ماذا يُخبّئ نتانياهو لإيران وسوريا ولبنان وفلسطين؟
الأربعاء 23 كانون الثاني 2013، ناجي س. البستاني - مقالات النشرة
تعيش إسرائيل حالياً وضعاً رمادياً ما بين أجواء الحرب وأجواء السلام، علماً أنّها لم تعد محط أنظار العالم كما كان الحال عليه في الماضي، نتيجة بروز أكثر من قضيّة مهمّة في الشرق الأوسط، ونتيجة وضع الملف الفلسطيني – الإسرائيلي في الثلاجة – إذا جاز التعبير. وكان لافتاً أنّ نتائج إنتخابات الكنيست جاءت مفاجئة، حيث تراجع إئتلاف اليمين بشكل كبير، لصالح تقدّم اليسار وأحزاب الوسط، وتأثير واضح للناخبين العرب. وكان لافتاً أيضاً، وفي إطار تحليل النتائج داخل تكتّل اليمين نفسه، تراجع تحالف "الليكود بيتنا" بنحو ربع المقاعد، وتقدّم موقع حزب "البيت اليهودي" المتطرّف بشكل واضح، ونجاح حزب "يوجد مستقبل" الناشئ بحصد كتلة نيابية كبيرة. وفي مطلق الأحوال، وبسبب التقدّم الطفيف لليمين، سيكون على بنيامين نتانياهو الدخول في تحالفات عدّة ودقيقة لتشكيل حكومة.
وقد نجح نتانياهو الذي لا يملك الكثير من الأصدقاء الخارجيّين، والذي لا تحبّذه الإدارة الأميركية ولا الإدارات الأوروبيّة، في البقاء في الحكم بأغلبيّة طفيفة، علماً أنّه حرص في حملته الإنتخابية على التخويف من "مخاطر خارجية"، وفي طليعتها "محاولات إيران الحصول على السلاح النووي"، و"عدم السيطرة على السلاح السوري الكيميائي"، و"نموّ ترسانة أسلحة حزب الله ووصول أسلحة نوعيّة إليه"، و"خرق الفلسطينيّين المستمر للهدوء". والهدف من إثارة هذه "المخاوف"، هو دفع الإسرائيليّين إلى الإلتفاف حوله وحول مشاريعه لدرء المخاطر، وكذلك تحوير أنظار المجتمع العالمي عن سياسة بناء المستعمرات المستمرّة على قدم وساق، إن في القدس الشرقيّة أو في الضفّة الغربيّة المحتلّتين!
بالنسبة إلى إيران، فهي الشغل الشاغل لنتانياهو الذي لا يترك مناسبة دون الحديث عن خطر محاولاتها الحصول على سلاح نووي، معتبراً أنّ هذا الأمر هو الخطر الأكبر المحدق بإسرائيل وبالمنطقة، ومطالباً المجتمع الدولي بالتحرّك الجدّي للضغط على طهران. وسيحاول نتانياهو مجدداً الإستفادة من زخم الفوز – ولو بهامش ضئيل، لتحريك مسألة الضغوط على إيران، مطلقاً كالعادة تهديدات بضربة عسكرية إسرائيلية، كبديل عن التحرّك الدولي الجدّي. لكن الأكيد أنّ معطيات وظروف هكذا ضربة غير متوفّرة حالياً، والتهديدات بشأنها لا تتعدّى إثارة الغبار من جانب إسرائيل، لمحاولة دفع الدول الغربيّة إلى تصعيد ضغوطها الإقتصادية والسياسية على طهران.
وبالنسبة إلى سوريا، الجمود هو سيّد الموقف في المرحلة الحالية، حيث أنّ عين "تل أبيب" هي على تطوّرات الوضع الداخلي في سوريا، لتحديد سبل التصرّف في المرحلة المقبلة. والملاحظ أنّ إسرائيل تخشى من التطوّرات المرتقبة في المستقبل، بحيث أنها عمدت أخيراً إلى تعزيز حضورها العسكري في مرتفعات الجولان السورية المحتلّة منذ العام 1967. ومن المتوقّع أن تواصل إسرائيل عمليّات بناء جدار أمني فاصل بين الجولان السوري المحتلّ وباقي الأراضي السورية في منطقة لم تكن مدرجة سابقاً ضمن المناطق الخطرة. ويمتد السياج الذي هو بارتفاع ثمانية أمتار، من منطقة "الحِمة" جنوباً إلى معبر "القنيطرة" الحدودي شمالاً في الجولان المحتلّ. وتضغط إسرائيل على الساحة الدوليّة، للإبقاء على ما يتردّد عن أسلحة كيميائية سورية، بأيد منضبطة. والتركيز الإسرائيلي سيكون على هذا الملف بالتحديد، باعتباره الخطر الأكبر الآتي من سوريا، وليس خطر إحتمال إنتقال السلطة أو وصول الإسلاميّين المتشدّدين إلى الحكم. وبالتالي، لا يوجد أيّ تحرّك إسرائيلي إزاء سوريا، قبل وضوح صورة الوضع هناك، وتبيان الخيط الأبيض من الأسود.
وبالنسبة إلى لبنان، لا تغيير في الواقع الراهن القائم، لجهة الهدوء على الجبهة الجنوبيّة، وبقاء القوات الدولية، لكن من دون أن يعني ذلك، منع التحضيرات والإستعدادات العسكرية المتواصلة على الحدود الشمالية لاسرائيل (جنوب لبنان). ومع تحضير ملفّات خارجيّة، لإتهام "حزب الله" بالتعرّض للمصالح الإسرائيليّة في الخارج، ومنها ملفّ تفجير الحافلة السياحية في بلغاريا في تمّوز 2012، من المُتوقّع زيادة الحملات الإعلامية على "الحزب"، وزيادة الضغوط على دول العالم لإدراج "حزب الله" ضمن لائحة "المنظّمات الإرهابية"، بحسب التصنيف الأميركي. لكن هذا الأمر، وإن كان سيرفع من وتيرة التوتّر، فإنّه من غير المرجّح أن يؤدّي إلى أيّ توتّر ميداني على الأرض.
وبالنسبة إلى فلسطين، كل المعطيات تدلّ على أنّ إحتلال القدس الشرقيّة والضفّة الغربيّة الذي مضى عليه اليوم أكثر من 45 سنة، مستمرّ لفترة طويلة، في ظلّ بناء نتانياهو حملته الإنتخابية على مواقف متشدّدة، لجهة عدم الإنسحاب من أي جزء محتلّ، وعدم وقف سياسة بناء المستعمرات، ورفض عودة أي لاجئ فلسطيني. ويمكن القول إنّ الإنتفاضة الفلسطينيّة الثانية هي اليوم في مرحلة سبات عميق، حيث يطغى الهم المعيشي والضغوط الإقتصادية على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومعركة غزة الأخيرة شكّلت إستثناء في الوضع الرمادي القائم، بين واقعي الحرب والسلم، علماً أنّ الهدوء هو المسيطر حالياً، ولوّ في ظلّ غياب شعور الإستقرار الدائم. وإسرائيل غير متحمّسة إطلاقاً للدخول في أي مفاوضات سلام مع الفلسطينيّين، حيث أنّها راضية بالوضع القائم حالياً، وهي تعتبر أن لا حاجة لتقديم أي تنازل مجاني في المرحلة الراهنة. في المقابل، تشترط القيادة الفلسطينيّة تجميد بناء المستعمرات قبل البحث بأي عودة إلى طاولة التفاوض، وهو شرط تستغلّه إسرائيل لإظهار الفلسطينيّين بمظهر الرافض للعودة إلى المفاوضات، عبر إستفزازهم بمواصلتها بناء المستعمرات.
في الختام، يبدو أنّ الشعب الإسرائيلي منقسم بشكل شبه متواز، الأمر الذي يكبّل أكثر حركة أي حكومة مقبلة. وعلى نتانياهو حالياً تأمين تحالف حزبي داخلي يسمح له بمواصلة سياساته الحالية إزاء دول المنطقة، والتي من غير المتوقّع أن تشهد تغييرات مهمّة في المستقبل القريب. والأكيد أنّ إسرائيل لديها "أعداء كثر"، كما أقرّ نتانياهو بنفسه أثناء حملته الإنتخابية. وهذه الحقيقة ستبقى قائمة...
0 comments: