المقاومة تعد خططاً لـ اليوم التالي لمواجهة إحتمال الصيف الحار في المنطقة
بعض السياسيين اللبنانيين وبعض الدخلاء على السياسة اللبنانية «العاطلين»عن العمل يخوضون حروبا صغيرة هامشية في زمن تغيير خرائط المنطقة ورسم مستقبلها،فالشيخ احمد الاسير يبدو مزهوا بموقعه الجديد كزعيم لعصابة «قطاع طرق» و«انجازه العظيم» بتحديد مواعيد زيارة الرئيس نبيه بري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى الجنوب،
ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع يخوض اليوم مع حليفه تيار المستقبل معركة حياة او موت في انتخابات فرعية في الكورة، يعرف الجميع ان تكبير حجمها ليس الا لعبة «صبيانية» يخوضها هذا الفريق لتعويض افلاسه السياسي وضمور خطابه الممجوج حول «القتلة» والنظام السوري،وغيرها من الشعارات المملة والمستفزة في ان واحد، واذا كان قد اصبح هدف هؤلاء وغيرهم مكشوفا لجهة استفزاز حزب الله واستدراجه، فان اكثر ما يثير السخرية «بلاهة» بعض حلفاء الحزب الذين يكثرون هذه الايام من الاسئلة حول الامور التي تشغل حزب الله عن خوض غمار معارك داخلية يرون فيها «ام المعارك» وبداية ونهاية العالم.
فلماذا لا تبدو المقاومة «مكترثة» بكل هذا الضجيج الداخلي ومن اين تأتي «برودة الاعصاب» في التعامل مع سهام الخصوم والحلفاء؟
اوساط سياسية متابعة لا ترى جديدا في سياق تفكير بعض الاطراف في الداخل اللبناني باعتبار ان حدود تاثير تلك القوى لا تتعدى الحي او الشارع او المنطقة التي يعتبرونها «ملاذا امنا» لهم ولجماعاتهم، وتلفت تلك الاوساط الى ان الامور الجدية في مكان اخر، فمع بدء تنفيذ الجيش اللبناني خطة انتشاره شمالا على طول الحدود السورية برز كلام منسوب لمصادر عسكرية تحدثت خلاله عن محدودية القدرات العملية للمؤسسة العسكرية التي قد تضطرها الى نقل بعض من وحداتها العاملة جنوب الليطاني وشماله،باعتبار ان الجبهة الجنوبية هي الاكثر استقرارا في لبنان. فهل يعرف «مياومو» السياسة في لبنان لماذا هي الاكثر استقرارا؟ وهل يعرفون الى متى يدوم هذا الاستقرار؟
بالطبع لا، فهم ملتهون بأمورهم الصغيرة،تقول الاوساط نفسها،لكن الوقائع العملية تشير الى ان ما يشغل بال حزب الله هو التحضير لسيناريو «اليوم التالي»، هذه النظرية تقوم على تحضير الملفات العملية لاسوأ السيناريوهات المتوقع حدوثها في المنطقة ولبنان، ويبدو ان الخطط العملية قد اكتملت لمواجهة اي تطورات، وهي خطط تخضع لتعديلات يومية تواكب التطورات المتلاحقة، والمؤشرات السياسية والامنية المرتبطة بالملف النووي الايراني، والاحداث في سوريا، والتحركات السياسية والعسكرية الاسرائيلية، وربط كل هذه الملفات بمتابعة دقيقة للاستراتيجية الاميركية المتبعة راهنا والمرتبطة اولا واخيرا بما يفيد المعركة الرئاسية الاميركية في الخريف المقبل. لذلك فان المقاومة اعدت سيناريوهات خاصة باليوم التالي لسقوط النظام السوري، وهو احتمال تراجع في الاشهر الاخيرة، ولكن لا يجب ترك شيء للصدفة وهناك سيناريو اخر يتعلق بالفوضى الداخلية،وهو احتمال قائم ولكن مخاطره اصبحت اقل في ظل تفاهم تام مع المؤسسة العسكرية على كيفية التعامل معه، والسيناريو الاكثر خطورة هو اندلاع حرب اقليمية تاخذ طابعا اكثر شمولية من حرب تموز ويكون لبنان احدى جبهاتها الرئيسية.
ووفقا لتقديرات تلك الاوساط فان اكتمال جهوزية المقاومة على الخطوط الامامية في الجنوب، وتوازن الرعب الذي تفرضه على تلك الجبهة، فضلا عن التفاهم العميق والاستراتيجي مع المؤسسة العسكرية،سيسمح للجيش بنقل ما يشاء من عديد وعتاد شمالا،لان قيادة الجيش تدرك ضمنيا ان تلك المناطق لن تشهد فراغا امنيا مؤثرا بحكم المعرفة العميقة بالحيثيات الموجودة على الارض والتي تشكل ضمانة جدية للجيش المدرك انه لن يتعرض «للطعن في الظهر».
هذا الاطمئنان الداخلي على الوضع الامني جنوبا، لا يعني ابدا عدم وجود قلق جدي من احتمال انزلاق المنطقة الى حرب جديدة، وتلفت تلك الاوساط الى ان المؤشرات المقلقة تزداد يوما بعد يوم في ظل استعدادات اسرائيلية جدية للسيناريو الاسوأ على «الجبهة الشمالية»، واخر الاستعدادت كانت قبل ايام حين أجرت كتائب تابعة للواء المظليين، مناورة وتدريبات على مسافة كيلومترين فقط من الحدود مع لبنان. ووفق المناورة، «اقتحمت» قوات إسرائيلية الحدود اللبنانية و«تقدمت بريا» لمسافة 14 كيلومترا و«احتلت» قرية لبنانية تعتبر معقلا لـ«حزب الله» على شاكلة مارون الراس. وأشار قائد في الكتائب، التي شاركت في التدريب، إلى أن جهوزية الدخول إلى لبنان في حال تلقي الأمر بذلك تتراوح بين ساعات قليلة إلى 50 ساعة، تبعا لطبيعة العملية. كما تستعد فيه إسرائيل والولايات المتحدة لإجراء مناورات عسكرية مشتركة ضخمة للتدرب على مواجهة أي هجمات صاروخية تتعرض لها الدولة العبرية. وهذه ألمناورات التي يطلق عليها اسم (التحدي الصارم 12)، ستكون الأكبر بين الجانبين وتحاكي وقوع هجمات صاروخية على إسرائيل في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.
ومن الاستعدادت لسيناريو اليوم التالي ،المؤشرات المقلقة حول احتمال قيام اسرائيل بعملية نوعية في الاراضي السورية بعد تصاعد اللهجة الاميركية الاسرائيلية حيال مصير الاسلحة الكيميائية السورية، وهو مؤشر مثير للقلق ازاء ما يخفيه تسليط الضوء على هذه القضية، خصوصا بعد تهديدات اسرائيلية واميركية واضحة تشير الى ان نقل السلاح السوري الكيميائي «للجماعات المسلحة» وخصوصا حزب الله يمكن أن يؤدي لإشعال حرب في المنطقة. وهذا التحدي القائم يحتاج بدوره الى خطط جاهزة لكيفية التعامل معه.
وبحسب تلك الاوساط فان عدة مؤشرات خليجية برزت خلال الايام القليلة الماضية توحي باحتمال ان يكون «الصيف حارا» خصوصا على الجبهة الايرانية،فالتصعيد السعودي ضد «الشيعة» في القطيف يشير الى وجود رغبة خليجية في الذهاب الى النهاية في المعركة مع طهران، وهذه الخطوات الاستفزازية تشير الى تنامي حدة الصراع في الاسابيع المقبلة وما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية عن مصادر سعودية وأميركية،بأن السعودية طلبت من عدد من مسؤوليها العسكريين والأمنيين إلغاء عطلتهم الصيفية، دليل على ان هذا «الصيف سيمثل حافة الهاوية بالنسبة للديبلوماسية»، وهذا يفتح باب التكهنات حول السيناريو المعد للتعامل مع ايران في ظل تعثر المفاوضات النووية.
هذه التطورات التي تشكل غيضاً من فيض «المؤشرات المقلقة» في المنطقة هي التي تشغل حزب الله عن الملفات الداخلية، فالاعداد لسيناريوهات «اليوم التالي» على عدة جبهات يحتاج الى مناخ داخلي مؤاتٍ وتفرغ العدد الاكبر من الكادرات الرئيسية والفاعلة للحزب، ويحتاج ايضا الى خوض الكثير من الحروب «السرية» التي لم تتوقف ولكنها تخاض في الظلام. وتلفت تلك الاوساط الى ان جميع القوى في المنطقة تتحضر للأسوأ ما عدا بعض اللبنانيين الذين يعيشون في «الكوما» فيما المنطقة تغلي على جبهاتها كافة، الجميع يستعد للحرب وهم منشغلون بقضايا هامشية، فقبل ايام انهت ايران مناورتها العسكرية وكذلك فعلت سوريا، والمناورات الاسرائيلية لم تتوقف يوما وهي ازدادت كثافة في الاونة الاخيرة، واذا كان حزب الله قد اعلن مرتين قبل اشهر عن اجراء كل مرة «محاكاة» عملية، شكلتا ذروة التحضيرات العملية لمواجهة «الاسوأ»، فان «المناورات الصامتة»تتواصل وهي تجري على قدم وساق، وعلى مختلف المستويات. العدو يعرف ذلك، وهو يراقب ويتابع ويحاول رصد تلك التطورات التي تزيد من «توتره»، فيما لا يزال بعض اللبنانيين يسألون : ماذا تفعل المقاومة في هذه الايام؟ من يريد ان يعرف ما عليه الا ان يسأل اسرائيل!
0 comments: