Monday, September 10, 2012

توصيات للساسة الإسرائيليين حول سوريا
2012-09-02   

أوري ديكل


عكا أون لاين- مر 18 شهرا منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد في سوريا، والذي بدأ كثورة محلية وتطور إلى حرب إقليمية شاملة، بثمن خسائر تزيد عن 20 ألف قتيل، وتصاعد الصراع والقتل الجماعي والطائفي، أدت هذا الأمر إلى نقطة لا يمكن العودة فيها في هذه الثورة، ومع ذلك لا يستطيع أحد التنبؤ كيف ومتى يمكن أن تنتهي الثورة في سوريا.
نظام الأسد يقاتل بقوة في سبيل بقائه، ولا يزال يحظى بدعم من قبل الجيش السوري بالرغم من الانشقاقات الكبيرة الحاصلة في صفوفه، وفي المقابل المعارضة منقسمة، وتجد صعوبة في الاتحاد حول زعامة متفق عليها، ولا تزال لا تشكل بديلا حقيقيا للنظام الحالي.
الثورة المستمرة في سوريا  تؤدي يوما بعد يوم إلى إضعاف قدرة النظام في الحكم، وبدأ النظام السوري بفقد سيطرته على أجزاء كبيرة من سوريا، فالأسلحة والأموال تتدفق من الخارج إلى الجماعات المسلحة المختلفة، وإن كان بشار الأسد قبل وقت غير بعيد يعيش في ظل نكران الوضع، فانه تتعاظم الآن المؤشرات على انه يفهم بأن زمنه محدود وعليه أن يبلور طريقة إستراتيجية للخروج مع مسار انسحاب بشرف، أو العناد حتى النهاية المريرة ويطبق المثل القائل "علي وعلى أعدائي".
على مدار الثورة، برز عجز الأسرة الدولية بشكل عام، والولايات المتحدة مع الدول الغربية بشكل خاص في اقتراح قرار يسمح بتدخل عسكري في سوريا، فهم تعبون من مواجهات عسكرية في الشرق الأوسط، ويخشون ألا تكون عملية من الجو في سوريا كافية فتؤدي إلى عمل بري، لحماية الشعب السوري والقضاء على حكم بشار الأسد، وسبب آخر في عدم نجاح الغرب حتى الآن هو معارضة روسيا والصين، اللتين تواصلان دعم النظام السوري انطلاقاً من مصالح عملية وخوفا من تبعات سقوطه.
صورة النهاية في سوريا، كما ترسمها الدول الغربية، تنبع من الفرضية بأن على الشعب السوري أن يقرر مستقبله بنفسه، مع تدخل أجنبي هامشي، في ظل الحفاظ على الوحدة الإقليمية لسوريا وسيادتها، وبالمقابل ترسم محافل المعارضة شروط "لعبة النهاية" على الطراز الليبي – قطع "رأس الأسد"، وقد تفضل التدخل الخارجي بعد حدث دراماتيكي كاستخدام المواد الكيماوية، ولكنها الآن ترى بأن عليها مواصلة الهجوم والاستيلاء على المدن السورية الواحدة تلو الأخرى حتى عزل النظام وإسقاطه.
وفي هذه الأثناء تراقب "إسرائيل" بقلق ما يجري في سوريا، وتفضل في هذه اللحظة الوقوف جانباً، وعدم التدخل والاستعداد للسيناريوهات الخطيرة، "إسرائيل" تفضل النظام السوري، لأنه نظام ضعيف وبالتالي فإن ضعفه سيؤدي أيضا إلى إضعاف المحور الراديكالي بقيادة إيران، ولكن هذه الرؤية تغيرت بعد أن طُرح التخوف من نقل المواد الكيماوية إلى حزب الله أو النية في استخدام هذه المواد.
سيناريوهات
صورة الوضع الحالية تؤدي إلى جملة من السيناريوهات المحتملة، معظمها سلبية لـ"إسرائيل"، وبعضها متداخل أو متطور بالتدريج، والسيناريوهات الأساسية هي:
1. سقوط نظام بشار الأسد وانحلال المنظومة السلطوية والجسم السياسي، ونشوب حرب أهلية وصراعات طائفية لا هوادة فيها، وفي ظل ذلك،تطهير عرقي وتحركات للسكان إلى تجمعات ومراكز نفوذ للطوائف.
2. قدرة حكم جزئية: النظام (بشار نفسه، زعيم آخر، أو مجموعة زعماء علويين) ينجح في البقاء ولكن يبقى ضعيفا ويفقد شرعيته، ويبقي يسيطر بالقوة على المحور الطويل المركز، دمشق – حمص – حلب وقاطع الشاطئ، ويفقد السيطرة الناجعة على مناطق في المحيط، ومع ذلك تبقى سوريا تؤدي دورها جزئيا كدولة.
3. نشوء منظومة سياسية مختلفة، تتشكل داخل سوريا، وصعود نظام مختلف على أساس اتحاد قوى في المعارضة، وينجح في الأداء بنجاعة ويثبت الاستقرار، في ظل خلق توازنات بين الطوائف والقوى المختلفة.
4. الفوضى وانعدام السيطرة: نظام بشار الأسد يسقط بينما لا يوجد نظام مركزي ناجع، سوريا تصبح "ميدان قتال عام" لقوى متطرفة، بدعم من لاعبين خارجيين، يتنافسون الواحد مع الآخر – إيران مقابل السعودية ودول الخليج، تركيا مقابل الأكراد، الولايات المتحدة مقابل روسيا وغيرها، وفي ظل ذلك استمرار اجتذاب محافل متطرفة من الخارج إلى سوريا، ونشوء حرب المبعوثين.
5. التدخل الخارجي: بقيادة الأسرة الدولية، في أعقاب حدث شاذ جداً في بدايته، وعمل عسكري يؤدي إلى إسقاط حكم بشار الأسد، ولاحقا إقامة نظام جديد في عملية طويلة، تتضمن مصالحة داخلية وإصلاحات ديمقراطية.
في نظر "إسرائيل" معظم السيناريوهات التي فُصِّلت أعلاه، تنطوي بداخلها على إمكانية كامنة لنشوء تحديات جديدة وتهديدات لـ"إسرائيل"، ولاسيما التخوف من تحول هضبة الجولان إلى منطقة جبهة، الأمر الذي ستستغله محافل "متطرفة" ومعادية لتتحدى "إسرائيل"، عبر تسريب وسائل قتال إستراتيجية ومواد كيماوية إلى حزب الله ومحافل "متطرفة" أخرى، أو من خلال مبادرة إيرانية لمهاجمة "إسرائيل" من خلال حزب الله أو مبعوثين آخرين.
إضافة إلى ذلك، فان "إسرائيل" قلقة من صرف الانتباه عن الموضوع الإيراني، الأمر الذي سيسمح لإيران بمواصلة برنامجها النووي، ومع ذلك يوجد في السيناريوهات المعروضة أيضا فرص، كنتيجة لضعف المحور الراديكالي، أحداها تغير ميزان القوى في لبنان، وخيار لإعادة تحريك عملية نزع القدرات الإستراتيجية من حزب الله، وفي كل الأحوال، لغرض المضي قدما في الفرص المختلفة، مطلوب أعمال فاعلة ومبادرات من جانب "إسرائيل" والولايات المتحدة والأسرة الدولية.
عندما ندرس مصالح "إسرائيل" في سياق الأزمة في سوريا، تظهر الأهداف التالية: الهدوء والاستقرار الأمني، ونشوء نظام جديد في سوريا يكون مسئولا ومستقراً، ويؤدي دوره ولا يكون معادياً لـ"إسرائيل"، ويخرج سوريا من المعسكر الإيراني، ويسمح بنفوذ غربي مصاعد فيها، ومنع تسريب وسائل القتال الإستراتيجية إلى محافل "متطرفة"، كفيلة لاستخدامها ضد "إسرائيل".         
خيارات للساسة
1. مصمم ومبادر: (خيار فاعل) في أساسه، ببناء شروط لبلورة نظام آخر في سوريا، وذلك من خلال مساعدة محافل المعارضة، والمس بمراكز الدعم والمساعدة لنظام بشار الأسد، كما أنه تتوفر فيه فرصة لمعالجة حزب الله، من خلال دوافع سياسية، واقتصادية وبالوعي وربما بالعسكرية بصفتها فرصة. وإلى جانب ذلك تفعيل مبادرات إنسانية وإقامة قنوات حوار مع مصممي الرأي العام في سوريا ومحافل المعارضة.
2. أمني: (خيار الرد) يركز على تقليص التهديدات الأمنية، الحالية والمستقبلية، في هذه الإطار، إدارة معركة سرية لمنع تهريب وتسريب الوسائل القتالية ووسائل الحرب الكيماوية إلى جهات متطرفة، مع ردع نظام الأسد من مغبة استخدام مواد الحرب الكيماوية ضد مواطنيه، أو تسليمها لحزب الله، وتعزيز عناصر الدفاع في هضبة الجولان وتحسين الجاهزية لمواجهة التحديات الأمنية المتطورة.
3. الوقوف جانبا: (خيار الاحتمال) يستند إلى الفهم بأنه لا يزال من السابق لأوانه تأبين نظام الأسد، الذي في كونه ضعيفا هو خير لـ"إسرائيل" مقارنة مع باقي الخيارات التي هي مجهولة وغير معروفة.
خلاصة وتوصيات
رغم انعدام اليقين بالنسبة لطبيعة تطورات الأحداث في سوريا، على "إسرائيل" أن تعمل ضمن الافتراض بان نظام الأسد في صيغته الحالية لن يبقى!لسقوط نظام بشار الأسد جوانب ايجابية مع التشديد على إضعاف المحور الراديكالي بقيادة إيران، ولكن أيضا آثار سلبية ونشوء تحديات جديدة لـ"إسرائيل"، وبالتالي على "إسرائيل"، رغم رافعات التأثير المحدودة، أن تبدي نشاطا زائدا لغرض بناء الظروف لمواصلة بلورة سياسة مبادرة تكون في الوسط بين البديل الأمني والبديل المصمم، ويكون أساسه نشاط في ظل منخفض لإضعاف الدعم لنظام بشار وحزب الله؛ لمنع تسريب الوسائل القتالية الإستراتيجية ومواد الحرب الكيماوية إلى جهات متطرفة، وردع بشار الأسد من استخدام مواد الحرب الكيماوية، وإقامة قنوات حوار مع محافل المعارضة أو القيادة البديلة، والتوجه إلى الجمهور السوري عبر وسائط الاتصال القديمة والحديثة، وإقامة مراكز مساعدة إنسانية في حالة وصول لاجئين إلى هضبة الجولان.
في ظل التغيير في الوضع الاستراتيجي اتسع مجال المصالحة المشتركة لـ"إسرائيل" ولتركيا  بالتشديد على التطلع لاستقرار نظام مركزي ومسئول في سوريا، ومنع انتقال الأحداث إلى الدول المجاورة، وتقليص نفوذ محافل جهادية "متطرفة" ومنع الانتشار، إضافة إلى ذلك فإن لتركيا والسعودية توجد دوافع التأثير الرئيسة على المعارضة، وبالتالي من المجدي النظر مرة أخرى في إمكانية استئناف التعاون الاستراتيجي مع تركيا.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: