الدروس المستفادة من سوريا للتعامل مع محادثات إيران النووية
فورين بوليسي
20 ايلول/سبتمبر 2013
إن الرأي المتعارف عليه حالياً هو أن إيران هي الفائز الأكبر من الجهود الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا. ويقيناً، هناك الكثير مما يروق لطهران في هذا التعثر للسياسة الخارجية على وجه الخصوص، ويشمل ذلك: تردد الولايات المتحدة في تطبيق خط أحمر أو استخدام القوة، واستعداد الغرب للتركيز بصورة ضيقة على أسلحة الأسد الكيميائية وتجاهل التهديدات الأوسع نطاقاً التي يشكلها الأسد وحلفاؤه، والانقسام العام بين الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الإقليميين الرئيسيين مثل "مجلس التعاون الخليجي" وتركيا، ومعاودة ظهور روسيا - حليفة إيران - كلاعب في المنطقة.
ولكن سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن النتيجة ليس لها أي تأثير على إيران.
يبدو أن الهدف الرئيسي لروحاني من وراء المحادثات النووية المرجح استئنافها قريباً هو ضمان تخفيف العقوبات الاقتصادية بأقل تكلفة على الخيارات النووية لإيران. وتحقيقاً لهذه الغاية، تشير تقارير وسائل الإعلام إلى أن روحاني سوف يقترح أن تحتفظ إيران بمعظم قدرات التخصيب ومرافق إعادة المعالجة وأن يتم إعفاؤها من اثنين من التهديدات الرئيسية التي تواجه النظام وهي - العقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية. وفي المقابل، تفيد التقارير بأن إيران ستقدم مجموعة من إجراءات الشفافية والتحقق، مثل تنفيذ "البروتوكول الإضافي" لمعاهدة حظر الانتشار النووي، الأمر الذي يفترض أن يعمل على توسيع نطاق وصول مفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى المواقع النووية الإيرانية.
ومع ذلك، فإن اتفاق الأسلحة الكيميائية مع سوريا سوف يعقِّد من هذا النهج. لقد أكدت إدارة باراك أوباما وكثيرون في الكونغرس الأمريكي أن الاتفاق لم يتحقق إلا بسبب التهديد الجدي باستخدام القوة. وهذا التوضيح سطحي؛ فقد تبخرت مصداقية تهديد الرئيس عندما بات واضحاً أن الكونغرس لن يوافق على استخدام القوة وأن الإدارة لن تتصرف بدون تلك الموافقة. وفي الواقع، فنظراً لأن الرئيس حصر نفسه في زاوية ضيقة من خلال عملية سياسية معيبة وغير منظمة، فلم يعد له خيار سوى قبول المناورة الروسية.
ومن المفارقات، أن هذا الانهيار للمصداقية بشأن سوريا قد يدفع إلى اتخاذ إجراء يُعزز من مصداقية الولايات المتحدة حول مسألة إيران. ونظراً لأن التفسيرات البديلة لسلوكها غير مستساغة إلى حد كبير، فإن إدارة أوباما ملتزمة الآن بمبدأ أن التهديدات الجادة تسهل حدوث انفراجات دبلوماسية. كما أن شركاء الإدارة، بدءً من الكونغرس وانتهاءً بالحلفاء الخارجيين، قد يكونوا متحمسين للتعاون في أي جهد لتعزيز مصداقية التحذيرات العسكرية الأمريكية لإيران، بعد أن أثبتوا أنفسهم ترددهم في دعم استخدام القوة ضد سوريا.
وعلاوة على ذلك، إن نجاح الاتفاق بشأن سوريا يعتمد على تعاون الأسد مع مفتشي الأسلحة، مثلما أن أي اتفاق نووي مع إيران سوف يعتمد على تسهيل طهران لعمليات التفتيش التي تقوم بها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
لكن هناك احتمال كبير بأن الأسد - الذي أنكر حتى قبل أيام فقط وجود برنامج للأسلحة الكيميائية، مثله مثل إنكار ايران بأنها تقوم بتطوير برنامج للأسلحة النووية - سيعيق عمل المفتشين، ومن المحتمل أن تحرض موسكو الرئيس السوري على ذلك. لقد أخفق الأسد باستمرار في الوفاء بوعوده أو الارتقاء إلى مستوى الاتفاقات الدولية، وسوف يحاول على الأرجح الاحتفاظ ببعض أسلحته الكيميائية كضمانة ضد الانتفاضة التي لا تزال مستعرة.
وهكذا، فإن نظام التفتيش بالنسبة لسوريا، بحكم توقيته وتحالف إيران الوثيق مع الأسد، سوف ينظر إليه حتماً على أنه اختبار لقيمة إجراءات الشفافية في مواجهة التهديدات باستخدام أسلحة الدمار الشامل وبناء الثقة الدبلوماسية. إن سوء تصرف سوريا لن يفسد اتفاق واشنطن وحلفائها بشأن سوريا فحسب، بل سيجعل إدارة أوباما أيضاً قلقة من قيمة المراقبة والتحقق كبدائل للحدود بعيدة التأثير على الأنشطة النووية الإيرانية. ومن المؤكد أن روحاني سوف يتطلع إلى مكان آخر بحثاً عن مثل أعلى للامتثال.
وأخيراً، تمثل سوريا دراسة حالة في نجاح تكتيكي يعكس رغم ذلك انتكاسة استراتيجية. وحتى لو تخلى الأسد عن أسلحته النووية بما يتعارض مع كافة التوقعات، فإن احتمالات بقائه وتغلبه على الانتفاضة بل وتعزيز قبضته على السلطة - رغم إصرار أوباما والعديد من زعماء العالم الآخرين بأن عليه أن يتنحى - قد ازدادت.
وعلى نحو مماثل، فإن إنجاز روحاني الأكبر أثناء أول مهمة [سابقة] له عندما كان المفاوض النووي لإيران تمثَّل في تفادي التبعات الخطيرة في أعقاب الكشف عن أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة التي كانت لا تزال سرية حتى ذلك الحين، بتكلفة منخفضة تتمثل في تعليق تلك الأنشطة إلى حين انحسار التهديد بتوجيه ضربة أمريكية في عام 2005. لقد تم استدعاء روحاني مرة أخرى لإخراج إيران من مأزق، ومن المتوقع أن يحاول - مثله مثل الأسد، وعلى غرار ما قام به روحاني نفسه قبل عقد من الزمن - تأمين النصر من خلال التراجع.
وبالنسبة لإدارة أوباما، ينبغي أن تعمل سوريا كأداة تنبيه بينما تدخل الإدارة مرحلة أكثر خطورة من الدبلوماسية النووية مع إيران. لقد أقام البيت الأبيض - عن غير قصد تماماً - شراكة مع الكونغرس لصياغة سياسة تجمع بين ممارسة الضغط الهائل وتكرار التواصل وهو الأمر الذي ربما دفع إيران الآن إلى النظر في تغيير مسارها. لكن إلى حين أن تفعل طهران ذلك بشكل كامل وعلى نحو مستدام، لا يجب فقط أن تواصل الولايات المتحدة دبلوماسيتها لكن عليها كذلك أن تحافظ على الضغط وتعززه حيث أنه هو الذي أوصلها إلى هذا الحد، لئلا تفسح مكاسبها التكتيكية المجال لإخفاق استراتيجي.
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.
0 comments: