Tuesday, September 17, 2013

كيف سيكون شكل الحرب الإلكترونية الحقيقية؟

كيف سيكون شكل الحرب الإلكترونية الحقيقية؟
   
أعلنت مؤسسة راند، وهي مؤسسة فكرية مؤثرة قبل عقدين، أنّ "الحرب السيبرانية قادمة!" ففي عام 2005 أعلن سلاح الجو الأميركي أنه يريد الآن أن "يحلق، يكافح، ويفوز في الفضاء الإلكتروني".
مستقبل الحرب سوف يكون بالتأكيد في هذا المجال الخامس، على رأس كل من البر والبحر والجو والفضاء. وقد أصبحت التحذيرات المظلمة من "سايبر بيرل هاربور" عنصراً أساسياً من خطاب واشنطن.
وكشفت تسريبات الأسبوع الماضي أنّ الحكومة الأميركية تنفق 4.3 مليار دولار سنوياً على العمليات السيبرانية، حيث ورد أنه في عام 2011 شنّت وكالات الاستخبارات الأميركية 231 عملية إلكترونية هجومية. فالولايات المتحدة، على ما يبدو، تستعد للقتال السيبراني.  كيف سيبدو عملٌ من أعمال الحرب الإلكترونية؟ التاريخ يشير إلى ثلاث سمات. ليظهر على نحو هجومٍ مسلحٍ، فإن خرق الكمبيوتر يحتاج إلى أن يكون عنيفاً. إذا كان لا يمكن أن يصيب أو يقتل، فإنه لا يمكن أن يكون حرباً.
أعمال الحرب الإلكترونية تحتاج أيضاً إلى أن تكون فعّالة. في المواجهة العسكرية، يستخدم حزب واحد عموماً القوة لإجبار الطرف الآخر على القيام بشيء ما لا يريد فعله. وأخيراً، فإنه يجب أن يكون سياسياً، بمعنى أن يقول هذا الخصم: "إذا لم تفعل ذاك الأمر، سنقوم بضربك." هذا هو مغزى قرنين من الفكر الاستراتيجي.
لا يلبّي أي هجوم إلكتروني سابق هذه المعايير. لم يسبق للإنسان أن يصاب أو يجرح كنتيجة مباشرة لهجوم إلكتروني. لم تخاصم أي دولة أبداً دولة أخرى بواسطة هجوم إلكتروني. لذلك إذا كنا نتحدث عن الحرب، بالمعنى الحقيقي، وليس المجازي كما في "الحرب على المخدرات"، فإنّ الحرب الإلكترونية لم تحدث أبداً في الماضي، لا تجري في الوقت الحاضر، ويبدو من غير المحتمل أن تحصل في المستقبل.
إن هذا لا يعني أنّ الهجمات السيبرانية لا تحدث. ففي عام 2010 هاجمت الولايات المتحدة و"إسرائيل" برنامج إيران للتخصيب النووي مع فيروس كمبيوتر يُسمى ستكسنت. وفي حالة اختراق جهاز الكمبيوتر يمكن أن يسبب تعتيم الكهرباء أو يقطع إمدادات المياه للمدينة، على الرغم من أنّ هذا أيضاً لم يحدث أبداً. إذا لن تكن الحرب، فما هي إذاً؟ مثل هذه الهجمات تُعّرف بشكل أفضل إما بالتخريب والتجسس، أو التدمير.
التخريب عبر البرمجة هو عبارة عن خطر حقيقي. أنظمة التحكم الصناعية تشغّل جميع أنواع الأشياء التي تتحرك بسرعة ويمكن أن تُحرق: القطارات، خطوط أنابيب الغاز، الطائرات المدنية، المصافي، حتى المصاعد والأجهزة الطبية. العديد من هذه هي عرضة للانتهاكات، والمعلومات عن نقاط الضعف في نظامها هي متاحة بسهولة.
وحتى مع ذلك، فإن عدد هجمات الكمبيوتر العنيفة التخريبية ضد أهداف غربية هو صفر. لماذا؟ لأن التسبب بالفساد للتعليمات البرمجية المسلحة هو أصعب مما يبدو. وهناك حاجة للحصول على استخبارات للهدف. غالباً ما يتم تكوين أنظمة التحكم لأداء مهام محددة، مما يحد من احتمال وقوع هجمات عامة. حتى لو حدث، فإنّ مثل هذه الهجمات قد لا تستدعي استخدام القوة. التهديد الثاني هو التجسس السيبراني. خروقات البيانات ليست مجرد خطر، ولكن نزيف جرح حقيقي للولايات المتحدة، وأوروبا، والاقتصادات المتقدمة الأخرى. لكن التجسس ليس حرباً، والتجسس السيبراني ليس الحرب الإلكترونية.
وأخيراً، هناك التخريب الذي يستخدم وسائل الإعلام الاجتماعية وخدمات الإنترنت الأخرى لتقويض السلطة القائمة. فإنه ليس من المستغرب أن المخربين، من "أنونيموس" و"معارضي احتلال العرب"، يستخدمون التكنولوجيات الجديدة. ينظّم كل من تويتر والفيسبوك احتجاجاً غير عنيف أسهل من أي وقت مضى، في كثير من الأحيان في خدمة الحرية. ولكن مرة أخرى، التخريب ليس الحرب، والتخريب عبر الإنترنت ليس حرباً إلكترونية.
هناك مشاكل أخرى مع مفهوم الحرب الإلكترونية. الأول، هو مضلّل. دراسة أعمق للحقائق تكشف عن أنّ ما يحدث هو عكس الحرب: الانتهاكات عبر الكمبيوتر هي أقل عنفاً من الهجمات على الطراز القديم. التخريب العنيف هو أكثر صعوبةً إذا تم ذلك من خلال أجهزة الكمبيوتر، في حين أنّ التخريب اللاعنفي هو الآن أسهل ويحدث في كثير من الأحيان: تحطيم المواقع، وحذف الملفات وما إلى ذلك. الشيء نفسه ينطبق على التجسس: التسلل إلى البرمجيات وفتح الأبواب الخلفية عن بعد هو أقل خطورةً بكثير من إرسال وكلاء سريين للتنصت على جدران السفارة.
ونظرت وزارة الدفاع الأميركية العام الماضي في خلق وسام الحرب المميز لمشغلي الطائرات بدون طيار ولمطوري هجمات الكمبيوتر. احتجّ المحاربون القدامى الحقيقيون بشدة عندما علموا أن الجائزة قد احتلت مركزاً أعلى من القلب الأرجواني. ثمّ الغى وزير الدفاع تشاك هيغل هذه الفكرة. إنهاء أو إنقاذ حياة إنسان آخر هي تجربة وجودية؛ حذف أو تعديل البيانات ليس كذلك.
الحديث عن الحرب الإلكترونية أيضاً يقتل الفروقات الدقيقة
بدأت وكالات الاستخبارات باتخاذ "الانترنت" على محمل الجد. من خلال القيام بذلك، تقوم وكالات إشارات الاستخبارات مثل وكالة الأمن القومي الأميركي ومقر اتصالات الحكومة في المملكة المتحدة، فضلاً عن وكالات الاستخبارات البشرية، بتحديث جهازها المعتمد من أجل القرن الحادي والعشرين. بدأ الغرب بتكوين نقاش متأخر حول تحديد أي نوع من نشاط الذكاء هو المشروع لديمقراطية القرن الحادي والعشرين، وحيث ينبغي وضع خطوط حمراء. رسم هذه الخطوط يتطلب دقة. لقد حان الوقت لإسقاط خصوصية "الانترنت" ولنسمي الأشياء بأسمائها: التجسس هو التجسس.
وأخيراً، الحديث عن الحرب الإلكترونية هو في مصلحة من لديهم رؤية لمستقبل أكثر قسوة على الإنترنت. ويميل الكثير من البلدان إلى السيطرة على مواردهم في "الفضاء الإلكتروني". وترغب الدول الاستبدادية في تعديل بنيتها التحتية التقنية، قوانينها الوطنية، وجدران الحماية الخاصة بها "لحماية السيادة في الفضاء الإلكتروني"، كما يحلو لها القول، وهو ما يعني عملياً حماية لصوص الملكية الفكرية من الضغوط الخارجية والتقريب من المعارضين في الداخل.
»  Slate-Washington Post / ترجمة سلاب نيوز / مروة الشامي
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: