السعودية تُلوّح لإيران من خلال حكومة سلام
الإثنين 08 نيسان 2013، جوني منير - "الجمهورية"
لبنان مجدداً ساحة اختبار اقليمية متقدمة، ولو انه هذه المرة لاستكشاف نيات التسويات، وليس ككل مرة لتوجيه الرسائل المتفجرة ولَيْ الأذرع.
بداية، سمع زوار واشنطن من السياسيين اللبنانيين (وهم كُثُر في هذه المرحلة التي يجري فيها التحضير للاستحقاق الرئاسي اللبناني) كلاماً واضحاً لا لبس فيه حول وجود تحضيرات اميركية لإنجاز "الصفقة الكبرى" مع ايران.
وصحيح ان لهذه التسوية مساراً تفاوضياً طويلاً قد يلازم الرئيس الاميركي طوال ولايته الثانية، الّا ان تحقيق الخرق من المفترض ان يظهر في بداية التفاوض، على الاقل لاثبات جدية كلا الطرفين. ولكي لا يخطىء كثيرون فإن "الصفقة الكبرى" الاميركية ـ الايرانية تطاول المناخ الجديد في العلاقات الاميركية ـ الروسية والاميركية ـ الصينية.
ففي الشرق الاوسط بعد الأزمة السورية مصالح نفط وغاز ومناطق نفوذ وحلم الوصول الى المياه الدافئة. ولذلك تمركزت روسيا في المثلث السوري ـ اللبناني- القبرصي حيث اكتشافات الغاز القادر على منافسة اسواق الغاز الروسي، فيما لو أريد له ذلك.
وفي الصين ازدياد مضطرد في النمو يستوجب ارتفاع الطلب على الطاقة حيث يختزن الشرق الاوسط نحو 50 % من احتياط النفط العالمي. في وقت تستهلك الولايات المتحدة الاميركية وحدها نحو 25 % من السوق العالمي للنفط على رغم انها تمثل 5 % فقط من عدد سكان الكرة الارضية.
وفي وقت اتجهت واشنطن للتفتيش عن اسواق جديدة للنفط في أميركا الجنوبية وافريقيا فإن الأحداث في سوريا فتحت الأبواب امام منافسي واشنطن للنفاذ الى قلب المعادلة الشرق اوسطية بالتنسيق مع ايران.
ومن هذا المنطلق تجاهلت وسائل الاعلام الاميركية تهديدات كوريا الشمالية، على أساس أنها رسائل صينية بالتزامن مع المفاوضات الاميركية ـ الايرانية وليس ابداً كونها تهديدات جدية للأمن القومي الاميركي.
وفيما عاد وزير الخارجية الاميركي للمرة الثالثة الى المنطقة وتنتظر العواصم الشرق اوسطية القمة الاميركية ـ الروسية في حزيران المقبل والتي ستكشف عن بعض التفاهمات الجديدة والتي ستطاول حتماً بعض جوانب "الصفقة الكبرى" بين واشنطن وطهران.
وسط هذه الظروف طُلب من الرئيس نجيب ميقاتي تقديم استقالته على "وعد" بعودته على رأس حكومة وحدة وطنية تختزن معادلة اقليمية اكثر توازناً. لكن تزايد خصوم ميقاتي في الداخل اللبناني أطاح خياره لمصلحة النائب تمام سلام الإسم الذي كان قد جرى تداوله خلال الاشهر الماضية كبديل محتمل لميقاتي.
سلام الذي يحظى بعلاقة متينة مع بعض المسؤولين السعوديين ما اتاح له العودة الى لوائح الحريري الانتخابية في بيروت وحتى الى الحكومة بعد قطيعة طويلة، كان قد صاغ تواصلاً مع حزب الله من خلال مسؤوليه الكبار بعلم العاصمة السعودية ومعرفتها منذ نحو سنة.
لذلك كان خياره مرجحاً كبديل لميقاتي وتم تحميل سلام البرنامج عينه الذي كان مطلوباً من ميقاتي: حكومة جامعة تضم خصوصاً حزب الله، ووظيفتها التواصل بين جميع الأفرقاء والاستيعاب والتحضير لانتخابات نيابية بعيدة عن التحدي.
وعلى رغم النفي الرسمي فإن البصمات السعودية واضحة في تسمية سلام، لا بل ان الرياض تعمدت اظهار دورها لتوضيح الرسالة التي تريدها: التلويح من بعيد لإيران، طالما ان المنطقة مقبلة على تسوية اميركية ـ ايرانية، ما يعني حجز المقعد السعودي من خلال لبنان.
فسلام زار السعودية قبيل ساعات على تسميته والسفير السعودي علي عواض العسيري جال في لبنان يوم إعلان التفاهم على اسم سلام، والأهم ان رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط نسّق مع المملكة قبيل اعلان موقفه، لا بل أنه ترك نجله تيمور في السعودية لأيام عدة، ولم يكن ذلك بهدف السياحة بالتأكيد.
كما أنه في المقابل سُجل لقاء بقي بعيداً عن الاعلام بين السفير السعودي ورئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد على هامش مناسبة تعزية في السفارة منذ نحو أسبوع.
وقد تبدو الصورة حتى الآن وردية وواعدة لكن "القُطَب" المخفية قد لا تتأخر في الظهور. فعلى المستوى السوري حيث تجري التحضيرات على قدم وساق لمعركة دمشق بهدف "إنهاك" الجميع وجعلهم اكثر طواعية لقبول التسويات لاحقاً، اشتد النزاع بين محاور المعارضة، وهو في حقيقة نزاع قطري ـ سعودي على النفوذ.
نزاع اطاح بمعاز الخطيب المحسوب على السعودية قبل ان يعيده الى موقعه، ولكن بشراكة مع غسان هيتو المحسوب على قطر، فيما رياض الأسعد كاد ان يدفع حياته ثمناً في وحول التصفيات الداخلية. وفي مصر يستمر النزاع القطري ـ السعودي حول مرسي عنيفاً ودموياً في بعض الأحيان.
لذلك هنالك من يعتقد بان نزاعاً مماثلاً لن يلبث ان يظهر على الساحة اللبنانية لمنع احتكار المملكة لمقعد التوازن مع ايران انطلاقاً من لبنان. وفيما كان الشيخ احمد الأسير "يتّحد" مع رموز اسلامية شمالية ليبدأ شن هجوم على آل الحريري وتيار "المستقبل"، كانت المملكة تعلن فسخ قرار قضائي بمنع المحاكمة عنه كمؤشر لبدء مرحلة شد الحبال.
وهنالك من يتوقع التفافاً قطرياً من خلال الانفتاح على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون ورئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع. فالأول والثاني يشكلان مدخلاً ممتازاً في اتجاه الفريق الآخر، أما الثالث فإن علاقته مع الرئيس سعد الحريري ومع الرياض كانت قد شهدت كثيراً من البرودة على خلفية النزاع حول قانون الستين.
كما ان التلويح السعودي من بعيد لإيران عبر "حكومة سلام" برئاسة تمام سلام قد تتعرقل بالتفاصيل المزعجة: حكومة مصغرة فيها حضور رمزي للحزبيين قد تؤدي الى خروج موحد لـ"حزب الله" وحركة "امل" و"التيار الوطني الحر" و"المردة".
كما ان قانون الانتخابات الجاري تحضيره على اساس المختلط (60 نائباً) على اساس النسبي و68 نائباً على اساس الأكثري و24 دائرة و11 محافظة اكراماً لجنبلاط قد لا يمر بسهولة ومن دون مجلس للشيوخ على أساس المشروع الارثوذكسي.
لذلك هنالك من يعتقد أن حكومة سلام إما تولد سريعاً (قبل نهاية الشهر) او انها ستغرق في تفاصيل النزاعات مع احتمال الإعتذار عن التكليف.
مع التأكيد أن تبادل التحية من بعيد بين السعودية وإيران لا يعني ابداً المصافحة باليد وتصفية القلوب، خصوصاً انه مناخ التفاوض الاقليمي، وان كان يحمل لغة التفاؤل، إلّا انه يستوجب رفع درجة الحذر.
0 comments: