اليد السعودية في
سوريا: الرياض ليست بريئة
غلوبس –
جاكي حوغي (محلل الشؤون العربية في إذاعة الجيش الإسرائيلي)
لا يختلف اثنان على حقيقة أن النظام السوري لا يقاتل فقط المتمردين الذين أعلنوا الحرب عليه، بل وأيضاً الدول الداعمة لهم. عندما تحدث بشار الأسد في خطاباته عن مؤامرة دولية ضده، لم يكن هذا من نسج خياله. فقطر والسعودية وتركية تكتلت لإسقاطه، ودول كثيرة في الغرب تدعمهن معنوياً ودبلوماسياً. صحيح أن بشار مستبد جدير بالمعاقبة، لكن من يكرهونه ليسوا أبرياء.
ما كان تقديراً ضبابياً قبل أشهرٍ معدودة، تبين أنه واقع متحقق. السعودية وقطر تضخان سرّاً أموالاً للمتمردين وكذلك أسلحة تُعاظِم بصورة دراماتيكية نوعية القتال. وتركية تضع بين أيديهم معسكرات تدريب على أراضيها، وكذلك تسمح لهم بالتسلح عبر مرافئها. وإنجازات المتمردين مثيرة للانطباع، وهذه الأيام الأسد واقعٌ في ذروة معركة يائسة لإنقاذ حلب، عاصمة الأعمال وثاني مدينة سورية من حيث الحجم.
وما أُريد له ان يبدو كأنه "ثورة شعبية" هو حرب على سورية بقيادة المملكة السعودية. ضجيج الخلفية يشوّش على رؤية الصورة الواضحة. وجزء من هذا الضجيج تثيره القوى العظمى الغربية الداعمة للمحور السعودي عن طريق الصمت. هذه القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ستنفض يدها في اليوم التالي من أي مسؤولية عن حمام الدم الذي سينفلت في سورية ويؤثر سوءاً على إسرائيل أيضاً. تماماً مثلما حصل في ليبيا. الحرب بين السعودية وسورية هي جزء من الصراع الشرس بين العالم السنّي وبين الحلف العلوي – الشيعي.
تأثير ذكي
بخلاف إسرائيل وإيران، اللتان تتدخلان في شؤون الآخرين وتخلّفان آثاراً بحجم أقدام فيل، التأثير السعودي في الشرق الأوسط حذق للغاية. فخلف الكواليس، أحسن القصر في الرياض شد الخيوط، وتلفيقها، وتشغيل آخرين، وعلى مقدمة المسرح مثّل دور الوجه اللامعبّر. على مدى عشرات السنين دعم آل سعود منظمات جهادية سنّية، وموّلوا مدارس إسلامية في باكستان، وزوّدوا المتمردين في أفغانستان بالسلاح، وبنوا مساجد في روما ولندن، دون أن ينتصب أحد في الغرب. وفي المقابل بنوا علاقاتٍ وثيقة مع البيت الأبيض، علاقات قائمة بشكلٍ أساسي على مصلحة النفط ومنحت الرياض ختم الصلاحية الدولية.
وتستتر خلف هذه السياسة فكرة تقول بأن من يدعمه السعوديون لن يستهدفهم. وأكثروا من التوسط في نزاعاتٍ مختلفة في العالم العربي، بما في ذلك من خلال إقناع عليه براءة اختراع: حقائب نقدية. بعد محاولتهم التسوية بين فتح وحماس دون نجاحٍ كبير، عملوا بصمت على شراء أصواتٍ في الانتخابات اللبنانية من أجل وضع عقبات في طريق حزب الله. في الانتفاضة الثانية طوّقوا ياسر عرفات عندما جعلوا القدس مشكلة كل العالم الإسلامي. وبذلك صادروا منه قرار التسوية مع الإسرائيليين. بعدها ابتسموا للعالم ابتسامتهم الساذجة على شاكلة مبادرة السلام السعودية، التي منحتهم مكانة معتبرة وصورة دولة داعية سلام، دون أن يتطلب ذلك منهم (دفع) ثمن.
وفي الوقت الذي حاول فيه الدبلوماسيون السعوديون إقناع الغرب بأن مبادرتهم للسلام هي الحل للنزاع الإسرائيلي العربي، موّلت تحويلاتهم النقدية منظمات القاعدة في العراق. هجمات 11 أيلول، التي نَظَّرَ لها مسيح دجال سعودي ونفّذها 15 مواطن سعودي، هي ذروة الثمار الفاسدة التي أنتجتها سياسة الدعم السعودي لمنظمات الجهاد. لكن بدهائهم نجحوا في خداع إدارة بوش لشن حملة انتقامية ضد آخرين.
والآن يكررون هذا النموذج في سورية. المال السعودي يُغذي حركة الشباب السنّة، التي تتدفق إلى سورية من دول الجوار مقابل بَدَلٍ مالي جميل. في العالَم الرَحِب يسمّون هذا القاعدة. بل والأصح، يسمّونه مرتزقة. في العراق ما بعد صدام حسين عملوا على الحد من التأثير الإيراني المتزايد. في الحالة السورية يرون فرصة لا تتكرر لإضعاف المحور الإيراني من خلال إسقاط الأسد.
وما الذي سيجري في اليوم التالي؟ يبني السعوديون على دعمهم للمتمردين ويقرّبهم منهم. مهارتهم في شد الخيوط داخل هذه المنظمات، بحكمة شيوخ القبيلة، توفّر لهم دواءاً مسكناً. وفوق كل شيء هم يعلمون أن دمشق هي مشكلة بعيدة، ومن سيبقى على الأرجح مع المشاكل هم جيران سورية".
لا يختلف اثنان على حقيقة أن النظام السوري لا يقاتل فقط المتمردين الذين أعلنوا الحرب عليه، بل وأيضاً الدول الداعمة لهم. عندما تحدث بشار الأسد في خطاباته عن مؤامرة دولية ضده، لم يكن هذا من نسج خياله. فقطر والسعودية وتركية تكتلت لإسقاطه، ودول كثيرة في الغرب تدعمهن معنوياً ودبلوماسياً. صحيح أن بشار مستبد جدير بالمعاقبة، لكن من يكرهونه ليسوا أبرياء.
ما كان تقديراً ضبابياً قبل أشهرٍ معدودة، تبين أنه واقع متحقق. السعودية وقطر تضخان سرّاً أموالاً للمتمردين وكذلك أسلحة تُعاظِم بصورة دراماتيكية نوعية القتال. وتركية تضع بين أيديهم معسكرات تدريب على أراضيها، وكذلك تسمح لهم بالتسلح عبر مرافئها. وإنجازات المتمردين مثيرة للانطباع، وهذه الأيام الأسد واقعٌ في ذروة معركة يائسة لإنقاذ حلب، عاصمة الأعمال وثاني مدينة سورية من حيث الحجم.
وما أُريد له ان يبدو كأنه "ثورة شعبية" هو حرب على سورية بقيادة المملكة السعودية. ضجيج الخلفية يشوّش على رؤية الصورة الواضحة. وجزء من هذا الضجيج تثيره القوى العظمى الغربية الداعمة للمحور السعودي عن طريق الصمت. هذه القوى العظمى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ستنفض يدها في اليوم التالي من أي مسؤولية عن حمام الدم الذي سينفلت في سورية ويؤثر سوءاً على إسرائيل أيضاً. تماماً مثلما حصل في ليبيا. الحرب بين السعودية وسورية هي جزء من الصراع الشرس بين العالم السنّي وبين الحلف العلوي – الشيعي.
تأثير ذكي
بخلاف إسرائيل وإيران، اللتان تتدخلان في شؤون الآخرين وتخلّفان آثاراً بحجم أقدام فيل، التأثير السعودي في الشرق الأوسط حذق للغاية. فخلف الكواليس، أحسن القصر في الرياض شد الخيوط، وتلفيقها، وتشغيل آخرين، وعلى مقدمة المسرح مثّل دور الوجه اللامعبّر. على مدى عشرات السنين دعم آل سعود منظمات جهادية سنّية، وموّلوا مدارس إسلامية في باكستان، وزوّدوا المتمردين في أفغانستان بالسلاح، وبنوا مساجد في روما ولندن، دون أن ينتصب أحد في الغرب. وفي المقابل بنوا علاقاتٍ وثيقة مع البيت الأبيض، علاقات قائمة بشكلٍ أساسي على مصلحة النفط ومنحت الرياض ختم الصلاحية الدولية.
وتستتر خلف هذه السياسة فكرة تقول بأن من يدعمه السعوديون لن يستهدفهم. وأكثروا من التوسط في نزاعاتٍ مختلفة في العالم العربي، بما في ذلك من خلال إقناع عليه براءة اختراع: حقائب نقدية. بعد محاولتهم التسوية بين فتح وحماس دون نجاحٍ كبير، عملوا بصمت على شراء أصواتٍ في الانتخابات اللبنانية من أجل وضع عقبات في طريق حزب الله. في الانتفاضة الثانية طوّقوا ياسر عرفات عندما جعلوا القدس مشكلة كل العالم الإسلامي. وبذلك صادروا منه قرار التسوية مع الإسرائيليين. بعدها ابتسموا للعالم ابتسامتهم الساذجة على شاكلة مبادرة السلام السعودية، التي منحتهم مكانة معتبرة وصورة دولة داعية سلام، دون أن يتطلب ذلك منهم (دفع) ثمن.
وفي الوقت الذي حاول فيه الدبلوماسيون السعوديون إقناع الغرب بأن مبادرتهم للسلام هي الحل للنزاع الإسرائيلي العربي، موّلت تحويلاتهم النقدية منظمات القاعدة في العراق. هجمات 11 أيلول، التي نَظَّرَ لها مسيح دجال سعودي ونفّذها 15 مواطن سعودي، هي ذروة الثمار الفاسدة التي أنتجتها سياسة الدعم السعودي لمنظمات الجهاد. لكن بدهائهم نجحوا في خداع إدارة بوش لشن حملة انتقامية ضد آخرين.
والآن يكررون هذا النموذج في سورية. المال السعودي يُغذي حركة الشباب السنّة، التي تتدفق إلى سورية من دول الجوار مقابل بَدَلٍ مالي جميل. في العالَم الرَحِب يسمّون هذا القاعدة. بل والأصح، يسمّونه مرتزقة. في العراق ما بعد صدام حسين عملوا على الحد من التأثير الإيراني المتزايد. في الحالة السورية يرون فرصة لا تتكرر لإضعاف المحور الإيراني من خلال إسقاط الأسد.
وما الذي سيجري في اليوم التالي؟ يبني السعوديون على دعمهم للمتمردين ويقرّبهم منهم. مهارتهم في شد الخيوط داخل هذه المنظمات، بحكمة شيوخ القبيلة، توفّر لهم دواءاً مسكناً. وفوق كل شيء هم يعلمون أن دمشق هي مشكلة بعيدة، ومن سيبقى على الأرجح مع المشاكل هم جيران سورية".
0 comments: