دمشق لن تضبط نفسها في المرة القادمة
بقلم: عاموس هرئيل
كلما مر الوقت بعد الأنباء المنشورة عن الهجوم الاخير في سوريا في فجر يوم الجمعة، بدا أنه قلّ خطر ان يفضي التوتر الحالي الى صدام مباشر بين دمشق وحزب الله من جهة واسرائيل من جهة اخرى. وتحاول اسرائيل الرسمية كعادتها هذه المرة (بنجاح جزئي فقط) ان تحافظ على شفتيها مغلقتين. ويقل ايضا عنفوان الردود التي تُسمع من سوريا الى الآن. في الهجوم السابق في كانون الثاني أعلنت سوريا أنها لن تضبط نفسها في المرة القادمة بازاء ‘عدوان اسرائيلي’. ودمشق الرسمية في هذه المرة لا تُصدق الى الآن وقوع هجوم.
يبدو الى الآن أن رئيس سوريا بشار الاسد ومثله حلفاؤه في ايران ولبنان، غارقون غرقا عميقا جدا في مستنقع الحرب الأهلية السورية يمنعهم من فتح جبهة جديدة مع اسرائيل. ومع ذلك فان هذا التشخيص لا ينفي تماما الى الآن احتمال انتقام سوري مُركز، من اطلاق نار على الحدود الى محاولة عملية تفجيرية في الخارج كالعملية الانتحارية في بلغاريا من تموز في العام الماضي حينما وقع رد حزب الله وايران على ما وصفاه بأنه سلسلة عمليات اسرائيلية لاغتيال علماء الذرة الايرانيين.
تسير اسرائيل هنا بصورة بهلوانية على حبل دقيق جدا: فهي تحاول الاصرار على الخطوط الحمراء التي رسمتها وهي الاعتراض على نقل سلاح كيميائي ومنظومات سلاح متقدمة الى حزب الله من غير ان تجعل المعركة السورية الداخلية مواجهة عسكرية بينها وبين نظام الاسد. ويبدو الى الآن ان الحذر النسبي نافع. كانت حكومة نتنياهو السابقة مع وزير دفاع آخر هو اهود باراك هي التي أصدرت بحسب الأنباء التي نشرت في الخارج (والاشارات الخفية الثخينة من اسرائيل) التوجيه الى سلاح الجو الاسرائيلي للهجوم على قافلة نقلت صواريخ مضادة للطائرات متقدمة من سوريا الى حزب الله في كانون الثاني. ويبدو ان السياسة بقيت على حالها حتى بعد تولي وزير الدفاع الجديد موشيه يعلون عمله. وستضطر اسرائيل الى الاستمرار في تدبير أمورها في الشمال بحكمة كي لا تُجر الى خضم الهرج والمرج السوريين.
رفض مسؤولون كبار في أحاديث مع صحفيين اسرائيليين أن يتناولوا الهجوم. لكن وكالة الأنباء ‘إي.بي’ اقتبست في صباح أمس من كلام مصدر اسرائيلي رسمي بيّن أن ما تم الهجوم عليه في داخل سوريا كان قافلة مُرسَلة اشتملت على صواريخ ارض ارض دقيقة لمدى بعيد عُرفت بأنها سلاح يكسر التعادل. وأبلغت وكالة ‘رويترز′ ان الهجوم سبقته جلسة خاصة للمجلس الوزاري المصغر في ليل يوم الخميس. في المرة الماضية قُصفت قافلة حينما كانت في وقوف ليلي في منشأة للصناعة الامنية السورية بقرب دمشق، ربما لخشية ان يصبح حل ألغاز طرق الاخفاء السورية أصعب بعد ذلك. وقد تكون نفس التقديرات استُعملت هذه المرة ايضا.
أفادت صحيفة ‘نيويورك تايمز′ أمس على ألسنة موظفي ادارة ان اسرائيل قصفت شحنة مُرسَلة من صواريخ ‘فتح 110′ الايرانية حول مطار دمشق. ويحتاج هذا الهجوم الى قدر عال جدا من المعلومات الاستخبارية الدقيقة. إن صواريخ ‘فتح 110′ هي صواريخ يبلغ مداها نحوا من 250 كم وميزتها الرئيسة هي درجة دقتها العالية يبلغ متوسط خطئها التدويري (سي.إي.بي) نحوا من 200 500 متر عن الهدف وهي أدق كثيرا من صواريخ سكاد. وقد تمت الافادة في الماضي ان حزب الله يملك هذه الصواريخ أو الصيغة السورية منها وهي (إم 600) في مخازن على الارض السورية. ولو وقع نقل السلاح الى المنظمة لمكّن من اصابة دقيقة جدا لأهداف داخل اسرائيل. وهناك امكانية اخرى هي ان يكون الحديث عن شحنة مُرسلة من صواريخ سكاد.
ذكر متحدثون اسرائيليون في السنتين الاخيرتين أسماء منظومات سلاح اخرى لن تُمكّن اسرائيل من نقلها الى حزب الله وهي: صواريخ مضادة للطائرات مثل ‘إس.إي 17′ التي هوجمت في كانون الثاني، وصواريخ ‘ساحل بحر’ دقيقة من طراز ‘يحونط’، وسلاح كيميائي بالطبع. وقدّر رئيس القسم السياسي في وزارة الدفاع الجنرال (احتياط) عاموس جلعاد، أمس ان حزب الله لا يريد ألبتة الحصول على سلاح كيميائي. والاسد نفسه معني بأن يعطي جزءا على الأقل من السلاح المتقدم لحزب الله، مكافأة له على دعم المنظمة الشيعية النظام في حربه من اجل البقاء. إن نحوا من ألفي مقاتل لبناني يشاركون في المعارك في سوريا، ويساعدون على حراسة مواقع استراتيجية للنظام وقد وقعت منهم عشرات الخسائر في القتال بحسب تقارير اخبارية مختلفة ايضا.
سبقت الهجوم أول أمس تقارير اخبارية كثيرة عن طلعات لسلاح الجو الاسرائيلي في سماء لبنان. وقد تكون تلك طلعات جوية لجمع معلومات استخبارية تمهيدا للهجوم، بل قد تكون اشارة اسرائيلية الى الأطراف بأن نوايا التهريب معروفة وبأنه اذا لم تقف الخطة فستعمل اسرائيل على احباطها. ولا يجب أن يتم هذا الهجوم بالضرورة حينما تُحلق الطائرات في سماء سوريا. بل يوجد في ظاهر الامر امكان تنفيذها بما يُسمى ‘ستاند أوف’، أي اطلاق القذائف في زاوية منحرفة من داخل لبنان وأن تضائل بذلك ايضا خطر اطلاق النار على الطائرات من منظومات الدفاع الجوي المتقدمة التي تملكها سوريا. وليس واضحا الموقع الدقيق للموقع الذي هوجم ما عدا تقدير أنه كان في منطقة دمشق.
وقع الهجوم في ذروة فترة شديدة التوتر في الشمال. إن اسرائيل شديدة الحساسية بكل حدث وراء الحدود، في حين يجري في الولايات المتحدة جدل عاصف في سؤال هل يُزاد التدخل الامريكي في جهود اسقاط نظام الاسد. وحشرت اسرائيل نفسها في هذا الخلاف في غير مصلحتها بعد اعلان شعبة الاستخبارات العسكرية في نهاية نيسان أن الموالين للنظام استعملوا سلاحا كيميائيا على المتمردين. وأنكرت ادارة اوباما وتلوّت واضطرت في نهاية الامر الى الاعتراف بغير رغبة بأن الاستخبارات الاسرائيلية كانت صادقة. والآن، اذا كان قد وقع حقا هجوم اسرائيلي في سوريا فهو قد يخدم زعم مؤيدي التدخل من معارضي اوباما الذين يستطيعون ان يدعوا ان الرئيس يُظهر ضعفا واستكانة في وقت تتجرأ فيه دول أصغر على العمل في سوريا.
جاء أول نبأ نُشر عن الهجوم في فجر يوم السبت من واشنطن في تقرير لمراسلة ‘سي.إن.إن’ في وزارة الدفاع الامريكية. واعتمد التقرير على اجهزة استخبارية مجهولة بحيث قد يكون جاء من الادارة الحالية. واذا كان هذا ما حدث وكان ذلك تسريبا للنبأ مُدبرا فان السؤال هو: ألا يجب أن ننظر الى النبأ المنشور وبين يديه التحول التدريجي الذي تلوح تباشيره لموقف الادارة الامريكية من سوريا بعد ان كشفت اسرائيل عن استعمال الاسد للسلاح الكيميائي.
قال وزير الدفاع الامريكي تشاك هيغل في الايام الاخيرة فقط إن الولايات المتحدة ستزن بايجاب ان ترسل لأول مرة ايضا بعثات سلاح الى المتمردين، وأما الرئيس براك اوباما فتحدث عن تحفظه من ارسال قوات برية الى سوريا. هل يرمي تسريب النبأ من واشنطن الى تسويغ الانتقال الى إظهار الصرامة مع الاسد حينما تضطر الولايات المتحدة ايضا الى العمل في المستقبل؟ هذا سؤال سيتضح الجواب عنه بعد ذلك فقط.
وتستمر حيرة الادارة الامريكية على خلفية قتال قوي بين معسكرات الصقور في سوريا نفسها. إن الجهد الرئيس لمنظمات المعارضة المختلفة والذي يلاحظ فيه مشاركة تزداد لفصائل متطرفة موالية للقاعدة، ينحصر في محاولة عزل العاصمة دمشق وقطع الشارع الرئيس المفضي من هناك الى الجيب العلوي الكبير في شمال غرب الدولة. ويحتاج الاسد في معركة الصد هذه الى جميع الوسائل التي ما زالت في حوزته ومنها طائرات سلاحه الجوي مهما تكن قديمة ومصابة. وسيكون هذا كما يبدو سببا عنده للامتناع عن صدام مباشر مع اسرائيل قد يفقد فيه جزءا كبيرا آخر من قدرته العسكرية.
المصدر:
هآرتس
0 comments: