Wednesday, April 17, 2013

سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا
دينيس روس
متاح أيضاً في English

لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي
11 نيسان/أبريل 2013

"في 11 نيسان/أبريل 2013 أدلى المستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دينيس روس بشهادة أمام الكونغرس حول سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا وفيما يلي نص كلمته:"
لا يمكن أبداً أن تساورنا الشكوك في أن الصراع الدائر في سوريا يضعنا أمام تحديات خطيرة. فالكارثة الإنسانية هناك تسوء أكثر فأكثر حيث قد يكون الآن ما يقرب من ربع الشعب السوري من النازحين -- إن كان ذلك داخل البلاد أم خارجها، كما وصل عدد القتلى إلى ما يقرب من80,000 شخص وهو مستمر في الصعود لا محالة. غير أن ضمائرنا لم تكن هي الوحيدة التي تأثرت بهذه الحرب الضروس. وقد كان لذلك أثر على مصالحنا ايضاً لأنه ليس من المرجح أن يبقى الصراع محصوراً في سوريا. ففي الحقيقة كلما تخطو سوريا نحو الهاوية وتنهار الدولة بصورة أكثر ويزداد عدد اللاجئين الفارين إلى الدول المجاورة -- كلما بزغ تهديد جديد بحصول المزيد من عدم الاستقرار للدول المجاورة لسوريا.
وحتى ولو افترضنا أن تنظيم «القاعدة» لن يرسخ نفسه في الدولة السورية الناشئة التي ربما تكون فاشلة، فإن تدفق اللاجئين يمثل بالفعل مصدر خطر متزايد على الأردن ولبنان والعراق. ولا يمكن لأي من هذه الدول استيعاب الأعداد الكبيرة من هؤلاء اللاجئين بسهولة -- وفي حالة لبنان والعراق، فإن الخلافات الطائفية قد تعيد إشعال الصراعات الأهلية التي كنا نأمل أنها أصبحت شئ من الماضي. وفي هذا الصدد قد تواجه تركيا مشكلة أقل حدة ويمكن أيضاً أن تكون أكثر قدرة على إدارة التدفق المتزايد للاجئين، ولكنها أيضاً تواجه صعوبات متزايدة في استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين وإدارة المخيمات. وقد حدثت بالفعل حالات شغب وعصيان في المخيمات وعلينا ألا نرى تلك الأعمال على أنها حوادث عرضية لن تتكرر.
غير أن تدفق اللاجئين ليس فقط هو ما يعرض الدول الجوار لسوريا والمنطقة للخطر. فتفكك الدولة السورية في مرحلة ما، يعني أنه ستغيب عنها السيطرة المركزية على الأسلحة الكيماوية هناك. وإذا لم يقابل ذلك تحرك يستبق الأحداث في هذا الشأن من أجل إعادة إحكام السيطرة على هذه الأسلحة، فلن يكون الخطر محدقاً فقط بالدول المجاورة لسوريا.
والحقيقة هي أن الصراع السوري يقف متحدياً للقيم والمصالح التي نؤمن بها. فعادة ما نرى في عقيدتنا المتعلقة بالسياسة الخارجية مدرستين فكريتين: المدرسة المثالية والمدرسة الواقعية. إن المساعي والاهتمامات الأخلاقية والإنسانية هي التي تحرك أنصار المدرسة المثالية. فهم يرون أن هناك مصالح للولايات المتحدة أينما كانت قيمها مهددة. كما أنهم يسوغون للتدخل الأمريكي بما يشمل استخدام القوة إذا كان هناك داعٍ أخلاقي قوي؛ ويرى أنصار المدرسة المثالية أن رواندا كانت تمثل شرخاً عميقاً في ضمائرنا لا يمكن إصلاحه. وقد يحتج المثاليون بأنه كان علينا أن نتدخل عسكرياً للحيلولة دون وقوع إبادة جماعية. وفي اعتقادهم أننا قد تأخرنا في تدخلنا في البلقان وكان لنا الحق في التدخل في ليبيا.
ومن ناحية أخرى يرى الواقعيون أنه لا ينبغي علينا التدخل إلا إذا كانت لنا مصالح حقيقية وحيوية مهددة بالفعل. فهم يرون التدخل للأغراض الإنسانية أمراً مكلفاً جداً يمثل صحوة نفسية ستنعكس علينا بالسلب لاحقاً لا محالة -- الأمر الذي يؤدي بنا فيما بعد إلى عدم القدرة على التدخل عندما تكون مصالحنا مهددة بالفعل. ويرى أنصار المدرسة الواقعية أنه لا ينبغي علينا التدخل إلا عندما نكون مهددين بصورة مباشرة، أو عندما يتعرض حليفاً استراتيجياً أو التدفق الأكبر للبترول إلى التهديد، أو عندما تكون مصداقيتنا الأوسع معرضة للتهديد. وقد نجحت حرب الخليج الأولى في هذا الاختبار غير أن حرب العراق وليبيا لم تكن على هذا النحو.
ونادراً ما يجد أنصار المدرستين المثالية والواقعية أرضية مشتركة ويتفقون على نفس التهديدات. ومن المفارقات، أن الأحداث في سوريا هي التي ينبغي أن تقرب بين المثاليين والواقعيين وعليهم الاتفاق حولها. فهناك وازع أخلاقي يحث على البحث عن وسيلة يمكن من خلالها التأثير على ما يحدث على أرض الواقع، ولكن هناك أيضاً ضرورة ملحة تتعلق بالأمن القومي -- على الأقل لاحتواء الصراع في سوريا وضمان عدم اختفاء أسلحة الدمار الشامل ومنع زعزعة استقرار المنطقة.
ويبدو الأمر جلياً واضحاً إذا ما نُظر إليه من هذه الزاوية. وتكمن المشكلة، بالطبع، في أننا نمر الآن في مرحلة تأتي بعد مرور أكثر من عقد كامل من الحروب -- وبعد إراقة الكثير من الدماء وتبذير الكثير من الأموال -- وأن سوريا تعمها الفوضى بكل ما تحمل الكلمة من معنى. ولم تكن المعارضة متماسكة أبداً من قبل. وفي الواقع يبدو أن الإسلاميين يمتلكون الآن اليد الطولى داخل المعارضة. وتخشى الأقليات غير السنية من النظام الذي قد يأتي بعد الأسد، الذي عمل من جانبه على تأجيج الصراع الطائفي في محاولة للحفاظ على نظامه.
إن طبيعة هذا الصراع الذي يتساوي فيه النصر والهزيمة بالإضافة إلى قيام نظام الأسد بقتل وتشريد الكثير والكثير من مواطنيه يجعل من الصعب خلق عملية سياسية تجمع بين عناصر من المعارضة وأفراد من النظام ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء بعد. كما أن الحماية الروسية المستمرة لنظام الأسد تمنع أيضاً احتمال اتخاذ الرئيس السوري خيار التنحي قبل نجاح المعارضة في الإطاحة به. وطالما يستمر في السلطة، فمن المستبعد جداً أن تكون هناك عملية سياسية.
إن الواقع المتمثل في وجهة نظر كل من أنصار المدرسة المثالية والواقعية على أننا نقف أمام خطر حقيقي ونحتاج إلى التأثير على مجرى الأحداث على أرض الواقع لا تجعل من السهل التعامل مع تلك المعضلات. وبعد بيان ما سبق، فمن الصعب أن نرى كيف لدينا خيار. لقد قال الرئيس أوباما أن استخدام الأسلحة الكيميائية -- أو فقدان السيطرة على الأسلحة الكيميائية -- سيكون تغيير للعبة في سوريا. وبالنظر إلى خط سير الصراع، فمن الصعب علينا عدم توقع حدوث -- عاجلاً أم عاجلاً -- ما قد يغير من مجريات تلك الأمور.
فما الذي يمكن وينبغي علينا فعله الآن إذاً؟ يتعيّن علينا التركيز على المجالات الثلاثة التالية. أولاً، على ما يمكن القيام به من أجل تغيير ميزان القوى ليس فقط بين المعارضة والنظام، ولكن الأهم من ذلك، داخل المعارضة نفسها. ثانياً، نحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لحماية الشعب السوري. وثالثاً، نحتاج إلى التركيز على احتواء الصراع بحيث لا ينتشر إلى خارج سوريا ويزعزع استقرار المنطقة.
وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، إذا تحدثتَ مع أحد أعضاء المعارضة العلمانيين -- كما فعلتُ -- فسيخبرك بأنه عندما يتعلق الأمر بالمال والسلاح فإنهم لا يحصلون على ما يحصل عليه الإسلاميون. وقد يدافع البعض عن هذا الأمر ويقول بأن الإسلاميين -- مثل "جبهة النصرة" -- قد أثبتوا أنفسهم في ميدان القتال أكثر من أي قوة علمانية أخرىذ. ربما كان هذا صحيحاً، ولكن كانت لديهم أيضاً الوسائل للقيام بذلك. وقد تكون التقارير التي تفيد بأن السعوديين ينتقون من يمدونهم بالسلاح حالياً تنطوي على قدر من الصحة. وبالمثل، يبدو أن ميل البريطانيين والفرنسيين إلى عمل المزيد هو أمر جيد، غير أن حقيقة الأمر هو أننا إذا أردنا أن يكون لنا تأثير في مجريات الأمور فعلينا أن نقدم المساعدات القتالية فضلاً عن تلك غير المهلكة. أضف إلى ذلك أنه من المهم بالنسبة لنا أن نسعى جاهدين من أجل التنسيق والعمل مع الآخرين لتحسين عملية الحوكمة في المناطق التي سيطرت عليها مجموعات المعارضة. ولكن إذا أردنا التأثير على المشهد الداخلي ونتائجه، يجب أن تكون الأسلحة جزءاً من المعادلة. كما أنه ليس هناك ثمة سبب يؤدي بنا إلى عدم القدرة على التعرف على أولئك الذين نحن على استعداد لتقديم الدعم إليهم واختبار الالتزامات التي يقدموها لنا، وكذلك قدرتهم على السيطرة وتحمل مسؤولية الأسلحة التي نوفرها لهم. فجودة وكمية الأسلحة التي نوفرها يمكن استغلالها في الحقيقة بحيث تنعكس على أدائهم ووفائهم لالتزاماتهم. فحقيقة الأمر بكل بساطة هي أننا واهمون إذا اعتقدنا أننا سنستطيع التأثير على الحقائق على الأرض دون تقديم مساعدات قتالية.
ثانياً، علينا تقديم المزيد من أجل الوفاء باحتياجات الشعب السوري. والأمر له بعدان: حماية من جهة وتلبية احتياجاتهم الإنسانية من جهة أخرى. وبينما أرى شخصياً وأفضل فرض حظر جوي مع عدم اعتقادي أن ذلك قد يؤدي إلى المخاطر التي يرددها البعض، إلا إنني قد أفرض على الأقل منطقة حظر جوي بشكل جزئي.فلدينا الآن -- نحن وحلفاؤنا في منظمة حلف شمال الأطلسي -- بطاريات "باتريوت" على الحدود التركية- السورية وأعتقد إن علينا أن نعلن أنه إذا حلقت أي طائرة حربية سورية في مجال 50 ميلاً من الحدود ستعتبر بأن لديها نوايا عدوانية، وسيتم إسقاطها. هل سيتحدى الأسد ذلك الأمر؟ قد يفعل ذلك مع تحمل مخاطر كبيرة في الوقت الذي يضع فيه تآكل قدراته الجوية عاملاً في حساباته.
قد توفر منطقة الحظر بمجالها البالغ 50 ميلاً الوقاية من الهجمات الجوية في حلب -- فضلاً عن إضفائها مزيداً من الحماية الحقيقية على المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة. ويمكن أن يكون لها فائدة إضافية تتمثل بعمل شيء مفيد لحماية المدنيين السوريين وأخيراً ستعني أننا غير مستعدين للوقوف مكتوفي الأيدي دون عمل شئ في ضوء الاستخدام العشوائي للقوة ضد هؤلاء المدنيين.
وبقدر ما توجد أهمية لتوفير الحماية، من الواضح أيضاً أنه يجب بذل المزيد من الجهود لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية لأبناء الشعب السوري الذين نزحوا بسبب هذا الصراع. ولم تبدأ الأمم المتحدة إلا مؤخراً في تقديم المساعدات التي لا تمر عبر النظام السوري -- الذي يمنع بالضرورة هذه المساعدات عن تلك المناطق الواقعة خارج سيطرته. واليوم، يسيطر النظام على أقل من 40 في المائة من مساحة البلاد. وتستحق الإدارة الأمريكية الثناء، لعملها من خلال المنظمات غير الحكومية خارج سيطرة النظام، ولكن ينبغي علينا العثور على طرق للعمل من جانب واحد، ومن خلال شركائنا الدوليين أيضاً للتوسيع بشكل ملحوظ من المساعدات التي تصل إلى الشعب السوري. فالحقيقة المرة هي أن معظم النازحين السوريين داخل البلاد لا يتلقون ما يقترب حتى من سد احتياجاتهم، الأمر الذي يوحي مرة أخرى على ما يبدو أنه عدم مبالاة المجتمع الدولي للحرب التي يتم شنها ضد سكان سوريا المدنيين.
والمتطلب الثالث من سياستنا الآن هو التحوط من تفكك سوريا. وأقول دائماً إن قوانين لاس فيغاس لا تسري على سوريا؛ ما يحدث في سوريا لن يقتصر على هناك. ما نحتاجه هو استراتيجية احتواء دون ترك البلاد تسير نحو هاوية الانقسام الحتمية. فمعظم المعارضة تتركز في مناطق معينة. نحتاج إلى التفكير في الكيفية الي يمكن بموجبها بناء مناطق فاصلة على الأقل في جنوب سوريا وعلى طول جزء من الحدود السورية/العراقية وفي شمال البلاد. إن التركيز على الحوكمة المحلية -- كجزء من تخطيط متماسك مع البريطانيين والفرنسيين والسعوديين والإماراتيين والأردنيين والأتراك وغيرهم -- قد يكون السبيل للتحوط مما هو غير معروف حدوثه في المستقبل وبناء طوق النجاة الذي يلتف حوله أولئك الذين يشعرون بالخطر في سوريا لكي يبقوا في مكان واحد ويحددوا مستقبلهم. أنا لا أقول بأن وضع استراتيجية احتواء قد يكون أمراً سهلاً، ولكن القيام بذلك الأمر بالنسبة إلينا لهو من الأهمية بمكان وهو الأمر بالنسبة للعديد من حلفائنا، لا سيما أولئك في منطقة الخليج، الذين لديهم مصلحة أيضاً في القيام بذلك. ويفهم السعوديون والإماراتيون بالتأكيد بأن هذه قد تكون منطقة فاصلة ضرورية لضمان حمايتهم مع تطور الأحداث.
فمع كل الصعوبات والمجاهيل القائمة حالياً في سوريا، لا يتضح لنا إلا شيئاً واحداً: إن كانت تكلفة التحرك باهظة بالفعل، فإن تكلفة التقاعس في هذه المرحلة تتزايد يوماً بعد يوم. قد نشهد بالفعل في الوقت القريب ما أعلن عنه الرئيس أوباما من قبل بأنه حدث قد يغير من مجريات الأمور. إن تقديم أنفسنا على أننا نحاول تشكيل المشهد بدون التحرك من أجل إحداث التغيير فيه يبدو موافقاً لوجهة النظر المرتبطة بمصالحنا. كما أن ذلك أيضاً يبدو موافقاً لوجهة النظر المرتبطة بقيمنا -- وخير البر عاجله.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: