كل شيء يدور حول الذهب في إفريقيا |
ترجمة :عقيل الشيخ حسين |
بقلم بيبي إسكوبار عن موقع mecanoblog 14 شباط/ فبراير 2013 إن مخزونات الذهب في مالي والحملة الشعواء التي تقوم بها الصين من أجل شراء المعدن الأصفر بهدف إسقاط البترودولار هي، على الأرجح، ما دفع الولايات المتحدة إلى تسريع مشروعها "آفريكوم" (القوات الأميركية في إفريقيا)، ببناء قاعدة للطائرات بدون طيار في النيجر المجاور. إلا أن حروب الظل في إفريقيا ليست غير مشهد جانبي لجذب الأنظار، بينما الفعل الرئيسي يتجه نحو آسيا التي من أجلها ينوء البنتاغون تحت ثقل موازنته الضخمة. بدلاً من الاستشهاد بالعبارة الشهيرة "لنتكلم عن الطائر الأسود" التي نسمعها في فيلم "الصقر المالطي" الذي أخرجه داشييل هامت ولعب دور البطولة فيه جون هيوستن، لنتكلم بدلاً من ذلك عن طائر سحري من ذهب. طبعاً لأن الفيلم هو من أفلام الجريمة التي برع فيها داشييل هامت، ولأن الموضوع على صلة بالبنتاغون والصين وحروب الظل والمفاجآت والكثير من الذهب. لنبدأ بموقف بكين الرسمي: "ليس لدينا ما يكفي من الذهب". هذا ما يقود إلى الحملة الحالية المحمومة التي تقوم بها الصين لشراء الذهب والتي يمكن لأي كان أن يشاهدها من خلال البث المباشر ولحظة بلحظة خصوصاً في هونغ كونغ. وقد أصبحت الصين المنتج والمستورد الرئيسي للذهب في العالم. ![]() يشكل الذهب حوالي 70 % من احتياطي كل من الولايات المتحدة وألمانيا، والرقم هو ذاته تقريباً بالنسبة لكل من فرنسا وإيطاليا. أما روسيا، وهي أيضاً ناشطة في شراء الذهب، فإن احتياطيها يزيد قليلاً عن الـ 10 %. ولكن نسبة الذهب في الاحتياطي الهائل للصين والبالغ 2،3 تريليون دولار فتقتصر على 2% لا أكثر. هذا وتتابع بكين بانتباه البهلوانيات الحالية التي يقوم بها المصرف الفيدرالي الأميركي في نيويورك عندما يطالبه المصرف الألماني (البوندسبنك) باسترجاع الذهب الألماني الموجود في خزانته، فيرد بأن ذلك قد يتطلب سبع سنوات من الانتظار على الأقل. وقد تابع الصحافي المالي الألماني لارس شال هذه القصة من بدايتها، وقام وحده بالكشف عن الارتباط الرئيسي بين الذهب والعملة الورقية ومصادر الطاقة والهوة التي تواجه البترودلار. وفي كل مرة تقول فيها الصين بأنها تحتاج إلى الذهب، فإنها تبرر ذلك بأنه حاجز "ضد مخاطر الاحتياط بالعملة الأجنبية"، أي مخاطر التذبذب في أسعار الدولار الأميركي.، ولكن خصوصاً من أجل "إعطاء دفعة لعولمة اليوان". وذلك بمثابة إجراء مهذب لجعل اليوان منافساً بطريقة "شريفة" للدولار واليورو في السوق الدولية. وهنا تكمن نقطة المداورة الرئيسية. فما تريده بكين في الحقيقة هو التخلص من هيمنة الدولار. ولكي يتم ذلك، فإنها تحتاج إلى احتياطي كبير من الذهب. ولهذا السبب نجد أنفسنا أمام مراوحة بكين بين الدولار واليوان في محاولة للتأثير على مجالات واسعة من الاقتصاد العالمي. وهنا تكون القاعدة الذهبية هي "صقر بكين المالطي": "هذا هو الشكل الذي تأخذه الأحلام". السفر على طائرة بدون طيار قطر أيضاً تعمد إلى المراوحة ولكن بأسلوب الشرق الأوسط ـ شمال إفريقيا. فالدوحة تمول وهابيين وسلفيين، وحتى سلفيين جهاديين، كمتمردي الناتو في ليبيا وجماعات الجيش السوري الحر والجماعة الإسلامية التي سيطرت على شمال مالي. ولا شك بأن وزارة الخارجية الأميركية، وبعدها البنتاغون، قد أدركت ذلك وانعكس هذا الإدراك في الاتفاق الذي تم بين الدوحة وواشنطن حول توليد "ائتلاف" سوري جديد يكون مقبولاً أكثر. ولكن العلاقات الخطرة بين أمير قطر المعروف بولائه لباريس ووزارة الخارجية الفرنسية ما تزال قوية جداً، بعد كل ما كسبته من قوة خلال فترة حكم الملك ساركوزي، المعروف أيضاً بأنه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي. ![]() إن كل مراقب جيوسياسي واسع الاطلاع قد تابع التسريبات المتتالية من قبل عملاء سابقين لجهاز الاستخبارات الفرنسية والتي نشرتها الأسبوعية الساخرة الخبيثة إلى حد الروعة، "لو كانار أنشينيه"، حول تفاصيل نمط التصرف القطري. ذلك مؤكد تماماً. فسياسة قطر الخارجية يجب أن تقرأ على الأساس التالي: الاخوان المسلمون هنا وهناك وفي كل مكان (ولكن ليس في الإمارة النيوليبرالية)؛ إنه "صقر قطر المالطي". وفي الوقت نفسه فإن قطر، وهذا ما يثلج صدر النخب الفرنسية، هي ممارس شره للنيوليبرالية المتشددة ومستثمر كبير في الاقتصاد الفرنسي. وبذلك يكون بإمكان مصالحها أن تنسجم تماماً مع تقدم مواقع رأسمالية الكارثة التي نجحت في ليبيا، وبعدها في سوريا حيث لم تنجح حتى الآن. أما مالي فهي شيء آخر؛ إنها رد فعل سلبي معروف وفيها تفترق مصالح الدوحة وباريس (إذا لم نقل الشيء نفسه عن الدوحة وواشنطن)، على الأقل إذا ما لم يعترف أحد الطرفين بأن مالي كانت مبرراً مثالياً لاندفاعة جديدة لأفريكوم. وقد عبرت الصحافة الجزائرية عن سخطها ووجهت إصبع الاتهام (باللغة الفرنسية) إلى مشاريع قطر. ولكن المبرر ـ وهذا ما سبق وجرى التنبؤ به ـ نجح في أداء وظيفته بشكل كامل. آفريكوم ـ وهنا المفاجأة ـ هي إذاً شريك في العملية، لأن البنتاغون مستعد لإقامة قاعدة للطائرات بدون طيار في النيجر. تلك كانت النتيجة العملية لزيارة قام بها قبل أيام قائد "أفريكوم"، الجنرال كارتر هام، إلى نيامي عاصمة النيجر. لقد عفا الزمن على تلك الطائرات القديمة من طراز PC-12 التي كانت تتجسس على مالي وإفريقيا الغربية منذ سنوات. فالآن جاء وقت الطائرات من طراز "بريداتور". ذلك يعني أن القائد الذي يتهيأ لتسلم القيادة، جون برينان، يخطط لحرب سرية تشنها الاستخبارات المركزية الأميركية في كامل منطقة الصحراء والساحل. وبالإذن من مايك جاغير/ كايت ريتشارد، فقد أزف موعد البدء بترداد أغنية ناجحة جداً "أرى طائرة بدون طيار رمادية اللون/ أريدها باللون الأسود". لقد عملت "أفريكوم" على جعل النيجر أكثر حلاوة من قطعة حلوى بالكرز. في الشمال الغربي توجد جميع مناجم اليورانيوم التي تمون الصناعة النووية الفرنسية. والمنطقة نفسها قريبة جداً من مناجم الذهب في مالي. تخيلوا كل هذا الذهب في منطقة "غير مستقرة" تسقط في يد... الشركات الصينية. عندها يمتلك "صقر الصين المالطي" ما يكفي من الذهب لتوجيه الضربة القاضية للدولار المنهك. وفوق ذلك، حصل البنتاغون على إذن يسمح لفريق المراقبة التابع له بالتزود بالمؤن في جميع الأمكنة الممكنة في منطقة الأغاديز الحيوية. وعليه يكون الجيش الفرنسي قد لوث نفسه بالعملية القذرة في مالي، في حين أن " آفريكوم" هي من يستولي على الثمار في كامل منطقة الصحراء والساحل. هل سمعتم بقصة الطائر (الآسيوي)؟ كل هذا يقودنا إلى ذلك التحول الشهير نحو آسيا والذي قيل عنه بأنه الموضوع الجيوسياسي رقم واحد لإدارة أوباما 2. صفر. ربما يكون ذلك صحيحاً. ولو كان ذلك صحيحاً فعلاً، فإنه سيكون جنباً إلى جنب مع تحركات الطائرات بدون طيار التابعة لـ"آفريكوم" في كامل منطقة الصحراء والساحل. وجنباً إلى جنب مع إثارة حنق متزايد في بكين. أما الدوحة وواشنطن فتتناوبان على تقديم الدعم لـ "الإرهابيين" سابقاً والمتحولين الآن إلى "مناضلين من أجل الحرية"، والعكس بالعكس. ![]() كل هذا من دون أن نتطرق حتى إلى غياب حركة فاعلة عن هذا الرابط بين ضرورة محافظة إدارة أوباما 2. صفر، على علاقتها الوثيقة والمرعبة مع آل سعود المتبقين من القرون الوسطى وبين "الاستقرار في شبه الجزيرة العربية"، على ما يوصي به مشبوه عادي وصغير لكنه مؤثر هو "ضابط سابق في الاستخبارات" الأميركية. "العبها مجدداً يا سام". في ذلك المشهد ما فوق العادي من فيلم "الصقر المالطي" [...] هنالك همفري بوغار ( لنقل بأنه يلعب دور البنتاغون) وسيدني غرينستريت (لنقل بأنه يلعب دور بكين). وهنالك أيضاً الموظف، المتشدد، الذي يلعب الدور الثالث في الفيلم: التحول الأميركي نحو آسيا هو بشكل أساسي من صنع أندرو مارشال الذي يعتبر من أهم نجوم الأمن القومي الأميركي. كان مارشال وراء "الثورة في الشؤون العسكرية"، وكل المتعصبين لدونالد رامسفيلد يعلمون ذلك. ومن هذه الثورة ولدت استراتيجية "الصدمة والرعب" التي أخفقت ولم تنجح إلا في تدمير العراق بهدف جعله يكاد يكون غير قابل للإصلاح حتى في ظل تدخل رأسمالية الكارثة. والآن، هنالك المفهوم المسمى "حرب الجو والبحر"، على طريقة بعض ألعاب الفيديو. تنطلق "حرب الجو والبحر" من فكرة قيام بكين بشن هجوم على القوات الأميركية في المحيط الهادئ. فكرة مضحكة (حتى لو قام الجيش الأميركي نفسه بشن هذا الهجوم تحت أعلام صينية مزورة). عندها ترد الولايات المتحدة من خلال "حملة صاعقة" تشكل المعادل البحري لـ "الصدمة والرعب". وبالطبع، تعشق القوات الجوية والبحرية الأميركية هذه الفكرة لأن تنفيذها يستلزم نفقات كبيرة على الأعتدة التي سيتم نقلها إلى العديد من القواعد الأميركية في المحيط الهادئ وأعالي البحار. وبالنتيجة، وبما أن الثورة المضادة التي صممها دافيد بترايوس قد تحولت إلى حروب ظل تقوم بها الاستخبارات الأميركية بقيادة جون برينان، فإن المقصود هو أن يتم التحول نحو آسيا من خلال استراتيجية كاذبة حبكت خيوطها بهدف احتفاظ البنتاغون بموازنة ضخمة عبر افتعال حرب باردة مع الصين. لقد سمعنا مارشال وهو يقول بخصوص الصينيين: "لن يجمعوا أبداً ما يكفي من الذهب لفرض مخططاتهم الشريرة". (وهو يقول ذلك بلا جرأة كجرأة بوغار أو غرينستريت). وكل ذلك لا بد وأن يكون مرعباً لهاميت: فـ "صقر مارشال المالطي" هو ما تقوم عليه الأحلام بالحروب. |
Tags:
0 comments: