د. عصام نعمان
الاسلحة الكيميائية حقيقة وذريعة في آن.
هي حقيقة من حيث وجودها وإمتلاك دول عدة لها، بينها سوريا. لكنها ذريعة من حيث حرص
'اسرائيل'، تحديداً، على تخويف الولايات المتحدة والعالم من إحتمال قيام سوريا
بتسريبها الى تنظيمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والى تنظيم 'القاعدة'
وتفريعاته الإرهابية.
حملة التخويف بدأها في الاسبوع الماضي
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الجنرال افيف كوخافي بتقرير قدّمه الى
لجنة الشؤون الخارجية والامن في الكنيست. قال إن 'اسرائيل' يؤرقها خطران : الاول،
العمليات العسكرية المنطلقة ضدها من سيناء. الثاني، السلاح الإستراتيجي
(الكيميائي) الذي تمتلكه سوريا ومخاطر تسريبه الى قوى معادية لـِ 'اسرائيل'.
غداة كشف تقرير كوخافي، اعلن وزير خارجية
الاردن ناصر جودة في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره البريطاني وليم هيغ 'ان بلاده
اتخذت اجراءات احترازية لمواجهة هجوم سوري بالأسلحة الكيميائية' بالتزامن مع تصريح
الوزير الاردني، حذّر البيت الابيض الحكومة السورية من انها ستحاسَب على اسلوب
التعامل مع اي اسلحة كيميائية من حيث حيازتها وطريقة تخزينها.
في أعقاب التفجير الذي استهدف مبنى الامن
القومي في دمشق، قام وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك بجولة في هضبة الجولان،
اكد بعدها لنظيره الاميركي ليون بانيتا ان 'اسرائيل' 'تتابع بحذر محاولات حزب الله
نقل منظومات اسلحة متقدمة او مواد كيميائية من سوريا الى لبنان'. كما دعا باراك
حكومة نتنياهو الى 'ان تستعد لإمكانية اجتياز موجات من اللاجئين السوريين السياج
في الجولان بناء على فرضية انهيار النظام'. لفت ايضاً الى 'امكانية استمرار القتال
داخل سوريا حتى بعد سقوط الاسد' ما يوحي بأن 'اسرائيل' لن تكتفي بـِ (إحتمال)
اسقاط الرئيس السوري بل تبتغي تأجيج الإقتتال لتقسيم سوريا.
هل يعقل ان يكون الاردن عرضة لهجوم
كيميائي سوري؟ ام ان هناك تدبيراً ما يجري اعداده لوضع اليد على مخزون سوريا من
الاسلحة الكيمائية او، في الاقل، تعطيل استعمالها ؟ وما العلاقة بين المناورة التي
جرت في الاردن مؤخراً تحت عنوان 'النسر المتوثب' وشاركت فيها قوات اميركية وحديث
الوزير الاردني عن 'مواجهة هجوم سوري كيميائي'؟
صحيفة 'وول ستريت جورنال' الامريكية كانت
اشارت الى ان الجيشين الاميركي والاردني يضعان خططاً لتأمين مخازن ضخمة من الاسلحة
الكيميائية والبيولوجية في سوريا خشية سقوطها في ايدي 'القاعدة' او حزب الله.
هذه الاخبار والتحذيرات والتسريبات عن خطط
طارئة لمواجهة احتمال سقوط الاسلحة الكيميائية السورية في ايدي تنظيمات 'ارهابية'
اقلقت الملك الاردني عبد الله الثاني ودفعته الى التحذير من ان 'السيناريو الاسوأ
هو ان يضع تنظيم 'القاعدة' يده على الاسلحة الكيميائية السورية'.
مخاوف الملك الاردني كانت، على ما يبدو،
جدية الامر الذي حمل المتحدث بإسم الخارجية الامريكية باتريك فينتريل على التأكيد
بأن 'ليس هناك ما يشير الى ان هذه الذخائر (الكيميائية) ليست موجودة حالياً تحت
سيطرة السلطات السورية'.
تأكيدات المتحدث بإسم الخارجية الاميركية
لم تلقَ آذاناً صاغية في 'اسرائيل'. فقد تابع المحللون السياسيون والعسكريون،
وبعضهم قريب من أروقة القرار، رسم سيناريوهات حول ما يمكن ان يكون رد 'اسرائيل'
على 'احتمال ' امتلاك حزب الله سلاحاً استراتيجياً كاسراً للتوازن العسكري القائم.
المراسل العسكري للقناة التلفزيونية الإسرائيلية العاشرة كشف ان مداولات تجري بين
المسؤولين الإسرائيليين والاميركيين حول الصيغة الافضل للتعامل مع تسريب اسلحة
كيميائية الى حزب الله : هل تُضرب هذه الاسلحة في سوريا او بعد دخولها الاراضي
اللبنانية ؟ اشار الى ان الرأي الغالب هو تجنب ضربها في سوريا حتى لا تُتهم
'اسرائيل' بالتدخل في الأحداث، لكن انتقال هذه الاسلحة الى لبنان يشكّل سبباً
للحرب.
المراسل العسكري للقناة الاولى في
التلفزيون الإسرائيلي يؤاف ليمور كتب في صحيفة اإسرائيل اليومب ان في انتظار
ااسرائيلب قراراً صعباً في ما يتعلق بسوريا ولبنان. اوضح اان ااسرائيلب لا تنوي
التدخل إلاّ اذا حدث احد سيناريوهين: ان تُوجَّه النار ضدها او ان ينتقل سلاح
استراتيجي الى لبنان، مع التشديد على اربع منظومات اساسية بحسب الترتيب الآتي:
الاولى، وسائل قتالية كيميائية وبيولوجية. الثانية، منظومات متطـورة مضـادة
للطائـرات (SA17
و SA22).
الثالثة، صواريخ بعيدة المدى (مع التشديد على صاروخ اسكود ديب). الرابعة، صواريخ
بر ذ بحر متطورة من طراز اياخونتب.
حسناً، هل تمتلك قوى المقاومة العربية
(حزب الله تحديداً) ايّاً من هذه الاسلحة الإستراتيجية؟
أفترض ان الادارة الاميركية مصيبة بقولها
إن الأسلحة الكيميائية السورية ما زالت موجودة وتحت سيطرة السلطات السورية، وانها
لم تُنقل الى حزب الله. لكن ماذا عن المنظومات الثلاث الاخرى؟ أليس من المحتمل
جداً ان يكون حزب الله قد امتلك، في الاقل، منظومة متطورة مضادة للطائرات من طراز SA17، وصواريخ بعيدة
المدى من طراز اشهابب او ازلزالب او افجرب او غيرها من التي سبق ان تداولت اسماءها
وقدراتها وامداءها مصادر عسكرية اسرائيلية واطلسية، وصواريخ بر- بحر من طراز
اياخونتب التي تملكها سوريا ؟
لا دليل وافياً على امتلاك حزب الله هذه
الاسلحة الكاسرة، لكن ثمة قرينة وازنة. ففي 25/7/2011 لمناسبة الذكرى الخامسة لحرب
'اسرائيل' العدوانية على لبنان العام 2006، حذّر الامين العام لحزب الله، السيد
حسن نصرالله، 'اسرائيل' من مغبة إستيلائها على 860 كيلومتراً مربعاً من المنطقة
الإقتصادية الخالصة في المتوسط حيث مكامن ثروة لبنان الغازية. قال إن من 'يعتدي
على المنشآت اللبنانية، لديه منشآت نفط وغاز، ومن يمسّ المنشآت اللبنانية فإن
منشآته ستمسّ. قبل ذلك بسنة، وفي المناسبة ذاتها هدد السيد نصرالله 'اسرائيل' بأنه
في حال قيامها بمحاصرة لبنان بحرياً فإن في وسع المقاومة فرض حصار بحري عليها. في
الذكرى السادسة لحرب 2006، اكّد السيد نصرالله على جاهزية المقاومة لدحر 'اسرائيل'
مجدداً في حال شنت هجوماً على لبنان، وتوعدّها بمفاجأة مدوية لن تخطر في بالها .
صحيفة 'جيروزاليم بوست' اكدت، نقلاً عن
مصادر عسكرية، ان تقديرات سلاح البحر في 'اسرائيل' تشير الى ان حزب الله سيحاول
مهاجمة سفن الشحن التجارية ضمن محيط 30 كيلومتراً من 'الساحل الإسرائيلي'، وفرض
حصار بحري على الموانيء في اي حرب مقبلة. ضابط اسرائيلي رفيع المستوى قال للصحيفة
إن الحصار البحري يستتبع تداعيات سلبية اقتصادية استراتيجية هائلة على 'اسرائيل'،
وان 'الناس لا يستوعبون معنى ان تكون نسبة 99 في المئة مما نستورده كبلد يأتي عن
طريق البحر'.
عندما تقرّ 'اسرائيل' بقدرة المقاومة على
فعل كل هذه الاعمال، ألا يعني ذلك، منطقياً، ان لديها من الأسلحة المتطورة
والقدرات التقانية ما يمكّنها من تحقيقها؟
ثمة قرينة اخرى. ما دامت 'اسرائيل' تقرّ،
مداورةً، بأن المقاومة اللبنانية تمتلك واحداً او اكثر من الاسلحة الاستراتيجية
الكاسرة، فلماذا لم تهاجمها؟ أليس لأن تكلفة ذلك باهظة جداً، بشرياً وعمرانياً
واقتصادياً وعسكرياً؟
الخلاصة: لا حرب خشنة على لبنان وسوريا في
الحاضر والمستقبل المنظور بل المزيد من الشيء نفسه، اي من الحرب الناعمة التي
يشارك اللبنانيون والسوريون مع قوى خارجية في شنها على بعضهم بعضاً بغباء منقطع النظير.
القدس العربي، لندن، 23/7/2012
0 comments: