حرب إلكترونية بين قوى المقاومة والحلف الأميركي الإسرائيلي
ميرنا قرعوني
بعد الفشل الأميركي والإسرائيلي في المنطقة خلال السنوات الماضية، يجزم المحللون والخبراء بعجز الولايات المتحدة وإسرائيل في الوقت الحالي عن شن أي حرب كبرى ولاسيما ضد إيران وقوى المقاومة في لبنان ، بفعل ما يطلق عليه توازن الردع الذي نجحت في فرضه المجموعة الإقليمية المناهضة للتحالف الغربي الإسرائيلي التي تضم سورية وإيران وكلا من حزب الله و حركة حماس، وفي هذا المناخ قامت واشنطن و تل أبيب بشن حرب الكترونية سرية من خلال استخدام طائرات التجسس المرتبطة تقنيا بالأقمار الصناعية وبغرف عمليات على الأرض وفي البحر وإرسالها إلى أجواء لبنان وإيران، في ما يشكل بداية حرب من نوع جديد هي حرب التجسس والاستخبارات الالكترونية.
في الرابع من كانون الأول استولت إيران على طائرة استطلاع أميركية بدون طيار من طراز "أر كيو-170 سانتينل" كانت على مسافة 250 كلم داخل المجال الجوي الإيراني، وعرض التلفزيون الإيراني مشاهد من الطائرة التی يبلغ طولها أربعة أمتار ونصف المتر وعرض جناحيها نحو 26 مترا وارتفاعها مترا و 84 سنتيمترا وهي تحمل أجهزة الكترونية وكاميرات وأجهزة اتصالات متطورة وكذلك منظومات رادارية متطورة لجمع المعلومات، وتعد هذه الطائرة التجسسية من أنواع الطائرات التی لا يمكن رصدها بالرادار كما أنها تعد من احدث الطائرات الأميركية المتطورة تكنولوجيا فی مجال التجسس.
حاولت واشنطن في بادئ الأمر نفي إسقاط طائرة تابعة لها ، ثم ما لبثت أن اعترفت بذلك وطالب الرئيس باراك أوباما إيران بإعادة الطائرة، وبحسب المصادر، فإن "المسؤولين الأميركيين يسقطون من الاعتبار فرضية أن تكون إيران قد تمكنت من إسقاط الطائرة"، مشددين على أن "فريق التحكم فقد السيطرة عليها خلال تنفيذها لمهمتها ما أدى بها إلى دخول الأجواء الإيرانية".
وقد ذكرت التقارير الصحافية أن الطائرة التي أسقطتها إيران كانت على مدار عدة سنوات تمرح في سماء باكستان دون أن يتهددها خطر السقوط رغم قوة الدفاعات الجوية الباكستانية التي اعترضتها مرارا ، وأرجعت صحيفة «أرجومنتي نيديلي» نجاح الجيش الإيراني في إسقاط هذه الطائرة الأميركية إلى اعتماد منظومتها للدفاع الجوى على رادارات روسية متطورة.
واعتبرت الصحيفة الضربة الإيرانية الناجحة ، كارثة حقيقية لواشنطن، خاصة مع قيام خبراء إيرانيين وروس بدراسة الطائرة الأميركية بالتفصيل، مشيرة إلى أن ممثل قوات الدفاع الجوي الإيرانية، أعلن في يونيو الماضي، أن إيران ستقوم بعرض جميع الطائرات الأميركية التي ستتمكن من إسقاطها على الخبراء الروس.
ومن ناحيتها انفردت صحيفة التايمز اللندنية بخبر عن الحرب السرية الدائرة بين الولايات المتحدة إيران تناولت فيه موضوع طائرة التجسس الأمريكية ونقلت الصحيفة عن مصادر عسكرية أمريكية أن الولايات المتحدة تراجعت في آخر لحظة عن القيام بعملية كوماندوس لاستعادة حطام الطائرة أو تدميرها لكنها أحجمت لتحاشي مواجهة عسكرية مع إيران!
وقالت الصحيفة أن حطام الطائرة سيكون بمثابة دليل على ما تقوم به واشنطن من أنشطة ضد إيران منذ سنوات وهو ما يمثل إحراجا لها.
و نقلت صحيفة واشنطن بوست عن مسؤولين أميركيين، قولهم إن استخدام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـCIA للطائرات بدون طيار في إيران يعكس الاعتقاد المتنامي داخل الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس باراك أوباما بأن العمل السري وفرض العقوبات الاقتصادية هي أفضل الأساليب لإجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية.
وقال خبير دفاعي أمريكي مستقل طلب عدم نشر اسمه انه تبين له عندما زار مقر قيادة في قاعدة عسكرية أمريكية في منطقة الخليج في عام 2008 أن المنشأة تستقبل عدة بيانات مراقبة الكترونية من أكثر من مصدر في إيران.
وقال الخبير انه يبدو أن بعض البيانات تنقل من طائرة على ارتفاعات شاهقة والبعض من مجسات الكترونية قامت الولايات المتحدة بتركيبها على الأرض في إيران.
في لبنان وفي الفترة الزمنية ذاتها ، كشف حزب الله عن تقارير تتضمن وقائع ومعلومات حول شبكات التجسس الأميركية وأكد أن ال سي آي أيه تتخذ من احد مباني السفارة الأميركية في عوكر مقرا لها وأعلن عن أسماء فريق كبير من الضباط واسم رئيس محطة المخابرات الأميركية في لبنان دانيال باتريك ماكفيلي الذي ينتحل صفة موظف دبلوماسي، وقد اعترفت السي أي ايه بعد ذلك بأيام بصحة المعلومات التي كشفها الحزب، وكان الحزب قد أعلن سابقا عن إحباط عملية تجسّس إسرائيلية على شبكة الاتصالات الخاصة به في الجنوب اللبناني.
وقد تحدثت الصحف الإسرائيلية في الأسابيع الماضية عن لغز اختفاء طائرة بدون طيار في الأجواء اللبنانية، وقالت إن "الحرب بين إسرائيل وحزب الله تحولت إلى إلكترونية في أعقاب سقوط الطائرة في وادي فرون منذ شهر و قد رصدتها رادارات وأجهزة الوحدة الفرنسية تتهاوى في المنطقة من دون العثور على آثارها إلا أن إسرائيل أكدت سقوطها في وادي كفر صير".
و بعد عمليات تفتيش مكثفة في المنطقة أفادت قيادة اليونيفل أنها لم تتمكن من العثور على الطائرة ورجح الخبراء الإسرائيليون أنها وقعت في أيدي حزب الله الذي أعلن غير مرة إحباطه لعمليات تجسّس إسرائيلية في جنوب لبنان، بالإضافة إلى اكتشاف منظومات تجسس إسرائيلية في صنين عام 2010، وبلدة شمع الجنوبية في آذار2011 ، إضافة إلى التسجيلات التي عرضها أمين عام حزب الله و التي تكشف قدرة الحزب على اعتراض بث طائرات الاستطلاع و التقاط ما ترسله من معلومات إلى غرف العمليات الإسرائيلية منذ التسعينات ، وكما فعل الأميركيون مؤخرا فقد أبدى الإسرائيليون خشيتهم من فك الألغاز التقنية و المعلوماتية للأجهزة التي تتم السيطرة عليها.
الخبير الأميركي روبرت باير الذي تولى في الثمانينات مسؤوليات مهمة في المخابرات الأميركية في لبنان والعراق ، اعتبر أن تفوق إيران وحزب الله في الحرب الالكترونية مع الولايات المتحدة وإسرائيل بات يمثل خطرا جديا بنتيجة الإنجازات التي حققها الجانبان في كشف شبكات التجسس وتعطيل الأجهزة المتطورة تقنيا وتفكيك أنظمة عملها وهو ما يمثل برأيه التحدي الأبرز الذي يواجه كلا من إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة.
حرب التجسس الالكترونية شكل جديد للصراع يزداد أهمية وتأثيرا مع استعصاء الحروب العسكرية حتى إشعار آخر وفي مناخ ما يوصف عالميا و إقليميا بأنه حرب باردة جديدة سوف يعيشها الشرق الأوسط بين معسكرين يضم الأول الولايات المتحدة وحلفاءها تتقدمهم إسرائيل وبينما يضم المعسكر المقابل إيران وسورية وقوى المقاومة وحلفائهم في العالم تتقدمهم روسيا والصين .
0 comments: