تحليل ما بعد السيناريو الأسوأ
ردود إيران المحتملة لتوجيه ضربة وقائية إسرائيلية
حزيران/يونيو 2012
ملخص تنفيذي
سيتأثر قرار إسرائيل بتوجيه ضربة وقائية ضد البرنامج النووي الإيراني بعدة عوامل من بينها احتمالات فرض تأخيرات ذات معنى على التقدم الذي يحققه النظام، ورد طهران الأكثر ترجيحاً، والتأثير المحتمل على العلاقات مع واشنطن.
التهديدات الانتقامية
غالباً ما استخدم المسؤولون الإيرانيون لغة ملتهبة لوصف مختلف الردود المحتملة كـ: إطلاق وابل من الصواريخ على "جميع أنحاء إسرائيل"، بما في ذلك المفاعل النووي في ديمونة، وشن هجمات على الدول المجاورة التي تدعم مثل ذلك الهجوم (بما فيها دول الخليج العربية وتركيا)، والقيام بهجمات أخرى على القواعد الأمريكية في المنطقة أو الأفراد الأمريكيين في العراق وأفغانستان، وخطف مواطنين أميركيين في المنطقة، وإغلاق مضيق هرمز، وشن هجمات على مصالح الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.
اعتبارات التخطيط
من المرجح أن يُسترشد رد إيران على أي هجوم وقائي من جانب إسرائيل بثلاثة اعتبارات رئيسية:
1. الإصرار على التبادلية.
2. الرغبة في عدم توسيع نطاق الصراع دون ضرورة على نحو لا تستطيع تحمله.
3. الرغبة في الرد بطريقة تردع شن هجمات إسرائيلية إضافية وتدَخُّل لاحق من جانب الولايات المتحدة.
التبادلية. غالباً ما كان رد إيران مماثلاً للإجراءات التي اتخذها أعداؤها ضدها. فخلال الحرب بين إيران والعراق، جاء ردها على "حرب الناقلات" والغارات الجوية على طهران التي شنها نظام صدام حسين هو توجيه هجمات على سفن الشحن وإطلاق الصواريخ والقذائف على بغداد ومدن أخرى. ومنذ ذلك الحين تصر إيران على أنه إذا حدث وضع لن تتمكن فيه طهران من تصدير النفط من الخليج جراء الحصار البحري أو العقوبات المفروضة عليها، فلن يكون بوسع أي من جيرانها فعل ذلك أيضاً. وقد رد النظام مؤخراً على هجمات "القنبلة اللاصقة" على علمائه النوويين بهجمات مماثلة على دبلوماسيين إسرائيليين في جورجيا والهند وتايلاند.
وقد ترد إيران على توجيه ضربة محدودة ضدها تستهدف حصراً بنيتها التحتية النووية بتوجيهها هي الأخرى ضربة محدودة ضد البلد المهاجم، مما يسمح لطهران بالحفاظ على وضعها كضحية وتقليل احتمالات التصعيد.
تجنب توسيع نطاق الصراع. سوف تحاول إيران تجنب تحويل الصراع مع إسرائيل إلى حرب أوسع نطاقاً مع أجزاء كبيرة من المجتمع الدولي. إلا أن طهران أساءت حساباتها مراراً وتكراراً وبالغت في استعراض قوتها في أوضاع مماثلة، لذا فإن احتمالات وقوع تصعيد غير مقصود ستكون كبيرة. في عام 1982، على سبيل المثال، رفضت طهران عروض عراقية لوقف اطلاق النار عندما كان يبدو أن سير مجرى الحرب يتحول لصالحها، مما أدى إلى إطالة أمد الحرب بين العراق وإيران ست سنوات أخرى.
في عام 1988، وسّعت طهران نطاق حربها على الناقلات - عندما كانت كل من القوات العراقية والإيرانية تهاجم سفن النفط في الخليج - بطريقة دفعت الولايات المتحدة في النهاية إلى التدخل عسكرياً. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وربما رداً على العقوبات البريطانية على "البنك المركزي الإيراني"، نهب رجال ميليشيا "الباسيج" السفارة البريطانية في طهران مما أدى إلى تصعيد التوتر مع الاتحاد الأوروبي بأكمله. وبالمثل، إذا شنت إسرائيل هجوماً على إيران فسيميل النظام بقوة إلى توجيه "ضربة موجعة" إلى الولايات المتحدة لمعاقبتها على دعم إسرائيل.
إلا أنه قد يكون بوسع واشنطن ردع طهران عن اتخاذ مثل ذلك الإجراء. فعقب مقتل خمسة عشر جندياً أمريكياً في العراق على يد ميليشيات مؤيدة للإيرانيين في حزيران/يونيو 2011، ردت الولايات المتحدة بإرسال تحذيرات خاصة وعلنية إلى طهران، مما دفع النظام إلى الحد من دعمه لمثل تلك العمليات بشكل كبير.
رد خاطف وقوي. رغم أنه لا يمكن استبعاد رد إيراني محدود على هجوم إسرائيلي محدود، إلا أنه من المرجح أن ترغب طهران بأن يكون انتقامها من إسرائيل مؤلماً قدر المستطاع من أجل ردعها عن شن أي هجمات لاحقة وقيام تدخل من قبل الولايات المتحدة. وتحقيقاً لهذه الغاية، من المرجح أن تتخذ الجمهورية الإسلامية إجراءات مباشرة وغير مباشرة على حد سواء.
لدى طهران سجل من الرد على الهجمات عن طريق الوكلاء أو وسائل أخرى غير مباشرة - في الزمان والمكان اللذين تختارهما. فعلى سبيل المثال، بعد مرور شهر واحد من مقتل عشرات من مجندي «حزب الله» ومدربي "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني في غارة جوية إسرائيلية على لبنان في أيار/مايو عام 1994، ساعدت إيران «حزب الله» على تفجير مركز يهودي في بوينس آيرس. وعلى نحو مماثل، ورداً على مجزرة آب/أغسطس 1988 التي راح ضحيتها ثمانية دبلوماسيين إيرانيين والآلاف من الهزارة الشيعة في أفغانستان على يد طالبان، أرسلت طهران أسلحة إلى [قوات] "التحالف الشمالي" - أعداء الحركة الأفغانية اللدودين.
وفي آذار/مارس 2011، وبعد شهور من تدخل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في البحرين لدعم حملة القمع التي شنتها الحكومة البحرينية ضد المعارضة المكونة إلى حد كبير من الشيعة، حاولت طهران على ما يبدو تجنيد تاجر مخدرات وإرهابي مكسيكي لاغتيال السفير السعودي في واشنطن.
لقد كانت إيران و«حزب الله» يحاولان منذ سنوات الانتقام من اغتيال رئيس الجهاز الأمني للجماعة عماد مغنية - يفترض من قبل إسرائيل - في شباط/فبراير 2008؛ والواقع أنه تم بالفعل إحباط محاولات للقيام بهجمات انتقامية ضد أهداف إسرائيلية في أذربيجان وتركيا وتايلند.
وفي أعقاب شن هجوم إسرائيلي مستقبلي [على منشآت إيران النووية]، قد تجد طهران نفسها مضطرة إلى استخدام وكلائها للقيام بعمليات تخريب صغيرة ضد البنية التحتية للصناعات البتروكيماوية في منطقة الخليج، فضلاً عن شن هجمات - يمكن انكارها - ضد سفن تجارية أو عناصر من الأسطول الأمريكي الخامس في المنطقة. وستهدف هذه الأعمال إلى إظهار قدرة إيران على إلحاق ضرر خطير بمصالح الولايات المتحدة إذا تدخلت واشنطن في صراع بين الجمهورية الإسلامية وإسرائيل. ورغم ذلك، فإنه حتى الهجمات المحدودة ضد عناصر من الأسطول الخامس قد يكون لها تأثير معاكس لما تريده طهران، مما يؤدي إلى رد قاس من قبل الولايات المتحدة.
ردود إيران المحتملة
ترى طهران أن البرنامج النووي عامل رئيسي لتحويل الجمهورية الإسلامية إلى قوة إقليمية، لذا فإن الهجوم الوقائي من جانب إسرائيل سيؤدي على الأرجح إلى رد عنيف.
الهجمات الصاروخية ضد مفاعل ديمونة والمراكز السكانية الإسرائيلية. من المرجح أن ترد إيران بشكل فوري تقريباً [على قصف منشآتها النووية] عن طريق شن هجمات صاروخية على إسرائيل لمعاقبتها وردعها عن شن هجمات إضافية. ويُعد الموقع النووي في ديمونة هدفاً جذاباً على رمزيته.
كما يُرجح أن تُطلق إيران بعضاً من صواريخ شهاب التقليدية طويلة المدى - التي تمتلك منها أعداداً كبيرة تصل إلى المئات - ضد أهداف عسكرية مزعومة واقعة في مراكز سكانية إسرائيلية، مثل وزارة الدفاع في وسط تل أبيب. ومن شأن خطوة من هذا القبيل أن تسمح لإيران بضرب المراكز السكانية نفسها. وفي هذا السيناريو سوف تعترض الدفاعات الإسرائيلية العديد من هذه الصواريخ، أما تلك التي تجتاز الدفاعات فسوف تؤدي على الأرجح إلى وقوع بعض الخسائر، لكن ليس بأعداد كبيرة بشكل غير منتظم.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تستطيع على الأرجح اعتراض أو امتصاص عشرات الهجمات الإيرانية بالصواريخ طويلة المدى، إلا أن الوابل الكثيف والمطول الذي يشمل إطلاق آلاف صواريخ «حزب الله» من لبنان سيكون أكثر إزعاجاً بكثير.
ويستطيع «حزب الله»، الذي يمتلك أكثر من خمسين ألف صاروخ، إلحاق ضرر بالغ بإسرائيل. وقد يُطلق عدداً صغيراً من القذائف الصاروخية ضد إسرائيل - يكفي لتحقيق انتقام رمزي بالنيابة عن إيران، لكنه لا يكفي لتفعيل طاقة إسرائيل الكاملة ضد لبنان وإلحاق ضرر بقاعدتها المحلية - وسيسهل في الوقت نفسه القيام بهجمات إرهابية على أهداف إسرائيلية ويهودية في الخارج أو المشاركة في تلك الهجمات.
وفيما يتعلق بـ «حماس»، فقد تُقرر الحركة السماح لـ "حركة الجهاد الإسلامي" وغيرها من الفصائل في غزة بإطلاق وابل من الصواريخ ضد إسرائيل كوسيلة للتعبير الرمزي عن الوقوف إلى جانب طهران مع تجنب التصعيد. وقد ترى «حماس» أن الانتقام الإسرائيلي سيكون موجهاً بصفة أساسية ضد الجماعات الأخرى، مثلما حدث في هجمات آذار/مارس 2012 في غزة.
وفيما يتعلق بسوريا، يبدو من غير المعقول أن يفتح نظام الأسد جبهة إضافية عن طريق إطلاق صواريخ أو شن هجمات بقذائف صاروخية ضد إسرائيل في وقت تتعامل فيه قواته مع انتفاضة شعبية تستهلك إمكانياته بالكامل. إلا أنه يرجح أن تساعد دمشق على تسهيل تنفيذ أعمال انتقامية من جانب «حزب الله» أو «حماس» لو اختارت هذه المجموعات دعم طهران.
الإرهاب في الخارج. سوف ترد إيران على الأرجح على أي هجوم ضدها بقيامها بهجمات إرهابية - وربما بالتعاون مع «حزب الله» - على أهداف إسرائيلية ويهودية وربما أمريكية في عدة قارات. وقد نفّذت طهران و«حزب الله» عمليات من هذا القبيل في الماضي. ومع ذلك، سيكون من الحصافة الافتراض أن بعض هذه الهجمات على الأقل سيلاقي نجاحاً.
الهجمات عن طريق الوكلاء على الأفراد الأمريكيين في أفغانستان. تستطيع إيران الانتقام من الولايات المتحدة على دعمها المفترض للهجوم الإسرائيلي، عن طريق تكثيف مساعدتها لجماعات الوكلاء الضالعة في هجمات على أفراد أمريكيين في العراق وأفغانستان. إن ذلك سيُمكِّن طهران من معاقبة واشنطن مع خفض مخاطر اندلاع صراع أوسع نطاقاً أو الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. كما أن تصاعد الهجمات في أفغانستان سيصعب ربطه بإيران نظراً لجهود طالبان في استغلال الغضب الشعبي تجاه الخطوات الخاطئة الأخيرة من جانب الولايات المتحدة - بما في ذلك مقتل مدنيين أفغان على يد جندي أمريكي في آذار/مارس 2012. كما أن "قوة القدس" التابعة لـ "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني تمتلك مجموعة من خيارات الوكلاء في كل من العراق وأفغانستان، من بينها شن هجمات صاروخية على منشآت أو سفارات أمريكية وهجمات على قوافل وحمايات وطائرات نقل أمريكية وحتى رعاية هجمات انتحارية باستخدام السلفيين.
اختطاف أفراد أمريكيين. تستطيع طهران احتجاز المزيد من المواطنين الأمريكيين أو المواطنين الذين يحملون الجنسيتين الأمريكية والإيرانية بتهم التجسس - كما فعلت في مناسبات عدة في السنوات الأخيرة. فقد تشجع وكلائها أيضاً على خطف مواطنين أمريكيين، كما حدث خلال الثمانينيات في لبنان. كما يستطيع الوكلاء الإيرانيون اختطاف رجال أعمال أو مقاولين أمريكيين في العراق، وهو أمر بسيط نسبياً في دولة تشمل قواتها الأمنية عناصر فاسدة ومؤيدة للإيرانيين. ونظراً لأن [احتجاز] الرهائن قد يكون مفيداً كرادع، قد تحاول إيران اختطاف أفراد أمريكيين أو إسرائيليين حتى قبل توجيه ضربة وقائية - ربما تمشياً مع تحذيرها في الآونة الأخيرة بأنها تحتفظ بحقها في توجيه الضربة الأولى إذا شعرت بأنها مهددة.
مصادمات مع البحرية الأمريكية. قد تشير حسابات قادة الجمهورية الإسلامية بأنه في اشتباكات الجيش الإيراني مع قوات البحرية الأمريكية فقد يخسر الجيش بعض قوارب الدوريات أو قاذفات الصواريخ، وسيتم تعويض هذه الخسائر من خلال المزايا المكتسبة من الدعاية التي تصف البحرية الأمريكية بالدموية.
الهجمات الصاروخية أو الإرهابية على الدول المجاورة. هدّدت إيران بمهاجمة أي دولة مجاورة تساعد في هجوم وقائي، لكن من غير المحتمل أن تشن هجمات صاروخية ضد أولئك الجيران. ورغم ذلك فإنها تستطيع أن تُشجع مجموعات وكلائها على الضلوع بأعمال سياسية تدميرية في هذه البلدان، أو المشاركة في هجمات إرهابية ضد منشآت النفط والغاز أو محطات التحلية أو خطوط الأنابيب أو محطات الطاقة أو الموانئ الجوية والبحرية. ومثل تلك الخطوات سوف تُظهر لواشنطن الضرر الذي يمكن أن تلحقه إيران في حالة تدخل الولايات المتحدة ووقوفها بجانب إسرائيل.
إغلاق مضيق هرمز. من غير المرجح أن تحاول طهران غلق مضيق هرمز من خلال شن هجمات صريحة ضد عمليات الشحن باستخدام قذائف أرضية أو طائرات [عادية] أو طائرات هجوم سريع. ويرجع ذلك إلى أن إيران تُصدّر جميع نفطها تقريباً عن طريق هذا الممر المائي. وعلى الرغم من أنها تستطيع العيش دون صادراتها النفطية لبعض الوقت (حيث تشير التقارير إلى أن النظام يملك احتياطيات من العملات النقدية والذهب تتراوح ما بين 80 إلى 100 مليار دولار)، إلا أنها لا تستطيع العيش دون الواردات التي تصل إلى البلاد عبر أربعة موانئ كبرى على الخليج - وتمثل تقريباً 90 بالمائة من واردات إيران من الغذاء والدواء والمواد الخام. وعلاوة على ذلك، قد تؤدي محاولات غلق المضيق إلى تنفير بعض حلفاء طهران القلائل الباقين بسبب التأثير على أسعار النفط.
ويُرجح أن تضطلع إيران بعمليات زرع ألغام سرية ودورية لإرغام الولايات المتحدة على الشروع في عمليات مُكلفة ومفتوحة فضلاً عن عمليات مرافقة السفن والإبقاء على أسعار التأمين والنفط مرتفعة. وهذا من شأنه أن يُمكِّن النظام من تحقيق أكبر قدر من الأرباح من مبيعات النفط المتقلصة نتيجة العقوبات مع التسبب في صعوبات اقتصادية بالغة لأعدائه. كما أنه سيزيد من فرص استهداف السفن الأمريكية - رغم أن ذلك سيرفع من مخاطر المصادمات مع البحرية الأمريكية (أكبر مواجهة بين البحرية الأمريكية والإيرانية وقعت أثناء الحرب بين إيران والعراق - "عملية فرس النبي" في نيسان/أبريل 1988 - حدث في أعقابها هجوم بالألغام على سفينة تابعة للبحرية الأمريكية كانت ترافق ناقلات الخليج العربي المارة عبر المضيق).
التبعات غير المقصودة
يمكن أن يؤدي الهجوم الوقائي الإسرائيلي إلى عدد من التبعات غير المقصودة قد يكون تأثيرها على المحصلة النهائية كبيراً.
الاصطفاف الوطني. قد يؤدي الهجوم على إيران إلى رد فعل وطني قصير المدى بين السكان يمكن أن يصب في صالح النظام، لا سيما في حالة قتل أعداد كبيرة من المدنيين. ولكن من الصعب التصور بأن الهجوم سيؤدي إلى تطرف غالبية الإيرانيين الذين ابتعدوا عن السياسية في ظل قمع النظام، حيث تظل غالبية الشعب كارهة للحرب بشكل كبير، وتحاول يائسة التكيف مع التكاليف الاقتصادية للعقوبات. والواقع أنه بمجرد انقشاع الغبار بعد انتهاء الصراع يمكن توجيه النقد إلى الحكومة على تعاملها مع الملف النووي بطريقة أدت إلى مواجهة عسكرية، مثلما بقي قرار طهران في عام 1988 بإنهاء الحرب بين إيران والعراق مصدراً للاتهامات السياسية حتى يومنا هذا، في الوقت الذي لم تُظهر فيه الجمهورية الإسلامية الكثير من الفوائد لشعبها من حرب دامت ثمانية أعوام أريقت خلالها الكثير من الدماء.
ارتفاع صوت الشارع العربي. ينبغي النظر إلى التنبؤات الحالية بأن العرب سيعادون بصورة نشطة أي هجوم إسرائيلي على إيران بنوع من الحذر والشك، حتى في ظل تمكين الانتفاضات الإقليمية للجمهور العربي ومنحه الشرعية على نحو غير مسبوق. لقد أدى تعامل طهران مع "الربيع العربي" (لا سيما موقفها غير المتسق والانتهازي تجاه قمع النظامَين في كل من سوريا والبحرين) إلى تنفير العرب بشكل كبير، بحيث أن العديد منهم سيشيدون بصورة هادئة بقيام هجوم إسرائيلي على البنية التحتية النووية الإيرانية طالما كانت الخسائر في صفوف المدنيين عند الحد الأدنى.
غير أن مثل هذا الهجوم يمكن أن يؤدي إلى وقوع اضطرابات سياسيية قصيرة الأجل بين الشيعة في العراق، وربما في البحرين والمملكة العربية السعودية.
برنامج نووي مكثف وسري. إن الهجوم الوقائي قد يدفع إيران إلى طرد مفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" والانسحاب من "معاهدة حظر الانتشار النووي" والشروع في برنامج مكثف وسري لصنع الأسلحة [النووية]، على افتراض أنها لا تمتلك بالفعل برنامجاً سرياً في الوقت الحالي.
وهذا احتمال حقيقي يؤثر بقوة على تفكير صناع السياسة الإسرائيليين. بيد أن نجاح طهران في هذا الجهد قد يعتمد على قدرتها على الحصول على المواد والمعدات الخاصة المطلوبة لإصلاح أجهزة الطرد المركزي التالفة أو بناء أجهزة جديدة، وقد لا تتمكن من القيام بذلك في أعقاب الهجوم. وهذا السيناريو قد يجعل الأمور أكثر صعوبة بكثير بالنسبة لوكلاء المشتريات الإيرانيين العاملين في الخارج.
نطاق الصراع ومدته
بعد رد أولي عنيف وعلني ضد المصالح الإسرائيلية (وربما الأمريكية)، يرجح أن تتعرض إيران لضغوط هائلة من قبل معظم الدول (بما فيها تلك الصديقة والحميمة مثل روسيا والصين والهند) للحد من نطاق الصراع وحدته في الخليج بغية تجنب تعطيل صادرات النفط أو إلحاق الضرر باقتصادياتها أو زعزعة الاستقرار الإقليمي بشكل إضافي. ويرجح أن يدفع الضغط الدولي النظام إلى الانتقال من العنف العلني إلى أنشطة دورية سرية عن طريق الوكلاء ضد المصالح الإسرائيلية واليهودية والأمريكية.
وعلى الرغم من أنه لا ينبغي على المرء أن يكون مفرطاً في التفاؤل حول قدرة الولايات المتحدة على احتواء مثل هذا الصراع وتجنب التصعيد، إلا أن المرحلة الحادة ستكون قصيرة المدى، وسرعان ما ستتحول إلى صراع مطول منخفض الحدة قد يستمر شهور بل وربما سنوات - لا سيما إذا حاولت طهران إعادة بناء برنامجها النووي. لكن هذا الوضع هو الحاصل بالفعل بين إسرائيل وإيران، وقد يستمر لسنوات قادمة حتى إذا اختارت إسرائيل عدم مهاجمة البنية التحتية النووية لطهران.
الرد على هجوم أمريكي
يكاد يكون من المؤكد أن أي هجوم أمريكي على إيران سوف يؤدي إلى رد أوسع نطاقاً. ويرجح ألا تستهدف طهران مصالح الولايات المتحدة فحسب، وإنما إسرائيل وحلفاء واشنطن من دول الخليج العربي أيضاً، حيث ستعاقب هذه الدول على تشجيعها المفترض للهجوم وستحاول ردعها عن تقديم مساعدات إضافية للجهود العسكرية الأمريكية.
وفي الوقت ذاته يُرجح أن تقوم الإجراءات التي ستتخذها إيران على الاعتبارات ذاتها التي توجه عمليات الانتقام في حالة تنفيذ هجوم إسرائيلي. وعلى وجه الخصوص، سيرغب النظام في الرد بقوة كافية لردع أي هجوم أمريكي مستقبلي ضد بنيتها التحتية النووية، لكن ليس بقوة زائدة تدفع الولايات المتحدة إلى تدمير قواتها العسكرية التقليدية وبنيتها التحتية النفطية في هجمات متلاحقة. وقد يكون تحقيق هذا التوازن أمراً صعباً.
وفيما يتعلق بمنع إعادة بناء إيران لبرنامجها النووي، قد يكون الهجوم الأمريكي أكثر تدميراً لذلك الهدف من الهجوم الإسرائيلي. ويرجح أن يؤدي الإجراء العسكري الأمريكي إلى توترات داخل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا، مما يترتب عليه تعقيد الجهود الدبلوماسية مع إيران عقب الهجوم، وربما تقويض الإرادة الدولية لمنعها من الحصول على المواد اللازمة لإعادة بناء برنامجها النووي.
الاستنتاجات
ستكون التحديات السياسية للولايات المتحدة ثلاثية الأبعاد:
1. ردع أي عمل انتقامي من جانب الإيرانيين ضد المصالح الأمريكية.
2. الحد من نطاق الصراع ومدته عن طريق إخراج «حزب الله» من الحرب وحشد الضغط الدولي على إيران.
3. التأكد من عدم قدرة إيران على إعادة بناء برنامجها النووي في أعقاب الصراع، وعدم قدرة «حزب الله» على إعادة التسلح.
وقد يلزم تنفيذ العديد من الخطوات التي يمكن لواشنطن اتخاذها - لردع وتقييد إيران وحلفائها - قبل وقوع أي هجوم إسرائيلي. كما ينبغي عدم تنفيذ بعض الخطوات الأكثر استفزازاً إلا بعد التأكد من أن المفاوضات لا طائل منها أو متعثرة.
الردع. يجب على واشنطن أن توضح بهدوء لإيران و«حزب الله» من خلال الكلمات والأفعال معاً أن وكلاءهما خاضعين للمراقبة. كما ينبغي لها أن توضح بهدوء
· أن الولايات المتحدة سترد بقوة في حالة تعرض أفرادها أو مصالحها للضرر جراء أفعال يتخذها أو يعمل أي منهما على تيسيرها؛
· أن ردها لن يكون متماثلاً - ومن ثم لا يمكن التنبؤ به - مما يُعقد الجهود الإيرانية لإدارة المخاطر؛
· أن الهجوم على المصالح الأمريكية قد يترتب عليه تدمير القوات العسكرية الإيرانية التقليدية والبنية التحتية لمنشآت النفط والغاز التابعة لها وأي أجزاء متبقية من بنيتها النووية تنجو من الهجوم الإسرائيلي.
وينبغي أن تكون استراتيجية واشنطن هي وضع المصالح الإيرانية على المحك، وليس وضع طهران في موقف لا يكون لديها معه ما تخسره. ويتوافق هذا النهج كذلك مع المصالح الأمريكية للحفاظ على بعض صادرات النفط الإيرانية، على الأقل في وقت شحت فيه الإمدادات ويواجه الاقتصاد العالمي - على أفضل الأحوال - تعافياً بطيئاً وهشاً من جراء الركود الاقتصادي.
الحد من الصراع. ينبغي على الولايات المتحدة أيضاً أن تعمل مع حلفائها لكشف أفراد الاستخبارات والخلايا الإيرانية العاملة خارج البلاد، وأن تنظر في طرد الوكلاء الإيرانيين الذين يعملون في الخارج تحت غطاء رسمي وغير رسمي.
كما ينبغي على واشنطن أن توضح لـ «حزب الله» أنه لو ساعد إيران في الصراع فإن الولايات المتحدة ستسعى بمزيد من القوة إلى تطبيق "المبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار" وفرض حظر الأسلحة الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، مما يعرقل بفاعلية جهود الجماعة لإعادة تزويد مخزونها من الأسلحة.
وبالمثل، يجب على واشنطن أن توضح لسوريا أن المشاركة في مثل هذه الحرب (بما في ذلك جهود تسهيل هجمات انتقامية من قبل إيران أو «حزب الله» أو «حماس» أو كيانات أخرى) قد تدفع الولايات المتحدة إلى السعي بقوة في سبيل تغيير النظام في دمشق.
وبالإضافة إلى ذلك، أمام واشنطن خيارات عديدة للحد من تأثير حملة زرع الألغام السرية المحتملة في الخليج الفارسي أو المحاولات الإيرانية الأخرى لإعاقة شحنات النفط، بدءاً من تحمّل المسؤولية المالية مؤقتاً عن الناقلات وإلى إرسال سفن خارج الخدمة مليئة الرغوة لكي تسير أمام قوافل النفط من أجل امتصاص هجمات الألغام. والعامل الرئيسي لردع الأساليب الإيرانية الهادفة إلى عرقلة حركة الشحن هو إقناع طهران بأن واشنطن سوف تفضح دورها في مثل تلك الأنشطة وترد بهجمات غير متماثلة، ربما من خلال تدمير عناصر من قواتها المسلحة أوبنيتها التحتية النفطية.
وأخيراً، وفي سبيل الحد من سعي إيران إلى تحقيق فوز سريع على البحرية الأمريكية، يجب على واشنطن أن تنظر في إعادة نشر حاملة الطائرات - المتمركزة حالياً في محطة في الخليج الفارسي - وتوجيهها إلى خليج عمان. وهناك ستكون أقل عرضة للهجوم المفاجئ فضلاً عن أنها ستكون متمركزة بشكل أفضل لشن حملة "من الخارج إلى الداخل" لضمان حرية الملاحة في الخليج الفارسي. كما يجب على واشنطن أن تُبقي قوة بحرية صغيرة في الخليج وتنشر طائرات هجومية وقاذفات إضافية في دول الخليج الجنوبية والمنطقة.
منع إعادة البناء. في أعقاب وقوع هجوم إسرائيلي محتمل، ينبغي على واشنطن أن تجعل - وبقدر الإمكان - إعادة بناء طهران لبرنامجها النووي في غاية الصعوبة. ويرجح أن تعتمد قدرة النظام على إعادة البناء على عوامل عدة، من بينها
1. ما إذا كان أفراد المجتمع الدولي سيلومون إيران على إخفاق الجهود الدبلوماسية الأمر الذي أدى إلى قيام ذلك الهجوم؛
2. ما إذا كانت أعداد كبيرة من المدنيين الإيرانيين سيتعرضون للقتل أثناء الهجوم؛
3. ما إذا عملت إيران على تنفير الرأي العام الدولي بطريقة ردها على الهجوم؛
4. ما إذا كان المجتمع الدولي يؤمن بأن إسرائيل قد تشن هجوم آخر إذا حاولت إيران إعادة بناء برنامجها.
وتستطيع الولايات المتحدة أن تزيد من صعوبة إعادة بناء إيران لبرنامجها النووي عقب الهجوم من خلال
· دعم أنشطة المعلومات التي تبرز عروض الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا للتوصل إلى حل دبلوماسي يلبي مطالب طهران بالحصول على تقنية نووية سلمية، بحيث يكون من الواضح أن إيران ستتحمل اللوم في حال فشل الدبلوماسية؛
· تكثيف جهود إعاقة شبكات طهران من المشتريات الخارجية مع منع حصولها على المواد والتقنيات والمعدات اللازمة لإعادة بناء أي من منشآتها النووية التي تعرضت للتدمير في الهجوم؛
· تجديد جهود عرض خيار بِناء برنامج نووي سلمي على الإيرانيين مقابل التعهد بالتخلي عن إعادة بناء منشآتها لتخصيب أجهزة الطرد المركزي ومفاعل المياه الثقيلة.
وباختصار، فإنه على الرغم من أن الهجوم الإسرائيلي الوقائي سيكون مسعى ينطوي على مخاطر جمّة، إلا أنه لن يكون نهاية العالم المروعة كما يتوقع البعض. وتستطيع الولايات المتحدة أن تتخذ خطوات عديدة للحد من هذه المخاطر دون أن تبدو ضالعة في قرار إسرائيل بالهجوم. وعلاوة على ذلك، فإن هذا النهج بالذات الرامي إلى اتخاذ تدابير احترازية للحد من تأثير الهجوم سيعزز من مصداقية التهديدات العسكرية الإسرائيلية ويقوي الجهود الدبلوماسية النووية المستمرة التي تقوم بها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا. بيد أن الأمر الأقل وضوحاً ولا يزال غير معلوم بعد هو ما إذا كانت الجهود الدولية المعززة لعرقلة شراء إيران للمواد والتقنيات الخاصة ستنجح في الحيلولة دون إعادة بناء بنيتها التحتية النووية.
مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن. مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران وليبيا واليمن ودول الخليج العربي.
0 comments: