الإحتقان المذهبي يتّسع: عندما يَشتم سُنّة العراق إيران وحزب الله!
الأربعاء 27 شباط 2013، ناجي س. البستاني - مقالات النشرة

بات الخطاب المذهبي هو السائد على الساحة العراقية في المرحلة الحالية، والأمثلة عليه كثيرة! وعلى الرغم من أن لا مجال إلا لذكر عيّنات منها، فإنّها أكثر من كافية للدلالة على مخاطر فتنة مذهبيّة شاملة تتقدّم ببطء لكن بشكل خطير:
أولاً: غداة الإنسحاب العسكري الأميركي من العراق في كانون الأوّل 2011، جرت محاولة لإعتقال أعلى مسؤول سنّي في البلاد، أيّ النائب السابق للرئيس طارق الهاشمي، بتهمة الإرهاب. وقد إحتمى الهاشمي في الإقليم الكردي شمال العراق، حيث حظي برعاية الرئيس جلال طالباني، قبل أن يفرّ منه إلى تركيا، علماً أنّه محكوم غيابياً بالإعدام حالياً، الأمر الذي تسبّب بحقن مذهبي داخل العراق. وتحاول تركيا إيجاد مخرج لإبعاد الهاشمي الذي تسبّب بتوتّر كبير بين أنقره وبغداد.
ثانياً: منذ بضعة أشهر، هاجم النائب السنّي عن الكتلة العراقية، أحمد العلواني، بشكل قاس وعلني، كلاً من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وجاءت الردود عليه عنيفة من شخصيّات عراقية شيعيّة، في طليعتها زعيم التحالف الوطني العراقي الشيعي (رئيس الوزراء السابق) إبراهيم الجعفري. ورفضت المواقف المدافعة عن كل من سليماني ونصرالله، أيّ تعرّض للرموز السياسية والدينيّة العربية والإسلاميّة بتعابير وأوصاف مهينة.
ثالثاً: منذ أسابيع، أعلن المسؤول الكبير في "حزب الله العراقي"، واثق البطاط، تأسيس ميليشيا بإسم "جيش المختار"، لمحاربة ما وصفه بالتنظيمات السنّية الإرهابية في العراق، وللدفاع عن الشيعة. وقد سارعت الحكومة العراقية، إلى التنديد بتصريحات البطاط، وإلى إصدار أمر بإلقاء القبض عليه، لكن من دون أن يتم إتخاذ أي إجراء ميداني لذلك.
رابعاً: بالأمس القريب، رأى خطيب جمعة الأنبار، الشيخ عبد المنعم البدراني، أنّ إيران تقود مؤامرة تمتدّ إلى العراق وسوريا وتصل إلى حزب الله في لبنان، مستخدماً تعابير قاسية، ومحذّراً من ضرب مصالح الدول الغربيّة في المنطقة، في حال بقيت متجاهلة لحقوق "المظلومين"، كما قال. وخطابات مشايخ السنّة المتشدّدين في العراق، طالت أيضاً تحرّكات الحوثيّين في اليمن، والشيعة في كل من البحرين السعودية، الأمر الذي قُوبل بموجة إستنكار واسعة من المعتدلين العراقيين، وبتبادل للإتهامات من قبل المتشدّدين في المذهبين السنّي والشيعي.
خامساً: منذ أيّام قليلة، قامت كتل سياسية عراقية بجمع تواقيع نحو 120 نائباً، لإقالة رئيس البرلمان العراقي، أسامة النجيفي، بسبب "تصريحاته الطائفية" الأخيرة في قطر. وكان النجيفي قد قال "إنّ الظلم المتراكم فجّر ثورة شعبيّة لإعادة التوازن المفقود في العراق". وهو سبق له أنّ أثار أزمة بتصريحات سابقة له عندما قال إنّ "العرب السنّة في العراق يشعرون بالإحباط الشديد، وما لم يتم علاج هذا الإحباط سريعاً، فإنّهم سيفكّرون بالإنفصال في إقليم خاص بهم".
سادساً: منذ بضعة أيّام، تمّ توزيع منشورات في بعض مناطق سكن المسلمين السنّة في بغداد، تهدّد بمصير أسود ما لم يغادر هؤلاء المنطقة مع عائلاتهم في وقت قصير. وساد "حي الجهاد" في العاصمة العراقية الذي كان شهد مذبحة مذهبيّة في تمّوز من العام 2006، توتّر شديد إثر إنتشار خبر توزيع مناشير التهديد، على الرغم من عدم تبنّي أي جهة هذه التهديدات، ونسبها إلى "القاعدة" لمحاولة إيقاع حرب طائفية في العراق. وفي السياق عينه، شهد قضاء المحمودية الواقع جنوب بغداد، سلسلة إغتيالات وعمليات تهجير قسري لعائلات سنّية في القضاء، والذين إتهمت أوساطهم "ميليشيات شيعيّة" بالقيام بذلك. ومن الضروري التذكير أنّ وتيرة التفجيرات المذهبيّة ضد "أهداف شيعيّة" قد إرتفعت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وقد حذّر رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، عمار الحكيم، من أن تركّز التفجيرات الأخيرة في مناطق تتمتّع بكثافة سكانية شيعيّة يهدف إلى جرّ البلاد إلى حرب طائفيّة.
سابعاً: تعاظم التظاهرات الشعبيّة التي يشهدها العراق منذ أكثر من ثلاثة أشهر حتى اليوم، خصوصاً محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوي وديالى، وكلّها مناطق تتمتّع بأغلبيّة سنّية، وذلك تنديداً بسياسة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي "المنحازة". وتحوّلت الشعارات من مجرّد مطالبة بالعدالة والمساواة، إلى الطلب برحيل الحكومة وبوقف تدخّل إيران في الشؤن العراقيّة. وقد ردّ مؤيّدو الحكومة على المتظاهرين باتهامهم بالتنسيق مع "القاعدة" ومع حزب "البعث" المنحلّ، ومع دول إقليمية تغذّي الصراع المذهبي، وحتى بتغطية منفّذي التفجيرات الإرهابية ضد الشيعة. كما جرى تنظيم تظاهرات مؤيّدة للحكومة في بغداد ومدن جنوب العراق، ورفع شعارات تهاجم تركيا وقطر والمملكة العربيّة السعودية.
وأمام هذا الواقع الخطير، حذّرت وزارة الداخليّة العراقية وسائل الإعلام من الإستمرار في بثّ خطابات طائفيّة ومذهبيّة لسياسيّين ورجال دين تهدّد السلم الأهلي في العراق، ودعت المواطنين إلى الحذر من "المحاولات الخبيثة الرامية إلى تدمير وحدة البلاد المجتمعية"، مؤكّدة أنها ستقف بحزم ضدّ أي شخص أو فئة يعرّض أمن العراق للخطر. واللافت أنّ دول الجوار، ومنها تركيا وإيران المتّهمة بالتدخّل بقوّة وبشكل منحاز بالشؤون العراقية الداخلية، أطلقت مواقف منبّهة لخطورة ما يحدث حالياً.
وفي الخلاصة، تحذّر تقارير غربيّة عدّة، أنّه ما لم تنجح الحكومة العراقية الحالية، التي هي بقيادة حزب الدعوة الشيعي الإسلامي، في إحتواء الحساسية المذهبيّة المتفاقمة، فإنّ الوضع في العراق مرشّح للخروج تدريجاً عن السيطرة، بحيث سيأخذ الصراع المرتقب منحى مذهبياً لا يقلّ خطورة عمّا يحدث في سوريا حالياً، وعمّا يتوارد همساً أنّه سيطال دول عربيّة أخرى في المستقبل القريب!
0 comments: