هل ستُغيّر التقديمات الغربيّة للمعارضة المُعادلة في سوريا؟
الإثنين 04 آذار 2013، ناجي س. البستاني - مقالات النشرة

عندما إندلعت الأحداث الأمنيّة في سوريا، كانت المعارضة تعاني من ثغرتين أساسيّتين على مستوى كل من العديد والعتاد. بمعنى آخر، كان عدد مقاتلي المعارضة محدوداً جداً مقارنة بحجم الجيش السوري النظامي، وكانت نوعيّة الأسلحة بحوزتها متواضعة جداً مقارنة بترسانة الجيش السوري الواسعة. ومع الوقت، بدأت هذه المعادلة تتغيّر تدريجاً، حيث إرتفع عدد مقاتلي المعارضة، وتحسّنت نوعية الأسلحة التي تملكها. واليوم، وبعد مرور نحو سنتين على الأزمة السورية، لم تعد المعارضة تعاني من مشكلة عدد، باعتبار أنّ من إنشقّ عن الجيش النظامي وإلتحق بالجيش السوري الحرّ، ومن تطوّع للقتال من الداخل السوري، ومن توافد من الخارج لمقاتلة قوّات النظام، شكّلوا جميعاً نوعاً من التوازن مع القوى الأمنية السورية الرسمية. وبالتالي، لم يعد النقص العددي يشكّل عائقاً للمعارضة، حيث إنحصرت المشكلة بالنقص في الأسلحة المناسبة وبالذخائر الكافية.
من هنا، كانت آمال المعارضة كبيرة على نتائج مؤتمر روما الأخير، بعد تلقّيها سلّة وعود بالتقديمات التي ستحصل عليها من الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربيّة. وهذه الوعود هي التي دفعتها للتراجع عن قرار المقاطعة، والمشاركة في المؤتمر. لكن النتيجة المحقّقة لم تكن بقدر الآمال المَعقودة ولا بحجم الوعود المُعطاة، حيث أنّ المعارضة السورية لن تحصل على أيّ أسلحة هجومية فعّالة، مثل الدبابات أو المدفعيّة أو الصواريخ المضادة للطائرات أو حتى تلك المضادة للدبابات. وما تمكّنت من نيله هو مساعدات مالية، ومساعدات عسكريّة متواضعة. وفي هذا السياق، وإضافة إلى بعض المدرّعات الموعودة والمخصّصة لنقل المقاتلين بشكل آمن نسبياً من دون أن تكون مزوّدة بأي قاذفات قنابل أو رشّاشات، من المنتظر أن تنال المعارضة السورية أدوات لوجستيّة، مثل الخوّذات، والسترات الواقية لكل من الرصاص والشظايا، والمناظير الليلية التي تعمل بالأشعّة تحت الحمراء، وبعض أنظمة التواصل اللاسلكي الحديثة، على سبيل المثال لا الحصر. ومن شأن هذه الأعتدة أن ترفع من قدرات المعارضة السورية في ساحات القتال، لكن من دون أن تحدث تغييراً مهمّاً في المعادلة القائمة على الأرض منذ أشهر عدّة.

والأهم من هذه التقديمات المتواضعة ومن المساعدات المالية، يتمثّل في إبداء عدد من الدول الغربيّة إستعداده لتوفير دورات قتالية لمقاتلي المعارضة. ويأتي هذا الإعلان في الوقت الذي نشرت أكثر من وسيلة إعلامية غربيّة مرموقة، تقارير عن تلقّي وحدات من المعارضة السورية تدريبات قتالية على يد مدرّبين أميركيّين وغربيّين، منها في الأردن وتركيا. يُذكر أنّه باستثناء المنشقّين عن الجيش النظامي والذين يقدّر عددهم بنحو 30000 مقاتل، وباستثناء بعض ممن يسمّون أنفسهم "مجاهدين"، والذين كسبوا خبرات قتالية في معارك سابقة خارج الأراضي السورية، فإنّ المتحمّسين للقتال ضد قوات الجيش السوري والذين يشكّلون الأغلبيّة الساحقة ضمن أنصار المعارضة، يفتقرون تماماً لأدنى مستويات الخبرة والتدريب العسكريّين! والمشاهد التي تُبثّ على شاشات التلفزة، وعبر المواقع الإلكترونية، تعكس هذا الواقع بشكل واضح. فالكثير من المقاتلين المعارضين المُفترضين يرتدون أزياء غير عسكرية، لا بل أزياء غير مريحة للحركة السريعة وللزحف ولغيرها من المناورات خلال المعارك، وكذلك أزياء بألوان زاهية كالأصفر والبرتقالي وغيرها! والكثير من المقاتلين المعارضين المفترضين يسيرون بوضعيات مكشوفة، وبشكل متلاصق جداً في ما بينهم، ولا يأخذون وضعيات دفاعية حقيقيّة أثناء إطلاق النار، وفي بعض الأحيان يحتمون خلف دُشم من الحجارة الرقيقة وغير المتراصفة! والأمثلة كثيرة وتدلّ كلّها على إفتقار مجموعة واسعة من المعارضين الذين يشاركون في القتال ضد النظام السوري، للحد الأدنى من الخبرة العسكريّة. من هنا، من شأن خضوع هؤلاء لدورات تدريبيّة أن يرفع من مستواهم القتالي المتدنّي، وأن يحدّ من حجم الإصابات التي يتعرّضون لها على أرض المعركة. ومن شأن التواصل مع مدرّبين غربيّين أن يفتح الباب مستقبلاً أمام مزيد من الدعم والتنسيق. ومن شأن المعدّات العسكرية التي وُعدوا بها، أن تساهم بدورها في تحسين قدراتهم الميدانية.
لكن كل ما سبق، يبقى دون ما هو مطلوب لإسقاط النظام بالقوّة العسكرية. وبالتالي، يمكن القول إنّ التقديمات الغربيّة للمعارضة لن تغيّر المعادلة القائمة حالياً في سوريا، لكن من شأنها أن تطيل عمر الأزمة أكثر فأكثر، وأن تمدّد جولات القتال، مع ما ينجم منها من قتل ودمار للأسف الشديد! وقد يكون هذا هو الهدف الغربي، أقلّه في المرحلة الراهنة، في إنتظار بلورة الصورة المستقبلية التي يتم رسمها لسوريا وللمنطقة ككل.
0 comments: