Monday, April 22, 2013


حدود متوترة

حدود متوترة
بقلم: عمير ربابورات
لم يمنع الطقس طرفي النزاع في الجانب السوري من الحدود من مواصلة عادتهما: من جهة قوات الجيش السوري المخلصة للرئيس الأسد، ومن الجهة الثانية جماعات المتمردين ـ واد عميق لنهر الرقاد يفصل بينهما. دبابة سورية أطلقت قذيفة عبر الوادي نحو موقع للمتمردين. دخان خفيف خرج من موقع الإصابة. لم يلحظ من الجانب الإسرائيلي أي ضرر جدي.

وبوسع القتال في منطقة جملا أن يستمر هكذا لشهور وسنوات دون أن يترك أي اهتمام في إسرائيل، لولا أقوال استثنائية أطلقها رئيس الأركان الجنرال بني غانتس، في مقابلات مع كل وسائل الإعلام هذا الأسبوع، عشية يوم الاستقلال. فقد توقع غانتس أنه «بعد انتهاء الحرب الأهلية في سوريا، سوف تتوجه بعض قوى المعارضة ضدنا. وسنغدو هدفا أسمى لهم». فماذا يقصد غانتس؟ جهات عسكرية تشير إلى أنه تعمل في سوريا لا أقل من 90 مجموعة متمردين. وعشر مجموعات من بين هذه المجموعات السرية تملك «تمثيلا»، أي قوات عاملة، في منطقة هضبة الجولان، غير بعيد عن الحدود مع إسرائيل. ومعظمهم لا يعتبرون تهديدا لإسرائيل حتى في مرحلة ما بعد الأسد (بافتراض أن ذلك سيقع في نهاية المطاف)، ولكن ثمة مجموعة واحدة تعتبر بالغة الخطورة، وهي تزداد ترسخا في المنطقة بين جملا ودرعا. والحديث يدور عن منطقة بين نهري الرقاد واليرموك، تشكل حدودا طبيعية مع الأردن. والمنطقة بأسرها تلامس (أو على مرمى هاون) من مستوطنات جنوب الجولان الإسرائيلية.
والمجموعة التي قصدها رئيس الأركان تدعى «النصرة». وعلى الدوام يلبس هؤلاء زيا أسود ويطلقون ذقونهم ويحلقون شواربهم. وتنتمي المجموعة إلى ما يعرف بـ«الجهاد العالمي»، ولمزيد من الدقة يمكن الإشارة إلى أنهم يعتبرون أنفسهم شركاء أيديولوجيين للقاعدة. ومعظم أعضاء النصرة ليسوا سوريين، غالبا رجال جهاد تجمعوا في سوريا من الشيشان إلى أفغانستان. ومن ناحيتهم، إسقاط نظام بشار الأسد مجرد مرحلة أولى في الصراع الأهم ضد الكفار الصهاينة.
وحسب تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية، هناك في سوريا اليوم بضع مئات من أعضاء النصرة، قسم منهم يتواجد في هضبة الجولان. والأغلبية تتمركز في منطقة حلب شمال سوريا. وقد نجحت المجموعة في السيطرة على جيب جنوب هضبة الجولان، مستغلة تفكك الجيش السوري تدريجيا في المنطقة. في الماضي كانت تنتشر قوات تعتبر جزءا من حزام الحماية السورية في مواجهة إسرائيل على طول القاطع. وقد تفكك هذا الحزام منذ زمن. وسيطر شمال الهضبة مقاتلون من عدة مجموعات متمردة القاسم المشترك بينها علماني وليبرالي.
وفي مركز الهضبة أفلح جيش الأسد في الصمود. وهو يسيطر أساسا على منطقة مدينة القنيطرة، في قلب الهضبة، بحيث إن سقطت القنيطرة بأيدي المتمردين تغدو الطريق مفتوحة إلى دمشق. لا جيش يقف بعدها في طريق العاصمة.
وعن خطر الجيب الجهادي العالمي في جنوب هضبة الجولان يمكن أن نعرف مما جرى في الجنوب يوم الأربعاء: فصيل آخر من الجهاد العالمي، يتركز في سيناء، أطلق صواريخ «غراد» نحو إيلات. وكقاعدة سيناء تستبق ما سيجري في هضبة الجولان بعدة شهور. وسيرورة التدهور الأمني الجارية هناك، عبر فقدان سيطرة الحكم المركزي، تجري أيضا في هضبة الجولان وسوريا بأسرها. ولا شك في الجيش الإسرائيلي أنه في لحظة إنهاء رجال النصرة معاركهم مع الجيش السوري، سيوجهون سلاحهم ضد إسرائيل، ولا ينقصهم لا السلاح ولا المال. إذ تصلهم شحنات مرتبة من حسابات بنكية للحركة العالمية. وأحيانا تصل الأموال نقدا، مباشرة من العراق، حيث لا عوائق برية حقيقية بين جنوب سوريا والعراق، والأخيرة غدت مؤخرا تابعا لإيران يوم انسحبت القوات الأميركية من هناك.

حدود جديدة
في الجنوب، مقابل مصر، بدأت إسرائيل في بناء سياج حدودي متطور فقط بعد عملية قاسية وقعت في آب 2011. وبالمقابل فإن السياج في هضبة الجولان يستبق الأحداث القاسية. وقدرت قيادة الجبهة الشمالية قبل عامين أن الحرب الأهلية في سوريا سوف تدهور الوضع الأمني في هضبة الجولان، الحدود التي اعتبرت الأهدأ منذ العام 1974. في البداية كان الخوف الأساسي من سقوط نظام الأسد في غضون أسابيع معدودة، أو خلال بضعة شهور، وأن يترافق سقوطه مع إطلاق صواريخ نحو إسرائيل بشكل شمشوني. كذلك نشأ خوف من تسرب لاجئين سوريين إلى إسرائيل. في هذه الأثناء تبين أن نظام الأسد صمد أكثر مما توقعوا له. وأن اللاجئين يهربون من سوريا ولكن إلى تركيا والأردن ولبنان وليس إلى إسرائيل.

وفي مداولات قيادية قال رئيس أركان الجبهة الشمالية، العميد بني مار، أن السباق في هضبة الجولان يدور بين الوضع الأمني، الذي يتدهور من اسبوع لآخر، وبين وتيرة بناء العائق الجديد، التي تعتبر مذهلة. ففي العام 2011 أوجدت القيادة قناة كبيرة على طول الحدود في القطاع الأوسط للهضبة، فيما بدأ في الخريف الأخير بناء سياج جديد بطول 60 كيلومترا في الجولان. وفي إطار المشروع، البالغ تكلفته ربع مليار شيكل، والمتوقع إتمامه في آب القريب، ونُشِرَت بموجبه أعدادٌ لا متناهية من وسائل المراقبة، الرادارات والكاميرات على طول الحدود. وأنشئت غرفة حرب تستند إلى منظومة تكنولوجية حديثة تسمى «مارس» (الأحرف الأولى من «منظومة متعددة المجسات» بالعبرية)، بواسطتها تستقبل مجندات الإنذار عن كل تحرك في الجانب السوري. والاستثمار مستمر، أيضا في القوى البشرية: في هذه الأيام تقام كتيبة رصد إضافية.
والجيش الإسرائيلي، الذي نشر في الماضي قوات احتياط متثائبة، يرسل اليوم للميدان أفضل محاربيه. ولهذا مثلا يتواجد في جنوب الهضبة أيضا مقاتلو كتيبة الاستطلاع في جولاني.

سوريا كعينة
لسوء حظه، يدفع الشعب السوري ثمن عدة سيرورات عالمية وعدم وجود موارد طبيعية مثل النفط في بلاده، ولم تؤثر الحرب في سوريا على أسعار النفط العالمية، ولذلك فإن الغرب لم يندفع لوقفها منذ زمن. ولكن سوريا فعلا لا تعني العالم. لقد استحالت إلى ملعب عالمي. الولايات المتحدة غير معنية بالتدخل في ما يجري هناك. الجيش الأميركي فقط خرج من العراق، وسيخرج من أفغانستان، ولا إمكانية لأن يأمر باراك أوباما بإرسال قوات فقط من أجل وقف المجزرة في سوريا، حتى لو زاد عدد الضحايا أسبوعيا عن ألف قتيل أغلبهم مدنيون.

وهذه ليست الصورة الكاملة. ففيما تغرق الولايات المتحدة في مشاكلها الداخلية، وتعمل روسيا والصين لزعزعة هيمنتها العالمية، التي كانت مطلقة قبل عامين - ثلاثة أعوام. وعبر دعمها للنظام السوري تعاند روسيا الولايات المتحدة، وتثبت أنها ليست تابعا للسياسة الأميركية وأنها تحمي مصالحها الإقليمية، كميناء اللاذقية، المنفذ الروسي الوحيد على البحر الأبيض حاليا.
ورغم مجزرة بشار الأسد بأبناء شعبه، تواصل روسيا تزويده بالسلاح وفق صفقات سابقة. وهذا بعض ما وصل سوريا: صواريخ متطورة بقطر 302 ملم، صواريخ أرض - جو وصواريخ أرض بحر «ياخونت» القادرة على ضرب أي هدف بدقة أمتار حتى على بعد 300 كيلومتر.
وتصر روسيا على أن يدفع الأسد الأثمان بالدولار، رغم وضعه، ولكن إيران هي داعمه الاقتصادي رغم مصاعب الاقتصاد الإيراني. والروس يزودون الجيش السوري بالتوجيه وكيف يدير حرب عصابات، لكن أساس الدعم العسكري يناله الأسد من إيران وحزب الله. بل ان قوات حزب الله تقاتل جنبا إلى جنب مع جنود الأسد.

عواقب إقليمية
للحرب الإقليمية الدائرة في سوريا عواقب إقليمية لا حصر لها. فالأردن (أكثر من مليون لاجئ) ولبنان (نصف مليون لاجئ) يجثوان تحت عبء الوضع السوري المزعزع لاستقرارهما. وانزلقت الحرب الأهلية السورية إلى معارك في لبنان بين أنصار ومعارضي الأسد. وقرب طرابلس يتعاظم التوتر خصوصا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية التي ستجري في حزيران في لبنان.

وخشية الجيش الإسرائيلي الكبرى هي تحويل جنوب هضبة الجولان إلى منطقة تحت السيطرة التامة للجهاد العالمي ـ منطقة جذب للجهاديين الذين سيصلون من كل أرجاء العالم. ووضعت الاستخبارات الإسرائيلية ضمن أولوية عالية محاولة فهم ما يدور في خلد أصحاب الذقون ذوي البزات السوداء. والأمر غير سهل.
وأشد القلقين من الوضع في جنوب الهضبة هم الأردنيون، الذين يخشون من الجهاديين لا أقل منا. وفي هذا الشأن أميركا أيضا في الصورة وتساعد المملكة في إغلاق الحدود واستيعاب اللاجئين.
عموما في القتال بين الجيش السوري وجماعات المتمردين تطلق طلقات تائهة نحو الجيش الإسرائيلي. ولتقليص عدد الأخطاء جرى تلوين مركبات الجيش بشكل لا يحتمل الخطأ.
كيف ستنتهي الأمور؟ وفق سيناريو، يمكن للقتال أن يتوقف فجأة، إذا حدث اغتيال مفاجئ لبشار الأسد. وفق سيناريو آخر، القتال يمكن أن يستمر لسنوات. المؤكد هو أن الوضع على طول الحدود سيستمر في التدهور. هكذا بدت الأمور أمس من هضبة الجولان.
المصدر:
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: