هل خاف "حزب الله" من تحمّل مسؤولية الطائرة من دون طيّار؟
الجمعة 26 نيسان 2013، ناجي س. البستاني - مقالات النشرة
في 17 تشرين الأوّل من العام 2012 الماضي، أسقطت إسرائيل طائرة من دون طيّار تمكّنت من التحليق فوق مجالها الجوّي. وبعد لغط بشأن إحتمال أن تكون قد إنطلقت من قطاع غزّة وليس بالضرورة من لبنان، خرج الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، وأعلن المسؤولية عن تحليق الطائرة، في الوقت الذي جرى فيه توزيع بعض الصور الملتقطة للأراضي الاسرائيلية من كاميرات طائرة التجسّس والإستطلاع. وسبق للحزب أن قام بمحاولات مماثلة، أوّلها في تشرين الثاني 2004، وأبرزها في 7 و13 آب 2006. لكن، بالأمس، ومع إعلان إسرائيل إسقاط طائرة من دون طيّار جديدة (1)، وتحميل "حزب الله" المسؤولية عنها، نفى الحزب بجملة مقتضبة جداً أن يكون أرسل أيّ طائرة، وذلك بعد نحو أربع ساعات على كشف وسائل الإعلام عنها. فما هو الهدف من هذه الطائرات، ولماذا لم يتحمّل الحزب هذه المرّة مسؤولية إرسال الطائرة كما فعل منذ ستة أشهر؟
بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه من الناحية العمليّة، تساعد الصور التي تلتقطها الطائرات من دون طيّار على جمع المعلومات الإستخباريّة عن المراكز العسكرية والبنى الحيوية، لتعزيز القدرة على إلحاق أذى أكبر بإسرائيل ومنشآتها العسكرية والإقتصادية في أيّ مواجهة عسكرية مقبلة. كما أنّ النجاح في خرق المجال الجوّي الإسرائيلي، يساعد الحزب، ومن خلفه إيران التي تعمل منذ سنوات طويلة على تطوير الطائرات من دون طيّار (2)، على تحديد نقاط ضعف الدفاعات الإسرائيليّة، وعلى تعزيز الإمكانات القتاليّة لهذه الطائرات، تمهيداً لمهمّات مستقبليّة أكثر خطورة ودقّة. وعلى خط مواز، من شأن خرق المجال الجوّي لإسرائيل على الرغم من كل الإحتياطات الإسرائيلية، من منظومة راداريّة، ومن دفاعات صاروخية أرض-جوّ، ومن طائرات مقاتلة حاضرة للتدخّل، أن يمثّل ضربة معنوية تُسقط مقولة التفوّق الجوّي الإسرائيلي الساحق، وتفتح الباب أمام نوع جديدة من المواجهات في المستقبل.
وإذا كان صحيحاً أنّ "حزب الله" لم يُرسل بالفعل أيّ طائرة تجسّس، كما أعلن من باب التأكيد وليس المناورة أو التعتيم، فإنّه وفي ظلّ عدم إمتلاك أيّ طرف على الساحة اللبنانية لطائرات إستطلاع من دون طيّار، من المُستغرب أن تختلق إسرائيل هكذا قصّة وأنّ توجّه الأنظار إلى لبنان والحزب من جديد، في الوقت الذي يتعرّض فيه "حزب الله" لحملات معنويّة تتهمه بالدم السوري وبالفتنة المذهبيّة. وبالتالي، إنّ إتهامه بإرسال طائرة تجسّس إلى الأجواء الإسرائيليّة يفيد الحزب ولا يضرّه!
والأكيد أنّ مسألة خوف "الحزب" من تحمّل المسؤولية، هو غير صحيح، لأنّ من شأن تبنّي إرسال أيّ طائرة من دون طيّار، أن يُذكّر العالم بأنه يعتمد سياسة الكيل بمكيالين، حيث يتجاهل قيام الطيران الإسرائيلي بخرق الأجواء اللبنانية بشكل يوميّ من دون أيّ رقيب أو حسيب، في حين أنّ ما يقوم به لبنان لا يتجاوز محاولة خرق المجال الجوّي الإسرائيلي مرّة كل بضعة أشهر أو بضع سنوات! كما أنّ الحديث عن خوف من ردّ إسرائيلي هو غير دقيق، لأنّ الحدث ككل لا يستأهل أيّ ردّ واسع، وأصلاً إسرائيل لا تحتاح لأعذار عند قرارها بشنّ أيّ عدوان. وكذلك الأمر، الحديث الإعلامي عن أنّ العمليّة تهدف إلى التغطية عن التورّط في سوريا، وعن أنّ الهدف منها تذكير الجميع بأنّ وجهة قتال الحزب الأساسيّة هي إسرائيل، وليس أيّ جبهة أخرى، لا يزعج ولا يخيف الحزب، بل العكس هو الصحيح! وبالتالي، لماذا هذا النفي لعمليّة سبق أن إفتخر الحزب بمثيلات لها في السابق؟
قد يكون السبب عدم نجاح الطائرة في التحليق فوق الأراضي الاسرائيلية، ما يُشكّل تراجعاً مقارنة بإنجاز المرّة السابقة، بدل تحقيق التقدّم المنتظر والموعود. وقد يكون السبب أيضاً فشل الطائرة الأحدث ضمن سرب الطائرات الإيرانيّة من دون طيّار (تحمل إسم "سرير")، والتي كُشف النقاب عنها منذ بضعة أيّام فقط، في تحقيق المهمّة التي طُوّرت من أجلها وهي تصوير مراكز العدوّ من دون أن يتم إلتقاطها من قبل الرادارات، كما أكّد القائد العام للجيش الإيراني اللواء عطا الله صالحي في عرض عسكري أزاح خلاله الستار عن طائرة "سرير" المتطوّرة. وبالتالي في حال إستخدام الطائرة المذكورة، وبعد أن تمكّنت رادارات إسرائيل من رصدها، كان لا بدّ من محاولة التغطية على الموضوع. وقد يكون أيضاً أنّ ما قيل عن تزامن وصول الطائرة إلى الأجواء الإسرائيلية بالتزامن مع توجّه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الشمال الإسرائيلي على متن طوّافة صحيحاً، فهل كان الأمر تحضيرا لعملية إغتيال؟
(1) بحسب الإعلام الإسرائيلي، فإنّ الطائرة من دون طيّار رُصدت رادارياً أثناء توجّهها من لبنان جنوباً، فإنطلقت طائرات إعتراضية لملاقاتها في الجوّ، في الوقت الذي بدأ الجيش الإسرائيلي إتصالات لمعرفة هويّتها، وعندما تبيّن أنها لا تعود إلى أيّ جهة حليفة، جرى إسقاطها بصاروخ جوّ-جوّ بينما كانت على بُعد ثمانية كيلومترات إلى الغرب من ميناء حيفا.
(2) في شباط الماضي، أعلن وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي، أنّ بلاده وصلت إلى مرحلة التصنيع الأخيرة لأحدث طائرة إيرانية من دون طيّار، قادرة على إطلاق صواريخ جوّ-جوّ. وكشف أنّ إيران تصنّع حالياً نحو 20 طرازاً مختلفاً من هذه الطائرات إن للإستطلاع أو للهجوم. يُذكر أنّه من بين أشهر الطائرات الإيرانيّة من دون طيّار "حازم 3" القادرة على حمل المتفجرات، وليس التصوير والإستطلاع فحسب.
0 comments: