرها في العلاقات مع الأردن وتركيا.
مع العلم أن المواجهة الأخيرة، وربما القادمة، ستوقع (تل أبيب) في حيرة حول مدى حرية العمل التي يجرى الحديث عنها، فمن جانب لا تمتلك نوايا للدخول في عملية برية في القطاع، ومن جانب آخر حدث في الأسابيع الأخيرة تآكل خطير في قوة الردع، وقد حذر الجيش من أن المنظمات المسلحة تحاول أن تدفع (إسرائيل) للتعود على "روتين" إطلاق الصواريخ، على غرار الوضع الذي ساد في الجنوب قبل عملية الرصاص المصبوب، وأن الامتناع عن العمل المحدود في الوقت الراهن سيحتم القيام بعملية كبرى في المستقبل.
المهم في الأمر أن دوائر صنع القرار في (إسرائيل) تشعر بأنها مطالبة بأن تحسم الجولة القادمة، رغم أن الأمر قد ينجم عنه ثمن باهظ: سيتم تكثيف النيران، وستشمل للمرة الأولى إطلاق النيران لما وراء بئر السبع وأسدود، وفي هذه الحالة، سيكون فيها مئات الآلاف من الإسرائيليين على خط النار، وسيتطلب الأمر الصعود درجة أخرى في مستوى الرد، رغم أنها تسعى للامتناع عن الدخول في عملية واسعة في القطاع.
فلسطين أون لاين، 25/3/2012
[نتنياهو: لا أنوي تقديم الانتخابات العامة المقبلة]
"هآرتس"، 26/3/2012
قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أنه لا ينوي تقديم موعد الانتخابات العامة المقبلة للكنيست، وأكد أن كل ما نُشر في هذا الشأن في نهاية الأسبوع الفائت خطأ ولا أساس له من الصحة.
وجاءت أقواله هذه في سياق الاجتماع الذي عقده وزراء حزب الليكود صباح أمس (الأحد)، والذي تطرق خلاله أيضاً إلى موضوع عقد المؤتمر العام للحزب مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يُعقد في النصف الثاني من حزيران/ يونيو المقبل. كما دعا الوزراء إلى تقديم اقتراحات من شأنها أن تؤدي إلى تخفيض أسعار المياه والكهرباء والوقود.
وتطرق نتنياهو، خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية الذي عقد في وقت لاحق، إلى اتساع نطاق الإجرام في صفوف عرب إسرائيل، فأشار إلى أنه في الأسبوع الفائت وخلال 24 ساعة فقط تم ارتكاب ثلاث عمليات قتل في الوسط العربي.
وأضاف: إن تقليص حجم الإجرام في الوسط العربي يعتبر هدفاً للحكومة، ويجب أن يكون هدفاً يتم تحقيقه من جانب الدولة. وإنني أقدّر الأصوات التي تعلو من هذا الوسط، وبالذات من جانب قياداته ورؤساء المدن والمواطنين، والتي تطالب بتشديد تطبيق أحكام القانون في البلدات والقرى العربية، وأعتقد أن هذا يشكل تغييراً مهماً في موقفهم، وأرى وجوب أن أضيف إليه دعوة إلى العرب للانخراط في الخدمة المدنية التي يمكن أن تُدمج فيها عمليات تهدف إلى تشديد تطبيق أحكام القانون.
وشدد نتنياهو على أن الوسط العربي يستطيع أن يساعد نفسه في كل ما يتعلق بتشديد تطبيق أحكام القانون أيضا من خلال التطوع في صفوف الخدمة المدنية.
الغد، عمّان، 26/3/2012
باتريك سيل
يروي جان دو لافونتين في إحدى قصصه الخرافية من القرن السابع عشر، حكاية ضفدع يحسد ثوراً بسبب حجمه الكبير. فراح هذا الضفدع يحاول نفخ نفسه ليصبح بحجم الثور إلى أن انفجر. ليس تصرّف إسرائيل حيال الدول المجاورة لها في الشرق الأوسط مختلفاً عن طموحات هذا الضفدع المبالغ فيها. وإذا فشلت إسرائيل في تصويب سياساتها، قد تلقى بلا شكّ المصير نفسه.
إذا ما أخذنا العبرة من هذه القصة في الاعتبار، يمكن تحديد ستة أخطاء استراتيجية فادحة ارتكبتها إسرائيل خلال العقود الأخيرة، علماً أن هذه الأخطاء صارت أكثر فداحة وفرضت خطراً عليها في ظلّ وجود الحكومة اليمينية المتشدّدة برئاسة بنيامين نتانياهو.
والخطأ الأول الذي تتفرّع منه الأخطاء الأخرى هو رفض إسرائيل رفضاً قاطعاً السماح بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة المحاصر. فيتمّ قمع كلّ محاولة للتعبير عن القومية الفلسطينية بما في ذلك الإحياء السلمي لذكرى النكبة التي مُني خلالها الفلسطينيون بهزيمة نكراء وتشتتوا عام 1948. يرى المراقب المستقل أنّ رفض إسرائيل الطموحات القومية التي يعبّر عنها الشعب الفلسطيني الأسير أو تقليص حجم هذه الطموحات باعتبارها مشكلة أمنية يجب معالجتها بقسوة تامّة، يشكّل مثالاً استثنائياً على الجنون السياسي.
وإذا ما تمّ النظر إلى الأمر من وجهة نظر خارجية، من الواضح جداً أنّ قيام دولة فلسطينية صغيرة ومزدهرة إلى جانب دولة إسرائيل سيشكّل منفعة للدولة اليهودية وضمانة لأمنها على المدى الطويل من خلال فتح باب على السلام وعلى إمكان تقبّلها كلياً في المنطقة.
كيف يمكن إذاً تفسير جهود إسرائيل الحثيثة لمنع أي تقدّم في اتجاه قيام دولة فلسطينية؟ يخشى بعض الإسرائيليين من أن يؤدي أي إقرار بالقومية الفلسطينية إلى تقويض شرعية مشروع إسرائيل الوطني الذي بُني على أنقاض فلسطين العربية. والتفسير الأكثر واقعية لهذا الأمر هو تعطش إسرائيل للأراضي. فيعدّ توسيع المستوطنات اليهودية المستمر على الأراضي الفلسطينية المحتلة المترافق مع نية واضحة لإنشاء «إسرائيل الكبرى» خطأ إسرائيل الاستراتيجي الثاني لا سيّما أنها توشك بذلك على وضع حدّ نهائي لأي فرصة لاعتماد حلّ الدولتين.
قبل سنوات، حضّ جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي من عام 1989 لغاية عام 1992 في إدارة جورج بوش الأب، إسرائيل على التخلي عن «حلم إسرائيل الكبرى الذي لا يمكن تحقيقه». إلا أنّ كلماته لم تلق آذاناً صاغية. فيستمر نتانياهو وزملاؤه اليمينيون بالاستيلاء على الأراضي وبتجاهل تنديدات العالم أجمع بما في ذلك حليف إسرائيل الأساسي أميركا.
لقد أدرك عدد كبير من اليهود البارزين مثل البروفسور بيتر بينار، مؤلف كتاب بعنوان «أزمة الصهيونية»، الأخطار الجدية المترتبة على هذه السياسة التوسعية. ونشرت صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون» مقالاً له في 19 آذار (مارس) بعنوان «قاطعوا المستوطنات لإنقاذ إسرائيل». وكتب أنه حان الوقت «لشنّ هجوم معاكس وحملة لتعزيز حدود عام 1967 التي تُبقي الآمال بإنشاء دولة ديموقراطية يهودية إلى جانب الدولة الفلسطينية، حية».
أما الخطأ الاستراتيجي الثالث فهو دعوة نتانياهو الدائمة إلى شنّ حرب على إيران. فهدّد مرات عدّة بشن هجوم على منشآت إيران النووية بغية تفادي خطر حصول ما وصفه بـ «محرقة أخرى». ويبدو أن العبرة المستخلصة من قصة لافونتين تنطبق على هذا الصعيد. إذ يفوق عدد شعب إيران عدد شعب إسرائيل بنسبة عشر مرات فيما تفوق مساحة أراضي إيران الواسعة ومواردها الطبيعية تلك الموجودة في الدولة اليهودية. ما الذي يريده نتانياهو؟ هل يرغب في فرض خطر على أجيال المستقبل في إسرائيل من خلال تحويل الجمهورية الإسلامية إلى «عدو أبدي»؟
يبدو نتانياهو عازماً على القضاء على المحادثات التي تحاول مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون إعادة إحيائها عبر التهديد بشنّ حرب والسعي إلى ابتزاز الولايات المتحدّة للانضمام إلى الجانب الإسرائيلي. وإذا نجح في ذلك، وفي حال اندلاع حرب إقليمية نتيجة ذلك، سيحكم عليه التاريخ بقسوة.
والحقيقة أنّ نتانياهو مستعد للدخول في الحرب وتحمّل كل عواقبها غير المتوقعة ليس لتفادي «الخطر الوجودي» المزعوم وغير الموجود بل لضمان هيمنة إسرائيل العسكرية المستمرة. يبدو أنه يخشى من أن يحدّ تطوير إيران قدراتها النووية من حرية إسرائيل في مهاجمة الدول المجاورة لها متى شاءت. وبدلاً من بناء السلام في الشرق الأوسط على أساس توازن إقليمي للسلطة، الأمر الذي يعدّ حكيماً، يصرّ على السيطرة على الدول المجاورة لإسرائيل بالقوة وبالوسائل العسكرية التي تقدّمها إليه الولايات المتحدّة. ويعدّ هذا الموقف العدائي خطأ إسرائيل الاستراتيجي الرابع.
أما خطأها الاستراتيجي الخامس فهو بلا شك سلوكها القاتل حيال قطاع غزة. لقد بدا ذلك واضحاً عقب اغتيال زهير القيسي، الأمين العام للجان المقاومة الشعبية ورفيقه محمود الحناني، وهو سجين أطلق سراحه أخيراً. وأدى ذلك إلى إطلاق صواريخ من قطاع غزة. وردّت إسرائيل بشنّ غارات جوية أدت إلى مقتل 25 فلسطينياً وجرح نحو مئة شخص مبدية بذلك لامبالاتها التامة بحياة الأشخاص من غير اليهود. ويرى بعض المراقبين أنّ إسرائيل قتلت القيسي من دون رحمة بهدف اختبار فاعلية نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ.
ما الذي يقترح المتشددون في إسرائيل القيام به في شأن قطاع غزة؟ قدّم إفرايم إنبار وماكس سينغر من مركز بيغين-السادات إجابة عن هذا السؤال نُشرت في صحيفة «جيروزالم بوست» في 14 آذار. وفي ما يأتي ملخّص عن التصريحات التي أطلقاها بدم بارد:
«يترتب على إسرائيل الرد على الهجمات الآتية من قطاع غزة عبر شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق. وإن لم يتمّ التحرّك على هذا النحو، فستزداد الهجمات ضد إسرائيل. يعدّ قطاع غزة صغيراً بما فيه الكفاية حتى تتمكن إسرائيل من تدمير معظم بنيته التحتية الإرهابية وقيادات حركة حماس والجهاد الإسلامي والمنظمات الأخرى. يقوم الهدف على اعتماد قدرة الردع والتعبير عن عزم إسرائيل على محاربة القوات الإسلامية البارزة في المنطقة. ومن خلال التحرّك الآن في قطاع غزة، ستقلّص إسرائيل عمليات الثأر من خلال إطلاق الصواريخ إذا شنّت أو حين تشن هجوماً على منشآت إيران النووية. وتبدو الأوضاع السياسية مناسبة بما أنّ حركة حماس منقسمة ومعظم العالم العربي منهمك بالمسائل الداخلية الضاغطة والولايات المتحدّة منشغلة بالحملة الانتخابية». ويشير التعبير عن آراء متشدّدة مماثلة إلى مدى انحراف إسرائيل عن السياسة العقلانية.
وتشير عمليات المسح الجيولوجي التي أكدتها الاكتشافات الأخيرة إلى أنّ شرق المتوسط يحتوي على احتياط غاز طبيعي كبير موجود خارج سواحل إسرائيل ولبنان وسورية وقبرص وغزة. وحين يتمّ تطويره، يمكن أن يغيّر اقتصادات هذه البلدان. وثمة حاجة ملحة إلى التوصّل إلى اتفاقات لترسيم الحدود البحرية من أجل تقاسم هذه الثروات كي يستفيد منها الجميع علماً أنّ ذلك يتطلب اتفاقات سلام.
يبقى أن إخفاق إسرائيل في أن تدرك أن الوقت حان لإحلال السلام وليس لشنّ الحرب هو خطأها الاستراتيجي السادس وربما الأكثر فداحة. ?
الحياة، لندن، 23/3/2012
عرب 48، 22/3/2012
إفرايم أسكوالي - باحث في معهد دراسات الأمن القومي
"مباط عال"، العدد 324، 26/3/2012
[القرار الإيراني بشأن إنتاج السلاح النووي: الاختلافات بين التقديرات الأميركية والإسرائيلية]
أظهرت الصحافة العالمية التطابق في التقديرات بين الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية بشأن القرار الإيراني فيما يتعلق بإنتاج سلاح نووي، إذ يتفق كلاهما على أن القيادة لم تتخذ قرارها بعد بهذا الخصوص، أما الخلاف فيتركز بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بشأن خطورة الوضع. لكن ثمة حقائق أساسية تتعلق بالوضع الحالي للمشروع الإيراني، تستند إلى التقارير الحديثة التي نشرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي:
تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم في أحد المراكز تحت الأرض التابع لمنشأة نتانز، وقد استطاعت حتى الآن تخصيب بضعة أطنان من اليوارنيوم بنسبة 3,5%. ويمكن استخدام هذه الكمية كوقود في المفاعل النووي في بوشهر.
تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة أقل من 10%، وهذه الكميات يمكن استخدامها في مفاعل الأبحاث في طهران.
أقامت إيران منشأة صغيرة ومحصنة جيداً في فوردو بالقرب من مدينة قم لتخصيب اليورانيوم على بنسبة 20% وفقاً لتصريحات الإيرانيين، وربطت إيران مراكز الطرد المركزي لديها بهذه المنشأة.
تبني إيران مفاعلاً للمياه الثقيلة النووية المتوسطة طاقته 40 ميغاوات. ويمكن استخدام هذا المفاعل من أجل إنتاج بلوتونيوم لأغراض عسكرية. لكن تشغيله يتطلب وقتاً طويلاً.
تملك إيران كل المنشآت التي تساعد على إنتاج اليورانيوم المخصب وانتاج الوقود الذري لمفاعلاتها.
من المحتمل أن يكون لدى إيران مشروع باكستاني لصنع القنبلة النووية، وثمة دلائل تشير إلى أن إيران قامت بتجارب و بأنشطة لها صلة بالتخطيط لذلك.
استناداً إلى ما ذُكر، ما هي المدة الزمنية التي تحتاجها إيران لصنع سلاح نووي؟ تتراوح التقديرات المنشورة في هذا الشأن بين فترة قصيرة من الزمن (لا تتعدى بضعة أسابيع)، وبين فترة أشهر وحتى سنة. وفي الواقع إذا استخدمت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب فهي قادرة على إنتاج أربع إلى خمس نويات قنابل نووية.
على الرغم من ذلك، فمن غير الواضح حتى الآن فيما إذا كانت لدى إيران المقدرة على تركيب رأس نووي على صاروخ. كما أن الحكومة الإيرانية لم تعط حتى الآن "الضوء الأخضر" لتخصيب اليوارنيوم بنسبة 20% في منشآتها المصرح عنها والخاضعة للرقابة الدولية.
لا يوجد خلاف بين الاستخبارات الإسرائيلية والأجهزة الاستخباراتية التابعة للحكومات الأخرى بشأن هذه التقديرات. لكن نقطة الخلاف الأولى هي نقطة تقنية تتعلق بالمدة التي تحتاجها إيران لإنتاج قنبلة نووية قابلة للاستخدام. فوفقاً لتقديرات الوكالة القومية للاستخبارات الأميركية سنة 2007، فإن إيران أوقفت العمل في مشروعها سنة 2003، وليس واضحاً ما إذا كانت استأنفت العمل فيه بعد ذلك. لكن من ناحية أخرى من المحتمل أن تكون إيران تمتلك مشروعاً باكستانياً قابلاً للتنفيذ، كما من المحتمل أن تكون قد استأنفت العمل على مشروعها بعد سنة 2007.
بيد أن الخلاف الكبير هو المتعلق بتقديرات خطورة الوضع. فبينما لا خلاف على أن الإيرانيين قادرون خلال وقت قصير على إنتاج اليوارنيوم المخصب على درجة منخفضة لصنع أول نواة لقنبلة نووية في حال صدرت الأوامر بذلك؛ يعتقد الأميركيون أنه ما زال هناك متسع من الوقت للتحرك في حال برزت مؤشرات تدل على ذلك.
ينطوي الأسلوب الأميركي في معالجة الخطر الإيراني على مخاطر كبيرة، نظراً لاستناده إلى احتمالات غير مؤكدة، مثل احتمال نجاح العقوبات، واحتمال ألا يكون الإيرانيون قد استأنفوا تطوير مشروعهم النووي، واحتمال أنهم لا يملكون مشروعاً عملياً لآلية تفجير نووي، واحتمال أن يكتشف العالم المخطط الإيراني في الوقت المناسب، جميعها احتمالات تنطوي على مخاطرة كبيرة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، إلى جانب عدم القدرة على معرفة كيف ستتصرف الولايات المتحدة في حال الوصول إلى نقطة اللاعودة.
بناء على ذلك، فإن الأمر المثير للقلق ليس مسألة عدم اتخاذ إيران قرارها بصنع اليورانيوم المخصب على درجة عالية في منشآتها المعروفة، وإنما المقلق هو ما الذي سنفعله، وهل سيكون هناك متسع من الوقت للقضاء على الخطر عندما سيتضح ذات يوم أن النظام الحالي في إيران بات يملك سلاحاً نووياً.
3. إسرائيليات" -1
جهاد الخازن
ماذا قرأ العرب عن اسرائيل خلال الشهر الماضي؟ التهديد بضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وخطاب بنيامين نتانياهو، وأيضاً باراك اوباما، في المؤتمر السنوي للوبي اسرائيل (ايباك)، والصواريخ من قطاع غزة والاغتيالات الإسرائيلية، خصوصاً استهداف نشاط الجهاد الإسلامي والهدنة الهشّة التالية، وربما أسعار البنزين التي خفّضها بنيامين نتانياهو لوقف انخفاض شعبيته.
هناك أخبار أخرى تستحق القراءة، وسأحاول اليوم وغداً أن أعرض على القراء بعضها متجاوزاً تفاصيل الأخبار السابقة التي أرجّح أن القارئ العربي تابعها.
اخترت ان أبدأ بالرئيس محمود عباس في الدوحة، فاتفاقه مع الأخ خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لـ «حماس»، أثار غضب اسرائيل كلها، حتى ان مجرم الحرب نتانياهو طلب منه ان يختار بين «حماس» وإسرائيل، اي طلب منه ان يختار بين شعبه وعدو شعبه عدو الإنسانية والله وعباده.
ابو مازن قال ان اسرائيل تريد بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الاقصى، وإنها تحاول طمس الصبغة العربية والاسلامية والمسيحية للقدس. وقالت جريدة «اسرائيل هايوم» عن تصريح الرئيس الفلسطيني إن «من الصعب أن ينحطّ الانسان اكثر من ذلك». وأجد أن الانحطاط الحقيقي هو سرقة بلاد من أهلها، وقتل الناس والاحتلال والتدمير بحجة خرافات توراتية وأنبياء كذبة.
عشية زيارة نتانياهو واشنطن، كثر الحديث في الصحف الإسرائيلية عن فوائد تستطيع إسرائيل انتزاعها من واشنطن الى جانب مواجهة البرنامج النووي الايراني، وتوقفت أمام حملة جديدة للإفراج عن الجاسوس المدان جوناثان بولارد الذي سلّم موظفي السفارة الاسرائيلية في واشنطن حقائب ملأى بأسرار رسمية أميركية. الحملة لأعضاء مرتشين في الكونغرس يسمحون لإسرائيل بأن تتجسس على بلادهم، وسياسيين آخرين من نوع وزيري الخارجية السابقين هنري كيسنجر وجورج شولتز. وأقول إن كل من شارك في الحملة جاسوس إسرائيلي بدوره.
كانت هناك حملة أخرى، إلا انها استهدفت القاضي في المحكمة العليا الإسرائيلية سليم جبران، لأن شفتيه بقيتا مغلقتين أثناء أداء النشيد الوطني الإسرائيلي... يعني العصابة تريد من فلسطيني من اهل 1948 أن ينشد كذبة اسرائيل وحقوقها التوراتية في بلاده. الصديق الدكتور أحمد الطيبي هبّ للدفاع عن جبران واتهم مهاجميه بأنهم فاشست.
في المقابل، حارس المواخير الذي اصبح وزير خارجية إسرائيل، افيغدور ليبرمان، هاجم اعضاء الكنيست الفلسطينيين مثل الدكتور الطيبي لأنهم دافعوا عن سجين الجهاد الإسلامي خضر عدنان الذي أضرب عن الطعام حوالى شهرين وخسر 29 كيلوغراماً من وزنه حتى تم الاتفاق على الإفراج عنه. ليبرمان قال ان الذين دافعوا عن خضر عدنان يؤيدون الارهاب، وأقول إن ليبرمان مجبول بالإرهاب والدجل، فهو لاجئ من مولدافا يدّعي حقاً في فلسطين. والآن دخل إضراب هناء شلبي عن الطعام احتجاجاً على اعتقالها شهره الثاني، وكلنا هناء.
عندما يكون الحديث عن إسرائيل، فهناك فضيحة مالية او جنسية كل يوم، وعلى كل المستويات من الرئيس موشي كاتساف المسجون بعد ثبوت اغتصابه مجندة، الى ايهود اولمرت الذي يحاكم في قضية فساد والبقية. ولا يمكن ان تبتعد الفضائح عن نتانياهو وزوجته سارة، وهي مضيفة طائرات سابقة.
هذه المرة استقال ناتان ايشل مدير مكتب رئيس الوزراء، وأحد أقرب معاوني نتانياهو، بعد ثبوت تحرشه بموظفة أشير اليها في المحكمة بالحرف الاول من اسمها «ر»، فقد صورها ايشل سرّاً ووزع صورها وأخبارها على زملاء لهما. واستقال يوعاز هندك، رئيس مديرية المعلومات الوطنية، ولم افهم من الموضوع سوى انه لم يكذب بما يكفي لمجاراة نتانياهو في الكذب، ففقد هذا ثقته فيه. وكان هناك اثنان في طريق الاستقالة هما زفي هاوزر، سكرتير الحكومة، والجنرال يونان لوكر، المسؤول العسكري في الحكومة، والسبب أنهما لم يدافعا
عن ايشل بما يكفي لإنقاذه.
هل يريد القارئ مزيداً من فضائح حكومة نتانياهو في شهر واحد؟ قرأت ان محكمة السلوك في لجنة الخدمة المدنية تحقق حالياً في مخالفات ارتكبها ثلاثة موظفين في مكتب نتانياهو. وغداً قد نعرف هل التهم مالية أم جنسية أم كلتاهما عندما يمثُلون أمام المحاكم؟ وأكمل غداً.
الحياة، لندن، 22/3/2012
آفي ديختـر ينسحب من التنافس
على رئاسة كاديما ويعلن دعم شاؤول موفاز]
"هآرتس"، 23/3/2012
أعلن عضو الكنيست آفي ديختر انسحابه من التنافس على رئاسة حزب كاديما ودعمه لعضو الكنيست شاؤول موفاز، وبناء على ذلك فإن التنافس على هذا المنصب في الانتخابات التمهيدية التي ستجري يوم الثلاثاء المقبل [27 آذار/ مارس 2012] سينحصر بين موفاز وبين رئيسة الحزب الحالية عضو الكنيست تسيبي ليفني.
وجاء إعلان ديختر هذا في مؤتمر صحافي خاص عقده مساء أمس (الخميس)، واشترك فيه عضو الكنيست موفاز.
وقال ديختر أنه قرر الانسحاب كي يعزز فرص موفاز في الفوز برئاسة كاديما، ذلك بأنه الشخص الأنسب لإعادة الحزب إلى مكانته المؤثرة في الحلبة السياسية وفقاً لرؤية مؤسسه أريئيل شارون [رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق].
وكان ديختر قد أشار، لدى إعلانه الشهر الفائت أنه سيتنافس على رئاسة كاديما مع ليفني وموفاز، أنه في حال فوزه سيبدأ على الفور مفاوضات مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تهدف إلى ضم كاديما إلى الحكومة كي يكون مؤثراً في الحياة السياسية.
وتكلم في المؤتمر الصحافي ذاته عضو الكنيست موفاز فقال إن خطوة ديختر تعزز فرصته في الفوز برئاسة كاديما، وشدد على أن فوزه برئاسة كاديما سيعزز فرصة الحزب في تحقيق انتصار على الليكود وزعيمه نتنياهو في الانتخابات العامة المقبلة. وأضاف أنه سيعمل بعد الانتخابات التمهيدية لرئاسة الحزب من أجل الحفاظ على وحدة المعسكرين داخله، سواء فاز بهذه الرئاسة أو لم يفز.
وقال مقربون من عضو الكنيست ليفني إن انضمام ديختر إلى موفاز يشكل دليلاً على إدراك كل منهما أن أعضاء كاديما يفضلون أن تستمر ليفني في تقلد منصب رئيسة الحزب بدلاً من أي شخص.
ثلاثة أعوام على حكومة بنيامين نتنياهو:
النجاحات والإخفاقات]
- بعد مرور ثلاثة أعوام على تشكيل حكومة نتنياهو، نجد أن هناك إنجازات وإخفاقات لا يمكن تجاهلها. ومن بين النجاحات يمكن الإشارة إلى أمرين أساسيين هما: غياب الإرهاب إلاّ في حالات نادرة، وعدم وقوع هجمات كبيرة، إذ إن جميع الصواريخ التي تطلق من غزة تسقط على وجه العموم في أراض مفتوحة، وسواء أكان هذا يعود إلى قرار داخلي اتخذته حركة "حماس" أم إلى التنسيق الأمني بين الجيش الإسرائيلي والقوى الأمنية في السلطة الفلسطينية، فإن هدوءاً أمنياً نسبياً يسود في الفترة الأخيرة.
- كذلك يمكن التوقف أمام الوضع الاقتصادي الجيد، إذ تشهد إسرائيل نمواً أفضل من النمو الحاصل في الدول الغربية، ويبدو حجم الدين العام مقبولاً مقارنة بالدخل القومي، وحدث تراجع في معدلات البطالة. ومع ذلك، ما زال أمامنا عمل كثير للقيام به، ولا سيما في مجال إلغاء الفروقات بين الطبقات الاجتماعية، فلم يسبق أن شهدنا موجة احتجاجات اجتماعية مثل تلك التي شهدناها في الصيف الماضي. وعلى الرغم من ذلك، تعتبر إسرائيل نموذجاً اقتصادياً ناجحاً مقارنة بدول الغرب الغارقة في أزمة.
- على الصعيد الدولي، طرأ تدهور على مكانة إسرائيل. ومما لا شك فيه أن وضع إسرائيل في الخارج سنة 2012 هو أصعب مما كان عليه في الأعوام العشرين الأخيرة. فثمة حركات في العالم، في أوروبا والولايات المتحدة، تدعو إلى مقاطعة إسرائيل، وهي تتسبب بضرر حقيقي لتسويق المنتوجات الإسرائيلية في العالم. وباتت مشاركة الشخصيات الإسرائيلية الرسمية في مناسبات أكاديمية في جامعات العالم عملاً بطولياً، ولا سيما في ظل تصاعد مشاعر العداء لإسرائيل وسط الجيل الشاب في الدول الغربية، وهذا أمر مدعاة للقلق الشديد.
- ومن أهم إخفاقات الحكومة الجمود السياسي. فقد توقفت المفاوضات مع الفلسطينيين، والانطباع العام هو استحالة حدوث تقدم في الوقت الراهن لأن بنيامين نتنياهو غير مستعد لدفع ثمن السلام.
- على صعيد علاقاتنا بدول المنطقة، تشهد علاقتنا بمصر والأردن تراجعاً كبيراً، وقد أوقف العمل في الممثلية الإسرائيلية في قطر. وفي هذه الأثناء تحولت تركيا إلى دولة معادية لنا تقريباً، ومن الصعب تفسير سبب تخلي إسرائيل عن تركيا الذي أدى إلى وضع جيو- استراتجي جديد، وجعل إسرائيل تبدو أكثر عزلة مما هي عليه فعلياً.
- وبدلاً من أن تسعى الحكومة للبحث عن سبل جديدة للتعامل مع التطورات الأخيرة التي تشهدها دول الشرق الأوسط، نراها تقف جامدة، وتنظر إلى الربيع العربي مكتوفة الأيدي اعتقاداً منها أن أي تغيير سيكون ضد مصلحة إسرائيل.
- على صعيد العلاقة مع الولايات المتحدة، تبدو العلاقة الشخصية بين الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الإسرائيلية صعبة للغاية، حتى لو كانت شبكة العلاقات الأمنية بين البلدين جيدة جداً، إلاّ إن هذا لا يكفي. فثمة اختلاف كبير بين العلاقة التي كانت سائدة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إسحق رابين وبين الرئيس الأميركي كلينتون، وبين العلاقة الحالية بين أوباما ونتنياهو التي يشوبها الكثير من الرياء والخلافات، ولا سيما بعد أن بدا نتنياهو كأنه حليف للجمهوريين، أخصام أوباما السياسيين.
- قد يكون الموضوع الإيراني هو "النجاح" الكبير الذي حققته حكومة نتنياهو. فقد تحول هذا الموضوع إلى أحد أهم الموضوعات على جدول الأعمال الدولي، وذلك، إلى حد كبير، بسبب التقدير أن إسرائيل قد تهاجم إيران، والرغبة في منعها من القيام بذلك. إلاّ إن هذا التغيير قد يكون مكلفاً للغاية، وذلك للأسباب التالية: أولاً، لأنه أعاد الموضوع إلى الإطار الإسرائيلي- الإيراني؛ ثانياً، لأنه زاد في تبعية إسرائيل للولايات المتحدة، فمن دون المساعدة التي ستقدمها إلينا أميركا لا يمكن أن نفكر في عملية عسكرية ضد إيران؛ ثالثاً، لأنه أظهر أن الصهيونية فشلت في بناء ملاذ آمن لليهود، وقد يكون هذا أهم خطأ ارتكبه نتنياهو.
- لم يذهب نتنياهو إلى أميركا كي يقول إننا أسياد مصيرنا، وأن لدينا القوة للمحافظة على أمننا، وإنما ذهب ليقنع الإدارة الأميركية بالتحرك في أقرب وقت ممكن ضد إيران. وهو عندما يقف أمام مؤتمر إيباك ويحدثهم عن فشل يهود أميركا سنة 1944 في إقناع الرئيس الأميركي روزفلت بقصف سكك القطارات المؤدية إلى معسكرات الإبادة، فإنه في الواقع يقول لهم بأن عليكم هذه المرة إقناع الرئيس الأميركي بقصف إيران، ومثلما تحركوا سابقاً من أجل إنقاذ يهود أوروبا، عليهم التحرك اليوم لإنقاذ يهود إسرائيل. وهذه هي الرسالة الحقيقية، الأمر الذي يعني أن الحركة الصهيونية بقواها الذاتية فشلت في بناء ملاذ آمن، وهذا خطأ كبير.
- على صعيد وضع الديمقراطية في إسرائيل، فقد اقترف نتنياهو خطأ كبيراً عندما عين أفيغدور ليبرمان وزيراً للخارجية اعتقاداً منه أن ذلك سيؤدي إلى تحييد ليبرمان عن عملية اتخاذ القرارات وعن الحوار الثنائي مع الإدارة الأميركية، وسيقلص الأضرار. إلاّ إن الضرر الذي لحق بصورة إسرائيل نتيجة تصريحات ليبرمان المتطرفة، جعل بقاءه في هذا المركز الدبلوماسي الأول عبئاً ثقيلاً وخطراً.
- كذلك ألحقت مجموعة القوانين التي أقرها الكنيست من خلال تصويت الأكثرية الإئتلافية عليها ضرراً بحرية التعبير وبالأقلية العربية وبالقيم الأساسية التي ميزت مجتمعنا الإسرائيلي. وحدث هذا كله بسبب مشاركة حزب إسرائيل بيتنا في الإئتلاف الحكومي.
ربما تستطيع الحكومة اليمينية أن تدرج موضوع المستوطنات في إطار نجاحاتها الكبرى، إذ لم تتم أي عملية إخلاء لمواقع استيطانية، في الوقت الذي تتواصل فيه أعمال البناء في المناطق بشكل يتعارض مع ما يطالب العالم إسرائيل به.
[بوتين معني بزيارة إسرائيل بعد تسلم مهمات منصب رئيس روسيا]
"هآرتس"، 27/3/2012
قال مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى لصحيفة "هآرتس" أمس (الاثنين) إن الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين معني بأن يقوم بزيارة سياسية لإسرائيل في حزيران/ يونيو المقبل، يدشن خلالها نصباً تذكارياً في مدينة نتانيا [وسط إسرائيل] لذكرى الجنود اليهود الذين حاربوا في صفوف الجيش الأحمر في إبان الحرب العالمية الثانية.
وأضاف هذا المصدر أنه منذ انتخاب بوتين لمنصب رئيس روسيا تلقت وزارة الخارجية الإسرائيلية عدة رسائل من مصادر روسية رسمية تشير إلى أنه يرغب في زيارة إسرائيل، لكن المصدر نفسه أكد أنه حتى الآن لم تبدأ أي اتصالات رسمية بين الجانبين لترتيب هذه الزيارة وذلك لكون بوتين لم يتسلم مهمات منصبه بعد. ومن المتوقع أن يتم تحديد موعد رسمي لهذه الزيارة بعد أن يؤدي بوتين يمين الولاء في أيار/ مايو المقبل.
وستكون إسرائيل ثاني دولة أجنبية يزورها بوتين بعد الزيارة التي سيقوم بها في 20 أيار/ مايو المقبل للولايات المتحدة بهدف الاشتراك في مؤتمر الدول الصناعية الثماني الكبرى، وحيث من المتوقع أن يلتقي على هامشها الرئيس الأميركي باراك أوباما.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تحادث هاتفيًا قبل أسبوعين مع بوتين وهنأه بفوزه في انتخابات الرئاسة الروسية، وتداول معه بشأن آخر الأحداث في الشرق الأوسط، وبشأن البرنامج النووي الإيراني.
وقال بيان صادر عن ديوان رئيس الحكومة إن نتنياهو وجه خلال هذه المحادثة دعوة إلى بوتين لزيارة القدس، كما أنه تلقى من هذا الأخير دعوة لزيارة موسكـو.
غابي شيفر - أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية
"هآرتس"، 28/3/2012
[يتعين على إسرائيل عدم مهاجمة إيران]
على الرغم من كلام بنيامين نتنياهو في الأيام الماضية عن أن إسرائيل استعادت قدرتها على الردع في المواجهة الأخيرة في الجنوب، وإذا وضعنا جانباً القدرة النووية التي تملكها إسرائيل، بحسب ما تتناقله المصادر الأجنبية، فإن إسرائيل لا تملك اليوم، ولا مستقبلاً، القدرة على ردع أعدائها في حال هاجمت المفاعلات النووية في إيران. من هنا، وفي حال أقدمت إسرائيل على مهاجمة إيران، فإنها ستتعرض لضربات موجعة ستكبدها خسائر كبيرة تتعدى رقم الـ 500 قتيل الذي تحدث عنه وزير الدفاع إيهود باراك. هذا من دون الحديث عن التكلفة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي سندفعها في مقابل عملية كهذه، والتي لم يتطرق إليها أحد في الحكومة الإسرائيلية.
وإذا قمنا بمراجعة تاريخية، يتبين لنا أنه منذ سنة 1973 لا وجود لما يسمى ردع إسرائيلي، وهذا يشمل أيضاً "الجولة" الأخيرة في قطاع غزة، بدليل استمرار إطلاق القذائف المدفعية والصواريخ من القطاع على إسرائيل. أمّا عدم إقدام سورية على الرد على قصف مفاعلها النووي سنة 2007، الذي يتباهى به القادة الإسرائيليون، فسببه الأوضاع السياسية والعسكرية السورية الداخلية لا الردع الإسرائيلي. وتجدر الإشارة إلى أن القدرات الإسرائيلية لم تمنع أيضاً نشوب الانتفاضتين [الأولى في سنة 1987، والثانية في سنة 2000] ومهاجمة حزب الله لإسرائيل بالصواريخ.
أمّا فيما يتعلق بالفلسطينيين، فمن الواضح تماماً اليوم أن القدرات العسكرية الإسرائيلية لن تمنعهم من القيام بانتفاضة جديدة حينما "يبلغ السيل الزبى". كما أن المراوحة الإسرائيلية تجاه كل ما يتعلق بمسيرة السلام، وتصميم الفلسطينيين على منع ضم الضفة، سيجعلان إسرائيل غير قادرة على ردع الفلسطينيين في حال قرروا القيام بانتفاضة جديدة.
وبالنسبة إلى حزب الله، وعلى الرغم من تصريحات حسن نصر الله "المهادنة"، فإنه من شبه المؤكد أن الحزب لن يتردد أيضاً، عندما يحين الوقت، في شن هجوم جديد على إسرائيل، ولا سيما إذا هاجمت هذه الأخيرة حليفته إيران.
من المعلوم أن حزب الله والفلسطينيين في القطاع يملكان وسائل قتالية وقدرات مهمة يمكنها إلحاق ضرر كبير بنا، ولن يردعهم شيء عن القيام بذلك، لا أداء منظومة "القبة الحديدية" (التي لا تقترب نسبة نجاحها من مئة في المئة) ولا الضرر العظيم الذي سيصيبهم جراء ضربة إسرائيلية مضادة. ومنذ الآن تدرس المنظمات في غزة المواجهة الأخيرة كي تجعل استعمالها للأسلحة التي تملكها أكثر نجاعة، وكي تبني استراتيجيا تمكّنها من إلحاق أكبر قدر ممكن من الإصابات بإسرائيل.
ومما لا شك فيه أن الإيرانيين ينوون التسلح جيداً من أجل مواجهة القدرة النووية الإسرائيلية، ومن أجل امتلاك قدرة على الردع، لا في مواجهة إسرائيل فحسب بل في مواجهة دول أخرى أيضاً داخل المنطقة وخارجها. لكن حتى لو امتلك الإيرانيون السلاح النووي فإنهم لن يستعملوه، مثلما لم تستعمله أي دولة تملكه، ما عدا الولايات المتحدة التي استخدمت القنبلة النووية خلال الحرب العالمية الثانية.
بناء على كل ما تقدم، يتعين على الساسة الإسرائيليين وعلى العسكريين الكبار أن يقدّروا جيداً الثمن الذي ستدفعه إسرائيل، وأن يمتنعوا من مهاجمة إيران على الرغم من إيمانهم الكبير بقدرة الردع الإسرائيلية.
[نتنياهو يتجاهل انتقادات تقرير بنك إسرائيل المركزي
ويشيد بنمو الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية]
"يديعوت أحرونوت"، 29/3/2012
حرص رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على تجاهل الانتقادات الحادة التي وجهها تقرير بنك إسرائيل المركزي بشأن أوضاع إسرائيل الاقتصادية خلال سنة 2011، وعلى الاكتفاء بالإشارة إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي حقق خلال العام الفائت نمواً مهماً بنسبة 4,7٪ على الرغم من تفاعلات الأزمة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي والتي تعتبر من أشد الأزمات.
وأشار التقرير، من بين جملة أمور أخرى، إلى أن سياسة الحكومة الاقتصادية - الاجتماعية تسببت بزيادة الفجوات الاجتماعية، وحالت دون حصول المواطنين على الخدمات التي توفرها الدول المتطورة، ولم تساعد الفئات العشرية الدنيا في التخلص من الفقر. ولفت التقرير إلى أن حملة الاحتجاج الاجتماعية والمطلبية التي شهدتها إسرائيل في الصيف الفائت كانت ناجمة عن غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار السكن، وعدم تطبيق سياسة عادلة في مجال جباية الضرائب.
ومع ذلك فإن رئيس الحكومة تباهى، في التصريحات التي أدلى بها إلى وسائل الإعلام لدى تسلمه صباح أمس (الأربعاء) من محافظ بنك إسرائيل المركزي البروفسور ستانلي فيشر التقرير الصادر عن البنك بشأن أداء الاقتصاد الإسرائيلي خلال سنة 2011، أن نسبة نمو الاقتصاد الإسرائيلي زادت 2,5 مرة عن نسبة معدلات النمو في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOECD . كما أن نسبة البطالة في إسرائيل تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ سنة 1983، وخلافاً لبعض الاقتصادات المنهارة في المنطقة المحيطة، فإنه تم خلال العام الفائت رفع مستوى التصنيف الائتماني لدولة إسرائيل.
وقال نتنياهو: بناء على قراءتي الأولية لهذا التقرير يمكنني القول بأنني أتفق مع الفرضية الواردة فيه بشأن النتائج الإيجابية التي ستترتب على تطبيق قانون التعليم المجاني [اعتباراً من سن 3 أعوام] الأمر الذي من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الأسر التي يعمل فيها أولياء الأمور وخصوصاً الأمهات العاملات. كما أنني أستمد التشجيع من ازدياد نسبة انخراط الرجال اليهود الحريديم [المتشددين دينياً] في سوق العمل على الرغم من أن الشوط الذي يجب قطعه على هذا الصعيد ما زال كبيراً.
وأعرب نتنياهو عن سروره بوجه خاص لقراءة الإحصاءات الواردة في التقرير بشأن استقرار معدلات فجوات الدخل خلال الأعوام الأخيرة وتراجع هذه الفجوات بشكل طفيف، فضلاً عن استمرار التوجه نحو انخفاض معدلات الفقر، مؤكداً أن الحكومة ما زالت تواجه تحديات كبيرة في هذا المجال.
وأشار إلى أن الحكومة تقوم بمشروعات كبيرة في مجال تحسين البنى التحتية، وذلك من خلال استثمار ميزانية بحجم 27,5 مليار شيكل في هذا المجال، جرى إنفاق ما لا يقل عن 10,7 مليار منها خلال العام الفائت وحده.
وأضاف أنه ينتظر تقرير البنك بشأن أداء الاقتصاد الإسرائيلي خلال العام الحالي، حيث من المفترض أن يتضمن ملاحظات بشأن التداعيات الاقتصادية الإيجابية الناجمة عن الاتفاق غير المسبوق المتعلق بضمان شفافية الميزانية الأمنية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى قضية التعامل مع عمال المقاولة، وإلى مترتبات تطبيق قانون التعليم المجاني وغير ذلك من الخطوات التي أقرتها حكومته مؤخراً.
حبيب فياض
لا يمكن اختزال هوية حركة حماس المقاوِمة بعلاقتها مع النظام السوري. تماماً كما لا يمكن اختصار استراتيجية دمشق الممانِعة والداعمة للقضية الفلسطينية بدعمها لحماس. القطيعة بين الجانبين، في حال حصولها، لا شكّ سترخي بثقلها على المحور الممانِع والمقاوِم برمته. لكن القطيعة هذه، لن تمنع من بقاء «الحركة» رأس المقاومة الفلسطينية و«النظام» قطب الرحى في محور الممانعة.
ما تقدم يعني أن الأزمة الراهنة بين حماس ودمشق تنحصر في العلاقات البينية، ولا تتصل برؤية كل منهما إلى القضية الأم. في الأمر مبالغة غير بريئة عندما يحلو للبعض إدراج خروج «حماس» من دمشق في إطار الخطوة الأولى نحو الاندماج مع السلطة الفلسطينية في مسار التسوية السلمية، أو عندما يحلو للبعض الآخر القول بأن الأزمة السورية سوف تدفع النظام إلى مراجعة حساباته في دعمه للمقاومة وهو ما بدأت إرهاصاته بالظهور في الأزمة مع «حماس».
ما تقدم أيضاً، لا ينفي خطورة ما قد يترتب في حال ذهاب الأمور بين حماس ودمشق ابعد مما هي عليه الآن. الأزمة بين الجانبين من متفرعات الفتنة الكبرى في سورية. ومعالجة هذه الأزمة هي أيضاً من متفرعات معالجة هذه الفتنة. غير أن وجود حزب الله بينهما، وإيران من ورائه، يمكن أن يشكل ضمانة لعدم انفلات الأمور وبلوغها حد اللاعودة. هو، في أسوأ الأحوال، سيظل في وسطهما. الحزب هو الأقدر على رأب الصدع بينهما، مستفيداً من عزوفهما عن السجال الإعلامي، الذي يعني إبقاء كل منهما الباب مفتوحاً لعودة الأمور إلى نصابها.
في الأصل وبمعزل عن الأزمة السورية، أوجدت الثورات العربية - في حالتي تونس ومصر تحديداً ـ أفقاً جديداً للتكامل بين الانتفاضات الشعبية والمقاومات، على قاعدة الاشتراك في مواجهة الظلم بوجهيه المستبد والمحتل.غير أن انتقال «الربيع العربي» إلى سورية أحدث فصاماً في مسار الثورات، وأوجد انقساماً بين من رأى في الأزمة هناك استمراراً طبيعياً لحركة الشعوب ضد الأنظمة المستبدة، ومن اعتبرها امتداداً للمؤامرة على نهج المقاومة والممانعة. تم تسعير الأزمة هذه بنحو أُريد منه وضع المقاومة والثورة في خانتين متباعدتين، وتغليب أولوية مواجهة الاستبداد على أولوية محاربة الاحتلال.
اليوم، وللخروج من هذه الجدلية، ثمة مقاربة تصالحية آخذة في التبلور وتقوم على تبني المقاومة لمنطق الإصلاح. الكلام الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، حمل النواة الأولى لهذه المقاربة في دعوته السوريين إلى «الإلقاء المتزامن للسلاح» واللجوء إلى الحوار خياراً وحيداً نحو التغيير. الدعوة هذه، تنطلق من ضرورة حفظ النظام بوصفه ممانعاً ويحظى بتأييد جماهيري واسع، وأيضاً من حق المعارضة بالإصلاح والمشاركة بوصفها جزءاً من الشعب، ذلك في ظل استحالة الحسم وعدم قدرة أي من الفريقين على إلغاء الآخر. وإذا كان الدخول الأجنبي على خط الأزمة السورية سيعمل على جعل مثل هذه الدعوة صرخة في واد، فإن الحد الأدنى الذي ستنجزه، هو ردم الهوة المفتعلة بين منطقي الثورة والمقاومة.
خرجت «حماس» من سوريا وهي تعلم أنها اقرب إليها من الآخرين. لم تستطع، منذ البداية، حسم أمرها في الوقوف إلى جانب ما تعتبره ثورة شعبية في سوريا، أو الوقوف إلى جانب النظام السوري في وجه مؤامرة دولية تستهدفه. عودة حماس إلى حاضنة الإخوان المسلمين في عهد الثورات العربية، سيفتح لها أفقاً سياسياً جديداً لكنه لن يغنيها عن الحاجة إلى دمشق.
شائبة العلاقة بين حماس ودمشق مرحلية. تعود حماس إلى سوريا عندما تجد أن البدلاء عنها من دول المنطقة، آخر ما يهمهم هو فلسطين. السفير، بيروت، 23/3/2012
5. مقالات مختارة :
دفائن العالم العربي أصبحت مخترقة من المحيط إلى الخليج، فكل التغريدات التي كتبها أكثر من مليون عربي في موقع "تويتر" الشهير، بدأ طرحها هي وغيرها منذ أمس للبيع لمن يرغب، وباختصار: أنت تصرف وقتك بالتغريد، لكن "تويتر" يبيع ما تكتب ويربح المال ممن يشتريه، وأهمها أجهزة المخابرات التي تجد بأن ما ستدفعه شهريا لمعرفة أفكار وميول وأسرار مواطنيها هو أقل من راتب أسبوع يتقاضاه منها جاسوس غير محترف.
وبدأ البيع بموجب اتفاق عقده "تويتر" مع شركة "داتاسيفت" البريطانية التي تحولت بموجبه إلى وكيل لبيع أرشيف جامع لكل تغريدات المشتركين في "تويتر" بالعالم، وعددهم يزيد على 300 مليون "لمن يرغب بشرائها" بحسب ما قال موقع Mashable الشهير بمتابعته لأخبار شبكات التواصل الاجتماعي، والذي كان أول المتطرقين للاتفاق ليل الاثنين الماضي.
وتعني عبارة "كل تغريدات المشتركين" الواردة بالاتفاق ما كتبه المشترك منذ يناير/كانون الثاني 2010 حتى نظيره هذا العام، أي طوال عامين قام المغرد خلالهما بكتابة عشرات آلاف العبارات وأرسل صورا وروابط الى مغردين آخرين، علما أن عدد التغريدات اليومية في "تويتر" يزيد على مليارين، بينها مليونان و200 ألف بالعربية على الأقل، وحوالي 50 ألفا لعرب يغردون بلغات أجنبية، وكلها سيتم تقديمها على طبق من فضة للمخابرات.
وبحسب ما اطلعت عليه "العربية.نت" من خصائص "تويتر" مع مشتركيه، فإن الموقع يمحو كل تغريدة بعد أسبوع من تدوينها، لكنها تبقى بأرشيفه كوديعة تستمر فيه دائما، حتى ولو قام المشترك بمحوها من سجل تدويناته، لأن لوحة بيانات المشترك في صفحته على الموقع منفصلة عن ذاكرة حفظ الموقع نفسه، لذلك قام في 2010 بعقد صفقة مع "مكتبة الكونغرس" لتزويدها يوميا بما صب ويصب فيه من تغريدات منذ تأسيسه في 2006 وبلا توقف حتى إشعار آخر.
الكشف عن المكان الذي نشرت منه التغريدة
وغاية الشركات من شراء التغريدات وأرشيفاتها القديمة هي التوصل لمعرفة الميول الاستهلاكية والشرائية للمشتركين، وهم بالنسبة إليها مجتمع مصغر عن الكبير الذي يعيشون فيه، وكله لقاء 1000 دولار شهريا تدفع منها "داتاسيفت" حصة لتويتر الذي لا يمانع بما هو أخطر.
والأخطر هو أن الاتفاق يسمح ببيع التغريدات لمن يرغب بشرائها من دون أي انتقاء وتمييز، وهذا يعني أن ميول وأفكار واتجاهات العالم العربي كله، وكذلك غيره، يمكن أن تصبح بحوزة مخابرات كل بلد عربي وأيضا نظيرتها في أي بلد آخر، وهو اختراق يومي للمنطقة العربية بأسرها، وبثمن يقل عن قيمة اشتراك شهري في نادي اجتماعي.
وقالت "داتاسيفت" في بيان غير تفصيلي لها أمس عن بنود الاتفاق الذي تطرقت إليه وسائل الاعلام اليوم الأربعاء، واطلعت عليه "العربية.نت" إنها ستنشئ للمشتركين رابطا يدخلون عبره إلى ما سمته Datasift Historics وهو مخزن لأرشيف التغريدات التي ستحصل عليها من "تويتر" مزود بفلتر بحث سريع الفرز حسب الطلب.
ويسمح الفرز لأي كان بمعرفة ما كتبه السعوديون مثلا، وهم 35% من مشتركي "تويتر" العرب، فيتم اكتشاف ميولهم السياحية أو آراءهم السياسية كما واتجاهاتهم الاستهلاكية بدقائق قليلة، وبحسب الاطلاع عليها يمكن التوجه إليهم بإعلانات تناسبها.
أما أجهزة المخابرات فبسهولة تستطيع اختراق الدفين في أفراد كل مجتمع عربي بمجرد فرز ما يغردون به في "تويتر" الذي يبدو حتى الآن ضاربا حقوق مشتركيه بعرض الحائط، فهو ليس مهتما بالمرة بموقفهم إلى درجة أنه لم يصدر أي بيان يبرر إقدامه على بيع ما غردوه، خصوصا أن البيع يشمل الافصاح عن المكان التي كان فيه المشترك حين قام بتغريدة ما في وقت ما من يوم محدد، وهذه وحدها خصوصية لا تباع ولا تشترى والكشف عنها قد يحمل الشر والضرر.
المصدر: العربية نت
6. الغاز في شرق المتوسط: تأثيرات متصاعدة
بول سالم
بدأ مخزون الغاز في شرق البحر المتوسط يؤثّر في العوامل الجيوسياسية في الشرق الأوسط. فقد جذبت اكتشافات الغاز الضخمة في إسرائيل، كما ربما الاكتشافات المهمة التي ستبرز قبالة شواطئ قبرص ولبنان، اهتمام الدول الكبرى في العالم كما الدول المؤثرة في المنطقة.
وهكذا، فإن منطقة الشرق الأوسط المنشغلة أصلاً بالمنازعات على الأرض والحدود البرية، بدأت تحوِّل أنظارها نحو البحر. كما أن البلدان التي لم ترَ في السابق جدوى من التنسيق أو التعاون، بات يتعيَّن عليها مواجهة الأكلاف الجديدة للنزاعات.
كانت إسرائيل السبّاقة في استخراج الغاز من حقليها في تامار وليفياثان. وقد جاءت هذه الاكتشافات في لحظة مهمة بالنسبة إليها، حيث باتت إمدادات الغاز المصري إليها عُرضة إلى التهديد. وتَعِد هذه الاكتشافات بجعل إسرائيل ليس مكتفية ذاتياً من الغاز وحسب، بل أيضاً مُصدِّرة له. بيد أن التحديات التي تنتصب في وجه التصدير الإسرائيلي تبدو كأداء: إذ لو كانت تل أبيب في حالة سلام مع جيرانها، فإن طريق التصدير الأكثر فاعلية من حيث التكلفة هو ذلك الممتد براً عبر حدودها الشمالية إلى أوروبا.
لكن مثل هذا الطريق مُغلق في وجهها. وبالتالي، تُخطط تل أبيب لشحن صادراتها عبر قبرص، بيد أنها تواجه هناك أيضاً الكثير من الخيارات والتحديات: فأسهل الطرق من هناك قد يكون تركيا، لكن العلاقات التركية - الإسرائيلية المتردية تجعل من مثل هذا الخيار أمراً مستحيلاً الآن. ثم إن شحن الصادرات عبر اليونان يعني طريقاً أطول، كما أن تركيا تقف حجر عثرة في وجهه.
وهكذا يتضح أن تراجع العلاقات التركية - الإسرائيلية جاء في وقت سيئ للغاية بالنسبة إلى الطموحات الإسرائيلية في مجال صادرات الطاقة.
الخيار الآخر أمام إسرائيل هو بناء مصنع لتسييل الغاز الطبيعي قبالة شواطئها أو في قبرص، وشحن الغاز على السفن إلى الأسواق العالمية. بيد أن هذا خيار مكلف، علاوة على كونه عرضة أيضاً إلى التهديدات والتوترات الإقليمية.
في هذه الأثناء، أصبحت قبرص فجأة لاعباً استراتيجياً يُشرف على مفارق طرق صادرات الطاقة في المنطقة. وهذا ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى مغازلتها بكثافة، وما جعل هذه الجزيرة قبلة أنظار مسؤولين إقليميين ودوليين تدافعوا لزيارتها. كما أنه جعلها أيضاً عرضة إلى ضغوط عنيفة من جانب تركيا. لكن الخلافات الداخلية في قبرص تؤثر سلباً في الدور القبرصي إذ إن القادة القبارصة الأتراك عارضوا انفراد نيقوسيا في إبرام عقود حفر آبار الطاقة في البحر؛ وهو اعتراض درَّعته البحرية التركية بالتهديد بعرقلة تقدُّم برامج استكشاف حقول الطاقة.
أما لبنان فقد كان بطيئاً في الانطلاق للإفادة من ثروات الطاقة المحتملة لديه. ولم تتحرّك الحكومة والبرلمان إلا أخيراً لسن التشريعات الضرورية لفتح المناطق البحرية اللبنانية أمام شركات الطاقة العالمية. تُسارع مروحة واسعة من شركات النفط والغاز الكبرى من الولايات المتحدة، وأوروبا، وروسيا، والصين واليابان والبرازيل إلى إبداء الاهتمام بالمخزون اللبناني المحتمل. لا بل بدأ لاعبون أيضاً، مثل إيران وقطر وتركيا، بالبحث عن وسائل للمشاركة في هذا القطاع.
إذا ما وضعنا في الاعتبار طبيعة الحكومة الائتلافية وطبيعة التوازنات والتحالفات اللبنانية، فقد نصل إلى الاستنتاج بأن العقود ستكون من نصيب باقة منوَّعة من الشركات. فحزب الله وحلفاؤه يحتمل أن يدفعوا باتجاه الشركات الروسية لمكافأة موسكو على دعمها، بخاصة لسورية، ولتشجيع الرعاية الروسية لمحور إيران - العراق - سورية - حزب الله. كما يُحتمل أن يندفع رئيس الحكومة لموازنة هذا التوجُّه من خلال تشجيع عقود مع شركات غربية، وبالتحديد فرنسية أو أميركية. ويشعر بعض القادة اللبنانيين في أن وجود انخراط شرقي وغربي في قطاع الطاقة في لبنان، من شأنه أن يساعد على توفير اهتمام القوى الكبرى بأمن هذا القطاع ونجاحه على الأمد الطويل.
بمقدور لبنان ككلّ أن يستفيد إلى حدّ كبير من عائدات الطاقة، ولا سيما في مجال خفض الدين العام وخفض تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية، إذا ما تمّت إدارة هذه العائدات في شكل سليم. إلا أن تحقيق عائدات سهلة من خلال الطاقة، قد يتسبّب أيضاً بتفعيل حلقة فساد هائلة تؤدّي إلى هدر هذه الفرصة وزيادة أمراض النظام السياسي. كما أن سوء إدارة هذا المورد قد يتسبب باختلالات في التوازن الاقتصادي وإعاقة النمو في قطاعات أخرى.
من الملفت أن رئيس مجلس النواب نبيه بري تولى دوراً محورياً في دفع ملف الطاقة في البرلمان كما يلعب دوراً غير اعتيادي في الديبلوماسية المتعلقة بالملف، فيما أضاف حزب الله «حماية ثروة لبنان البحرية من الطاقة» إلى أهدافه كـ «مقاومة وطنية». فقد يكون لهذا الدور «الشيعي» وقعٌ مثير للاهتمام، ذلك أنه إذا أصبح الازدهار المتصاعد للبلد وللطائفة الشيعية معتمداً على سلامة منشآت الطاقة قبالة الشواطئ وعلى الشركات الدولية العاملة هناك، فقد يؤثر ذلك في حسابات الحرب والسلم. كما أن عائدات الغاز قد تصبح مصدراً بديلاً للدخل بالنسبة إلى الحزب على الأمد الطويل، في حال تعقّدت أو تعثّرت العلاقة مع إيران.
أما على الصعيد الدولي، فشركات الطاقة الأميركية بدأت الاستثمار في إسرائيل، ويسعى بعضها إلى الاستثمار في الحصص اللبنانية. غير أن ما تركّز عليه الحكومة الأميركية هو تجنّب اندلاع صراع بين إسرائيل ولبنان حول المثلّث البحري المُتنازَع عليه بين البلدين، والبالغة مساحته 800 كيلومتر مربّع. وهي لهذه الغاية أوفدت مبعوثين إلى المنطقة بغية التوسّط في النزاع، وقد يعلن عن تسوية في الأسابيع المقبلة. وتبدو أوروبا متلهّفةً إلى تنويع مصادرها من الغاز، لكنها مستاءة من الخلافات بين تركيا وقبرص وإسرائيل التي تعرقل التقدّم في هذا المجال.
أما اهتمام روسيا بسورية وجارها الأصغر لبنان، فيعود في جزء منه إلى رغبتها في ترسيخ وجودها في سوق الطاقة الناشئة هنا. في المقابل، تعثّرت خطط تركيا لمَدّ ما يُعرَف بـ «خط الغاز العربي»، لنقل الغاز من مصر ولبنان وسورية عبر تركيا إلى الغرب، نتيجة النزاع القائم في سورية وتجدُّد العداوات السورية - التركية.
ما من شكّ في أن اكتشاف الغاز في شرق المتوسط يمثّل فرصةً لازدهار جميع اقتصادات المنطقة. لكن في ظلّ مناخِ الخلاف وانعدام الثقة السائد حالياً، قد تسفر احتياطات الطاقة هذه أيضاً عن مزيد من التوتّر.
من الواضح أن الطاقة ستشكّل عاملاً رئيساً في المستقبل الجيوسياسي للمنطقة. أما إذا ما كانت عامل استقرار وازدهار أم عامل نزاع إقليمي ودولي، فهو ما سيتبيّن في الأشهر والسنوات المقبلة.
الحياة، لندن، 22/3/2012
0 comments: