Thursday, September 19, 2013

الخيار العسكري ودبلوماسية نزع السلاح مع سوريا

تحليل السياسات

 الخيار العسكري ودبلوماسية نزع السلاح مع سوريا
 13 أيلول/سبتمبر 2013
إذا استطاع التهديد باستخدام القوة إقناع سوريا بالموافقة على تدمير ترسانتها من الأسلحة الكيماوية، كما يدعي الرئيس أوباما ومستشاريه، فإن وجود إشارات واضحة باستمرار التخطيط والاستعدادات للعمل العسكري، من الممكن أن يعزز عملية السعي إلى إيجاد حل دبلوماسي. كما بإمكان هذه "المهلة" الدبلوماسية أن تساعد الإدارة الأمريكية على التعامل مع المخاوف المثارة أثناء الجدل الأخير حول استخدام القوة والذي ارتكز على كيف أن توجيه ضربة محدودة قد يحول دون أي استخدام آخر للأسلحة الكيماوية من قبل نظام وحشي عاقد العزم على الاستمرار في منهجيته، وتجنب تحول الصراع إلى نزاع مفتوح، والترويج نحو أهداف السياسة الأوسع نطاقاً في سوريا.
تجنب التعثرات المحتملة
إذا ما قررت الولايات المتحدة في نهاية المطاف مهاجمة سوريا - سواء لردع استخدام الأسلحة الكيميائية أو رداً على عرقلة سوريا لجهود نزع السلاح - فإن توجيه ضربات محدودة ضد أهداف تكتيكية من الأرجح أن لا يسفر إلا عن نتائج محدودة. فنظام بشار الأسد قد اعتاد على مواجهة الصعاب بعد أكثر من عامين من المواجهات الدموية والقتال المستميت الذي طال أفراداً من دائرته المقربة. (على سبيل المثال، وزير الدفاع و نائبه - سلف الأسد - كانوا قد قتلوا في هجوم بقنبلة في تموز/يوليو 2012) . وبالتالي، فإن شن ضربة محدودة تركز على أهداف غير هامة ربما لن يغير من تحليل التكاليف والمنافع في دمشق؛ وربما حتى قد يحد من مخاوف النظام حول قيام عمل عسكري أمريكي، الأمر الذي سيشجع الأسد.
ويبدو أن إدارة أوباما مقتنعة بأن توجيه ضربة عسكرية أصغر هو الطريق الأمثل لتقييد الدور الأمريكي في سوريا، بيد أن العكس يبدو أكثر احتمالاً: فمن الممكن أن تستدعي مثل هذه الضربة تحديات أكبر من دمشق، الأمر الذي سيخلق حلقة مفرغة لا تنتهي من الاستفزازات وردود الأفعال. ولعل التجربة الإسرائيلية مفيدة في هذا السياق. ففي أربع مناسبات سابقة هذا العام قامت إسرائيل بشن غارات جوية استباقية محدودة للحيلولة دون وصول أنظمة أسلحة "من شأنها أن تغير قواعد اللعبة" إلى «حزب الله»، وعلى الرغم من أن دمشق لم تقم بأية أفعال انتقامية رداً عليها، إلا أنه لم يتم ردعها من أي محاولة للقيام بذلك مرة أخرى.
وتمتلك الولايات المتحدة حالياً أربع مدمرات قبالة السواحل السورية، وربما غواصة واحدة أو غواصتين؛ ومن الممكن أن تقوم هذه السفن مجتمعة بإطلاق 150-400 صاروخ كروز من طراز توماهوك. كما أنه من الممكن لهذه الترسانة الصغيرة نسبياً أن تحد من وقع تأثير العملية نظراً لأن بعض الأهداف السورية تتطلب ضربات متعددة، وصواريخ توماهوك ليست مفيدة إلى حد كبير في التعاطي مع معدات محصنة أو مدفونة أو قابلة للنقل. ولن يتم ضرب العديد من الأهداف الهامة في هجوم بصواريخ كروز.
ولهذا السبب، إذا ما تم التوصل في النهاية إلى توجيه ضربة عسكرية، فإنها ينبغي أن تشمل الاستعانة بطائرات وقاذفات هجوم ذات تحكم بشري التي بإمكانها أن تضرب أهدافاً لا تستطيع صواريخ توماهوك أن تصل إليها، والتي يستطيع طياروها التأكد من المعلومات الخاصة بالهدف بشكل لحظي، مما يقلل من احتمال إلحاق الأذى بالمدنيين (بما في ذلك الدروع البشرية التي تردد بأن النظام قام بنشرها مسبقاً). وسيتطلب ذلك توجيه ضربة أكثر توسعاً، حيث أنه من الضروري تدمير عناصر الدفاعات الجوية السورية قبل أن يتم الدفع بالطائرات القاذفة ذات التحكم البشري في المجال الجوي السوري.
استراتيجية الإذلال والردع
هناك عدة اعتبارات ينبغي أن توجه التخطيط لأي ضربة عسكرية من الممكن أن تصدر أوامر بها في حال فشل الجهود الدبلوماسية. وينبغي الإعلان عن هذه الاعتبارات في هدوء من أجل تعزيز الجهود الرامية لنزع الأسلحة الكيمائية.
أولاً، على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لتوجيه الضربة مراراً وتكراراً. كما أن فرض قيود تحول دون توجيه ضربات متتابعة قد يقلل من القيمة الرادعة للتهديدات الأمريكية ويقوض الاحتمالات الدبلوماسية.
ثانياً، ينبغي أن تستهدف الضربة الأمريكية الأفراد والمعدات التي تؤثر بصورة بالغة في قدرة النظام على البقاء والاستمرار في الحرب، والتي لن يتم الاستعاضة عنها بسهولة. ومن شأن ذلك أن يظهر للنظام أن أي خروج عن النص يفرض تكاليف باهظة ومن الممكن أن يعرض بقاءه للخطر.
ولعل أفضل مثال لضربة عسكرية من هذا النوع هو "عملية ثعلب الصحراء" في كانون الأول/ديسمبر1998 التي استهدفت "الحرس الجمهوري العراقي الخاص" وبنيته التحتية المسؤولة عن إنتاج الصواريخ. ولأنها كانت بمثابة مفاجأة  فقد أفادت بعض التقارير أن تلك الضربة العسكرية التي دامت أربعة أيام أودت بحياة مئات الأفراد من "الحرس الجمهوري الخاص" ووجهت ضربة قاسية لقدراته لإنتاج الصواريخ، الأمر الذي هز ثقة النظام العراقي بنفسه.
اختيار الأهداف
ينبغي على المخططين الأمريكيين أن يختاروا أهدافاً، يترتب على تدميرها أثر نفسي كبير على النظام بحيث يغيّر من حساباته من ناحية المكاسب والخسارة. وهذا يعني استهداف أكثر وحدات النظام ولاءً وقدرة وهما "الحرس الجمهوري" والفرقة المدرعة الرابعة اللتان غالباً ما قادتا العمليات التي استهدفت المعارضة وتورطتا بشكل كبير في استخدام الأسلحة الكيمائية. وعلى وجه التحديد ينبغي على القوات الأمريكية استهداف مراكز القيادة والثكنات ومرافق الصيانة المرتبطة بهذه الوحدات فضلاً عن التشكيلات الميدانية إذا كان ذلك ممكناً.
كما سيكون من المهم أيضاً إلحاق خسائر كبيرة في صفوف الجنود لأن تعويض جنود موالين وملتزمين وذوي خبرة يبدو أصعب بكثير من تعويض المعدات العسكرية.( وبما أن حوالي ثلث قوات النظام فقط هي التي تشترك بفاعلية في القتال، فمن المحتمل أن يكون لدى هذا النظام مخزونات كبيرة جداً من المعدات، كما أن روسيا قد تعهدت باستبدال أي عتاد يدمر في غارة أمريكية.) وحيث أن العديد من أفراد "الحرس الجمهوري" والفرقة المدرعة الرابعة لديهم صلة قرابة بالقيادة العليا في النظام لذا فإن استهداف مثل هذه الوحدات من شأنه أن يبعث برسالة إلى النظام مفادها بأن استخدام الأسلحة الكيمائية أو الوقوف حجرة عثرة أمام الجهود المبذولة لنزعها يهدد أنصار نظام الأسد الأكثر قوة. وطالما أن العمليات العسكرية الأمريكية لا تستهدف القيادة العليا في دمشق، فمن غير المرجح أن تُفسَّر خطأ على أنها تهدف إلى القضاء على رؤوس النظام، مما قد يحدو بسوريا إلى المبالغة في ردة الفعل أو استثارة حفيظة «حزب الله» وإيران نحو توجيه ضربات إلى الولايات المتحدة في محاولة منهما لإنقاذ حليفهما المحاصر.
كما ينبغي على الولايات المتحدة استهداف عشرات المروحيات والطائرات التي دعمت هذه الوحدات في المعارك من خلال توصيل الذخائر التي تحتوي على مواد تقليدية وكيميائية، فضلاً عن ترسانة الصواريخ طويلة المدى التي يملكها النظام والقذائف التي أسفرت عن مقتل الآلاف من السوريين والتي من الممكن أيضاً أن تحمل رؤوساً كيمائية. ومع ذلك هناك حدود واضحة لمدى قدرة هذا النوع من الضربات العسكرية على الحد من قدرة النظام السوري على توصيل الذخائر التي تحتوي على مواد كيمائية - وخاصة إذا كانت واشنطن غير مستعدة لمهاجمة منشآت تخزين الأسلحة الكيميائية التي هي قريبة من المناطق المأهولة بالسكان. ولهذا السبب، لا ينبغي أن تكون أنظمة الأسلحة هذه، الهدف الرئيسي لعملية هجومية.
أنشطة مواتية
قد يكون من الصعب ضرب الأهداف السورية بالغة الأهمية في ظل الظروف الحالية. ومن خلال الإعراب عن نيتها من وراء توجيه الضربة، أعطت واشنطن النظام الوقت الكافي لإخلاء مقراته وتوزيع قواته، على الرغم أنه قد يكون من الصعب المحافظة على هذا الموقف على مر الزمن. وهناك طريقة واحدة من شأنها التصدي لمثل هذه التكتيكات وهي تشجيع المعارضة على شن هجوم واسع عشية الضربة الأمريكية إذا ما اتخذ مثل هذا القرار. وقد يجبر ذلك النظام على تركيز قواته لمواجهة الهجوم، وتحقيق أهداف مربحة للقذائف والقوة الجوية الأمريكية. كما يمكن لمثل هذا التعاون والتنسيق أن يضع حجر الأساس لمحاولات تدريب وتجهيز الفصائل المعتدلة من الثوار.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العمل العسكري سيكون أكثر فعالية إذا كان مصحوباً بالجهود الدبلوماسية لإخراج الفاعلين الخارجيين المساعدين للنظام من المشهد. وتقدم "عمليات قوة التحالف" التي قامت يها "منظمة حلف شمال الأطلسي" (آذار/مارس - حزيران/يونيو 1999) سابقة في هذا الشأن: فقد قبل الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوشيفيتش في نهاية المطاف وقفاً لإطلاق النار، وكان يعود ذلك إلى حد كبير لأنه فقد الدعم من نصيره الروسي. ووفقاً لذلك يجب على واشنطن أن تستطلع عما إذا كان بإمكان استخدام العملية الدبلوماسية لدق إسفين بين موسكو ودمشق، إذا نقضت الأخيرة التزاماتها لتدمير أسلحتها الكيميائية. وعند وضع كافة هذه الأمور في الاعتبار، فإن الخوف من فقدان الأسد أكثر حلفائه أهمية ربما يكون له أثر كبير على حساباته من ناحية المكسب والخسارة بحيث تضاهي خوفه من العمل العسكري.
الخاتمة
في الوقت الذي تدخل فيه واشنطن مرحلة جديدة في أزمتها مع دمشق، فإن التهديد - وربما استخدام - القوة لا يزال يمثل عاملاً حيوياً لنجاح دبلوماسية نزع السلاح وتحقيق أي قدر من النجاح السياسي الممكن في سوريا. فالفشل في تحقيق هذا الجزء من السياسة بصورة صحيحة قد يقلل من آفاق الحل الدبلوماسي ويزيد من فرص أن تقود الضربة العسكرية المحدودة إلى حدوث المزيد من ذلك النوع من التورط العسكري المكثف الذي لا نهاية له والذي تحاول واشنطن تجنبه. وفي كلتا الحالتين، لا يبدو في الأفق مخرج سهل من هذه الأزمة التي تواجه الولايات المتحدة الآن في سوريا.

مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن.
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: