Monday, June 25, 2012



جيفري كمب

بينما تستعد الولايات المتحدة لسحب قواتها من أفغانستان، ينتاب القلق أميركيين عديدين يخشون أن تجد إدارة أوباما نفسها وقد انجرت إلى الانخراط في المزيد من صراعات الشرق الأوسط، نتيجةً لتواصل الأزمة السورية من ناحية، واستمرار إيران في تطوير برنامجها النووي من ناحية أخرى.

والراهن أن القوات المسلحة الأميركية قد باتت مرهقةً بسبب استمرارها في القتال في المنطقة لما يزيد عن عقد كامل. ويدرك الخبراء العسكريون أن أي تورط في أيٍّ من سوريا وإيران سوف يكون ممتداً، ومثيراً للجدل، ومن الممكن أن يكون غير حاسم أيضاً. فالتضاريس في سوريا أكثر وعورةً وصعوبةً، مقارنةً بالصحراء الليبية المفتوحة، فضلا عن أن منظومة الدفاع الجوي السوري تفوق بكثير تلك التي كان يملكها القذافي. والكلام نفسه ينطبق على إيران التي تمتلك منظومة دفاع جوي وقدرات بحرية جيدة.

ورغم أن الغرائز السياسية الطبيعية لإدارة أوباما تدفعها لتجنب الدخول في المزيد من الحروب، إلا أن تطورات الأحداث يمكن أن تؤثر على تلك الغرائز، وتغير المعادلة. فإذا ما ارتكب نظام الأسد المزيد من الفظائع ضد شعبه، وحظيت تلك الفظائع بتغطية إعلامية واسعة النطاق، فإن رأي النخبة في الولايات المتحدة وأوروبا يمكن أن يشكل ضغطاً هائلاً على كافة الحكومات مما يدفعها لعمل المزيد من أجل إيقاف المذابح.

وعلى نفس المنوال، إذا ما استمر الإيرانيون في تطوير برنامجهم النووي، ورفضوا إيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم، فإن الضغط على إدارة أوباما لفرض المزيد من العقوبات على إيران والقيام بعمل عسكري ضدها سوف يتصاعد.

وما يحدث في سوريا وإيران يشكل أهمية استراتيجية كبرى لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها. فإذا ما انزلقت سوريا إلى حرب أهلية كاملة المواصفات، فإن القتال الناشب سوف يتخطى الحدود ويورط لبنان، وتركيا والأردن، وإسرائيل، وإن بطرق مختلفة. ومن بين النتائج المتوقعة لتلك الحرب الواسعة النطاق تزايد أعداد السوريين الفارين من بلادهم هرباً من العنف. ويمكن أن يؤدي ذلك لمزيد من المشاق والتعقيدات للشتات الفلسطيني الكبير في المنطقة، وخصوصاً هؤلاء الذين يعيشون في معسكرات اللاجئين في البلدان العربية المجاورة لسوريا، حيث يعيش منهم في لبنان 420 ألفاً، وفي سوريا120 ألفاً، وفي الأردن 300 ألف. واتساع نطاق القتال سوف يرفع مستوى الرهانات للقوى الخارجية التي ستنجر لتلك الحرب بطريقة أو أخرى، سواء لمساندة هذا الطرف المحارب أو ذاك، أو لتقديم الغوث والحماية للمدنيين الذين يجدون أنفسهم في مرمى النيران المتقاطعة. وفي مثل هذه الظروف، سوف تبذل منظمات وجماعات مثل "القاعدة" كل ما تقدر عليه لتشجيع العنف الطائفي بين الأطراف المختلفة، مما قد يقود في مجمله لقتال دامٍ وممتد.

وفي مثل هذه الأحوال لن يبرز منتصر واضح، مما يعني أن حالة الاستقرار في المنطقة سوف تشهد المزيد من التقويض مما يمكن أن يؤدي على سبيل المثال لاندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة ضد إسرائيل، كما يمكن، بفعل تطورات الأوضاع السياسية في مصر، أن نشهد تآكلا لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة عام 1979. وسوف يمثل كل هذا مأزقاً محيراً للولايات المتحدة التي كانت علاقتها الجيدة مع مصر هي حجر الزاوية لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط منذ انتهاء حرب عام 1973.

أما إيران فالموقف معها لا يقل توتراً وخطراً. وفي الوقت الراهن يتعرض أوباما لضغط كبير داخل الولايات المتحدة من أجل استخدام القوة ضد إيران، يفوق بكثير الضغط الذي يحثه على التدخل في سوريا. ويرجع هذا للتصريحات والبيانات التي أدلى بها أوباما، ومن قبله بوش، بأن الولايات المتحدة لن تسمح أبدا لإيران بتطوير سلاح نووي، بالإضافة إلى أن أوباما كان قد أدلى بتصريح قال فيه بوضوح إنه لن يقبل بسياسة "لاحتواء إيران النووية".

والظروف التي يمكن في إطارها أن تبدأ الحرب ضد إيران، هي التي ستقرر الطريقة التي سيتم بها استقطاب العالم حيال هذا الصراع، أي الطريقة التي ستنقسم بها دول العالم ما بين مؤيد لتلك الحرب ورافض لها. فإذا ما اندلعت الحرب بسبب إقدام إيران على استفزاز الولايات المتحدة من خلال مهاجمة سفنها ومنشآتها في الخليج مثلا، فإن أوباما سيحظى في مثل هذه الحالة بدعم كبير، إذا ما قرر القيام بعمل انتقامي ضد هذه الدولة. أما إذا ما أقدمت الولايات المتحدة أو إسرائيل على شن حرب استباقية ضد إيران، من خلا توجيه ضربات جوية ضد منشآتها النووية، فإن العالم سيشهد في مثل هذه الحالة سجالا أكبر بكثير، ويمكن للولايات المتحدة في هذه الحالة أن تخسر مساندة الدول الأوروبية والدول العربية وكذلك تركيا.

المحصلات الأكثر إيجابية للأزمات الحالية -من المنظور الأميركي- تشمل من ضمن ما تشمل سقوط الأسد بسبب انقلاب داخلي. فمثل هذه المحصلة يمكن أن تنهي علاقة إيران الوثيقة مع سوريا، وتؤدي لإضعاف دعمها لـ"حزب الله" في لبنان. وسوف يشكل هذا نكسة كبيرة لطهران، ويمكن إذا ما قُُرن بالعقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي والمقرر تطبيقها في نهاية شهر يونيو الحالي، أن يؤدي إلى إقناع حكام إيران بأن التسوية مع الغرب هي أفضل ضمان للبقاء في السلطة وبقاء بلدهم سليماً.

وأي تقارب بين الولايات المتحدة وإيران سوف تكون له تداعيات عميقة على منطقة الخليج وبحر قزوين ومنطقة وسط وجنوب آسيا. وإذا ما سمح لإيران بتطوير احتياطاتها الهائلة من الغاز واستغلال جغرافيتها الاستراتيجية من أجل مد خطوط أنابيب الغاز والنفط فوق أراضيها، فإن ذلك سيؤدي لتقويض هيمنة روسيا على خطوط تدفق النفط والغاز من بحر قزوين للسوق الأوروبية. وسوف يؤدي أيضاً إلى إضعاف نفوذ روسيا وتحكمها في إمدادات هاتين المادتين الحيويتين لأوروبا.

ولئن خدمت مثل تلك السيناريوهات الوردية المصالح الأميركية، فإن الهدف الرئيسي لإدارة أوباما في الوقت الراهن يبقى هو تجنب التورط في صراع عسكري إضافي، على الأقل من الآن إلى ما بعد شهر نوفمبر المقبل، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

الاتحاد، أبو ظبي، 22/6/2012



2.          الأهرام: طرق تهريب السلاح من ليبيا والسودان إلى سيناء فقطاع غزة

أشرف أبوالهول: كانت المهمة الثانية لنا في سيناء بعد تأكدنا من خطورة الوضع الأمني ومدي إسهام الأنفاق مع غزة في هذه المأساة أن نعرف كيف وصل الأمر لهذه المستوي من الخطورة ولماذا انتشر السلاح بهذا الشكل المخيف في هذا الجزء العزيز من أراضينا؟

 بل والأخطر من ذلك وللمرة الأولي في تاريخ مصر نري انتشارا للسلاح غير الشخصي في يد غير يد السلطة حيث تشير كافة التقارير الأمنية والإعلامية إلي ان البعض ليس في سيناء وحدها ولكن في اماكن متعددة خاصة بالصعيد, بات يمتلك أسلحة يطلقون عليها لفظ اسلحة ثقيلة ولكنها ومن الناحية العلمية أسلحة متوسطة والحمد لله أن الدبابات والطائرات لم تصل بعد لأيدي الخارجين عن القانون أيا كانت انتماءتهم او افكارهم.

في البداية وقبل أن نصل إلي سيناء قمنا بمتابعة الأخبار الخاصة بتهريب الأسلحة لمصر خاصة من ليبيا والسودان وأكتشفنا انه لم يكن يمر يوم تقريبا دون ان تعلن اجهزة الأمن عن إحباط عملية لتهريب اسلحة من نوعية الار بي جيه والكلاشنكوف والمدافع من عياري250 مللي و500 مللي وأحيانا الصواريخ الخفيفة المضادة للطائرات وكان المكان الرئيسي لضبط تلك الأسلحة في الغالب يتركز في مرسي مطروح او السلوم أو السويس مما أعطانا مؤشرا بان تلك الاسلحة قادمة في غالبيتها المطلقة من مخازن السلاح الخاصة بالنظام الليبي السابق والذي كان يخزن ترسانات تكفي عدة دول وليس ليبيا وحدها وفي النهاية لم تنفعه وإنهار امام إرادة الشعب الليبي ولكن جانب كبيرا من سلاحه سقط في ايدي تجار عاثوا بها فسادا في الأرض فانتشرت في كافة الدول المحيطة عن طريق البيع واحيانا المجاملة وبفضلها تمكن المتمردون الطوارق في مالي من فصل إقليم' أزاواد' وأعلنوه دولة مستقلة تطبق الشريعة الإسلامية.

صواريخ مضادة للطائرات

وكان أخطر ماسمعناه قبل الذهاب إلي سيناء هو ماقاله قائد القوات المتعددة الجنسيات في شبه جزيرة سيناء المصرية, الجنرال النيوزيلندي جيمس فيتنيج من إن صواريخ ووسائل قتالية مختلفة, بينها صواريخ أرض جو, روسية الصنع من طراز اس اي24, المعروفة أختصارا باسم( سام24) والتي بيعت في عام2004 إلي النظام الليبي, وصلت أخيرا إلي المجموعات المسلحة في سيناء في إطار عمليات التهريب المنظمة انطلاقا من الأراضي الليبية, مشيرة إلي أن هذه الصواريخ قادرة علي إصابة الطائرات علي ارتفاعات تزيد علي11 ألف قدم, مع دقة إصابة عالية.

وأكد الجنرال النيوزيلاندي أن حجم القوات المتعددة الجنسيات, إضافة إلي عديد الشرطة المصرية, لا يسمحان بالسيطرة علي تجارة السلاح وتهريبها, الأمر الذي لا يهدد سيناء, بل يهدد المنطقة كلها.

من ليبيا إلي شمال سيناء

إزاء ماسبق كان السؤال الذي يلح علي راسي هو كيفية وصول تلك الأسلحة إلي سيناء رغم المسافة الشاسعة التي تفصلها عن الحدود الليبية ولم يكن هناك سوي شخص واحد من معارفي في سيناء يمكنه الإجابة بصراحة عن هذا السؤال ولكنه أصر علي عدم الكشف عن هويته حتي لايتعرض للأذي من تجار السلاح الذين كان يعمل معهم في يوم من الأيام قبل أن ينشغل بنشاط أخر.

ذهبت إلي الرجل ليلا وبدون أي مرافق وحتي بدون مسجل او كاميرا وأنا أحمل له اسئلتي عن كيفية وصول السلاح الثقيل من ليبيا لشمال سيناء بشكل خاص ناهيك عن دخولها قطاع غزة وطلبت منه توضيح مسارات هذا السلاح خاصة وقد قرأت أنه ذا أراد احد التجار نقله م عن طريق واحة سيوة بشمال الصحراء الغربية علي سبيل المثال وعبر واحة الفرافرة بجنوب الصحراء الغربية فإنه سيقطع مسافة تزيد علي الفي كيلو متر حتي يصل إلي وجهتها النهائية بسيناء.

تهريب متطور

وكان الرد بسيطا: هذا الكلام غير صحيح فالمهربين أكثر تطورا من الأمن حيث يستخدمون سيارات الدفع الرباعي المزودة بأجهزة تحديد المواقع الجغرافيةGPS وبحوزتهم هواتف الثريا المرتبطة بالقمر الصناعي فيقطعون هذه المسافة رأسا فيما لا يزيد علي600 كم إلي الجنوب الشرقي مباشرة في مناطق لايوجد بها جندي واحد وإن وجد فلا يمكن أن يعرض حياته للخطر ويمكن وبسهولة شراء بعض رجال الأمن غير الشرفاء أو الخائفين.

وقال أنه بعيدا عن الطريق الصحراوي فأن هناك أربعة مسارات رئيسية للوصول إلي البحر الأحمر وقناة السويس قبل الأنتقال إلي المرحلة الثانية من الرحلة وهي نقل السلاح إلي داخل سيناء

أولا- الطريق الساحلي الدولي من مطروح إلي بورسعيد, مرورا بالإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ ودمياط.

ثانيا- الطريق الساحلي الدولي إلي دمياط, ثم الدخول إلي الدلتا حيث المنصورة ثم الزقازيق ثم الإسماعيلية.

ثالثا- من شمال الصحراء الغربية عبر المدق الواصل بين سيوة والواحات البحرية, ثم إلي الجيزة ومنها إلي السويس أو الإسماعيلية أو ساحل خليج السويس عبر طريق العين السخنة.

رابعا- من شمال الصحراء الغربية إلي الواحات البحرية ثم محافظة الجيزة ومنها إلي الصعيد, حيث قنا عاصمة السلاح في مصر ومنها إلي ساحل البحر الأحمر عبر المراكب. وأوضح أن الطريقين الثالث والرابع أكثر استخداما لأن السويس وخاصة جبال عتاقة والبحر الأحمر تمثل حماية طبيعية للسلاح حيث يتم تخرينه بتلك الجبال إلي حين نقله لشمال سيناء عبر مراكب صيد أو يمرعبر المعديات في سيارات نقل وسط البضائع التقليدية.

الوصول إلي سيناء

وفيما يتعلق بالمرحلة الثانية وهي نقل السلاح القادم من ليبيا والمخزن في الإسماعيلية او السويس أو بورسعيد إلي وجهته النهائية في سيناء أو قطاع غزة فهي المرحلة الأسهل من وجهة نظره لأن الأمن يتركز في نقاط ثابته ومعروفة غالبا وأهمها نفق الشهيد أحمد حمدي بالسويس وكوبري السلام الرابط بين الإسماعيلية والقنطرة شرق بسيناء وتفادي هذين المكانين يعني نجاح العملية وأوضح أن ذلك يتخذ المسارات التالية.

أولا ـ من بورسعيد عبر القنطرة إلي بئر العبد ثم العريش فالشيخ زويد ورفح.

ثانياـ من الإسماعيلية عبر كوبري السلام أو المعدية رقم6 إلي وسط سيناء ومنه إلي الشمال.

ثالثا ـ من السويس عبر نفق الشهيد أحمد حمدي أو المعدية إلي وسط سيناء ثم إلي الشمال.

رابعاـ من ساحل البحر الأحمر أو ساحل خليج السويس في مراكب صيد أو حتي يخوت سياحية إلي جنوب سيناء, ومنها إلي الوسط ثم الشمال.

وأوضح انه بمجرد عبور قناة السويس يكون المهرب قد ضمن توصيل السلاح إلي وجههته النهائية لسببين أولهما درايته بدروب وشعاب سيناء وقدرته علي تلافي المرور علي نقاط التفتيش الأمنية وثانيهما ضعف التفتيش الأمني ذاته وأن كان قد تحسن كثير بعد أنتشار القوات المسلحة علي طول الطريق لشمال سيناء.

من السودان

وأوضح أن الأسلحة كانت تأتي اساسا من السودان وذلك قبل دخول ليبيا علي الخط وخطفها الأنظار حيث كان يتم تهريبه من منطقه كسلا في شرق السودان و التي تبعد عن الحدود المصرية لمسافة700 كيلو متر لتدخل بعدها الصفقة الي محافظة اسوان او البحر الاحمر و بالتحديد في منطقة حلايب و شلاتين ومنها الي الصحراء الشرقية ثم قناة السويس و سيناء في رحلة قد تستغرق15 يوما علي الاقل تقوم خلالها الجماعات التي تقيم علي طول خط التهريب بتولي تأمين الشحنات من نقطة الي اخري مقابل الحصول علي نصيبها سلاحا او نقدا ويعتبر تمركز عصابات تهريب البشر علي الشريط الحدودي بين مصر واسرائيل وتمركزهم بجبال عتاقه وارتباطهم بعصابات تهريب المخدرات والسلاح احد اهم اسباب انتشار السلاح في المنطقة الواقعة بالقرب من الشريط الحدودي.

نوعيات السلاح المهرب

وعن نوعية السلاح التي تدخل سيناء حاليا قال المصدر أن تلك المسألة تخضع للعرض والطلب خاصة من الزبائن الرئيسيين بقطاع غزة وإنها شهدت نقلة نوعية كبيرة جدا بعد اندلاع الثورة الليبية, حيث ظهرت لأول مرة المدافع المضادة للطائرات من عياري250 و500 ملم والمحملة علي سيارات نصف نقل تم تعديلها علي النمط الليبي علاوة علي بعض أنواع الصواريخ المضادة للطائرات خاصة من الأنواع المحمولة علي الكتف والاربي جيه بأنواعه المختلفه والمتفجرات بكافة أنواعها وكل انواع الذخائر ورغم أن الجانب الأكبر من تلك الأسلحة دخل غزة إلا ان كميات لاباس بها ظلت في سيناء خاصة المناطق المتاخمة للحدود مع غزة وإسرائيل والتي نشط السلفيون بها مؤخرا.

في بيت الدكتور عرادة

وفي بيت الدكتور سليمان عرادة بالخروبة القريبة من مدينة الشيخ زويد بالشمال حملت مخاوفي من فوضي السلاح المنتشرة في كامل سيناء إلي العواقل وشيوخ القبائل والمثقفين الذين التقيت بهم في ضيافة صاحب البيت وأجمع هؤلاء المشايخ والعواقل علي ان القوات المسلحة والشرطة قادرة علي ضبط تلك الأوضاع لأن من يسيطرون علي السلاح غير الشرعي لايحظون بحماية القبائل الشريفة والوطنية المنتشرة في كامل أراضي سيناء.

وقلل كافة المشايخ بلا أستثناء من قوة وتأثير الجماعات المتشددة الموجودة في سيناء لأن افكارها تتعارض مع أفكار الغالبية العظمي من السكان والتي تنتهج الإسلام الوسطي وترفض وجود الغرباء الذين يسيئون لها ولإسلامها ولو زعموا انهم يتحدثون بأسم الإسلام.

وأوضحوا ان انتشار السلاح في سيناء ليس جديدا فمنذ فجر التاريخ أعتادت القبائل والعائلات قي سيناء وغيرها من المناطق الحدودية والصحراوية علي حيازة السلاح لأغراض متعددة منها الدفاع عن النفس ومنها الأفتخار وفي معظم الحالات كان أهالي سيناء يستخدمون سلاحهم للدفاع عن حدود مصر وان التاريخ القريب يذكر بطولات ابنائها من مختلف القبائل بعد الإحتلال الإسرائيلي لشبه الجزيره في الخامس من يونيو1967 فقد وجهت المقاومة السيناوية ضربات موجعة لقوات الإحتلال الإسرائيلي ومهدت التربة لنصر السادس من أكتوبر المجيد.

وقال المشايخ أن مايقال عن أنتشار السلاح الثقيل في سيناء مبالغ فيه لأن مثل تلك الأسلحة عندما بدأت في التدفق علي المنطقة بعد الثورة الليبية جاءت كتجارة ترانزيت في طريقها للفصائل الفلسطينية في غزة وبالفعل دخلت معظمها إلي القطاع عبر الأنفاق وما تبقي منها كميات محدودة ولاتمثل تهديدا حقيقيا لللأمن المصري وإنما مجرد إزعاج بسيط لأن الأمكانيات الكبيرة للقوات المسلحة المصرية تجعل تلك الأسلحة بلا جدوي.

وحسبما قال لي أحد المشايخ فان طائرة واحدة أو طائرتين من طائرات القوات المسلحة المصرية الباسلة قادرة علي تطهير كافة اماكن تجمع المتطرفين وتدمير مخازن أسلحتهم والتي يعرفها الجميع بلا أستثناء.

وأكد الجميع أن أفضل وسيلة لمنع أنتشار السلاح في سيناء هو إغلاق كافة المنافذ التي يتسلل منها لمصر ومعظمها يقع علي الحدود مع ليبيا والسودان لأن سيناء مجرد نقطة وصول ولكن الإعلام يضخم من دورها في تلك التجارة رغم انها منتشرة في كل انحاء مصر تقريبا خاصة في الصعيد وأن النقطة الثانية شديدة الأهمية تتمثل في إغلاق كافة الأنفاق مع غزة وتوفير بديل قانوني للتجارة بين سيناء والقطاع.

وأشار المشايخ إلي ان سيناء بكاملها تنتظر عودة أفراد الشرطة والقوات المسلحة لممارسة أنشطتهم في حماية الأمن بسيناء شمالا ووسطا وجنوبا وتنفيذ خطط عاجلة لتنمية سيناء والإفراج عن المعتقلين من أبناء القبائل والذين لم يتورطوا في جرائم قتل أو تهديد للأمن القومي.

ومرة أخري اكد المشايخ والعواقل والمثقفون أن كل قبائل سيناء مستعدة للتعاون في حماية حدود مصر الشرقية والتصدي لظاهرة التطرف الوليدة في بعض المناطق والمستوردة من خارج سيناء

توزيع القوات المصرية بسيناء

وبعد أن أستمعت لهذه المعلومات التي تشرح كيفية وصول الأسلحة من ليبيا لسيناء لم يكن هناك مناص من مناقشتها مع أحد الخبراء العسكريين والذي أكد في البداية صحتها ولكنه اوضح انه رغم ذلك فان هذه الأسلحة وكمياتها لاتقارن بكميات ونوعيات الأسلحة التي يحتفظ بها الجيش المصري في سيناء طبقا لمعاهدة كامب ديفيد.

تعديلات علي كامب ديفيد

وأشار إلي أن الجانبين المصري والإسرائيلي قاما أكثر من مرة بتعديل الأتفاق علي كميات السلاح وأماكن تواجدها وأعداد الجنود خاصة بعد الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة في سبتمبر عام.2005 وأكد المصدر العسكري للأهرام أنه بعد ثورة25 يناير وماصاحبها من إنفلات امني في سيناء اتفقت مصر وإسرائيل بشكل غير معلن علي السماح بدخول المدرعات والدبابات المصرية إلي شمال المنطقة( ج) كما زاد انتشار سلاح المشاة المصري في أنحاء مختلفة من المنطقة ذاتها, خاصة بعد اختفاء الشرطة من شوارع رفح منذ أحداث الثورة وخاصة بعد جمعة الهوية الإسلامية في29 يوليو الماضي وماصاحبها من هجوم جريء علي قسم ثاني العريش.

قادرون علي التصدي للتطرف

قال المصدر أن المشكلة تكمن في أسلوب حرب العصابات والكر والفر الذي يستخدمه هؤلاء الأرهابيين ولكن ذلك يمكن التغلب عليه بأمتلاك زمام المبادرة خاصة وأن اماكن تجمع المتطرفين والخارجين عن القانون معروفة بشكل كبير جدا علاوة علي أن إغلاق الأنفاق وبالتالي عزل المتطرفين نهائيا أمر بسيط ويحتاج فقط للقرار السياسي. واشار إلي ان هناك تعاونا كبيرا حاليا مع مشايخ القبائل يحد من انشطة هؤلاء المتطرفين ولذلك فان المسألة لاتمثل خطورة كبيرة رغم إستمرار النشاط الإستعراضي للمتطرفين والخارجين عن القانون ولكنهم يدركون ان هذه مسألة مؤقتة.

الأهرام، القاهرة، 23/6/2012



















3.          السيناريوهات المستقبلية للثورات العربية

د. محسن صالح

يظهر أن حالة القلق والغموض تجاه مستقبل الثورات والانتفاضات وحركات التغيير في العالم العربي لم تستثن أحداً، من الإنسان العادي، إلى حركات التغيير نفسها، إلى زعماء الأنظمة ورجالاتها، إلى القوى الخارجية والكيان الإسرائيلي...!! إذ إن المسارات التي اختطتها الانتفاضات ما زالت تشهد حالة من التدافع بين الأطراف المتنافسة والمتصارعة، بشكل لم ينجل الغبار عن نتائجه النهائية حتى الآن.

ومع أن أملنا بالله كبير في أن تحقق حركات التغيير آمال شعوبها في الحرية والعزة والكرامة والنهضة، فإن القراءة الموضوعية للأحداث تبرز أربعة مسارات رئيسية محتملة، وهي مسارات يمكن أن يتحقق أي منها بدرجات متفاوتة، أو تتداخل مع بعضها بأشكال مختلفة في البلدان التي تشهد عمليات التغيير.



السيناريو الأول: التغيير والإصلاح في النطاق القطري المحلي للدولة

وتتركز فكرته على أن يتم تغيير بُنية النظام السياسي إلى نظام يعبر بشكل أفضل عن حالة ديمقراطية تعبر عن إرادة الشعب، في الوقت الذي ينكفئ فيه النظام على ذاته، وينشغل بالعشرات من الهموم المحلية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والتنموية.

إذ سيجد أي نظام سياسي ناشئ، إذا ما نجح في عبور تحدي التغيير، نفسه منهمكاً في التعامل مع مجموعة من القوى السياسية المتشابكة المتنافرة، التي يستحيل إرضاؤها جميعاً، والتي تريد أن تجد لنفسها مكاناً في صناعة القرار والتوجيه، وفي أخذ أنصبة أكبر من "الكعكة"، وقد تطلب أكثر من حجمها إذا ما شاركت، أو تسعى لتعطيل النظام وإفشاله إذا لم تشارك، بينما لن يستطيع الكثيرون التفريق بين الفوضى والانفلات والانتهازية السياسية، وبين الحرية والسلوك الحضاري المسؤول. وفي الوقت نفسه ستحدث حالات شدّ متعاكسة تجاه مسار الدولة الإسلامي أو القومي أو اليساري أو الليبرالي... بانتظار أن يحسم طرف الأمور لصالحه، أو تتعود الأطراف على احترام أصول اللعبة الديمقراطية.

وسيجد النظام الجديد نفسه أمام مؤسسات اقتصادية وتعليمية واجتماعية وأمنية وعسكرية وقضائية تكلّست أو تعفنت تحت النظام السابق على مدى عقود. وسيكون بحاجة إلى أن ينفض هذه المؤسسات حتى يستطيع أن يبدأ مشروعه الإصلاحي، وسيخرج في وجهه "عش دبابير" ممن ارتبطت مصالحهم بالنظام السابق، ليحاول إفشاله وتعطيله، وقد يحتاج النظام بضع سنوات لإرساء نظام فعال شفاف لإدارة هذه المؤسسات، وإدماجها في عملية التغيير والإصلاح.

وسيحتاج النظام إلى معادلة "سحرية خاصة" يستوعب فيها المناكفات الحزبية الرخيصة، والضغوط الخارجية، ويتعامل فيها مع بقايا النظام السابق ومراكز قواه في أجهزة الدولة، في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تحقيق منجزات سريعة وملموسة للإنسان العادي سياسية واقتصادية وأمنية.

وهذا السيناريو يعني أنه ستنشأ ديمقراطيات ضعيفة غير مستقرة، ينغمس قادتها في تطلعاتهم المحلية، وتخشى على نفسها من التدخلات الخارجية أو الصراعات الإقليمية، ويرغبون في طمأنة القوى الكبرى بعدم تجاوز "الخطوط الحمر"، مع جرعات تحسينية خجولة على سياساتهم الخارجية تجاه قضايا الأمة.



السيناريو الثاني: التغيير والإصلاح في إطار مشروع نهضوي وحدوي عربي إسلامي

وهو أكثر السيناريوهات طموحاً وتفاؤلاً، وتعتمد فكرته على أن قادة حركات التغيير يمثلون على الأغلب اتجاهات إسلامية وعروبية ووطنية، تدرك أن نهضة أقطارها لا ترتبط فقط بمشروعات محلية، وأنه لا بدّ من مشروع نهضوي وحدوي لمواجهة حالة الضعف والانقسام والتخلف التي تعاني منها الأمة، وأن قدرة حركات التغيير على النجاح في أقطارها مرهونة بنجاح شقيقاتها في الأقطار الأخرى، وبتكاملها وتعاملها واتحادها في مواجهة فلول الأنظمة وفي مواجهة مشاكلها الداخلية، ومنع استفراد القوى الدولية المعادية بأي منها.

وحسب السيناريو، فالثورات عندما خرجت لم تكن مجرد تعبير عن احتياجات البطن ورغيف الخبز، وإنما استعادة لكرامة الأمة وعزتها، واسترجاعها لصناعة قرارها بأيديها بعيداً عن الهيمنة الخارجية، وأن لهذه الأمة عدواً مركزياً هو المشروع الصهيوني، وهي بالتالي ثورات لا بدّ وأن تلامس بقوة التطلعات النهضوية والوحدوية للأمة، وتطلعاتها للوحدة ولتحرير فلسطين.

ومع أن السياق العام لهذا السيناريو يبدو منطقياً، إلا أن الملفت للنظر أن التيارات الأيديولوجية التي تصدرت عملية التغيير فضلت التركيز على الهموم المحلية وطمأنة القوى الغربية، وإبراز المعاني المشتركة المرتبطة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ليس لأن هذه التيارات غيّرت قناعاتها، وإنما لأنها تدرك أنها تأتي ضمن منظومة تغيير سلمي متدرج (كما في تونس ومصر واليمن) تحتاج فيه إلى وقت طويل لتغيير البنى التحتية للنظام لترسيخ مكانتها وبرامجها، ثم التطلع بعد ذلك إلى ما هو أوسع من مشاريع النهضة والوحدة.

ويدرك هؤلاء الحجم الهائل لقوى الإفشال والتعطيل الداخلية والخارجية إذا ما قاموا بحرق المراحل، قبل أن يتمكنوا من الوقوف على أرجلهم. وحتى أولئك الذين يأتون ضمن معادلة تغيير ثورية، يدركون إلى أي مدى أن ثوراتهم مهددة في بيئة اضطروا فيها للاستعانة بالقوى الإقليمية والدولية لتحقيق معادلات التغيير في بلدانهم، وبالتالي فإن سلوكهم "الثوري" سيقتصر على التغيير المحلي.

ومع ذلك فإن تيارات التغيير الإسلامية والعروبية مهما استغرقت في الطمأنة، ستجد نفسها أمام تحديات كبرى يضعها خصومها الداخليون والخارجيون، ستجعل من شبه المستحيل على هذه التيارات الصمود ما لم تضخ روحاً ثورية نهضوية في جماهيرها، وتكون أكثر التصاقاً بهم وتعبِّر عن تطلعاتهم في الوحدة والتحرير. وهي تطلعات لا يكفي فيها مجرد الحديث عن رغيف الخبز.



السيناريو الثالث: إعادة الأنظمة الفاسدة إنتاج نفسها ولكن بلباس جديد

تنبني فكرة هذا السيناريو على أن التغيير الذي حدث إنما مسَّ رأس النظام، كما حدث في تونس ومصر واليمن، بينما بقيت بنية النظام وشبكة مصالحه قائمة وخصوصاً البنى العسكرية والأمنية والاقتصادية والقضائية، وهي بنى تشكل "الدولة العميقة" التي لا تزال تملك الكثير من أدوات القوة والضغط، والقدرة على تعطيل وإفشال أية تغيرات جذرية يُمكن أن تضرُّ بها. وأن هذه القوى ستسعى إلى استيعاب حركات التغيير وامتصاص حالات المد الثوري. وقد تصبر قليلاً على عمليات التغيير التي تحدث، لكنها ستحاول إنهاكها وإفشالها بالانفلات الأمني، والتدهور الاقتصادي، واستعداء القوى الخارجية، والتحريض الإعلامي... وغيرها، ثم التقدم برموزها من جديد سواء على ظهر دبابة تقدم منقذاً عسكرياً، أو بناء على وصفة البنك الدولي لتقدم منقذاً اقتصادياً، وفي الحالتين تُسرق آمال الأمة في مشروع  نهضوي تحريري حقيقي.

وفي الحالتين سيتم تقديم بعض المكاسب السريعة بتوافق مع القوى الغربية، التي ستدعم الخيارات المتماهية مع سياساتها، وإن كان سيتم عمل الديكورات المناسبة، لتعطي الوجوه الجديدة للأنظمة الفاسدة أطول مدة صلاحية ممكنة، قبل أن تعود الشعوب لثوراتها من جديد.

ويندرج تحت هذا السيناريو حالة التدافع الهائلة التي نراها في مصر، وكيف يحاول المجلس العسكري امتصاص الثورة وإفراغها من محتواها، وكيف تمّت إعادة تقديم أحمد شفيق كمرشح  للرئاسة، مع إبطال أول مجلس شعب حقيقي تنتخبه مصر في تاريخها، ومحاولة نزع صلاحيات الرئيس المنتخب.



السيناريو الرابع: تفتيت المنطقة وتفكيكها على أسس طائفية وعرقية

يرتكز هذا السيناريو على فكرة قوة التأثير الخارجي في تشكيل خريطة المنطقة، وعلى قابلية المنطقة نفسها لعمليات التفتيت العرقي والطائفي، وأنها لا تملك ما يكفي لتحصين نفسها منها. كما يرتكز على رؤية أن الثورات تؤدي إلى إضعاف الحكومات المركزية وضعف الشعور بالأمان الديني والثقافي والاجتماعي، وبالتالي تكتل أبناء الطوائف والأقليات والأعراق لحماية أنفسهم بعد انحسار ظلّ الدولة المركزية عنهم.

وهي رؤية تنبني أيضا على أن بعض القوى الحاكمة (الجديدة والقديمة) ستسعى إلى حماية نفسها وتقوية نفوذها من خلال الاستعانة بالطائفة أو الأقلية التي تنتمي إليها، وهو ما سيستفز مكونات المجتمع الأخرى، ومن ثم ستسعى كل جهة لتشكيل أحزابها وقواتها الخاصة بها، وتسيطر على مناطق نفوذها، مما سيعمق الشرخ والانقسام.

وفي هذه الحالة ما على الكيان الإسرائيلي والقوى المعادية سوى تشجيع حالات الانقسام هذه سياسياً وإعلامياً وأمنياً وعسكرياً، والنفخ في نيران المخاوف والأحقاد المتبادلة... بحجة الدفاع عن حقوق الأقليات والطوائف.. وهو ما سيعطي الفرصة في النهاية لتفتيت هذه البلدان.

وهذا السيناريو تحدث عنه كتّاب ومفكرون صهاينة وغربيون أمثال برنارد لويس وألوف بن. وهو بالنسبة لهم يُبشر بتحويل "إسرائيل" إلى كيان طبيعي حيث توجد حوله دُول طائفية علوية ودرزية ومارونية وشيعية.... وبالتالي لا يكون أمراً مستغرباً أن تكون وسط هذا الموزاييك "دولة يهودية"!!



السيناريو المرجح

يعتمد تحديد السيناريو المرجح على عوامل عدة أبرزها:

1- قدرة حركات التغيير على الاحتفاظ بزخمها الثوري، والتفاف الجماهير حولها حتى استكمال عملية التغيير.

2- قدرة حركات التغيير على تقديم رموز وقيادات شعبية كاريزمية، ذات قدرة على قيادة مسار التغيير، ومَلءِ الفراغ السياسي.

3- قدرة حركات التغيير على تكوين تحالفات وطنية واسعة، تتجاوز المناكفات والابتزاز السياسي، وتقطع الطريق على فلول النظام السابق، وعلى محاولات التمزيق والتفتيت، وعلى الحروب والأزمات الداخلية.

4- قدرة حركات التغيير على تحييد العامل الخارجي (خصوصاً الأميركي) في التأثير على صناعة القرار الوطني.

5- قدرة حركات التغيير على تحقيق نجاحات ملموسة لدى المواطن العادي، وخصوصاً في مسارات الأمن والاقتصاد ومكافحة الفساد وصيانة الحريات.

6- قدرة حركات التغيير على تناول قضايا الأمة الكبرى، وخصوصاً قضية فلسطين، بشكل يعكس إرادة الجماهير وتطلعاتها.

من الصعب الدخول في تفصيل وتحليل العديد من العوامل المتداخلة وقياسها بشكل خاص لكل بلد، ولكن إذا ما حاولنا تتبُّع خط عام، فإننا نلاحظ أن:

1- عملية التغيير السلمي في تونس ومصر واليمن أبقت بدرجة كبيرة على "الدولة العميقة"، وأبقت الكثير من "فلول النظام" في مواقع فاعلة ومؤثرة.

2- ما زالت قدرة الولايات المتحدة والقوى الغربية على التأثير السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والإعلامي عالية، سواء في البلدان التي سلكت مسلكاً سلمياً، أم في البلدان التي سلكت مسلكاً ثورياً.

2- لم تتمكن قوى التغيير حتى الآن من تحقيق نتائج حاسمة في عدد من الدول، ولم يحصل أي من أحزابها أو اتجاهاتها على أغلبيات واسعة، تمكنها من تنفيذ برامجها ودونما مشاكسات أو تعطيل من القوى الأخرى، ولم تنجح حتى الآن في تقديم قيادات ذات كاريزما عالية تكون محل إجماع الجماهير.



وبالتالي فإن السيناريو في المدى القريب سيكون، والله أعلم، السير باتجاه:

1- عملية تغيير وإصلاح محدودة ودون الطموحات، باتجاه تشكيل أنظمة ديمقراطية غير مستقرة.

2- استيعاب الإسلاميين في المشهد السياسي، ودخولهم في اختبارات وتحديات قاسية ستشكل سلاحاً ذا حدَّين، فإما أن تكون فرصة يتمكنون فيها من تطوير قدراتهم وزيادة خبرتهم وتوسيع شعبيتهم، وإما أن تزول "الهالة" عنهم ويتضاءل حجمهم، نتيجة أخطاء أو ممارسات قد يقعون فيها، فضلاً عن أن الآخرين لن يتوقفوا عن محاولات "شيطنتهم" وإفشالهم.

3- دخول المنطقة في حالة من عدم اليقين، تكون أشبه بمرحلة انتقالية، في ظلّ استمرار حالة التدافع بين قوى التغيير وبين "الفلول" وبين القوى الخارجية.

غير أن حالة عدم الاستقرار لا تفتح المجال أمام فرص عودة الأنظمة السابقة بلباس جديد فقط، ولكنها قد تفتح المجال أيضاً لحالات إحباط واسعة وردود فعل عنيفة، على شكل اندفاعات ثورية جديدة أكثر قوة واتساعاً وحسماً.

وبغض النظر عن تمنياتنا للثورات بأن تستكمل مهمتها من خلال مشروع نهضوي وحدوي، يؤسس لدولة حرة تعبر عن إرادة الأمة وعن دينها وتراثها، فإن المعطيات الحالية تستبعد هذا السيناريو في المرحلة القريبة، وتجعله أقرب إلى التفكير الرغائبي، ولكن من يدري؟ فقبل نحو سنة ونصف السنة كان مجرد التفكير بمثل هذه الثورات وبمثل هذا التغيير ضرباً من الجنون أو التمنيات لمعظم المشتغلين بالدراسات الإستراتيجية.

موقع الجزيرة.نت، 22/6/2012






جهاز الأمن يعرض التغييرات في العالم العربي كدليل على الحاجة للحفاظ على المنظومات الهجومية للجيش الإسرائيلي

عوفر شيلح

أحد المفاهيم السائدة في الجيش الإسرائيلي قبل حرب لبنان الثانية ومحظورة الاستخدام اليوم في اطار ما يسمى 'اعادة بناء الجيش' هو 'اعداد المفهوم' في الجيش الإسرائيلي استخدموه لوصف عملية يتم فيها، في غموض ميدان القتال الحالي، تصميم القائد لنفسه مفهوما حول ما الذي يقف امامه. ذات مرة كان هذا بسيطا: العدو يلبس بزات رسمية، هدفه كان احتلال الارض وتحقيق الحسم، وهدفنا كان أن نعمل له ذات الشيء. في العشرين سنة الاخيرة لم يعد شيء بسيطا، ولا حتى مسموح القول 'اعداد المفهوم'.

ما يجري الان في الجبهة الجنوبية هو مثال ممتاز على هذا الغموض. عندما سألت هذا الاسبوع محافل عسكرية لماذا قررت حماس التي منذ سنة (منذ اطلاق الصاروخ على باص الاطفال) حرصت على عدم أخذ المسؤولية عن اعمال معادية ضد إسرائيل، أن تضع نفسها هذه المرة بشكل بارز بهذا القدر في جبهة التصعيد الحالية، فتلقيت بضعة اجوبة معقولة سنفصلها في السياق. ولكن الحقيقة هي أن منطق العدو، بل وحتى هويته، نتعلمه اليوم في جبهة الجنوب بالاساس من السير الى الوراء. قدرات الاستخبارات العملياتية بقيت جيدة مثلما رأينا في تصفية الفلسطيني يوم الاربعاء، حين حددته المخابرات كمشارك في العملية في بداية الاسبوع. بالفهم الواسع لمن يعمل ولماذا يعمل ومتى ولماذا سيعمل في المرة التالية الوضع اكثر غموضا بكثير.

هذا هو العالم الامني الجديد وهو سيصبح اكثر تعقيدا فيما بعقد. إسرائيل تتصدى منذ أربعين سنة مع منطقة سائبة في الحدود اللبنانية، حين يكون أرباب البيت المحميين (م.ت.ف، حزب الله) يصطدمون بها في المنطقة التي هي ظاهرا تحت سيادة دولة، ولكن عمليا ليست تحت سيادة أحد. الحدود المصرية، حدود سلام مع دولة تحافظ بحرص على الاتفاق معنا ولكن قدرتها على فرض النظام في شبه جزيرة سيناء تتضاءل، تفرض تحديا اكثر اشكالية بكثير. الجيش الإسرائيلي يتصدى لكل هذا بأدوات، منظومات وبالاساس بتفكير جيش، هو بطبيعته طريقة اعداد المفهوم الدارجة لديه هي بالاسود الابيض وبالقوى المادية. في ساعات ما بعد العملية دفع الى المنطقة بدبابات وكان هناك من تكبد عناء نقل صورها الى وسائل الاعلام لبث قوة وردع، ضرورتين بحد ذاتهما. كان واضحا بان ليس لها هدفا تطلق النار عليه، لم يكن واضحا على الاطلاق على من يمكن اطلاق النار حتى لو رأته. الدبابة هي أداة توجد لنا؛ والسؤال الكبير هو كيف نجعلها ذات صلة بالعالم الجديد، غير الخطوة السليمة بحد ذاتها التي توضع فيها صورتها المهددة في مواقع الانترنت.



مسؤولية سيادة في غزة

في جولة العنف قبل نحو سنة، أعلن رئيس الذراع العسكري لحماس احمد الجعبري بان قواته ستقود القتال. عمليا حماس وقفت جانبا حين قامت الجهاد الاسلامي (بالهام وتمويل من ايران) الى جانب لجان المقاومة بالصدام مع الجيش الإسرائيلي. هذه المرة قفزت حماس الى المقدمة، لعدة أسباب ظاهرة: أساسها كان المس بمسؤول حماس، كأحد أعمال الرد على العملية في بداية الاسبوع.

هذه السياسة ليست جديدة: إسرائيل قررت منذ زمن بعيد بانها ترى في حماس صاحب السيادة المسؤول عن أرضه، وسترد على رجاله حتى عندما يكون واضحا أن ليسوا هم من اطلقوا النار على أراضينا. هذه سياسة ضرورية لدولة، وبالتأكيد كدرس مما حصل في حرب لبنان الثانية: فهي لا يمكنها ولا تريد أن تسمح لمن يسيطر في الجانب الاخر، سواء كانت تعترف رسميا بحكمه أم لا، بالتملص من المسؤولية. من جهة اخرى، تأخذ إسرائيل بالحسبان بانه سيكون ثمن لجر حماس الى دائرة العنف، وذلك لان القوة التي لديها أكبر من تلك التي لدى الجهاد أو المنظمات الصغيرة.

رغم ذلك، أحيانا ينشأ الانطباع بان إسرائيل تريد لحماس أن تتدخل. حملة رصاص مصبوب، التي سوقت كنجاح عسكري مثير للدوار، تركت القيادة الامنية الإسرائيلية بمشاعر مختلطة. ومع أنها استغرقت نحو ثلاثة أسابيع وعرضت في إسرائيل كشبه حرب، الا انها لم تغير من الاساس الوضع في الجنوب، بل ولم تحقق هدوء بعيد المدى، مثل ذاك السائد في الشمال. يحتمل الا يكون ممكنا تحقيق كل هذا دون احتلال غزة، الامر الذي لم يرغب فيه احد حقا؛ ولكن مرة اخرى، مثلما في حرب لبنان الثانية، الخطاب المبالغ فيه للقادة واستمرار القتال الى ما يتجاوز حافة جدواه خلقا مطلبا جماهيريا لانجاز، الوضع على الارض ببساطة لا يمكن أن يوفره.

كل جولة من المواجهة مع حماس، التي من الواضح انها لا تريد رصاص مصبوب 2، ولا حتى شيئا اصغر منه بكثير، تسمح لإسرائيل بنوع من التعديل الصغير. منظومة 'قبة حديدية' وان لم تكن كاملة الاغلاق، تحسن الفرصة بانهائها بضرر بالحد الادنى في الارواح في طرفنا، وبالمقابل المس بالطرف الاخر بشكل ناجع. في ختام هذه الجولات يكون احساس بان تكتيكيا حقق الجيش الإسرائيلي انجازات وإن كان لا يمكن أن يكون معنى لترتيب يأتي بعد العنف إذ لا يوجد ترتيب كهذا. ولكن في دولة تتعاطى مع قدرات جيشها بقلق قدسي، وتهرع بشكل غير متوازن حين يخيل لها بانه لا يتغلب على اعدائه في كل مواجهة، مهما كانت صغيرة، تبدو حتى هذه الانتصارات الصغيرة ضرورية. وبالتالي، ضرب الجيش الإسرائيلي مسؤول حماس وهذه المرة المنظمة المسيطرة في غزة قفزت الى المقدمة. اسباب ذلك على ما يبدو أكثر تعقيدا. تقارير من غزة تبين أن حماس توجد في حالة ضغط: الحياة في القطاع لم تصبح أسهل في السنوات الخمسة من حكمها. الجهاد الاسلامي، لجان المقاومة وما يسمى عندنا بتعابير ضخمة 'الجهاد العالمي' تعرض حماس كمنظمة سمنت وترهلت، هجرت طريق المقاومة وعمليا تحاول أن تعيش الى جانب إسرائيل اكثر مما تحاول القتل بها. هذه الضغوط حاولت حماس ازالتها بعض الشيء في الجولة الحالية.

الطرفان يديران القتال مثل قنفدين: بحذر شديد. كل واحد يقول لنفسه ان الطرف الاخر يرد فقط أن ينهي هذا بسلام ولا احد يرى انجازا حقيقيا يمكن تحقيقه. كل واحد يعرف بان ضربة بالصدفة لمقذوفة صاروخية أو لصاروخ من طائرة يمكن أن تشعل نارا كبيرة: في معركة الصورة هذه المجتمع الذي في الخلفية، الذي يحاول الخائضون للقتال تلبية ارادته أكثر مما يؤمنون بانهم يمكنهم أن يحققوا له حسما، لن يوافق على التوقف وسيطالب بالتصعيد في حالة سقوط مقذوفة صاروخية على روضة اطفال او مس صاروخ بالمدنيين.

الرسائل التي ترسل الى وسائل الاعلام مهدئة؛ الاقوال لمصر الوسيط المنشغل بمشاكله الداخلية وليس لديه حقا الوقت لنا هي 'هيا نجد السبيل للانتهاء من هذا'. باستثناء انه في هذه الاثناء الجنوب يتلقى النار، وسكانه الذين يعانون لا يفهمون وعن حق، من ناحيتهم، كيف أن كل هذه القوة غير قادرة على ان تحقق لهم حقا أساسيا، يعتبر شمالي اسدود طبيعيا وبسيطا.





السوريون على الجدران

قطاع غزة هو القسم الاوضح في القصة. جنوبه تقع حدود برية طويلة، توشك على أن تضع في السنوات القادمة أمام الجيش الإسرائيلي تحديات صعبة. جدار الحدود، حين سيستكمل، سيكون عائقا ناجعا في وجه مهاجري العمل والمهربين. ولكن بحد ذاته، لن يكون فيه ما يوقف خلية ارهابية مصممة ومسلحة، وبالتأكيد لن يمنع النار من الاراضي المصرية على إسرائيل.

في الجانب الاخر تقع أرض سائبة، بطبيعتها المادية، هوية سكانها وبالاساس رب بيتها تعطل جزءا من الوسائل الاستخبارية التي لإسرائيل في جبهات اخرى. ليس كل ما هو مسموح في لبنان مسموح في مصر، وبالتأكيد ليس التوغلات العلنية الى الاراضي التي في السيادة المصرية. المنطقة مأهولة بحجم ضئيل، وبعشائر بدوية يصعب على نحو خاص جمع المعلومات الاستخبارية من داخلها.

في الجيش الإسرائيلي اشاروا هذا الاسبوع الى التطرف الديني الذي طرأ في أوساط جزء من البدو في سيناء. ولكن منفذي العملية هذا الاسبوع، اذا كنا سنصدق الفيلم الذي نشر، جاءوا من مصر ومن السعودية، واستعانوا بمعاونين محليين دوافعهم من غير الضروري أن تكون ايديولوجية: المال هو شيء ملموس في اوساط السكان من الذين يرتزقون بعدم احترام من تهريب الاشخاص والبضائع. الجدار، الذي يفترض أن يقلص جدا تيار المتسللين الى إسرائيل سيجعل صعبا جدا مصدر الرزق هذا. يحتمل بالتأكيد ان حتى بعد استكماله، ستجد قوات الجيش الإسرائيلي نفسها في صراع مستمر على استكماله، حيال بدو سيسعون الى احداث ثغرات فيه.

هذا صراع القوة العسكرية، سواء كانت بالدبابات او حتى بوسائل متطورة، تتحدث فيه قليلا جدا. القيود شديدة، المعنى السياسي لخطأ ما يمكن ان يكون خطيرا. وبالذات وسائل قديمة ظاهرا، مثل الاستخبارات الميدانية لقوات يقظة، كفيلة بان تكون اكثر نجاعة من القوة التكنولوجية التي تخدم إسرائيل جيدا في جبهات اخرى.

جهاز الامن يعرض التغييرات في العالم العربي، بما فيها صعود الاخوان المسلمين في مصر، وكدليل على الحاجة للحفاظ على المنظومات الهجومية للجيش الإسرائيلي، إذ توجد امكانية أن تصبح الحرب المتماثلة التقليدية مرة اخرى امكانية واقعية. ولكن يخيل أن سيناريو اكثر معقولة هو انتشار نموذج الحدود المصرية الحالية الى حدود اخرى ايضا. المظاهرة في يوم النكبة في العام الماضي، والتي تحولت الى هجوم على الجدار الحدودي مع سوريا تعطي لذلك تلميحا اوليا. هناك أيضا، الاستعداد في المنطقة والاستخبارات الميدانية كانت ذات معنى اكبر بكثير من التحليل المسبق الذي اعتمد على وسائل اكثر تطورا بكثير. اذا كانت سوريا بعد الاسد ستصبح، مثلما يتوقع الكثيرون، دولة مشكوك أنها تؤدي دورها وممزقة من الداخل، معقول أن يسعى جزء من الضغط الى الخروج عبر الحدود مع إسرائيل، الحدود الاكثر هدوء لدينا منذ 1975.



قلقون على الحدود

كل هذا يرتبط حتى بالموضوع الامني المدني الاكثر سخونة، والذي سيوفر عناوين رئيسة كبرى ابتداء من الاسبوع القادم. توصيات لجنة بلاسنر، التي جاءت لتخلق بديلا لقانون طل. اذا ما تضمنت وظائف الجيش الإسرائيلي من الان فصاعدا جزءا اكبر من سلاح الوضع، الذي يحافظ على الحدود الطويلة في وجه المتسللين، المخربين والاعداد الذين هم هكذا وكذلك، فان احتياجاته من القوى البشرية كفيلة بان تتغير.

ذات مرة سألت اليعيزر شتيرن، رئيس شعبة القوى البشرية السابق، ماذا كان الجيش سيفعل لو الغيت دفعة واحدة تسوية 'توراته ايمانه'، وكمية كبيرة من الاصوليين تجندت بالفعل. كنت سأقيم كتائب أمن جاري تحافظ على الحدود، قال شتيرن بنصف فم وهو لا يؤمن بان مثل هذا الامر سيحصل بالفعل، وعلى علم جيد باشكاليته في ترتيبات الحياة للجيش وأقلص الاستخدام للاحتياط.

يحتمل بالتأكيد، أن في السنوات القادمة سيحتاج الجيش الإسرائيلي الى مزيد من جنود الامن الجاري كهؤلاء. التفوق التكنولوجي، قدرة حركة القوات والقوة الجوية، التي هي أساس مفاهيم القتال الحالية في الجيش، كفيلة الا تكون مناسبة للوضع في الحدود. من أجل هذا يحتاج الجيش، الذي لا يزال يتصدى لنتائج تغير التهديدات والثورة التكنولوجية، الى اعادة اعداد المفهوم لعالمه من جديد. المنظومة المدنية التي تلفه تحتاج هي ايضا الى اعادة صوغ العالم الذي تحيا فيه، مطالبها من الجيش وما يتعين عليها أن توفره له. هذه مهمة كبيرة تحتاج الى التخطيط، تنسيق التوقعات بين القيادة السياسية والعسكرية والتنفيذ الدقيق للقرارات. من يتصفح التقريرين الاخيرين لمراقب الدولة من حقه أن يشكك في أن يتم هذا. فبعد ما يقوله المراقب لنا عن الطريقة التي لا تنفذ فيها القرارات، عن طبيعة واداء قيادة الامن القومي، او عن الاداء المخلول سلطة الطوارىء الوطنية يجب أن يكون جد متفائل كي يؤمن بان الواقع الجديد على الحدود سيجلب معه أيضا التغيير اللازم.

معاريف 22/6/2012

القدس العربي، لندن، 23/6/2012

5.          إسرائيل" والتحديات الأمنية: دولة لا تنام

محمد خالد الأزعر

اعتبر بنيامين نتنياهو في كلمته أمام مؤتمر معهد الأمن القومي في تل أبيب أواخر أيار(مايو) الماضي، أن بلاده تواجه راهناً أربعة تحديات أمنية؛ هي على التوالي بحسب تصنيفه لأولويتها: المشروع النووي الإيراني، ثم الصواريخ المصوبة تجاه إسرائيل من غزة ولبنان، ثم الحرب «السيبرية» التي تعني مهاجمة شبكات الحواسيب العسكرية والمدنية، ثم مستودعات الأسلحة في المنطقة.

ولا نعتقد أن نتنياهو ورهطه من السذاجة إلى الدرجة التي تجعلهم يغفلون عن كون التحديات التي تتربص بدولتهم، هي أكثر بكثير مما استطردوا إليه في مؤتمرهم. ولا يقدح في هذا الاعتقاد القول إن نتانياهو إنما قصد الإشارة إلى التهديدات الأمنية الخارجية بالذات. فحتى على هذا الصعيد ثمة ما يدفعنا إلى الزعم بأن العقل الاستراتيجي الإسرائيلي لا يسعه الاستخفاف بتحديات ربما كانت أكثر إلحاحاً من «السيبرية» وصواريخ غزة، لا سيما أن كان الحديث يدور حول الأجلين المتوسط والممتد.

من ذلك بلا حصر، تحدي انبعاث الكيان السياسي الفلسطيني وإعادة تبلوره واستقطابه للاعترافات الدولية، وهو ما قد يشكل النقيض التاريخي لسيرورة الكيان الصهيوني. والتحدي المنبثق من عدم اليقين إزاء مآلات التحولات الأيديولوجية والنظامية المتفاعلة بالجوار الإقليمي العربي. والتحدي المرتبط بمستقبل تجدد النزوع الروسي إلى مزاحمة الظهير الأميركي لإسرائيل على قمة النظام الدولي، والتحدي المحتمل الناجم عن اهتزاز مكانة إسرائيل وصورتها في عالم الغرب بعامة ولدى الرأي العام الأوروبي بخاصة؛ الذي بلغ حد اعتبارها دولة سيئة السمعة وخطيرة على الأمن العالمي. كذلك فإنه ليس بلا مغزى سلبي بالنسبة لأمن إسرائيل، أن يتزايد عدد اليهود، الذين لا يرون في الهجرة إليها حلاً أمثل لوجودهم وحيواتهم أو ملاذاً أخيراً لاستقرارهم في هذا العالم الفسيح.

في كل حال يصح لنتنياهو ونخبة الاستراتيجيين الإسرائيليين أن يستبعدوا هذه التحديات ونحوها من حساباتهم للأخطار الأمنية الخارجية الضاغطة، سواء جاء هذا الاستبعاد عن تقليل من شأنها أو عن جهل حقيقي بوطأتها على دولتهم. لكن ما لا يمكن إدراجه في باب الاستبعاد العفوي، هو حجم التهديدات والأخطار التي تواجهها إسرائيل على المستوى الداخلي، حيث تتفاعل هذه التحديات تحت سمع المعنيين وبصرهم. ومنهم من ينبه إلى إلحاحها وأهميتها بالنسبة إلى مستقبل الدولة وجوداً وزوالاً. فمنذ بداية العام 2012 والحديث لا ينقطع في إسرائيل عن التهديد الذي يمثله تمرد المستوطنين وعدم التزامهم النظام العام والقوانين، إلى درجة استمرائهم للتعدي بالقول والفعل على بعض الوحدات العسكرية المخصصة أصلاً لحمايتهم. وكان بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين قد عقبوا على واحد من هذه التعديات بأن «...المستوطنين يوشكون على أن يصبحوا دولة داخل الدولة...». إلى ذلك، ثمة أنماط من الحقائق الاجتماعية والاقتصادية التي تذرع تضاعيف «المجتمع الإسرائيلي» طولاً وعرضاً، وتوجب القلق الأمني مثل الفساد الأخلاقي والمالي والإداري؛ الذي حمل رئيس الدولة السابق إلى السجن. وانتشار عصابات ومافيات الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والدعارة. والانشطارات والصدوع الثقافية الطولية إلى درك التربص، ولعله العداء، بين جماعات المتدينين والعلمانيين، وبين المهاجرين والمستوطنين القدامى والجدد. والتفاوت الطبقي المذهل الذي يقذف بنحو ربع الإسرائيليين إلى ما دون خط الفقر ويودع عشرهم في هاوية الجوع والمسغبة. ذلك في الوقت الذي تلتهم فيه الموازنة العسكرية معدلات قياسية من الناتج العام، حفاظاً على قابلية الدولة لاحتلال الشعب الفلسطيني وجاهزيتها للعدوان على دول وشعوب أخرى في أي لحظة. المعروف فقهياً، أن الدول الواعية استراتيجياً لا تستثني من حساباتها الأمنية الشاملة التهديدات المتربصة بجبهتها الداخلية.

وفي حالات بعينها تحظى مقاربة هذه النوعية من التهديدات بالأولوية، على اعتبار أن جبهة داخلية موشاة بالصدوع والخروق والأعصاب العارية لا يسعها مواجهة الكثير من التحديات الخارجية. والحال أن إسرائيل، بعد أربعة وستين عاماً من إعلانها، ليست في أفضل أحوالها الأمنية. وفي تقديرنا أن نتانياهو ونخبته الاستراتيجية على دراية كافية بهذه الحقيقة. لكن الدراية بالحقائق شيء والإفصاح عنها على الملأ شيء آخر.

الحياة، لندن، 23/6/2012




مأمون كيوان

يتذكر الإسرائيليون راهناً ذكرى مرور 71 سنة على حادثة الفرهود التي وقعت في العراق، وزُعم أنها أفضت إلى مقتل 179 رجلاً وامرأة وطفلاً. مسجلة أسماؤهم في مركز تراث يهود بابل في أور يهودا بحسب الصحافي تسفي غباي الذي قال في مقالة نشرتها صحيفة "إسرائيل اليوم" في 14/6/2012: "ورغم ان التاريخ ليس تنافس كوارث، يجب ان نذكر انه تم في الدول العربية تطهير عرقي، فلم يكد يبقى فيها يهود، وكلما بكّرنا للحفاظ على تراثنا المجيد والغني وتذكر ضحايا يهود الدول العربية بصورة رسمية سنقوي مكانتنا الوطنية والدولية. وسنساعد بذلك ايضا على الوعي في العالم العربي لا سيما بين مثقفين عرب، فهناك من يعتقدون أنه حدثت في الشرق الاوسط كارثة كان ضحاياها يهوداً لا عرباً فلسطينيين فقط".

تنسجم مزاعم غباي مع مزاعم الحركة الصهيونية التي عمدت منذ زمن طويل إلى تضخيم الحوادث الفردية البسيطة التي ترتكب ضد اليهود أو مؤسساتهم واظهارها على أنها تشكل تياراً عاماً معادياً لليهودية تطلق عليه اسم الموجات اللاسامية، وذلك لدفع اليهود إلى الانعزال والتقوقع وعرقلة اندماجهم في مجتمعاتهم، وبذلك يصبحون في بيئة مناسبة لتغلغل الدعاية الصهيونية بينهم وتهيئتهم للهجرة إلى "إسرائيل" التي صورتها الدعاية الإسرائيلية على أنها المكان المأمون الوحيد لليهود في العالم وواكبت عملية إشاعة القلق بين اليهود السعي إلى غرس الخوف من الاضطهاد من أجل تحطيم الوجود الأمني الذي تمتع به اليهود في حياتهم بين العرب.

وتحت عنوان "الدفاع الذاتي في مواجهة الاضطهاد" كتبت الموسوعة اليهودية Encylopedia Judaica  شارحة: "كانت الحكومة العراقية مقتنعة أن القنابل جرى زرعها من قبل اليهود، لإهانة العراق أمام أنظار العالم. وفي يونيو/حزيران 1951 جرى اعتقال عشرات اليهود، واتهم بعضهم بزرع تلك القنابل. وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 1951 حكم على اثنين منهم هما جوزيف بصري، وهو محام وإبراهام صالح، وهو صانع أحذية بالموت، وجرى شنقهما على مرأى من الجميع في يناير/كانون الثاني من عام ،1952 وكان هذان الشابان من نشطاء منظمة حالوتس الصهيونية السرية، والتي كانت قد تأسست عام ،1942 وقامت بتنظيم اليهود في خلايا صغيرة بغية دراسة العبرية ومتابعة التطورات الحاصلة في فلسطين. وتم تدريب حوالي ستمائة عنصر من الهاغاناه.



مخبرون متورطون

وذكرت صحيفة هاعولام هازيه: "من جهة أولى، إن جميع المهاجرين الذين تابعوا "المسألة العراقية" عن قرب، أو الذين كانوا مرتبطين بها على نحو أو آخر، بما في ذلك عائلتا الشابين اللذين جرى إعدامهما اتفقوا على الثناء على صحيفة هاعولام هازيه قرارها بفضح السر. "لقد حان الوقت-كما كتبت الصحيفة- بالنسبة لسكان "إسرائيل" كي يعرفوا الجهود التي بذلت من أجل إحضار يهود العراق إلى "إسرائيل". وما الذين تركوه خلفهم". وأوضحت صحيفة هاعولام هازيه أن المخبرين الذين زودوها بالمعلومات هم من المتورطين في أحداث بغداد، ويبدو واضحاً كل الوضوح، أنه إذا كانوا هم المسؤولون عن زرع القنابل، فإنهم غير جاهزين للاعتراف بأنهم تسببوا، عمداً، بأكثر من العدد الأدنى للإصابات. أحد أولئك المتورطين، ممن قرروا إراحة ضمائرهم يدعى يهودا تاجار، وهو مسؤول في وزراه الخارجية الإسرائيلية، وعمل آخر المطاف ملحقاً في السفارة الإسرائيلية في لندن. وهذا ما أورده نسيم رجوان، من يهود العراق، في كتابه: "يهود العراق ثلاثة آلاف عام من التاريخ والثقافة".

وبلغ تبلبل الأوضاع في أعقاب التحقيقات الأولية حداً جعل الحكومة تصدر في 26 يونيو/حزيران 1951 بياناً قالت فيه إنها اكتشفت حلقة تجسس في بغداد يديرها اثنان من الأجانب تم اعتقالهما، وتم أيضاً، اعتقال معظم شركائهما بمن فيهم المسؤولون عن التفجيرات، كما اكتشفت أجهزة الأمن مخابئ سرية في الكنس وبعض البيوت مملوءة بأنواع المتفجرات، والمصنفات والآلات الكاتبة وآلات طباعة وقوائم عضوية. وقد ضبط كل ما تم ذكره بحضور القاضي المكلف بالتحقيقات ومسؤول شرطة بغداد، وحضور عددٍ من أعيان اليهود. ووفقاً لما أعلنته السلطات فإن تلك الأعمال الإرهابية هدفت إلى تحقيق ثلاثة أشياء:

1- إرهاب اليهود وإجبارهم على الهجرة إلى "إسرائيل". وهو الأمر الذي لم يتحقق في واقع الأمر.

2-استغلال تلك الأحداث لنشر دعاية مضادة تستهدف العراق.

3- إثارة اهتمام البريطانيين والأمريكيين في ما يتعلق بموضوع العلاقة بين اليهود والعرب.

كشفت التحقيقات الستار عن الحركة السرية المسماة Tenu,d وعن كل تحصيناتها. وتم سجن الكثير من اليهود، واثنان منهما أعدما شنقاً. وإحدى الحجج المفحمة التي لجأت إليها الحكومة لإثبات أن أعمال الإرهاب هذه من تدبير اليهود وليس المسلمين (كما ذهب ظن اليهود بادئ الأمر) أنها، أي تلك الأعمال، وقعت في الأماكن التي يجتمع فيها اليهود في العادة، وهدفت إلى بث الذعر فيهم من دون إيذائهم، حسب ما أكدته سيلفيا حاييم في كتابها: "جوانب من حياة يهود بغداد في ظل الحكم الملكي".



دور "الموساد"

ولا بد من التذكير، أن عملية إخراج العراقيين اليهود نظمها جهاز الموساد وأطلق عليها اسم "عملية عزرا ونحميا" في إشارة إلى سفرين من أسفار التوراة، وعين مردخاي بن-بورات، العراقي المولد، ليقوم بتنفيذها. وقد وصف نوآم بن-يهودا، أحد عملاء الموساد في قبرص، هذه العملية بأنها ربما مثلت "دون غيرها أعظم الإنجازات لاستخبارات دولتنا. وعرف بن-بورات باسم "مراد أبو القنابل" من قبل العراقيين اليهود في "إسرائيل"، الذين يتهمونه بأنه كان وراء التفجيرات التي وقعت في بغداد أثناء تنفيذه لمهمته. وبمناسبة حصوله، في إبريل/ نيسان عام ،2001 على "جائزة إسرائيل" لدوره "المفصلي" في هجرة اليهود العراقيين إلى "إسرائيل" قام بسرد قصة حياته.

وكانت مهمة بن-بورات عام 1950 تتلخص بـ"مساعدة الصبيان والبنات، الذين يريدون عبور الحدود"، وفي السنة التالية اعتقل بن-بورات وعذب عدة مرات، حسبما يقول، ولكن تم تهريبه من البلاد من جديد، هذا المرة في طائرة نقلت اليهود إلى "إسرائيل". وبعد عودته طلب منه إنشاء مخيم مؤقت للمهاجرين، وسرعان ما تحول المخيم إلى مدينة، هي أور يهودا، وأقيمت على أنقاض القرية الفلسطينية كفر عانة، شرقي يافا. وفي عام 1979 أرسله مناحيم بيغن، رئيس الوزراء آنذاك، إلى إيران لـ"إنقاذ" اليهود هناك، وبقي في إيران ثلاثة أسابيع، بصفته مبعوثاً لـ"مجلس الوكالة اليهودية"، و"نجح" بإخراج 2000 يهودي، لكن الثورة وقعت، و"لم نتمكن، نحن الإسرائيليين من الخروج"، فجاءت طائرة أمريكية وأخرجت هؤلاء مع أجانب آخرين من هولندا والولايات المتحدة.

وظل بن-بورات منخرطاً في إخراج ما تبقى من يهودٍ في العراق حتى عام ،2001 فقد ذكرت وكالة "ورلد نيت دايلي" للأنباء أنه "برع منذ عام 1995 في إخراج اليهود المتبقين في العراق وإعادتهم إلى إسرائيل، وهم نحو ،160 ومعظم هؤلاء ذهبوا إلى بريطانيا وهولندا. وقد تمت رشوة مسؤولي الحدود العراقيين حتى يسمحوا لليهود بالعبور إلى الأردن".

وقد كشف كتّاب عديدون عن دور المخابرات الصهيونية، التي لجأت إلى وسائل إرهابية لدفع اليهود إلى ترك البلدان العربية، من بينهم نعيم جلعادي، وهو يهودي عراقي لم يعاصر أحداث خروج اليهود من العراق فحسب، بل أسهم هو نفسه في البداية في مخططات الصهيونية وممارساتها لتحقيق هذا الهدف.

وأوضح شلومو هيلل دوره في هذه العملية بقوله إنه كان يتحرك مابين فلسطين والعراق، وبالطائرة أحياناً، وأحياناً بارتداء الزي العربي (العباءة والعقال) ليتنقل بالطرق البرية مابين فلسطين والعراق وتركيا وإيران، في حين كان قد تم إنشاء محطة مخابراتية للموساد في بغداد نفسها تحمل أسماء رمزية ثلاثة هي (ديكيل) و(أورين) و(بيرمان).

وكان الصحافي بن درور يميني قد زعم أن اليهود تعرضوا لمجازر عديدة في ليبيا والعراق وسوريا والجزائر وشمال إفريقيا، وذلك في إطار الترويج للهجرة إلى الكيان وزرع عامل الخوف في نفوس اليهود للمغادرة إلى "إسرائيل".

واكتشف يميني أنه خلال الأربعينات من القرن الماضي كان التبادل السكاني وعمليات التهجير في سبيل إيجاد دولة قومية هي نهج مألوف، حيث مر بمثل هذه التجربة عشرات الملايين من البشر. وقال إن "الفلسطينيين وحدهم، يضخمون أسطورة النكبة يوماً بعد يوم".

واكتشف نكبة أخرى، يدعوها النكبة اليهودية الأكثر خطورة من النكبة الفلسطينية، والفرق الوحيد أنه لم يحوّل اليهود نكبتهم إلى روايتهم المؤسِسة، بل عكس ذلك هو الصحيح. لم يعلنوا الحرب على أي من البلدان التي كانوا يقيمون فيها، بل كانوا "مواطنين أوفياء"!

ويبدو أن بن درور يميني يعتقد أن الفلسطينيين هم أعداء أنفسهم فنكبتهم هي من صنع قيادتهم، ويتناسى عمداً أن النشاط الصهيوني في البلاد العربية هو الذي نقل يهود تلك البلاد من مواطنين مشكوك بولائهم نتيجة الأعمال التخريبية الصهيونية والموسادية في العراق ومصر، على سبيل المثال لا الحصر، (حادثة الفرهود، وفضيحة لافون) وإلى محتلين في فلسطين.

الخليج، الشارقة، 23/6/2012


[مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى: سيناء تتحول بالتدريج إلى جنوب لبنان آخر]

"معاريف"، 19/6/2012



قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أمس (الاثنين) إن السيطرة المصرية على ما يحدث في شبه جزيرة سيناء أصبحت هشة للغاية، وأعرب عن أمله بأن ينفذ الرئيس المصري المنتخب التزامات بلده الدولية، بما في ذلك اتفاق السلام المبرم مع إسرائيل.

وجاءت أقوال باراك هذه تعقيباً على الأحداث التي شهدتها منطقة الحدود مع مصر في جنوب إسرائيل أمس (الاثنين)، وذلك بعد يومين من إعلان سقوط صاروخ من طراز "غراد" على منطقة إيلات قال الجيش الإسرائيلي إن مصدره سيناء.

وقد بدأت تلك الأحداث منذ ساعات الصباح الباكر بقيام خلية مسلحة مؤلفة من ثلاثة أفراد بالتوجه نحو أحد المواقع التي تجري فيها أعمال إنشاء الجدار الحدودي على طول تلك المنطقة، وتسلل اثنان من أفرادها إلى داخل الأراضي الإسرائيلية بينما بقي الثالث داخل الأراضي المصرية، وأطلق المسلحان النار على سيارة كان يقودها المواطن العربي الإسرائيلي سعيد فشافشة من حيفا، وهو أحد عمال وزارة الدفاع الذين يعملون في إنشاء الجدار، الأمر الذي أدى إلى مقتله، كما أطلقا صاروخاً من طراز "أر. بي. جي" على سيارة أخرى إلا إنه أخطأها، وبعد ذلك اصطدما بقوة تابعة للواء جولاني وجرى تبادل إطلاق النار بين الجانبين أسفر عن مقتل المسلحين، ولاذ الثالث بالفرار.

وعلى الفور أعلنت حالة الطوارئ في جميع المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لمنطقة الحدود مع مصر، كما توجهت دبابتان إسرائيليتان إلى تلك المنطقة وذلك خلافاً لما ينص عليه اتفاق السلام بين الدولتين الذي التزمت إسرائيل فيه إبقاء هذه المنطقة خالية من الدبابات والمدفعية والصواريخ المضادة للطائرات، لكن بعد وقت قصير صدرت الأوامر بانسحابهما. وقال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إنه تم توجيه الدبابتين بسبب العملية المسلحة التي تعبر حدثاً غير مألوف.

وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية رفيعة المستوى إن منطقة سيناء تتحول بالتدريج إلى جنوب لبنان آخر، لكن مع فارق جوهري واحد هو أن إسرائيل تعمل في منطقة الحدود الجنوبية في مقابل دولة يربطها بها اتفاق سلام، بينما تتعامل في منطقة الحدود الشمالية في مقابل منظمة حزب الله. 

وعلمت صحيفة "معاريف" أن المداولات التي جرت في أروقة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية خلال الأيام القليلة الفائتة، تضمنت تقديرات فحواها أن السيطرة المتوقعة لحركة "الإخوان المسلمين" على مقاليد السلطة في مصر من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد التوتر في منطقة الحدود الجنوبية، وأن السلطة المصرية الجديدة لن تخف إلى معالجة الأوضاع المتدهورة في سيناء وستكون أكثر انشغالاً بالأوضاع الداخلية.

وقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إن العملية المسلحة التي جرى تنفيذها أمس (الاثنين) في منطقة الحدود مع مصر كانت موجهة ضد العمال الذين يقومون بأعمال إنشاء الجدار الأمني في تلك المنطقة.

وأضاف رئيس الحكومة، الذي كان يتكلم في مستهل الاجتماع الذي عقدته كتلة الليكود في الكنيست بعد ظهر أمس (الاثنين)، أن هذه العملية لن توقف أعمال إنشاء الجدار "الذي يهدف إلى منع الإرهاب، والى منع دخول المتسللين على حد سواء، ويعتبر بناؤه بمثابة مصلحة وطنية إسرائيلية عليا." وقال: "إنني أومن بأنه لو لم تقرر الحكومة قبل عامين إنشاء هذا الجدار لكنا سنواجه الآن سيلا كبيراً من المتسللين، وربما سيلاً أكبر من العمليات الإرهابية."

على صعيد آخر، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء أمس (الاثنين) هجوماً على خلية فلسطينية في بيت حانون في قطاع غزة كانت تستعد لإطلاق قذائف على إسرائيل. ووفقاً للتقارير الواردة من القطاع أسفرت هذه العملية عن مقتل اثنين من أفراد الخلية وإصابة اثنين آخرين بجروح.







[تقرير مراقب الدولة بشأن التقصير في إخماد حريق الكرمل  يكشف عدم جهوزية الجبهة الخلفية في حالات الطوارىء] -عاموس هرئيل - محلل سياسي-"هآرتس"، 21/6/2012



  • إن المشكلات الخطرة التي يكشفها تقرير مراقب الدولة ميخا لندنشترواس بشأن حريق الكرمل، والمتعلقة بنوعية التحضيرات المسبقة للأجهزة العملانية في إسرائيل وكيفية اتخاذ القرارات في القيادة، لا يجب أن تفاجىء أحداً، ولا سيما الذين قرأوا قبل أسبوع تقارير المراقب عن أداء المجلس القومي الأمني خلال قضية الأسطول التركي.
  • ثمة مسألة أخرى مهمة يثيرها تقرير مراقب الدولة عن كارثة حريق الكرمل، وهي مدى جهوزية الجبهة الخلفية لمواجهة حالات الطوارىء، عسكرية كانت أم غير عسكرية.  إذ تشكل فرق الإطفاء، التي بيّن حريق الكرمل بؤس أحوالها، جزءاً مهماً من قوات الإغاثة في حالات الطوارىء، وثمة أهمية كبيرة لمهارة الإطفائيين ودرجة جهوزيتهم، سواء أكان الأمر يتعلق بإطفاء الحرائق في الغابات أم بسقوط الصواريخ والقذائف من لبنان وإيران.
  • وتبدو هذه المشكلة اليوم أكثر أهمية من المعتاد، ولا سيما في ظل فشل جولة المفاوضات بين الدول الكبرى وطهران في موسكو، وفي ظل مخاوف العالم الكبيرة من هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. هناك خبراء يشرحون لنا أن الخطر الذي تشكله الصواريخ على الجبهة الداخلية هو أقل مما قد يبدو للوهلة الأولى، وأن تقيد المواطنين بتوجيهات قيادة الجبهة الخلفية من شأنه أن يقلص الأضرار التي قد يتسبب بها هذا الهجوم. إلاّ إن الدفاع عن الجبهة الخلفية مرتبط بأداء العديد من أجهزة الإغاثة التي تعمل بصورة مستقلة بعضها عن بعض، ويبدو أن جهاز الإطفاء هو الحلقة الأضعف بينها.
  • لقد كشف التقرير الأخير افتقار رجال الإطفاء إلى التدريبات والتمرينات، فضلاً عن تدني المستوى العملاني لديهم، والنواقص الكبيرة في المعدات، وهذه جميعها أمور كان يعرفها المسؤولون قبل وقوع كارثة الحريق.
  • بعد مرور عام ونصف العام على كارثة الكرمل، لا تزال هناك ثغرات بارزة في إعداد الجبهة الخلفية للحرب، فوضع الملاجىء العامة ما زال سيئاً، ولا تزال عناصر مهمة بحاجة إلى مئات الملايين من الشيكلات (في الوقت الذي تصرف فيه ميزانيات ضخمة على  المسائل الهجومية)، كما أن هناك نقصاً في الأقنعة الواقية من الغازات يطال ثلث السكان، وهذا أمر مقلق جداً في ظل التخوف من انتقال الأسلحة الكيماوية التي في حيازة نظام الأسد في سورية.
  • مما لا شك فيه أن أموراً كثيرة تم إنجازها من أجل الجبهة الخلفية بعد الإخفاقات التي كشفتها حرب لبنان الثانية في سنة 2006 وحريق الكرمل، لكن ثمة شكاً كبيراً في أن ما أُنجز حتى الآن كاف لإصلاح التقصير.


أسباب فشل المحادثات النووية في موسكو مع إيران

باراك رابيد-  محلل سياسي-"هآرتس"، 21/6/2012



  • فشلت المحادثات المكثفة التي جرت في موسكو يومي الاثنين والثلاثاء بين الدول الست - الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وألمانيا - وبين إيران، وذلك بسبب إخفاق الطرفين في جسر الثغرات الكبيرة في المواقف بينهما وإحداث انعطافة في المفاوضات.
  • وذكر دبلوماسي غربي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن إحدى النقاط الخلافية الأساسية التي كشفتها محادثات موسكو تتعلق بمنشأة تخصيب اليورانيوم الموجودة تحت الأرض في فوردو بالقرب من مدينة قم. واستناداً إلى كلامه فقد تطرق الإيرانيون، بصورة عامة، إلى مطلب وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20٪، وإخراج الكميات المخصبة خارج الأراضي الإيرانية، إلاّ إنهم رفضوا التحدث عن منشأة فوردو، وادعوا أن هذه ليست منشأة عسكرية وبالتالي ليس هناك ما يمكن الحديث عنه. وعلّق الدبلوماسي على ذلك بالقول "لقد أدركنا أن فوردو هي بالنسبة إليهم خط أحمر."
  • وفي الواقع فإن الإيرانيين، الذين خرجوا من الجولة الثانية للمفاوضات في بغداد بانطباع أن الدول الكبرى تريد التوصل إلى حل بصورة يائسة، قدموا إلى موسكو واثقين من أنفسهم. في المقابل، أدرك مندوبو الدول الكبرى أن رفع مستوى التوقعات قبل مفاوضات بغداد كان خطأ، لذا جاؤوا مع كثير من الشكوك ومعهم رسالة واحدة مفادها "صحيح أننا نريد التوصل إلى اتفاق، لكن ليس بأي ثمن."
  • وروى الدبلوماسي الغربي أن مندوبي الدول الست الكبرى وجهوا أكثر من مرة خلال المحادثات تهديدات مبطنة وتحذيرات إلى الوفد الإيراني تدل على أنهم غير مستعجلين ويفضلون عدم التوصل إلى اتفاق على التوصل إلى اتفاق سيىء.
  • ووفقاً للدبلوماسي نفسه فقد قال مندوبو الدول الكبرى للإيرانيين إنه لا مشكلة لديهم في وقف المفاوضات والعودة إلى بلادهم لأن ذلك لا يرتب عليهم شيئاً، أمّا إذا ترك الإيرانيون المفاوضات فإن لديهم الكثير ليخسروه. وقد تبنت الدول الكبرى خطاً متشدداً ورفضت طلب الإيرانيين إجراء جولة مفاوضات أخرى على المستوى السياسي، وبدلاً من ذلك قبلت هذه الدول بعقد اجتماع لقانونيين وخبراء في مجال الذرة من أجل  إجراء مناقشة تفصيلية للمواقف التي طرحها الطرفان. وأوضحت الدول الكبرى للإيرانيين أنها تريد رؤية "أفعال ملموسة لا مجرد كلام." 
  • وفوجىء الإيرانيون بالتزام الدول الكبرى موقفاً موحداً، فقد ظنوا أنهم قادرون على جعل الروس والصينيين يقفون إلى جانبهم، لكنهم اكتشفوا في الاجتماعات المنفردة التي عقدوها معهم أن هؤلاء يحملون الرسائل نفسها.
  • لقد وصل الوفد الإيراني إلى موسكو حاملاً عرضاً تضمن اقتراحاً من خمس نقاط، ومن بين المسائل المثيرة للاهتمام في هذا العرض "الفتوى" الصادرة عن خامنئي، والتي تحرم إنتاج السلاح النووي أو الاحتفاظ به. وقد جرى استخدام مقاطع من خطابات خامنئي تعبر عن معارضته السلاح النووي، وعندما طالب مندوبو الدول الكبرى ببعض التوضيحات، أعلن الإيرانيون أنهم يقترحون تحويل الفتوى إلى قرار ملزم في مجلس الأمن، فسارع مندوبو هذه الدول، التي تملك جميعها سلاحاً نووياً، إلى رفض هذا الاقتراح.
  • ومن المفاجىء أن اسم إسرائيل لم يُطرح في مفاوضات موسكو إلاّ بصورة غير مباشرة، وذلك عندما كرر مندوبو الدول الكبرى مطالبتهم الإيرانيين القيام بخطوات مشجعة على بناء الثقة، فرد جليلي بغضب قائلاً: "لقد قمنا بالكثير من الخطوات، ولم نحصل إلاّ على تهديدات بشن عملية عسكرية ضدنا."
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: