Friday, April 5, 2013

يف أعدت وخططت ’إسرائيل’ لاغتيال الجعبري؟

نشرت صحيفة "يديعوت احرونوت" اليوم الجمعة تقريراً مفصلاً حول كيفية إعداد وتنفيذ عملية اغتيال المسؤول العسكري لحركة حماس احمد الجعبري في قطاع غزة، فجاء في تقرير الصحيفة ان "رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الاسرائيلي بني غانتس وضع يديه على الطاولة في مكتبه وانتصب قائماً" من الكرسي قائلا "بدأنا" وخرج من الغرفة. وهكذا بدأت عملية "عمود السحاب" بعد دقائق معدودة فقط من احراز صورة اغتيال المطلوب رقم 1، "رئيس هيئة اركان جيش حماس"، احمد الجعبري، من الجو، بحسب الصحيفة.

وذكرت الصحيفة ان "الجعبري، الذي يبلغ من العمر (52) عاماً على رأس قائمة أهداف اغتيال الجيش الاسرائيلي، ويكشف عن هذا الامر الرائد "ط"، ضابط التحليل الشبكي المسؤول عن مجال "الارهاب" الفلسطيني في وحدة جمع المعلومات 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات، بقوله "استُعملت حوله جميع القدرات، تعلمنا ان نعرفه وان نفهم ما يفعله وان نطوقه".

آثار الغارة الجوية على سيارة الجعبري
آثار الغارة الجوية على سيارة الجعبري

ويضيف الرائد "ط" عن الجعبري لقد "كان شكاكاً وكان عالماً جيداً بأن الجيش الاسرائيلي يتعقبه، وتصرّف وكأنه مطلوب على نحو قاطع فسكن عدة بيوت، ولم يسافر وحده في سيارة بل الى جانب أشخاص اعتمد عليهم فقط، ولم يخرج لتناول الطعام في المطاعم بل جلب الطعام الى بيته، واعتمد حقاً على حلقة ضيقة فقط من المساعدين المقربين، وقد علمنا انه حينما يفعل أحد اولئك المقربين شيئاً ما فان ذلك يتعلق بالجعبري". 

وتابعت الصحيفة أن "اختباء الجعبري بلغ نهايته في يوم الأربعاء 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 قبل الساعة الرابعة بعد الظهر بخمس دقائق (بتوقيت القدس المحتلة) بالضبط، فقد أطلقت طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي النار على السيارة التي كان يستقلها في وسط مدينة غزة، وقُتل الجعبري وسائقه بالانفجار وانطلقت عملية عمود السحاب".  

حطام سيارة الجعبري بعد الغارة الجوية الإسرائيلية
حطام سيارة الجعبري بعد الغارة الجوية الإسرائيلية

وتحدثت "يديعوت احرونوت" عن أن الجهد الذي سبق العملية، شاركت فيه أجهزة عدة، وأوضحت  أن "الجسم (الجهاز) الذي ركّز وحلل في السنوات الاخيرة أكوام المواد الاستخبارية التي جمعت عن الجعبري، هو أجسام (أجهزة) جمع المعلومات المختلفة، و(وحدة) الساحة الفلسطينية في قسم البحث التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)". 

وتكمل الصحيفة بسرد مسار التطورات الداخلية في قطاع غزة، فتذكّر بأن "حركة حماس بدأت بعد السيطرة على قطاع غزة تقوية عناصر الحكم فوراً. وكان شعور حماس بأنها قادرة على القيام بالإدارة وبالإرهاب أيضاً"، على حد تعبير "يديعوت احرونوت، التي اعتبرت أن "عملية الرصاص المسكوب حطمت عندهم هذا التصور، وبدأت الحركة تقوي المجال السياسي. فلاحظ الجعبري هذا التوجه وبدأ يقترب من الذراع السياسية فبنى لنفسه تأثيراً كبيراً في الاتجاهين العسكري والسياسي".

وتقر الصحيفة العبرية بأن "الزمن فعل فعله وأخذ يضعف الردع الاسرائيلي، الذي تم الحفاظ عليه منذ كانت عملية الرصاص المسكوب"، وتنقل عن "أحد كبار المسؤولين في سلاح الجو" قوله إن "جولات التصعيد في عامي 2011 – 2012 تحولت إلى أكثر عنفاً، من جهة كمية إطلاق الصواريخ ومداها والأهداف"، وبرر المسؤول، بحسب الصحيفة، القيام بغارات جوية مكثفة قائلاً: "أدركنا أن علينا تحطيم هذا الرسم البياني، وكان واضحاً أننا نتجه إلى عملية أساسها معركة جوية مهمة تضرب مخزونات القذائف الصاروخية ووسائل القتال، وعلمنا أيضاً أن إصابة محاور اتخاذ القرارات والقيادة تؤثر جداً في العدو، وعلى حسب ذلك تم تخطيط عمود السحاب".

ولفتت "يديعوت احرونوت" إلى أن "الجعبري كان مستهدفاً مباشرة على مدى عام، وظهر اسمه في الخطة الجاهزة "عمود السحاب" إلى جانب أسماء أخرى، وفي الـ48 ساعة بين يومي الاثنين والأربعاء الذي بدأت العملية فيه، بُذلت جميع الجهود الاستخبارية للبحث عن فرصة اغتياله، أو اغتيال مسؤولين كبار آخرين، والحديث يدور عن قادة في الذراع العسكرية لحماس"، وفقاً لمعلومات الصحيفة.

ويعرض المقدم زيف. في حديثه للصحيفة نفسها، بعضاً من دوافع اتخاذ القرار بالعملية فيشير إلى أن "استقرار الرأي على عملية عمود السحاب، سبقه جولات تصعيد، وعلمنا أن حماس تتجه إلى "الإرهاب" مرة أخرى....سألونا، كيف يمكن أن نفاجئ حماس؟ وكان اسم الجعبري مطروحاً على الطاولة منذ زمن".
وتعيد "يديعوت احرونوت" التذكير بالأسئلة عن "تلك المرحلة حيث عُرض على قسم الابحاث سؤالان وضع الجواب عنهما على طاولة رئيس الوزراء. وكان السؤال الاول: كيف سترد حماس على اغتيال الجعبري؟ هل تطلق صواريخ على تل ابيب أم تستمر في الاطلاق الى نفس المدى؟ والسؤال الثاني، كيف سيؤثر اغتيال الجعبري في حركة حماس في أمد بعيد؟".

القائد العسكري لحركة حماس أحمد الجعبري
القائد العسكري لحركة حماس أحمد الجعبري

تكشف النقيب "عادي"، وهي أيضاً من قسم الأبحاث، عن جواب السؤال الأول، فتقول إن قسمها "عرض عدداً من سيناريوهات الرد المحتمل من حماس اشتمل على إطلاق صواريخ أيضاً على وسط إسرائيل". وبمقابل تقدير قسم التحقيق من شعبة الاستخبارات العسكرية أن اغتيال الجعبري قد يفضي الى اطلاق الصواريخ على "غوش دان" (تجمع السكان الأكبر)، فإن البحث في الجيش الإسرائيلي، وفي جهاز الأمن "الكلفة في مقابل الفائدة". والذي رجح كفة الاغتيال، عملية القضاء على مخزونات القذائف الصاروخية البعيدة المدى لحماس التي خُطط لتنفيذها بعد اغتيال الجعبري فوراً والاعتماد ايضاً على قدرات منظومة "القبة الحديدية".

ويقر المقدم زيف أن "جواب السؤال الثاني كان أكثر تعقيداً. فالجعبري عامل مهم جداً في حركة حماس لكنها تستطيع أن تواجه غيابه، وبرغم ذلك كان التقدير أن اغتياله سيسبب زعزعة شديدة في الحركة، وشعوراً بالتغلغل الاستخباري، وتجديد الردع الذي ضاع بعد الرصاص المسكوب".

وفي حديثه لـ"يديعوت احرونوت"، يقول مسؤول رفيع المستوى في هيئة القيادة العامة كان مطلعاً على سر كل الاعداد للتخطيط، بحسب الصحيفة، إن "اسم الجعبري لم يظهر حينما بدأ التباحث في العملية، باعتباره هدفاً للعمليات، لكن رئيس هيئة الاركان قال يُحتاج إلى ضربة افتتاحية"، ويكمل المسؤول أن رئيس الأركان "كان يقصد عدداً من كبار المسؤولين في الرتب الميدانية، ومقدار ضئيل يبلغ 2 أو 3 من كبار المسؤولين، فاعتقدنا انه ستكون جولة تصعيد قوية كما كان في الماضي، وكان المنطق ان جميع رؤساء المنظمة (حماس) سيكونون متحصنين عميقاً تحت الأرض. وحينذاك أُتيحت الفرصة الاستخبارية للوصول إلى الجعبري. فأكد جهازا "أمان" و"الشاباك" أنهما قادران على فعل ذلك وأنه يمكن حصد ثمرات عمل مجهد جداً لمدة سنتين".

وتتابع الصحيفة العبرية، بأن "جهاز الشاباك أوصى بأن تكون ضربة بدء عملية عمود السحاب هي اغتيال الجعبري، وتعهد بأن يقدم جميع المعلومات المطلوبة لإنشاء صورة استخبارية دقيقة كاملة تفضي إلى اغتياله الناجح مع أقل عدد من المصابين، وفقاً لمعلومات جُمعت على مدى سنين ومعلومات تم الحصول عليها في الوقت الحقيقي".

وبحسب "يديعوت احرونوت"، فقد تحدث رئيس الأركان الجيش الإسرائيلي "طويلاً" مع رئيس "الشاباك" يورام كوهين، ومع قائد منطقة الجنوب تال روسو، ورئيس جهاز "أمان" اللواء أفيف كوخافي، من أجل الحصول على "أجوبة عن الأسئلة التي وجهت في الحال إلى قسم البحث في أمان"، ويتذكر مسؤول كبير، في كلامه للصحيفة، أن "رئيس هيئة الأركان أراد أن يعلم ما هي النار التي سيشعلها هذا الاغتيال؟، وهل سيقف الأمر عند العملية أم يفضي إلى احتلال قطاع غزة من جديد؟ وقد أجرى بعد ذلك محادثات تشاور في هذا الشأن أيضاً مع كل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع آنذاك ايهود باراك".

وتلفت الصحيفة إلى نقطة مهمة بأن "قرار تنفيذ الاغتيال بالفعل، كما تقرر، يتخذه رئيس هيئة الأركان فقط وهو يملك الصورة كاملة، أي استعداد القوات واستعداد بطاريات "القبة الحديدية"، واستعداد الجبهة الداخلية ومعطيات حالة الجو وغير ذلك"، وهذا ما ترجم على أرض الواقع، فقد اتخذ غانتس قراراً وقال، بحسب الصحيفة: "سننتظر الجعبري يومين. إلى ظهر يوم الأربعاء. فإذا لم نجده حتى ذلك الحين، فإن الأمر سيطول كثيراً. وفي هذه الحال سنبدأ العملية باغتيال اثنين أو ثلاثة من كبار المسؤولين برتب ميدانية"، وتكمل يديعوت احرونوت بأن "التوجيهات أعطيت إلى الرتب الميدانية فدخل "الشاباك" والوحدة 8200 وفريق الطيران الاستخباري الذي يفترض ان يساعد على الاغتيال أقصى استعداد".

ويشير الرائد ط إلى "وجود دلائل جزئية (سابقاً)، لكن أكثرها لم ينضج ليصبح إصابة دامغة مؤكدة، فتم الأمر على مراحل إلى أن أدركوا أن تلك سيارته، وإلى أن تحققوا من أنه موجود فيها يقيناً. وعرفنا كيف نصاحبه، لكن ليست كل مصاحبة كهذه تنضج لتصبح إصابة دامغة"، ويضيف الرائد ط: "ضيقنا الخناق. ووسعنا الغطاء حوله، وحول كل الحلقات المتصلة به. العائلة والمساعدين المقربين والمساعدين البعيدين وكبار المسؤولين في المنظمة ورجال الارتباط. نفحص كل شيء. لا يمكن أن نعلم في أي دائرة يوجد التفصيل الاستخباري الذي يجعله مستهدفاً. ويعيد الضابط الإسرائيلي التأكيد على أن الجعبري "حذر على نحو منقطع النظير. وقد اعتاد دائما ان يُبدل مساعديه ويُبدل السيارات ويُبدل البيوت. ولم يكد ينام مرة واحدة أكثر من ليلة واحدة في نفس المكان. لقد عرفناه إلى هذه الدرجة".

رصد سيارة الجعبري عبر طائرة من دون طيار إسرائيلية
رصد سيارة الجعبري عبر طائرة من دون طيار إسرائيلية

ويستذكر الرائد ي من سلاح الجو أن "متابعته للتشكيلة الجوية بعد توجيه الضربة، وكنت قد أصبحت أعلم من هو الهدف. تحركنا بين عدد من المراكز بحسب المعلومات الاستخبارية التي تم الحصول عليها من "الشاباك" والوحدة 8200. وبعد نحو ساعتين تم تلقي معلومة أن الجعبري موجود كما يبدو في مبنى ما ووصلنا إلى هناك ووقفنا فوق البيت".

في الفجر، استيقظ الرائد ط ويقول "أدركنا في اثناء الليل أن الخناق حول الجعبري بدأ يضيق. واستيقظت عالماً أن اليوم هو اليوم الموعود. وطوال اليوم تقاطعت جميع المعلومات، وبدأنا نحاصره. وندرك أين يوجد ولماذا، ومتى سيكون هناك ومع كم من الناس. وفي غضون ساعات قليلة كنا قد علمنا أين هو بيقين. وعلمنا الى أي مبنى سيدخل ويجب الآن فقط أن ننتظر كي يخطئ ويخرج".

لحظة إصابة سيارة الجعبري بصاروخ طائرة إسرائيلية
لحظة إصابة سيارة الجعبري بصاروخ طائرة إسرائيلية

وتنقل الصحيفة أجواء "ما يجري في مكتب هيئة الأركان حيث قام رئيسها من مكتبه في الطابق 14 في "هكريا" (مبنى وزارة الدفاع الاسرائيلية) في تل أبيب، وهو منشغل بالمصادقة على الخطط لاستمرار عملية عمود السحاب التي لم تبدأ بعد. وشغل رئيس مكتبه المقدم دولف لأجله شاشتين بُثت عليهما الصور التي أُرسلت من الطائرة الاستخبارية، وهكذا كان غانتس يستطيع أن يرى في الوقت المناسب البيت الذي يوجد فيه الجعبري بحسب المعلومات الاستخبارية".

وتبرز "يديعوت احرونوت" زاوية هام من حركة التضليل الرسمية، فقد "قام نتنياهو وباراك في جولة على الحدود الشمالية وفي منطقة هضبة الجولان كانت قد تقررت مسبقاً للوقوف من قريب على التطورات على الساحتين السورية واللبنانية. وتقرر عدم إلغاء الجولة لعدم لفت الإنظار ولم يتجه الشخصان الكبيران الى وزارة الدفاع في تل ابيب بل استمرا في جدول عملهما المعتاد". 

وينقل أحد كبار مسؤولي هيئة الأركان العامة بعضاً مما حدث: "علم قائد سلاح الجو بالطبع أننا متجهون الى اغتيال الجعبري وأعلن فوراً قائلاً: أنا عائد. فقال له رئيس هيئة الاركان: "إبق". لأنك إذا عدت فجأة فسيدركون أن شيئاً ما يحدث وسينشرون فوراً في وسائل الاعلام، لماذا قطع قائد سلاح الجو زيارته للولايات المتحدة؟". 

وتصل الصحيفة إلى لحظة العملية، فتسرد أنه "في حوالي الساعة 3 ظهرا كانت جميع الدلائل تُبين أننا بدأنا نصل الى الهدف. وانحصرت المعلومات في البيت الذي تحلق فوقه الطائرة الاستخبارية والسيارة التي يفترض ان يدخلها الجعبري، الحديث عن نافذة زمن تبلغ ثواني. وتمر الدقائق ولا ذكر للجعبري. وبدأت الاعصاب تتوتر أيضاً في مكتب رئيس الأركان. يصف ذلك أحد الحضور في المكتب انه كلما مر الوقت بدأ اشخاص كبار في هيئة الاركان العامة يحاولون التأثير في غانتس، "قولوا له، لا تنتظر. مُرْ باغتيال المسؤولين الكبيرين في الميدان.

لكن رئيس هيئة الاركان لم يخضع للضغوط بل حافظ على برود اعصاب وخفف من الاصوات الضاغطة. وأيد رئيس "الشاباك" يورام كوهين ورئيس "أمان" اللواء أفيف كوخافي موقفه. فقد اعتقدا انه يجب انتظار الجعبري أكثر. وكان رئيس هيئة الاركان "على الطرف" حقاً، فلو ان الجعبري بقي في ذلك البيت ساعة أو ساعتين لكفوا عنه.

تدمير سيارة الجعبري بعد الغارة الجوية الإسرائيلية
تدمير سيارة الجعبري بعد الغارة الجوية الإسرائيلية

قبل الساعة 4 ظهرا بخمس دقائق ظهر اشخاص على الشاشتين. كان الجعبري يخرج من المبنى ويدخل السيارة، وصادق "الشباك" والعاملون في 8200 على ذلك بقولهم، "هذا الجعبري. توجد اصابة دامغة، وأبلغ المقدم دولف رئيس هيئة الاركان والمسؤولين الكبار قربه في المكتب قائلاً: خرج، نطبق عليه، العميد نوركين لا يتردد فيأمر بالعملية قائلاً: نفذ.

ويُطلق الصاروخ وتصاب السيارة. هدوء متوتر والعيون جميعا مصوبة الى الشاشات ينتظرون معلومات استخبارية عن الارض. في غضون دقائق معدودة تم تلقي الجواب وهو ان احمد الجعبري رئيس اركان حماس قد صُفي".
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: