Thursday, February 7, 2013


الحرب في سوريا تؤثر على تركيا بطرق غير متوقعة

 29 كانون الثاني/يناير 2013

"هذا المرصد السياسي هو الأول في سلسلة من المقالات حول تداعيات الصراع السوري؛ وسوف تركز المقالات اللاحقة على الدول الأخرى المجاورة لسوريا."
في 21 كانون الثاني/يناير، قام أعضاء من "اتحاد الشباب التركي"، وهو جماعة قومية يسارية متطرفة، بمهاجمة طواقم ألمانية لصواريخ باتريوت تم إرسالها للمساعدة في الدفاع عن تركيا ضد التهديدات السورية. وقد كان ذلك الحادث بمثابة رسالة تذكير حول السبل غير المتوقعة التي يمكن أن تؤثر بها الحرب السورية على استقرار تركيا. وقد أصبحت أنقرة لاعباً مباشراً في الصراع من خلال دعمها للجماعات المسلحة وغير المسلحة التي تقاتل نظام بشار الأسد. ورغم ذلك فإن تركيا متورطة أيضاً في الحرب من منظور الاستراتيجية الأوسع نطاقاً، من خلال تأثرها بعدوى انتقال العنف على الحدود مع سوريا البالغ طولها 510 كيلومتر. يجب على واشنطن أن تراقب عن كثب آثارعدوى الانتقال هذه، لأنها تشكل خطر إجهاد الاقتصاد التركي، حيث أنها تحمل في طياتها إزكاء نار الانقسامات الطائفية والسياسية في تركيا وإضعاف استقرارالبلاد الكلي.
تكاليف دعم اللاجئين السوريين
يجري حالياً إيواء 163,000 سوري في ثلاثة عشر مخيم للاجئين واثنين من مراكز الاستقبال المؤقتة في تركيا. وتوفر لهم أنقرة أماكن للإقامة على المدى الطويل والرعاية الصحية وفرص التعليم؛ ووفقاً لنائب رئيس الوزراء علي باباجان، إن هذه المساعدة تكلف تركيا حوالي 40 مليون دولار شهرياً.
ورداً على تدفق اللاجئين، أنشأت أنقرة "نظام حماية مؤقت" استناداً إلى توجيه من الاتحاد الأوروبي بشأن التشريد الجماعي. ويتطلب هذا التوجيه التزام تركيا بضمان حقوق الإقامة المؤقتة والحصول على الخدمات الأساسية، لكنه لا يسمح للوافدين السوريين بالوصول إلى نظام اللجوء الذي يوفره "مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، كما أنه لا يشمل حق العمل. وبناء على ذلك، توفر أنقرة اللجوء المؤقت لأي شخص يعبر الحدود دون جواز سفر، ولكن على هؤلاء الأشخاص أن يوافقوا على الإقامة في مخيم للاجئين. وقد ذكرت التقارير أن العديد من السوريين نجحوا في التغلب على هذا الشرط بعبورهم الحدود بطريقة غير مشروعة، بينما دخل البعض الآخر بجواز سفر لكنهم تجاوزوا المدة المتاحة لإقامتهم التي أمدها ثلاثة أشهر. (وإجمالاً، يقدر بأن [حوالي]70,000 سوري قد استخدموا وثائق سفر لدخول تركيا).
كما أن هناك آلاف اللاجئين لا يزالون عالقين على الجانب السوري من الحدود، في معسكرات مثل "أتيما" قرب معبر جيلفيغوزو التركي. وعلى الرغم من جهود منظمات الإغاثة التركية من القطاعين العام والخاص والتبرعات من الخارج، إلا انهم يعيشون في ظروف مزرية. إن تكدس اللاجئين يشير إلى أن حتى قدرة أنقرة الهائلة قد طالها الإنهاك جراء عمليات تخليص الإجراءات والمراقبة وتوفير الإعانات لمثل تلك الأعداد الغفيرة من اللاجئين الفارين من العنف.
انتقال عدوى الطائفية
نظراً للعلاقات الديموغرافية العميقة بين جنوب تركيا وشمال سوريا، تخشى أنقرة أيضاً من أن يؤدي العنف الطائفي في البلد المجاور إلى تصدعات موازية على الجبهة الداخلية. فتركيا هي موطن لأكثر من نصف مليون من العلويين العرب، الذين يدينون بنفس ديانة الأسد، ومعظمهم يعيشون في أقصى جنوب إقليم هاتاي (يلقبون أحياناً بـ "النصيريين"، ويختلفون عن العلويين الأتراك -- وهو مجتمع لا يرتبط بصلة قرابة مع العلويين في سوريا) . ويؤيد بعض العلويين الأتراك بشار الأسد دون خجل، حيث ذكرت التقارير في جنوب البلاد أن المتظاهرين يحملون صوره ويهتفون ضد أنقرة وسياسة واشنطن تجاه سوريا.
وبصورة أكثر شيوعاً يُقر العلويون في تركيا بضرورة رحيل الأسد لكن ينتابهم القلق حول مدى تأثير انهيار النظام على سلامتهم. هناك تخوف عام تقريباً من قيام المقاتلين السنة العائدين إلى تركيا من حربهم مع الأسد بتوجيه غضبهم نحو العلويين. وبالفعل، اتخذت أنقرة بعض التدابير لمنع هذه الأنواع من الاحتدامات الطائفية، مثل نقل بعض اللاجئين العرب السنة إلى مخيمات في داخل تركيا، بعيداً عن محافظة هاتاي المختلطة للسنة والعلويين. إلا أن المشكلة تستحق المراقبة لأن سقوط الأسد قد يغير من طبيعتها ونطاقها.
حشد اليسار المتطرف
احتشدت الجماعات اليسارية الراديكالية وغيرها من الجماعات المتطرفة في تركيا ضد تعاون أنقرة مع حلف شمال الأطلسي وواشنطن خلال الأزمة السورية. ولا يزال المشهد السياسي في البلاد يحمل آثار عنف الحركات اليسارية من سبعينيات القرن الماضي، فضلاً عن التعصب القومي العميق المناهض للولايات المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، عمدت تلك الحركات إلى الخروج في مسيرات تعارض نشر صواريخ باتريوت في جنوب تركيا، ووقفت وراء الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على طواقم الباتريوت حيث وصلت إلى ميناء الأسكندرونة في هاتاي، وأطلقت قنابل الدخان على جنود حلف شمال الأطلسي وحرقت الأعلام الأمريكية.
وعلى الرغم من أن أن تلك الجماعات تمثل تياراً سياسياً هامشياً، إلا أن تأثيرها قد يفوق حجمها. وقد أفردت وسائل الإعلام الإيرانية والروسية مساحات لتغطية تلك الأحداث على نطاق واسع من أجل تعزيز وجهات النظر المعارضة لحلف الأطلسي وزيادة تكاليف أنقرة السياسية على دعمها المعارضة السورية. وقد تؤدي هذه الرواية إلى وقوع المزيد من الاضطرابات في تركيا، مما يُعظم التصورات بعدم الاستقرار.
التأثير الأقتصادي
لقد كان التكامل الاقتصادي لجنوب تركيا مع العراق وسوريا أحد نجاحات أنقرة الكبرى في العقد الماضي. ورغم أن حجم التجارة الكلي للمنطقة كان طفيفاً بالمقارنة مع الحجم التجاري الكلي لتركيا، إلا أنه كان عاملاً هاماً في التنمية الاقتصادية لجزء من البلاد عانى من الفقر لفترات طويلة.
وقد أدى الصراع في سوريا إلى عكس هذا الاتجاه بشكل كبير. فمع تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود الجنوبية أغلقت أنقرة الحدود مع سوريا أمام حركة المرور التجارية. وفي الوقت نفسه، منعت بغداد بين الحين والآخر التجارة مع تركيا للاحتجاج على تقارب أنقرة مع أكراد العراق. وكل ذلك كان يعني وقف تجارة كانت مزدهرة بين جنوب تركيا وشمال الهلال الخصيب. على سبيل المثال، في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، تراجعت صادرات هاتاي إلى سوريا إلى أقل من من نصف مستواها من عام 2010، كما حدثت تراجعات مماثلة في في كل محافظة جنوبية (انظر إلى الرسم البياني).

استعادة نشاط "حزب العمال الكردستاني"
يُعد تجدد عنف "حزب العمال الكردستاني" التبِعة الأكثر حدة الناجمة عن تأثر تركيا بالحرب السورية. فعقب القطيعة بين أنقرة والأسد في خريف 2011، تخلت دمشق عن التزامها من عام 1998 بمنع "حزب العمال الكردستاني" من مزاولة عمله على أراضيها. وآنذاك كما هو الحال الآن، كانت هناك مكاسب هائلة يمكن أن يحققها الأسد من تعزيز التصور بأن استمرار حكمه كان عاملاً جوهرياً في الحد من قدرة "حزب العمال الكردستاني" على العمل في شمال سوريا.
لقد ازداد "حزب العمال الكردستاني" جرأة نتيجة هذا الدعم اللوجستي والمادي الجديد من سوريا (ومن إيران راعية الأسد)، ومن ثم شرع في شن حملة عنف جديدة في أواخر عام 2011 (انظر إلى الرسم البياني أدناه). وفي عام 2012، أعلن أحد زعماء الحزب مراد كارايلان أن الجماعة تتحول من استراتيجية حرب عصابات إلى أخرى تتمثل بالاستيلاء على الأراضي في معارك ضارية. وسرعان ما تصاعد القتال وأصبح أكثر حدة مما شوهد منذ عام 1999، عندما اعتقلت تركيا زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان. وفي إحدى الهجمات التي وقعت في أواخر العام الماضي، على سبيل المثال، دمرت الجماعة الجسر الوحيد المؤدي إلى البلدة الصغيرة بيتوسيباب في جنوب شرق البلاد، ثم قطعت عنها الكهرباء وداهمت مقر حاكم المنطقة أثناء الظلام.
لقد أيقظت محادثات السلام الأخيرة بين أنقرة وأوجلان الآمال بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. غير أن الارتباط بين مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" في ميدان المعركة والمصالح السورية- الإيرانية ربما يكون أخطر عقبة أمام نزع فتيل العنف.
الخاتمة
ينبغي أن تعمل واشنطن بشكل وثيق مع أنقرة لمراقبة الطرق العديدة التي ينتقل بها الصراع السوري إلى تركيا. ويشمل ذلك توفير التعاون الوثيق في مجال الاستخبارات ضد "حزب العمال الكردستاني" وحشد الحكومات الأوروبية لتقديم المزيد من المساعدات أيضاً. يجب على واشنطن أن تنظر أيضاً في إحياء التعاون الاستخباراتي التركي- الإسرائيلي الناجح ضد المجموعة الإرهابية، الذي توقف في أعقاب حادث أسطول غزة عام 2010. ويمكن أن يكون ذلك بمثابة مقدمة لتطبيع العلاقات الثنائية في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية. وأخيراً وليس آخراً، يجب على واشنطن أن تولي اهتماماً خاصاً بصعود جماعات يسارية متطرفة وقومية في المجتمع التركي والعمل مع أنقرة لمنع أعمال العنف ضد عمليات انتشار حلف شمال الأطلسي في الحاضر والمستقبل.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن. وتشمل مؤلفاته الكتاب الذي سيصدر قريباً "صعود تركيا: أول قوة إسلامية في القرن الواحد والعشرين".
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: