غيورا أيلاند- لواء
احتياط والرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية ومجلس الأمن القومي
"يديعوت
أحرونوت"، 5/6/2012
[حرب لبنان الأولى
غيرت طبيعة كل الحروب التي خاضتها إسرائيل بعدها]
·
تصادف
هذا الأسبوع ذكرى مرور 30 عاماً على حرب لبنان الأولى [التي بدأت في حزيران /
يونيو 1982]. وكانت هذه الحرب أول حرب محدودة النطاق وغير شاملة، وأول حرب تخوضها
إسرائيل ضد منظمة (منظمة التحرير الفلسطينية) لا ضد دولة. ويمكن القول إن هذين
الأمرين تسببا بتغيير طبيعة كل الحروب التي خاضتها إسرائيل بعد تلك الحرب، والتي
تعتبر مختلفة تماماً عن "الحروب العادية" بين الدول والجيوش النظامية.
·
لعل
أول درس يجب استخلاصه من حرب لبنان الأولى، وربما يعتبر الدرس الأهم، هو ضرورة
الإقرار بأنه في حرب من هذا النوع ثمة فجوة كبيرة بين قدرات الجيش الإسرائيلي وبين
النتائج المتوقعة منه، وخصوصاً من جانب القادة السياسيين ووسائل الإعلام والجمهور
العريض. وبطبيعة الحال هناك أربع نتائج متوقعة من الجيش هي: أولاً، تحقيق انتصار
مطلق؛ ثانياً، تحقيق انتصار سريع؛ ثالثاً، تحقيق انتصار من دون دفع ثمن باهظ في
الأرواح؛ رابعاً، الامتناع من إلحاق أضرار بالمدنيين الأبرياء. غير أن الجيش لا
يمكنه بأي حال من الأحوال تحقيق هذه النتائج المتوقعة منه. ولا بد من القول إن
المؤسسة السياسية والقيادة العليا للجيش هما اللتان تتحملان المسؤولية الأساسية عن
وجود هذه الفجوة بين القدرات الحقيقية للجيش وبين النتائج المتوقعة منه.
·
الدرس
الثاني الذي يجب استخلاصه يتعلق بطول مثل هذا النوع من الحرب. فعندما بدأت حرب
لبنان الأولى قيل إنها ستستمر يومين على الأكثر، وبعد ذلك قيل إنها ستستمر ثلاثة
أيام، ثم قيل إنها ستستمر ستة أيام، ولم يكن أحد يدرك أنها كانت في بدايتها وأنها
ستستمر 18 عاماً [حتى الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من جنوب لبنان في أيار/
مايو 2000].
·
إن
السؤال الذي يجب طرحه هو: هل استخلصنا الدروس اللازمة من هذه الحرب؟ أعتقد أننا
استخلصنا ما يجب أن نستخلصه، على الأقل بصورة جزئية. ففي أثناء الانتفاضة
الفلسطينية الثانية [التي اندلعت في أيلول/ سبتمبر 2000] حرص الجيش الإسرائيلي على
عدم التعهد بالوصول إلى نتائج لا يمكن تحقيقها، وذلك على الرغم من رفع شعار
"دعوا الجيش ينتصر" في ذلك الوقت. كما حرص الجيش على أن يلائم بين
النتائج المتوقعة من عملية "الرصاص المسبوك" التي جرى شنها على قطاع غزة
في شتاء 2009 وبين القدرات الحقيقية التي يملكها. لكن يبدو أننا نسينا استخلاص
الدروس اللازمة من حرب لبنان الأولى في أثناء حرب لبنان الثانية في صيف 2006.
·
لا
ينبغي أن يكون فحوى الاستنتاج المطلوب من هذا الكلام هو أن تفعيل القوة العسكرية
أصبح غير مجد، وإنما أنه يجب تخطيط الحروب الحالية بصورة مغايرة عن تخطيط الحروب
العادية لسبب بسيط هو تغير طبيعة هذه الحروب كلياً.
غابي سيبوني - باحث في مركز دراسات الأمن القومي-"يسرائيل
هَيوم"، 5/6/2012
[دروس من حرب لبنان الأولى:الحاجة إلى إجماع وطني قبل
استخدام القوة]
·
بعد تخطيط وتحضيرات متقنة،
بدأ الجيش الإسرائيلي عملية سلامة الجليل [1982]، التي كان هدفها المعلن تخليص
الجليل من نيران صواريخ الكاتيوشا، وذلك عبر إبعاد المخربين الفلسطينيين عن حدودنا
الشمالية. إلاّ إنه كان لهذه العملية هدف سياسي بعيد المدى لم يُكشف عنه، وهو رغبة
إسرائيل في تغيير النظام السياسي في لبنان، الأمر الذي يسمح لها بتحويل هذا البلد
إلى دولة حليفة لها على حدودها الشمالية. وما زلنا نذكر النتائج التي آلت إليها
الأمور، فقد أوجدت متاهة التحالفات، والعلاقات بين الطوائف والمجموعات المختلفة في
لبنان، واقعاً معقداً لا يمكن أن تتحمله إسرائيل، التي اكتفت بالحزام الأمني، الذي
شكل "فقاعة تحالف" بدلاً من دولة حليفة، والذي وجدت نفسها مضطرة إلى
الانسحاب منه سنة 2000.
·
أظهرت دروس هذه الحرب صحة
النظرية الاستراتيجية التي وضعها بن- غوريون، والقائلة إن دولة إسرائيل غير قادرة
على تغيير الواقع السياسي بالوسائل العسكرية. وكما قال بن- غوريون سنة 1955 لقادة
الجيش الإسرائيلي: "ليست لدينا القدرة على إيجاد حل نهائي للنزاع بيننا وبين
العرب ما دام العرب يرفضون الحل... كما أننا لا نستطيع وقف هذا النزاع."
·
ويبدو أن هذ الفهم لم يكن
موجوداً لدى متخذي القرارات عندما وضعوا أهداف العملية. فجرى اتخاذ القرارات من
دون وضع خطة خروج محكمة، وفي ظل غياب الإجماع الوطني على أهداف العملية، وهذا ما
جعل الجيش الإسرائيلي يجد نفسه غارقاً في "الوحل اللبناني" لأعوام.
·
لقد شكلت عملية سلامة
الجليل نقطة تحول في تطور فهمنا للخطر الذي يتهدد دولة إسرائيل، إذ أظهر نشوء حزب
الله ونظريتة بشأن المقاومة، كذلك أظهرت الانتفاضة الأولى [انتفاضة سنة 1987]،
التغير الجذري الذي طرأ على نظرة العدو، الذي أدرك أن الجبهة الخلفية في إسرائيل
هي نقطة الضعف، وبنى على هذا الأساس نظرته الاستراتيجية – العملانية التي تركزت
على استخدام القوة ضد الجبهة الخلفية المدنية في إسرائيل. من هنا يمكن القول إن
الأهداف السياسية لاستخدام القوة في عملية الجليل تجعلنا ندرك أنه في ظل الواقع
الجيو - استراتيجي لدولة إسرائيل يجب أن تنبثق الأهداف السياسية للعمل العسكري من
النظرة الأساسية لبن- غوريون.
·
إن المطلوب من دولة
إسرائيل إنشاء ردع يسمح لها بالهدوء الأمني، ويمكن أن تستغله من أجل تحصين أمنها
وتطوير الاقتصاد والتعليم واستيعاب الهجرة والسعي نحو تسويات سياسية. وفي حال انهيار
هذا الردع، لا خيار أمامها سوى استخدام القوة من أجل تجديده لأعوام طويلة أُخرى.
وحينئذ سيُطلب من الجيش الإسرائيلي تحقيق هدفين أساسيين، هما: أولاً، توجيه ضربة
قاسية إلى العدو لايستطيع أن ينساها لأعوام طويلة، وتفرض عليه عمليات إعادة بناء
باهظة الثمن؛ ثانياً، تقصير مدة جولة المواجهة، وتقليص الضرر الذي سيلحق بوتيرة
الحياة.
·
ويبقى أن الدرس الأساسي
لهذه الحرب هو المتعلق بالحاجة إلى بناء إجماع وطني واسع قبل خوض المعركة، فكم
بالأحرى بالنسبة إلى معركة مثل سلامة الجليل جرى التخطيط لها طويلاً.
·
ومثلما حدث في الماضي،
كذلك يحدث اليوم، فإسرائيل بحاجة إلى بلورة شرعية داخلية واسعة من أجل مواجهة
التحديات الأمنية المعقدة. ومن شروط التوصل إلى هذا الإجماع الوطني الواسع هو
الاقتناع بأن القضاء على الخطر بالوسائل العسكرية هو الحل الأخير.
بعد كشف مجلة دير شبيغل الألمانية أول من أمس جزءاً من
الصفقة العسكرية السرية بين ألمانيا و"إسرائيل" لبناء تسع غواصات قادرة
على إطلاق صواريخ تحمل رؤوساً نووية، انتقد الحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني
المعارض السرية التي تغلّف الصفقة، وطالب المستشارة أنجيلا ميركل بتقديم إيضاحات
عنها. كما انتقد التراخي الكبير في موقف الحكومة إزاء سياسة الاستيطان، والامتناع
عن ممارسة الضغوط على تل أبيب لاستئناف التعاون مع السلطة الفلسطينية لتنفيذ حل
الدولتين، وتعزيز حرية الحركة للفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة وقطاع غزة. وفي
حديث مع موقع شبيغل أونلاين، قال الناطق باسم الحزب الاشتراكي للشؤون الخارجية
رولف موتسينيخ إن التبرير الذي كان يعطى حتى الآن هو أن الغواصات المسلمة لـ"إسرائيل"
من نوع "دولفين" تحمل أنظمة ردع تقليدية. وأضاف أن حزبه يريد الآن من
حكومة ميركل أن تزوده معلومات تؤكد أو تنفي صحة المعلومات التي تشير إلى أن
الغواصات مصممة بشكل يسمح بتجهيزها بمنصات لإطلاق صواريخ تحمل رؤوساً نووية.
واتهم رئيس الكتلة النيابية لحزب الخضر المعارض يورغن
تريتين في حديث مع جريدة دي فيلت حكومة المستشارة الألمانية "بتجاهل الشروط
الموضوعة أصلاً" لبيع الأسلحة إلى الخارج، وقال إن تسليم الغواصة الثالثة
أخيراً كان مشروطاً بتعديل سياسة الاستيطان، والسماح ببناء معمل للصرف الصحي في
غزة، ودفع الأموال المستحقة إلى السلطة الفلسطينية، "إلا أن إسرائيل لم تنفذ
سوى الشرط الأخير". وأضاف أن صفقة الغواصات مثلٌ على كيفية ممارسة الضغوط في
مجالات أخرى، مضيفاً أن ميركل "فوتت حتى الآن للأسف فرصة دفع الحكومة
الإسرائيلية إلى تغيير مواقفها من خلال تعاون مشروط معها".
ونقل الناطق باسم الحكومة عن ميركل قولها رداً على سؤال
للصحافيين أول من أمس إن الحكومة "لا تشارك في التكهنات الحاصلة على تجهيز
الغواصات بأنظمة إطلاق صواريخ بعد تسليمها". لكن وسائل الإعلام الألمانية
نقلت كلاماً لوزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك قال فيه إن "بإمكان الألمان
أن يفخروا بأنهم ضمنوا وجود دولة إسرائيل للسنوات المقبلة".
وذكرت المجلة الألمانية أن الدولة العبرية طرحت أخيراً
أمام الجانب الألماني رغبتها في بناء ثلاث غواصات جديدة، مشيرة إلى أن ميركل راعت "إسرائيل"
كثيراً، إذ قبلت بأن تدفع حكومتها ثلث الكلفة المقدرة للغواصة السادسة، أي 135
مليون يورو، على أن تدفع تل أبيب الـ 270 مليون يورو حتى عام 2015.
الحياة، لندن، 5/6/2012
فهمي هويدي
ثمة
خطاب عالي الصوت يملأ فضاء مصر الآن مشغول بتكريس كراهية الإخوان أكثر من انشغاله
بالاصطفاف دفاعا عن محبة الوطن.
(1)
لدينا
مشكلة كبرى في تكييف المشهد أربكت كثيرين وضللتهم، إذ لدينا في انتخابات الإعادة
رمزان أحدهما يمثل جماعة الإخوان والثاني يمثل نظام مبارك. وإذا كان هناك مشترك
بين الاثنين فهو أنهما لا يمثلان أفضل ما تمنيناه. لكن الخطأ الكبير الذي يؤدي إلى
الالتباس والتضليل يكمن في طمس الفروق بينهما ومن ثم وضعهما معا على قدم المساواة.
وقد
قلت من قبل إن الأول ينبغي أن تفكر جيدا قبل أن ترفضه، في حين أن الثاني نرفضه دون
أن نفكر. كما أن الأول يعدنا بمستقبل غامض أما الثاني فيستعيد ماضيا كئيبا. والأول
يقف منحازا إلى الثورة (23 شخصا من الإخوان قتلوا أثناء الثورة) والثاني كان شريكا
في محاولة إجهاض الثورة. في هذا السياق تلقيت رسالة من الشيخ جمال قطب مسؤول
الإفتاء السابق بالأزهر قارن فيها بين الرجلين، قائلا إن خيارنا صار بين تعاطي
دواء لم تستطع الشركة المنتجة الترويج له أو إقناع الناس بفاعليته وجدواه، وبين
دواء مسرطن يفتك بكل من يتعاطاه ولا أمل في نجاة من يبتلعه.
هذه
الفروق لم يتغاضَ عنها البعض فحسب، وإنما وجدنا من عمد إلى قلبها رأسا على عقب
فقرأنا لمن قال إن الفرق بين الرجلين كالفرق بين الكوليرا والتيفود، إذ كلاهما
قاتل. وذهب آخرون في التدليس إلى حد القول بأن "الفريق" أحمد شفيق يمثل
الدولة المدنية. أما الدكتور محمد مرسي فيمثل الدولة الدينية، الفاشية عند البعض.
(2)
لأن
حسني مبارك أمات السياسة في مصر فإن التنافس والتجاذب بين الجماعات والتيارات
المختلفة ظل يدور في ساحة الإعلام بالدرجة الأولى. وهي الساحة التي يهيمن عليها
تاريخيا خصوم الإخوان من علمانيين وليبراليين وماركسيين، يضاف إليهم عناصر وأذرع
أجهزة الإدارة والأمن، وهؤلاء ظلوا طوال العقود الماضية يروجون لفكرة
"الفزاعة" التي غدت عنوانا ثابتا للعلاقة بين السلطة والإخوان منذ نحو
ستين عاما.
حين
دخل إلى المرحلة الأخيرة من سباق التنافس على الرئاسة مرشح الإخوان فإن كل تلك
المنابر تحولت إلى منصات لإطلاق ما لا حصر له من زخات النقد والتجريح والترويع
التي استهدفت اغتيال الجماعة وتخويف المجتمع من مشروعها. وكان أخف ما قيل في حقهم
ما ذكره أحد الكتاب المحترمين في مقال نشر يوم الجمعة 1/6 من أن الإخوان
"يريدون أن يطردوا البهجة من حياتنا. يريدون حياة قوامها الجنس وأكل اللحمة
والفتة. (لذلك) فإن المستقبل في حكم الإخوان أسود من قرن الخروب". وإذا كان
ذلك هو الكلام المخفف الذي صدر عن كاتب محترم فلك أن تتصور ما يمكن أن يصدر عن غير
المحترمين.
لست
أدعى أن الإخوان فوق النقد، وكنت أحد الذين مارسوا ذلك النقد في حينه. وليس عندي
أي دفاع عن أخطائهم الجسيمة التي وقعوا فيها خلال الأشهر الأخيرة، والتي أدت إلى
خسرانهم خمسة ملايين صوت في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة. لكني فقط أسجل
تحفظي على ثلاثة أمور، أولها استخدام النقد سبيلا إلى التجريح والاغتيال والإقصاء،
واللجوء إلى أساليب غير شريفة في ذلك. الأمر الثاني تعميم ذلك النقد على مجمل
الحالة الإسلامية والتطاول من خلاله على مقاصد الإسلام وقيمه. أما الأمر الثالث
فهو الغلوّ في النقد إلى الحد الذي يعبر عن الاستعداد لاستمرار حكم العسكر أو
لتسليم البلد إلى نظام مبارك مرة أخرى، مقابل إسقاط مرشح الإخوان، كما جاء في
عنوان نشرته إحدى الصحف يقول: "نار العسكر ولا جنة الإخوان". تجسد ذلك
أيضا في قول أحدهم إنه يقبل بأي طرف غير الإخوان، ويقبل بأي مرجعية إلا مرجعية
الإسلام.
حتى لا
يلتبس الأمر على أحد فإنني أقرر أنه منذ بدأت الحملة الانتخابية لم أكن مشغولا
كثيرا بمن سينجح في الانتخابات، لكنني لم أكف عن الدعوة إلى إسقاط كل من كانت له
صلة بمبارك ونظامه. إذ اعتبرت أن إنقاذ الثورة واستمرارها هو مسؤولية الجماعة
الوطنية المصرية بكل فصائلها، وأن أي اختراق من جانب رموز عصر مبارك لأي موقع
متقدم في مدارج السلطة العليا يمثل تهديدا مباشرا للثورة.
لذلك
لا أستطيع أن أخفي دهشتي إزاء موقف قطاع عريض من العلمانيين والليبراليين الذين
انساقوا وراء مشاعرهم المخاصمة للإخوان، إلى الحد الذي جعلهم يقفون تلقائيا في صف
الفريق شفيق. وبالتالي فإنهم شغلوا أنفسهم بتصفية حساباتهم مع الإخوان وبإسقاط
الدكتور مرسي، ولم يكترثوا بإنقاذ الوطن من براثن نظام مبارك. الأمر الذي يسوغ لي
أن أقول إن كراهيتهم للإخوان تلبستهم حتى أعمتهم عن محبة الوطن والغيرة عليه.
(3)
منذ
تبين أن الإعادة في انتخابات الرئاسة بين مرشح الإخوان ومرشح نظام مبارك، انطلقت
ماكينة الإعلام والدعاية التي أعادت إنتاج خطاب الفزاعة، بصورة أكثر شراسة وكثافة.
إذ فوجئنا بتدفق سيل من الكتابات خوف الناس من أن الإخوان سيسارعون إلى إعلان
الخلافة، وسيفرضون الحجاب على كل الإناث، وسيحرمون السياحة وسيغلقون البنوك
الربوية وسيمنعون السينما والمسرح وسيحاربون مختلف صور التفكير والإبداع. سيختتنون
الفتيات وسيفرضون الجزية على الأقباط.. إلى آخر العناوين التي تبشر باستنساخ
طالبان في أفغانستان وتخوف من مليشيات يعدها الإخوان ويدربونها على السلاح لمقاومة
الجيش المصري.
ليس
ذلك فحسب، وإنما استهدفت حملة التشويه والتخويف مجلس الشعب أيضا لمجرد أن
الإسلاميين حازوا الأغلبية فيه، الأمر الذي استفز قاضيا مخضرما هو المستشار محمود
الخضيري الذي يرأس اللجنة التشريعية بالمجلس، ودفعه إلى كتابة مقالة نشرتها
"المصري اليوم" في 27/5، قال فيها إنه لم ير في حياته هجوما على مجلس
شعب مصر مثلما رأى في المجلس الحالي. وفهمنا من المقالة أن الرجل فقد أعصابه حين
سأله أحد الصحفيين عن مشروع قانون يبيح مضاجعة الموتى (وهي شائعة مدسوسة وكاذبة)،
في حين لم يهتم الصحفي بحزمة التشريعات المهمة التي تبنتها اللجنة التشريعية، وفي
مقدمتها ما تعلق بمنع محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وتثبيت العمالة
المؤقتة الذي يفيد عشرات الآلاف من العمال، وتقرير الحد الأدنى والأقصى للأجور..
إلخ.
ما يثير
الانتباه في هذه الحملات التي تصب كلها في مجرى التيئيس والترويع والتخويف من
انقضاض الإخوان على الدولة هو أنها تفترض أن الخمسة والثمانين مليون مصري تحولوا
إلى قطيع من الماشية لا حول لهم ولا قوة، وأن الملايين الجسورة التي انتفضت لإسقاط
مبارك ونظامه، سوف تسلب إرادتها وتركن إلى الاستسلام والخنوع في ظل الحكم الذي
يتصدره الإخوان. وإذ أفهم أسباب تراجع الثقة في الإخوان فإنني لا أفهم ولا أجد
مبررا لفقدان الثقة في وعي الجماهير المصرية، وفي قدرة الجماعة الوطنية على وقف أي
تغول أو انحراف من جانب الإخوان أو غيرهم.
إن محاسبة
الإخوان ومطالبتهم بتصحيح أخطائهم وطمأنة الناس واجب في كل وقت. ولكن تأكيد
القطيعة مع النظام السابق هو واجب الوقت. والمعركة الأولى مرحلية بوسعنا أن
نكسبها، أما المعركة الثانية فإستراتيجية ولا ينبغي أن نتراخى أو نهمل في التصدي
لها. ذلك أننا نستطيع أن نسحب الثقة من الإخوان في ظل الثورة، لكننا لن نستطيع أن
نكسب المعركة الثانية إلا بثورة جديدة.
(4)
ثمة
جانب مسكوت عنه في المشهد الذي نحن بصدده، يتعلق ببرنامج الفريق أحمد شفيق على
الصعيدين الداخلي والخارجي. وقد أخذ الرجل راحته في الحديث عن سياسته الداخلية
أمام غرفة التجارة الأميركية المصرية، في حين حدثتنا تصريحات المسؤولين
الإسرائيليين عن سياسته الخارجية، التي سكت عنها وتجاهلها.
في
24/5 نشرت صحيفة نيويورك تايمز خلاصة لكلامه أمام غرفة التجارة، عرضه مراسلها في
القاهرة دافيد كيرك باتريك. ولم يفت المحرر أن ينوه في البداية إلى أن الفريق شفيق
ذكر لسامعيه أنه ليس آسفا لأنه اعتبر حسني مبارك مثله الأعلى، وأنه خاض الانتخابات
الرئاسية مراهنا على أمرين، أولهما الخوف من الإخوان، وثانيهما الوعد بوقف التسيب
الأمني.
أضاف
صاحبنا أن المرشح الرئاسي أعلن أمام سامعيه أنه سوف يستخدم القوة المفرطة ولن
يتردد في اللجوء إلى تطبيق عقوبة الإعدام لإعادة الأمن إلى البلاد خلال شهر، ووسط
تصفيق النخبة التي رحبت بكلامه سخر الفريق من البرلمان الذي تم انتخابه بعد
الثورة، وقال إن الإسلاميين فيه لديهم مليشيات مسلحة مستعدة لخوض الحرب الأهلية،
ولبننة الوضع في مصر.
في
حديثه عن علاقة المجلس العسكري بالسياسة نقل المحرر الأميركي عنه قوله إنه يؤيد
قيام الجيش بدور الحامي للشرعية الدستورية في مصر، كما أنه يؤيد استمرار
الإمبراطورية الاقتصادية للجيش، معتبرا أن استمرارها يعد "ضرورة
إستراتيجية". وذكر اعتقاده أن الفريق شفيق يؤيد أيضا فرض الأحكام العرفية في
حالة الطوارئ، دون حاجة للرجوع إلى البرلمان، وفيما يخص اللواء عمر سليمان رئيس
المخابرات السابق، قال صاحبنا إنه إذا أمكن الاستفادة من خبراته في أي موقع،
فينبغي ألا نتردد في ذلك. وهي المقولة التي قال الصحفي الأميركي إنها استقبلت
بعاصفة من التصفيق.
أما في
الشق المتعلق بالسياسة الخارجية المسكوت عنها بدورها، فإن حفاوة الإسرائيليين به
كافية في إلقاء الضوء على موقفه، حتى إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طلب من
وزرائه أن يكتموا فرحتهم، حتى لا تنكشف حقيقة الرجل أمام الرأي العام المصري ويؤثر
ذلك على التصويت لصالحه. وهو ما ذكرته الإذاعة العبرية صراحة مساء يوم 29/5. أما
الذين تكلموا من المسؤولين الإسرائيليين فقد قال أحدهم إن أحمد شفيق سيكون ذخرا
لإسرائيل أهم من مبارك، لأنه إذا انتخب فسيكون قد جاء بطريقة ديمقراطية، وقال آخر
إنه إذا تحقق ذلك فسيعود ضخ الغاز إلى إسرائيل. وستعود العلاقة بين القاهرة وتل
أبيب إلى "الصفاء" الذي كانت عليه قبل الثورة.
ما
يدهشني في الأمر أنه في حين يلوح شبح مبارك ونظامه في الأفق بقوة، أجد بعض
السياسيين والمثقفين في مصر يتحدثون عن مقاطعة الانتخابات الرئاسية بدعوى أنهم غير
مقتنعين بالمرشحين الاثنين. وهو موقف غريب لأنه يقدم هدية مجانية إلى مرشح مبارك،
باعتبار أنهم بذلك يضعفون مركز منافسه. إنني إذ أفهم سبب تحفظهم على الإخوان أو
كراهية بعضهم لهم، فإنني لا أتصور أن يكون ذلك سببا كافيا لإفساح الطريق لفوز مرشح
مبارك برئاسة مصر.
الجزيرة،
الدوحة، 5/6/2012
سونر چاغاپتاي و تايلر إيفانز
صادف
يوم الخميس الذكرى السنوية الثانية لحادث أسطول الحرية الذي وقع عام 2010 وأدى إلى
أزمة في أعالي البحار تدهورت على إثرها العلاقات التركية الإسرائيلية بشكل سريع.
وفي
أعقاب الحادث، استدعت تركيا سفيرها وطالبت باعتذار من إسرائيل إلى جانب دفع
تعويضات للنشطاء التسعة القتلى. بل ذهبت أنقرة إلى حد الإعلان عن أن سفنها الحربية
سترافق البعثات المستقبلية إلى غزة.
وقد
تعثرت محاولات رأب الصدع بشأن قضية الاعتذار الإسرائيلي. ومع عدم استعداد تركيا
قبول أي شيء يكون أقل من الاعتذار الكامل، وعدم استعداد إسرائيل حالياً لتلبية هذا
الطلب، يبدو أن الطرفين يواجهان مأزقاً حقيقياً.
بيد
أنه تحت السطح لا تعد الأمور قاتمة تماماً فيما يتعلق بالعلاقات التركية
الإسرائيلية. والشيء الجدير بالملاحظة أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد
حالة من الازدهار.
فقد
انطلقت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإسرائيل في أواخر التسعينيات من القرن
الماضي كجزء من حالة تلاقي استراتيجي متنامي. وقد تعززت التبادلات التجارية وتعمقت
بفضل سلسلة من الاتفاقات الثنائية التي فتحت الأسواق التركية والإسرائيلية على
بعضها البعض. وتشمل الاتفاقيات الجديرة بالملاحظة إبرام اتفاقية التجارة الحرة
(1996) واتفاقية منع الازدواج الضريبي (1997)، واتفاقية الاستثمار الثنائي (1998).
وقد بشّرت هذه الاتفاقيات بعصر من تحسن العلاقات السياسية والاقتصادية. فقد شهدت
التجارة قفزة من 449 مليون دولار في عام 1996 لتتجاوز 2.1 مليار دولار في عام
2002. وقد استمرت هذه الوتيرة الاستثنائية مع زيادة التجارة الثنائية بمتوسط 14.6%
سنوياً، خلال الفترة من 2002 إلى 2008.
والمفاجئ
أن الأزمة الدبلوماسية لم تُترجم إلى أزمة اقتصادية. فلتأخذ على سبيل المثال
المقاطعة التي أعلنت عنها سلاسل المتاجر الإسرائيلية العديدة في أعقاب حادث أسطول
الحرية. فرغم التأكيدات من جانب متاجر التجزئة هذه، ظلت الصادرات التركية من
منتجات الخضروات ثابتة منذ عام 2007، كما تضاعفت صادرات الأغذية المجهزة والمشروبات
والتبغ بين 2007 و2011. وخلال الفترة من 2010 إلى 2011، شهدت التجارة زيادة بنسبة
30.7%، متجاوزة بشكل كبير النمو الحاصل أثناء أوج تحسن العلاقات التركية
الإسرائيلية.
ورغم
ذلك فإن العلاقات في مجال الدفاع قد تضررت بشدة. ففي أعقاب حادث أسطول الحرية،
جمدت تركيا ما لا يقل عن اثني عشر مشروعاً دفاعياً مع إسرائيل، بما في ذلك اتفاق
بقيمة 5 مليار دولار [لشراء] دبابات ومبيعات قيمتها 800 مليون دولار لطائرات
دوريات وطائرة رادار للإنذار المبكِر.
ورغم
هذه الاضطرابات يبدو أن العلاقات الاقتصادية ستتعمق بشكل أكبر على المدى الطويل.
فأولاً
وقبل كل شيء، لا تزال كافة الاتفاقيات التجارية والاستثمارية آنفة الذكر سارية
المفعول بقوة. وثانياً، لا يبدو أن أياً من الطرفين متحمس لإعاقة اتجاه التجارة
الثنائية المزدهرة. ففي أعقاب حادث أسطول الحرية، أعلن رئيس الوزراء التركي رجب
طيب أردوغان عن نيته قطع كافة العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك العلاقات التجارية.
لكن أنقرة قامت سريعاً بتصحيح ذلك البيان، وأضافت بأنه لن يتم خفض العلاقات
التجارية. وعلى نحو مماثل، عندما أعلن بيت استثماري إسرائيلي عن خططه للخروج
باستثماراته من تركيا، حث رئيس "غرفة التجارة الإسرائيلية" الشركات على
الإحجام عن اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تضر بالعلاقات التجارية بين تركيا
وإسرائيل.
إن
التردد المتبادل تجاه قطع العلاقات التجارية أمر مفهوم، لا سيما في ضوء المناخ
الاقتصادي العالمي. ففي النهاية، يدين كلا البلدين بالكثير من نموهما خلال السنوات
الأخيرة إلى ازدهار الصادرات التي بيعت حصة كبيرة منها في الأسواق الأوروبية. وهذا
يعني أن كلا البلدين معرض للتأثر بتراجع التعافي الاقتصادي الأوروبي. ومن شأن
تعزيز العلاقات التجارية الثنائية أن يعوض بعضاً من ذلك التراجع، لا سيما على
الجانب الإسرائيلي، حيث شكلت تركيا سادس أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية في عام
2011، ويمكن أن ترتقي مع استمرار ضعف الأسواق التقليدية الإسرائيلية.
كما
تمثل إسرائيل أهمية بالنسبة لتركيا. فمن حيث الأحجام، فإن السوق الإسرائيلية
صغيرة، لكنها تمثل فرصاً هائلة للمنتجين الأتراك للارتقاء في سلسلة القيمة. ففي
آذار/مارس، صنّفت "رابطة الصناعة والأعمال التركية" إسرائيل باعتبارها
شريكاً استثمارياً محل أولوية، حيث أكدت على مميزات الربط بين الأرض والعمالة
التركية مع الاقتصاد الإسرائيلي المبتكر. ويمكن العثور على مثال كاشف لهذه الاحتمالات
في مدينة بورصة، حيث تقوم شركات التصنيع التركية بتجميع السيارات الكهربائية كجزء
من مشروع مشترك مع شركة "بيتر پليس" الإسرائيلية. وبفضل هذا المشروع
تُنتِج تركيا حالياً سيارتها الكهربائية الأولى باستخدام التقنية التي لم يكن من
السهل على الأتراك تطويرها بمفردهم.
وهناك
أيضاً زاوية سياسية يمكن أن تبشر بخير فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية. ففي الوقت
الذي تواجه فيه إسرائيل شرقاً أوسطياً أكثر تقلباً، يرى بعض الإسرائيليين أنه من
الأفضل لهم إعادة بناء العلاقات مع تركيا حتى وإن كان ذلك لا يعني العودة إلى
سنوات شهر العسل من فترة التسعينيات. وفي غضون ذلك، تواجه تركيا انتفاضة شعبية في
سوريا حيث هناك احتمالات بأن تنتقل عبر حدودها. وإلى جانب العلاقات المتردية مع
العراق، ناهيك عن المنافسة الإقليمية ضد إيران، يشير هذا إلى أن إسرائيل ربما لا
تكون الهدف الأكثر أهمية.
يبدو
أن هناك احتمالات لبداية جديدة بين تركيا وإسرائيل. وحتى إذا استمر تباعد البلدين
حول بعض القضايا السياسية الرئيسية، إلا أن كليهما يبدو مستعداً بشكل سري لليوم
الذي يستطيعان فيه رأب العلاقات مرة أخرى. وكما هو الحال دائماً، فإن العلاقات
السياسية تتبع المال.
Washington
Institute for Near East Policy، 31/5/2012
0 comments: