هذا ما قصفته إسرائيل بالتحديد... وهذا هو الردّ المتاح!
الثلاثاء 07 أيار 2013، ناجي س. البستاني - مقالات النشرة
منذ تنفيذ الضربة الإسرائيلية العسكرية على أهداف في سوريا، تضاربت الأنباء والتحاليل بشأن طبيعة المواقع التي إستهدفت، وكيفيّة التنفيذ، والغاية منها، وإحتمالات الردّ، إلخ. وفي حين أنّ من الصعب جداً تحليل هذه الضربة بصيغة الجزم، أقلّه حتى اليوم، إلا أنّه من الممكن البناء على معطيات حسّية تٌسقط الكثير من التقارير الإعلامية المغلوطة والتحاليل غير الصائبة.
أولاً: بشأن الأهداف التي ضُربت، ليس صحيحاً أنها إستهدفت موكب أسلحة متحرّك، لأنّ الغارة لم تأت وليدة ساعتها، بل بناء على تخطيط دقيق مسبق. فالقوات الإسرائيلية أجرت قبيل أيّام على الغارات على سوريا، مناورات عسكريّة في المنطقة الشمالية المتاخمة للحدود مع كل من لبنان وسوريا إستمرّت ثلاثة أيّام، تضمّنت إستدعاء جزئياً مفاجئاً لوحدات من الإحتياط. كما شهدت الساعات والأيام القليلة التي سبقت القصف الصاروخي، تحليقاً كثيفاً ومتواصلاً للطيران الإسرائيلي فوق الأجواء اللبنانية. وكان الأمر عبارة عن إستعدادات ميدانية لتوجيه الضربة ضد سوريا، والتي أعدّت وفق خطّة واضحة، شملت تحليق الطيران الإسرائيلي من الجنوب في إتجاه العمق الوسطي اللبناني، قبل التوجّه يميناً فوق البقاع في إتجاه العاصمة السورية، عبر ما يُعرف جغرافياً بإسم "الخاصرة الرخوة" لسوريا. ومن الضروري هنا الإشارة إلى أنّ إسرائيل، وبحسب المعلومات المتوافرة، لم تستخدم صواريخ عادية (Missiles) في غاراتها، بل قنابل (Bombs) قادرة على خرق التحصينات الترابية (حتى عمق 30 متراً) والترسانات الإسمنتيّة (حتى عمق 6 أمتار)، وهي معروفة بإسم GBU-28 (1) التي إستخدمت من قبل الجيش الأميركي خلال عمليّة "عاصفة الصحراء" في العراق سنة 1991.
ثانياً: بغض النظر أكانت المواقع المُستهدفة تابعة للفرقة الرابعة المدرّعة بقيادة العقيد الركن ماهر الأسد أو للفرقة 14 للدفاع الجوي في الجيش السوري، أو لكل من اللواءين 104 و105 التابعين للحرس الجمهوري، أو لغيرهما، فالأكيد أنّ الضربات إستهدفت مخازن ذخيرة. والدليل أنّ المشاهد المصورّة المُسرّبة عن الحادث، أظهرت إستمرار توهّج المواقع المستهدفة بلهيب ناري متقطّع شبيه بالمفرقعات لفترة طويلة من الوقت، مترافقاً مع تطاير شهب نارية صاروخيّة في غير إتجاه. ونُقِلَ عن شهود عيان في دمشق، رؤيتهم الإنفجارات المتتالية وسماعهم دويّها، وذلك لنحو ثلاث إلى أربع ساعات بعد الغارات، ما يؤكّد أنّ المستهدف هو مخازن ذخيرة، وليس مجرّد مخازن للرصاص أو للقنابل الصغيرة، بل صواريخ من الحجم الكبير، حيث بلغ علوّ شهب النيران الناجمة من هذه الإنفجارات، إرتفاعات شاهقة على الرغم من أنّ التصوير كان يتم من مسافات بعيدة جداً.
ثالثاً: بالنسبة إلى الهدف المنشود من الغارات، ليس صحيحاً أنّه يصب في خانة إيجاد توازن بين الجيش السوري ومعارضيه المسلّحين. فالمعروف أنّ عدم التكافؤ العسكري بين هذين الطرفين يعود إلى دور سلاح الجوّ السوري الحاسم في المعارك. وبالتالي، لو تمّ إستهداف الطائرات والمطارات العسكرية، لكان من الممكن عندها الحديث عن محاولة إسرائيلية لقلب موازين القوى في سوريا. وليس صحيحاً أيضاً أنّ الضربات إستهدفت مرابض مدفعيّة، وكأنّ بضع مدافع هنا وبضع مدافع هناك، تقلب مجريات حرب ضروس مضى على إندلاعها عامان، ولا يزال أفقها مسدوداً حتى الساعة! وبالتالي، الهدف الفعلي للعمليّة هو بكل بساطة ضرب الصواريخ الباليستية التي نقلها الجيش السوري من مواقع مختلفة في سوريا في الأشهر القليلة الماضية، إلى مخازن محصّنة قرب العاصمة دمشق، تُشرف عليها نخبة الوحدات العسكرية السورية. وترمي إسرائيل من ضرب هذه الصواريخ (أكانت من طراز "الفاتح 110" الإيرانية أو من طرازات "سكود" المنوّعة، أو غيرها)، التخلّص من إحتمال وصولها إلى يد الجهات غير المنضبطة أو حتى الإرهابية من المعارضة السورية في المستقبل، وكذلك إستباق إحتمال نقلها إلى خارج سوريا، وتحديداً إلى "حزب الله". وما يعزّز فرضيّة حصر الهدف الإسرائيلي بإضعاف قدرة أي طرف (أكان الجيش السوري نفسه حالياً، أو المعارضة السورية في المستقبل، أو "حزب الله") على توجيه أيّ ضربات مؤذية لإسرائيل، هو إستهداف الغارات الأخيرة، وإضافة إلى مخازن الصواريخ في جبل قاسيون، خزّانات للوقود السائل، قرب مركز البحوث العلمية في جمرايا. وهذه الخزّانات تضمّ مادتي الكيروسين وحمض النيتريك، وكلاهما من المواد السائلة التي تُستخدم لدفع الصواريخ الباليستية المتوسّطة والبعيدة المدى، وضربها يعني حكماً شلّ هذه الصواريخ في مهدها.
رابعاً: بالنسبة إلى عدم الردّ الفوري، والكلام عن "الإحتفاظ بحقّ الرد للوقت والمكان المناسبين" والذي صار محط تهكّم من قبل القوى المناهضة لسوريا ولحلفائها، نتيجة تكرار الضربات الإسرائيلية التي لم يتم الرد عليها (2)، فإنّ المسألة أبعد من مجرّد عرض عضلات أو رفع معنويات. فسلاح الطيران السوري غير قادر على المواجهة المتكافئة، وبالتالي، الرد المتاح هو القصف الصاروخي البعيد المدى. لكن أيّ ردّ من هذا القبيل، أكان إنطلاقاً من الأراضي السورية أو اللبنانية ضد أهداف إسرائيليّة، يعني حكماً إندلاع مواجهة شاملة متعدّدة الأطراف في المنطقة. من هنا، تتمّ دراسة الموضوع بدقّة، من قبل القوى المعنيّة كافة، قبل إتخاذ أيّ قرار متسرّع بفتح معركة شاملة من دون إستعدادات كافية ومن دون توفّر ظروف مؤاتية. ويبدو أنّه من بين ردّات الفعل السورية المتاحة، ترك الأمور التي كانت مضبوطة سابقاً على جبهة الجولان، تنفلت أمنياً، في محاولة لإلحاق الأذى ولو الجزئي بإسرائيل، ولكن من دون إستجلاب أيّ ضربات إسرائيلية جديدة. فهل ستنجح سوريا في ذلك، أمّ أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي غادر إلى الصين غداة الغارات على سوريا، في خطوة تؤكّد إستخفافه بأيّ ردّ جدّي محتمل، سيكون له حسابات أخرى؟!
(1) وزن هذه القنبلة يبلغ نحو 2100 كلغ. وعبوتها التفجيرية ليست كبيرة نسبياً حيث تزن بحدود 285 كلغ. تقريباً. لكن ميزتها التي توجّه إلى هدفها بأشعّة الليزر، تكمن في قدرتها على إختراق التحصينات العميقة، قبل أن تنفجر بداخلها، وتحدث دماراً هائلاً من العمق.
(2) من الضربات في الماضي القريب: إستهداف الطيران الإسرائيلي معسكر "عين الصاحب" قرب دمشق (تشرين الأوّل 2003)، مروراً بالتحليق فوق القصر الرئاسي في اللاذقية (حزيران 2006) والإغارة على ما قيل إنّه موقع نووي سوري في "الكُبر" قرب "دير الزور" (أيلول 2007)، وصولاً إلى قصف مركز جمرايا للبحث العلمي (كانون الثاني 2013)، وغارات الأسبوع الماضي.
0 comments: