Saturday, September 8, 2012


إحذروا الدول الصغيرة – لبنان ساحة معارك الشرق الاوسط»: بذور الصراع.. وعود بريطانية متناقضة


بيروت- لندن – «القدس» - يقول الكاتب والصحافي البريطاني المعروف ديفيد هيرست في احدث كتبه "احذروا الدول الصغيرة – لبنان ساحة معارك الشرق الاوسط" في خاتمة كتابه ان "...هذا الكتاب لم يبدأ كتأريخ للصراع العربي- الاسرائيلي. ومع ذلك، وفي كل مرحلةٍ من كتابته، ظل الصراع يفرض نفسه عليه كجزء لا يمكن فصله عنه ومتأصل فيه وفي عنوان موضوعه الذي تحول اليه لدرجة كبيرة- تاريخ بقي فيه لبنان، البلد الذي يقيم فيه المؤلف منذ نصف قرن من الزمن، دائماً برغم ذلك في المقدمة كعدسة يراه من خلالها..."

يقتبس هيرست في مقدمة كتابه عن الكاتبة والرحالة البريطانية فريا ستارك قولها في احدى رسائلها عن اللبنانيين: "الناس كلهم آسرون في نظري. انهم ليسوا شرقيين في الواقع، او أي شيء: مجرد اناس على هامش فقير بين الاسلام والبحر، مصيرهم ان يكونوا حجارة شطرنج في أي سياسات تلعب هناك...لم اصادف بعد شرارة واحدة من الشعور القومي. قرأت كتاب صلاة الموارنة قبل ايام، وشعرت ان الصلاة لـ"الخلاص من سفك الدماء" تتخذ معنى خاصاً في بلد المذابح هذا. وهو بلد عظيم ايضاً".

لقد ارتبط تاريخ لبنان الحديث، فلنقل في المائة سنة الاخيرة، لكن خصوصاً منذ 1948 ثم مرة اخرى بعد خروج الفدائيين الفلسطينيين من الاردن في 1970، بالقضية الفلسطينية وتطوراتها ارتباطاً وثيقاً. ومن هنا اهمية المقتطفات التي تعاقدت «القدس» على نشرها من كتاب هيرست الجديد الموثق توثيقاً دقيقاً.

يتألف كتاب هيرست الجديد هذا من 16 فصلاً وخاتمة عنوانها "سلام اوباما – او حرب سابعة". واما الفصول فهي: 1- "بذور الصراع"، و2- "الموارنة والصهاينة-علاقة غير مسموح بها 1923-1948"، و3- "تأخير الحساب: لبنان يفلت من عواقب الكارثة: 1948-1967"، و4- "لبنان والفلسطينيون: الطريق الى الحرب الاهلية 1967-1975"، و5- "الحرب الاهلية في لبنان – حرب بالوكالة لجميع الآخرين: 1975-1976"، و6- "غطرسة امبريالية – اسرائيل تشن حب اختيار في لبنان: 1977-1982"، و7- "مذبحة صبرا وشاتيلا – نقمة اسرائيل الامبريالية: 1982-1985"،و 8- "الخميني، والاسلاميون والانتفاضة الشيعية : 1979-1985"، و9- "الحرب الاهلية تضع اوزارها: حزب الله يصعد – 1985-1992"، و10- نصر المحارب-الشيخ: حسن نصر الله يذل صهيون: 1992-2000"، و11- "اعادة رسم خريطة الشرق الاوسط: 2001-2006"، و12- "اخراج سوريا من لبنان: 2004-2006"، و13- "الحرب السادسة: 2006"، و14- "من انتصر؟ 2006-2008"، و15- "غزة: 2009".

في الفصل الاول، "بذور الصراع 1860- 1923 "، يقول هيرست: "لبنان، وهو بلد جبلي على الساحل الشرقي للبحر الابيض المتوسط ولا تزيد مساحته عن مساحة ويلز او ولاية كونكتيكات الاميركية، يجتذب منذ وقت طويل اهتماماً دولياً لا يتناسب وحجمه واهميته، كما قد يحسب المرء في البداية. وقد جاء الاهتمام دائماً كتشنجات دراماتيكية تسببها ازمات تميل الى الانحسار بالسرعة التي تندلع بها، ولكن من دون ان تزول قط الاسباب الكامنة وراءها. غير انه نادراً ما بلغ درجة من الشدة المستمرة كالتي بلغها خلال الحدث الذي اوحى بكتابة هذا التاريخ – اي تلك الايام الثلاثة والثلاثين في تموز وآب) 2006، التي سماها العرب "الحرب (العربية-الاسرائيلية) السادسة. ونادراً ما عزا الخبراء والمحازبون مثل هذه الاهمية الكونية المبالغ بها الى حرب كانت محدودة في النطاق و، باي معنى عسكري مباشر على الاقل، غير حاسمة في نتيجتها (...)".

ثم يشير هيرست الى المصدر الذي استقى منه عنوان كتابه فيقول: "كتب ميخائيل باكونين، الفوضوي الروسي الى صديق له في 1870 قائلاً: احذر من الدول الصغيرة. وما عناه، في تلك الحقبة من الحرب الاوروبية والغليان الجغرافي لم يكن فقط ان مثل هذه الكيانات الصغيرة كانت تحديداً مكشوفة لخطر مخططات كيانات اكبر، وانما انها كانت مصدر متاعب لمعذبيها ايضاً. وكان يشير مثلاً الى بلجيكا او لاتفيا المحصورة على بحر البلطيق بين الاطماع المتنافسة لكل من روسيا لقيصرية والمانيا التي كانت في طور توحيدها وتوسيعها على يد بروسيا ومستشارها الحديدي اوتو بسمارك. ولبنان، وفق هذا المعيار الجيوبوليتيكي مؤهل بدون شك لتصنيفه "الدولة الصغيرة" في الشرق الاوسط. ولم يأت من فراغ ان اسمه واسم عاصمته بيروت قد دخلا الآن في القاموس السياسي العالمي كمرادف لنوع معين من الصراع العصري.

وليس من فراغ ان تعبير اللبننة صار جزءاً رسمياً من اللغة الفرنسية يقول تعريفه في احدث طبعات "لاروس" انه يعني "عملية انشطار دولة كنتيجة لمجابهة بين طوائف متنوعة"، و"تميل الى ان تحل محل البلقنة".

يعتبر هيرست لبنان، بصفته خلطة من الطوائف الدينية وفروعها، مع نظام دستوري وسياسي مناسب لها، "دولة طائفية من الدرجة الاولى". ثم يضيف ان "لبنان، في ما يبدو، صمم تقريباً ليكون ساحة المعارك الابدية لصراعات الآخرين السياسية والايديولوجية، الصراعات التي تتصاعد احياناً الى حروب لها بالوكالة. وهؤلاء الآخرون هم بالدرجة الاولى، طبعاً، الدول الاكبر في المنطقة. ولكنهم ايضاً اميركا، واوروبا، وروسيا او أي دولة كبيرة فعلية او طامحة تبدي اهتماماً بشؤون المنطقة.

وقد ابدت الدول الكبرى دوماً اهتماما بالمنطقة بسبب اهميتها، سياسياً وتاريخياً كمركز للسياسات الدولية و، في الازمنة الاحدث، مكمن لاحتياطيات نفط ضخمة هي شريان الحياة للعالم العصري، وموقع اطول واصعب واخطر صراع فيها، هو الصراع بين العرب واليهود. واذا كان الشرق الاوسط يتدخل بحكم العادة في شؤون لبنان، فان العالم الخارجي يفعل ذلك بحكم العادة بالنسبة الى شؤون الشرق الاوسط".

يشير هيرست الى ان لبنان كان جزءاً من، او مساهماً في، كل التجارب التاريخية في الشرق الاوسط المعاصر، كالانتقال من الحكم العثماني التركي الى السيطرة الاستعمارية الاوروبية، الى ظهور وسيطرة فكرة القومية العربية والاستقلال وما بعده والناصرية وعدائها للاستعمار. ويقول ان لبنان كان اخيراً، "مع اخفاق القومية، او على الاقل انظمة الحكم الفاسدة التي افترضت انها تجسدها، جزءاً من صعود الاسلام الاصولي البارز اليوم. و"الواقع، الا يمكن القول اليوم ان لبنان – الضحية الابدية – قد صار الآن ايضاً المرتكب الذي يمثل خطراً على دول اكبر لا يقل عن الخطر الذي تشكله بالنسبة اليه؟".

ويسأل هيرست: "هل كانت مجرد مبالغة ام امراً جدياً تلك الاطروحة التي ادلى بها زعيم حزب الله حسن نصر الله في اول ظهور علني له بعد "النصر المقدس" الذي انعم الله به على محاربيه الجهاديين - الاطروحة القائلة ان "الدولة الصغيرة" في الشرق الاوسط تحولت الآن واحدة من "قواها الكبرى"؟ من الواضح ان اتباعه المبتهجين اعتقدوا بذلك. وهل يمكن لاي شخص، وسط صدمات الزمان وصخبه ان يعلن انهم على خطأ؟

"ان دولاً عدة من داخل المنطقة وخارجها، تدخلت في شؤون لبنان – وغازلته، وخوفته او سعت الى تخريبه من الداخل، وهاجمته، وغزته، واحتلته او اساءت معاملته - في خلال فترة وجوده على مدى ما يقرب من تسعين عاماً في شكله الحالي. ولكن لم يفعل أي منها ذلك بصورة اشد وافدح تعطيلاً مما فعلته دولة اسرائيل – او، حتى نكون اكثر دقةً، اسرائيل المسبوقة بالحركة الصهيونية السابقة للدولة التي نمت منها".

ثم يقول المؤلف: "...في فلسطين، حيث قامت اسرائيل في نهاية الامر، لم يكن هناك سوى طائفة صغيرة جداً من اليهود، لا تزيد عن ستة في المئة من مجموع السكان، ولا تملك اكثر من اثنين في المئة من الارض. ومن هؤلاء كانت هناك اقلية فقط، ممن ولدوا ونشأوا محلياً، تعتبر من اهل البلد الاصليين مثل العرب الذين عاشت بين ظهرانيهم. اما الغالبية فكانت من المهاجرين الجدد من اوروبا الشرقية. ولم يملك اولئك المهاجرون أي حق يمكن تصوره، بموجب القانون الدولي او العرف، لاقامة دولة لليهود حصراً، او أي توقع معقول بانه سيكون بوسعهم ابداً، بالنظر الى العقبات التي كانت تبدو كأداء في طريقهم، وليس العقبات القانونية منها فقط بالطبع وانما ايضاً الاخلاقية، والدبلوماسية والسياسية والديموغرافيةً.

ومع هذا فانهم لم يحققوا ذلك فقط - بصورة رئيسة، ولا مفر منها، من خلال القوة - على مدى ثلاثين سنة، وانما حولوا دولتهم في نهاية الامر، عسكرياً ودبلوماسياً، الى اقوى دولة في المنطقة. وبحتمية ليست اقل، بالنظر الى طبيعة ولادتها، كانت هذه الدولة الحديثة الولادة مهيأةً من البداية لاستخدام قوتها باسلوب يتسم بالعدوانية والتسلط والعنف. وشمل الاحساس بذلك كل انحاء المنطقة ولكن - بعد فلسطين نفسها – لم يكن الاحساس به اقوى في أي مكان مما كان عليه في اصغر واضعف جيرانها، لبنان. وعندما يتحدث المرء عن القوة الاسرائيلية، فانه لا يملك الا ان يتحدث عن القوة الغربية التي كانت دائماً جزءاً لا يتجزأ منها.

فقد كان المشروع الصهيوني في فلسطين، في ايام ما قبل الدولة، معتمداً كلياً على بريطانيا العظمى، الدولة الامبراطورية المسيطرة في ذلك العصر، والتي رعت ذلك المشروع. ولكن حتى الآن فان القوة الاقليمية العظمى التي تحولت اليها في نهاية الامر تظل معتمدة من اجل بقائها اعتماداً ليس اقل على القوة العالمية العظمى، او، بالاحرى، على قدرتها الفريدة – مباشرةً او عن طريق "اصدقاء اسرائيل" داخل الولايات المتحدة نفسها – على تجنيد القوة الاميركية نيابةً عنها.

سايكس-بيكو: فرنسا وبريطانيا تقتسمان الغنائم

ولد لبنان، مثل لاتفيا، من رحم كارثة الحرب العالمية الاولى عندما توفي "رجل اوروبا المريض"، الامبراطورية العثمانية، في نهاية الامر. وكان ذلك جزءاً من النظام الشرق الاوسطي الجديد الذي فرضته بريطانيا وفرنسا، المنتصرتان في الحرب، على المقاطعات العربية في الامبراطورية السابقة.

وقد مثل ذلك النظام خيانة للشعوب العربية – لآمالها وتطلعاتها الى تجديد سيادتها في اوطانها والتي لم تتمتع بها لقرون من الزمن". (...)

يشرح هيرست كيف تنكرت بريطانيا لوعودها للشريف حسين بن علي، شريف مكة، بالاعتراف – مقابل دعمهم لها بمحاربة الاتراك العثمانيين - باستقلال العرب في مناطقهم "باستثناء اجزاء من سوريا (أي لبنان بصورة رئيسة) واقعة الى الغرب من دمشق وحمص وحماة وحلب لا يمكن القول انها عربية صرف". ولم يوافق الشريف (حسين) على هذا الاستثناء – الذي ادخلته بريطانيا مراعاةً لفرنسا – واحتفظ بحق الاعتراض عليه لاحقاً.

وتنفيذاً لجزئهم من الصفقة، اطلق الشريف وابناه، الاميران فيصل وعبد الله، الثورة العربية. وقد جاءت ذروتها بالسيطرة على دمشق في 1918. وكان يجب ان تصبح تلك المدينة التاريخية عندئذ، للمرة الاولى منذ اكثر من الف سنة، عاصمة المملكة العربية التي اعلنها هناك. ولكن ذلك لم يحدث، او على الاقل لم يتحقق لاكثر من بضعة اسابيع. ذلك ان القوات الفرنسية زحفت من لبنان – حيث كان فيصل قد تخلى عن فترة حكم اقصر لمدة اسبوع – وهزمت جيشه، وأضافت دمشق وسوريا كلها الى الممتلكات الاستعمارية التي كانت لفرنسا.

وقد فعلت (فرنسا) ذلك بتواطؤ من بريطانيا.

ذلك ان الحكومة البريطانية توصلت، بعد ستة اشهر على مفاوضاتها مع الشريف حسين، الى تفاهم سري بينها وبين فرنسا وروسيا القيصرية. وكان هذا، أي اتفاق سايكس-بيكو، احدى الوثيقتين المفتاحيتين اللتين شكلتا تاريخ الشرق الاوسط الحديث. وبموجب شروطها التي كشف النقاب عنها في 1917، ما اثار سخط العرب الهائل، كانت روسيا وايطاليا ستتوليان السيطرة على الاجزاء التركية من الممتلكات العثمانية السابقة، بينما كانت فرنسا وبريطانيا ستقتسمان المقاطعات العربية في ما بينهما، بحيث تكون سوريا ولبنان لفرنسا، والعراق وفلسطين وشرق الاردن لبريطانيا.

كانت تلك امبريالية قديمة العهد غير تائبة.

ولكنها كانت مخفية متنكرة بثياب احسان. وقد اضطرت بريطانيا وفرنسا لاعلان التمسك نوعا ما بالمبادىء التي اعلنت بريطانيا، الى جانب وعودها للعرب، المصادقة عليها. وقد فعلتا ذلك في شكل ما يسمى انتدابات. ووفقاً لهذه، فان البلدان التي وضعتها عصبة الامم تحت رعايتهما كـ"امانة مقدسة للمدنية" قد اصبحت رسمياً "دولاً مستقلة". غير انها كانت في الوقت نفسه خاضعة لتلقي مشورة ادارية ومساعدة من الدولة المنتدبة الى ان يحين وقت تكون فيه قادرة على الوقوف وحدها".
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: