الناصرة - زهير
أندراوس: رأت دراسة أعدها مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب أنه في
الفترة الأخيرة تضعضع المحيط الاستراتيجي الذي تعمل فيه "إسرائيل"، إلى
درجة التهديد بانهيار أجزاء كبيرة من المنظومة التي اعتمدت سياستها عليها.
وأحد العناصر
البارزة هو أنه بإزاء غياب أو خفوت أكثر اللاعبات الثقيلات الوزن في العالم
العربي، مشيرة إلى أن السعودية بقيت عاملاً أخيراً تقريباً ما يزال يعمل بإصرار
على صد إيران وهو قادر على أن يكون معادلاً لتركيا، كما لفتت إلى أن الضعف الذي
يُلم بالعالم العربي قد أصبح على نحو غير متوقع مشكلة لـ"إسرائيل" ويزيد
احتكاكها بالقوى الإقليمية وراء منطقة سايكس بيكو التي تحاول أن تُعمق تأثيرها في
الساحة.
وعلى هذه الخلفية
تصبح السعودية فجأة دولة قريبة جداً من "إسرائيل" في قراءة الخريطة
الإقليمية ووضع أدلة العمل الاستراتيجي. في الجانب الآخر، زادت الدراسة، تقرأ
إيران الخريطة نفسها، لافتةً إلى أن نضال السعودية لصد إيران يمتد من اليمن مروراً
بالعراق ومصر ثم إلى لبنان.
وكانت اللحظة
التأسيسية التي غيرت طبيعة هذا النضال هي تدخلها غير العادي والمباشر في البحرين. وقد
أصبحت الأسرة المالكة أسرة آل سعود بفاعليتها النسبية والمثابرة التي تصاغ
بالتدريج، أصبحت هدفا رئيسيا لإيران، وعلى هذا فان إيران ربما تحصر عنايتها في
المرحلة التالية في تحدي الأسرة المالكة السعودية، ومن الضروري أن نعرف أهمية
بقائها. لأنه إذا سقطت أسرة آل سعود فهناك خطر تهاوي بقايا المقاومة العربية
لإيران. علاوة على ذلك، أشارت الدراسة إلى أن تضعضع المحيط الاستراتيجي قد يراكم
أيضاً صعاباً جديدة أمام محاولة التوصل إلى تسوية إسرائيلية فلسطينية. وان أكثر
اللاعبات التي شاركت في الماضي في منح غلاف استراتيجي يؤيد تسويات سياسية قد اختفت
أو ضعفت أو بردت علاقاتها مع الولايات المتحدة.
وتابعت الدراسة
قائلةً إن أحد التحديات المعقدة لـ"إسرائيل" هو ضرورة العمل في نفس
الوقت في ثلاثة عوالم متوازية في حين أن كل واحد من هذه العوالم يجري بحسب قوانين
آلية مختلفة (ومتناقضة بقدر ما) ويقوم على حقائق مختلفة بادي الرأي. ففي طرف واحد
عالم الواقع الاستراتيجي البارد. وهو عالم صارم حيث صراعات القوة فيه هي اللغة
المتحدث بها و"إسرائيل" تميل إلى الشعور بأنه يجب عليها أن توجد فيه في
كل وقت ويدها هي العليا. وفي الطرف الآخر عالم الرأي العام العالمي. وهو عالم
تصورات وصور بعيدة أحيانا عن الواقع القاسي في الميدان، لكنها نالت موطئ قدم في
وسائل الإعلام وعند منظمات دولية. وهذه التصورات والصور بقدر كبير، مصدر للشرعية
الدولية أو عدمها.
والشرعية تؤثر أيضاً
في حدود حرية العمل وفي قدرات "إسرائيل" على الصمود والبقاء في عالم
الواقع الاستراتيجي. وبين الطرفين يوجد عالم ما بين الحكومات، وبالتالي لا تستطيع
سياسة "إسرائيل" أن تتجاهل الخريطة التي تتشكل. وفي نفس الوقت يجب على "إسرائيل"
أيضاً أن تطمح إلى الحفاظ على آفاق تعاون مع مصر والأردن وتركيا والى تطوير آفاق
تعاون مع السعودية والى استغلال الفرص لإضعاف الزعزعات الإقليمية.
وبرأي معدي الدراسة
فإن الدولة العبرية والسعودية تريدان مضاءلة الزعزعات للوضع الراهن، ومعهما أيضا
دول أقل تأثيراً كالأردن ودول الخليج. وتطمح إيران إلى زعزعة الوضع الراهن. ومن
وجهة النظر هذه على الأقل تُعد تركيا أيضاً في المعسكر العدو لأنها تطمح أيضاً إلى
أن تنظم علاقات القوى من جديد، وعلى أية حال، فإن الأمور ما تعلقت بمنظار آل سعود
فإن الصورة قد اتضحت وذاك أن السعودية قد بقيت وحدها تقريباً. وترى الأسرة المالكة
السعودية أن الصفقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة النفط مقابل الأمن تفقد من
فاعليتها وذاك لسببين: الأول، أن أمريكا غيرت سياستها من وجهة نظر الأسرة المالكة
وهي تترك آل سعود يواجهون بأنفسهم تحدياتهم في الداخل والخارج. وهذا يُحدث فروقا
أخذت تتسع بين السعودية والولايات المتحدة، بدءا بطلب الولايات المتحدة إصلاحات
ديمقراطية في النظم الملكية السنية مرورا بحوارها مع الإخوان المسلمين في مصر،
وصورة علاج الأزمة في البحرين، وانتهاء بسحب قواتها من العراق بما يشبه ليكن
الطوفان من بعدي، والذي يأتي بإيران لتقف على عتبة السعودية. وثانيًا، تُقدر
السعودية أن فاعلية الولايات المتحدة قد قلت وبدأت تفكر بمفاهيم عهد ما بعد
أمريكا.
وبرغم أن حكام
السعودية يبذلون جهوداً للاقتراب من الصين والهند وباكستان فانه لا يوجد بديل على
هيئة قوة عظمى أخرى أكثر تأييدا وجدوى. لكن السعودية تدرك أن الحاجة إلى اعتمادها
على نفسها قد زادت وان عليها أن تحاول أن تملأ بقواها الذاتية جزءا من الفراغ الذي
خلفته الولايات المتحدة، وأصبح هذا الإدراك يثمر صفقة بسبعين مليار دولار، ويدفع
بالسعوديين إلى التفكير بالحصول على أسلحة نووية، على حد تعبير الدراسة.
وترى السعودية، كما
شددت الدراسة، أنها قد فقدت شريكاتها المهمات في الجبهة العربية السنية، فقد سقط
مبارك ومستقبل مصر غير واضح، وبعد انسحاب أمريكا أصبحت إيران الجهة المهيمنة في
العراق. وقد اضطر هذا الوضع الجديد الشديد السعودية إلى تغيير إستراتيجيتها.
وتابعت: بقي آل سعود المحاربين العنيدين الرئيسيين وربما الآخِرين لصد إيران، وأن
الأسرة المالكة تحاول باستثمار مليارات الدولارات في مصر مرورا باستخدام سلاح
النفط والصراعات داخل الاوبيك، والصراع على القنوات إلى باكستان والهند ثم محاولة
توسيع الـ جي.سي.سي وجعل هذه المنظمة شبه حلف أطلسي سني، تحاول أن ترسم خط وقف
إيران. وهي تجعل نفسها بذلك هدفا رئيسا لإيران. وأوضحت الدراسة أيضًا أن ضعضعة
الأسرة المالكة، بعمل مباشر أو بوسائل غير مباشرة، قد يفضي بإيران إلى شفا القدرة
على أن تسقط نهائيا النظام الإقليمي المعروف.
وكذلك يوجد خوف من
تحولات إستراتيجية تنبع من تبديل الأجيال في قيادة آل سعود، أو من تقدير السعودية
أن مكافحة إيران خطيرة جدا واحتمالات نجاحها ضئيلة جدا، وعلى ذلك يجب على السعودية
أن تبحث عن توافق يعتمد على اعتراف لتقدم إيران. من هنا تأتي الأهمية الكبيرة لآل
سعود بالنسبة لإسرائيل. بازاء الفروق الثقافية يصعب الحديث عن شراكة مكشوفة بين
إسرائيل والسعودية. لكن الدولتين تقرآن بصورة متشابهة الخريطة الإستراتيجية
وتسيران في مسارات إستراتيجية متوازية ولهذا يوجد مكان للفحص عن توسيع الحوار
بينهما، على حد تعبير الدراسة.
القدس العربي، لندن، 24/7/2012
0 comments: