Thursday, September 26, 2013

‘سورية هي العدو.. لكنني ما زلت أحبها’

‘سورية هي العدو.. لكنني ما زلت أحبها’

بقلم: سمدار شير
إن سورية بالنسبة الى ايتسيك وهيلل ج.، وهما أخوان يخدمان في الوحدة 8200، ليست هدفا استخباريا فقط. إن سورية هي خليط من المناظر الطبيعية والطعام والألوان والروائح، وذكريات من المدرسة والكنيس أو هي بكلمة واحدة، ‘الوطن’، وهما يؤمنان بأنهما سيحظيان في يوم من الايام بالعودة الى البلد الذي فرا منه على عجل مختبئين كي يهاجرا الى اسرائيل. لكن في هذه الايام، والحرب الأهلية تمزق سورية وقد تُحدث واقعا يؤثر فينا ايضا سنين طويلة، يستعين ايتسيك وهيلل بلغتهما الأم وبخبرتهما بالثقافة السورية كي ‘يُقدما جوابا صادقا وناجعا وسريعا للقادة. فعلنا لا مرة ولا مرتين اشياء سببت هدوءا وطمأنينة لمتخذي القرارات. ونقول من دون أن نُظهر الغرور إننا أنقذنا حياة ناس′، يشهدان.
ليس ايتسيك وهيلل ج. وحدهما. ففي صفوف وحدة جمع المعلومات الاستخبارية الفخمة الشأن التابعة لسلاح الاستخبارات تعمل عدة ‘حمائل’ سورية. فقد جُند جنود ونقباء وضباط هاجروا في طفولتهم من سورية للوحدة 8200 وجلبوا بعدهم الى الوحدة إخوة وأبناء عمومة وجيرانا. ويرى الجيش الاسرائيلي أن كل واحد منهم كنز لا يُقدر بثمن. ويتجلى إسهامهم بقدر يفوق كثيرا سيطرتهم المطلقة على اللغة العربية. فالجنود ‘السوريون’ من الوحدة 8200 يعرفون ويفهمون عقلية العدو كما يعرفون قادته وثقافته. لهذا فانهم اليوم محُتكرون لكل شيء في المجال السوري في الصناعة الاستخبارية: من تدريس اللغة العربية باللهجة السورية للجنود الذين لا يتكلمونها، الى جمع معلومات استخبارية ثم تحليلها، بل إن عددا ممن أُجريت معهم اللقاءات لاعداد هذا التقرير اختيروا بفضل إسهامهم لأجل المتميزين لهيئة الاركان العامة.
خبأنا القبعات الدينية
‘قد تعلمنا في طفولتنا استعمال الرموز الشيفرية’، يتذكر الوكيل ايتسيك ج. (41) الذي يخدم في الوحدة الى جانب أخيه المساعد الكبير هيلل ج. (38). وقد وُلد الأخوان في حلب، وهي ثاني أكبر مدينة في سورية. ‘إن العائلات التي أرادت الهرب من سورية أرسلت رسائل مشفرة الى أقربائها في الولايات المتحدة فنقلتهم الى اسرائيل. وكان من انشأوا اتصالا سريا بيهود في تركيا أرسلوا إليهم المهربين الذين قادوهم الى خارج سورية. فقد شعر اليهود في سورية بأنهم رهائن. وعاشوا هناك كما في غيتو، بل إنهم لم يستطيعوا أن يقطعوا مسافة ثلاثين كيلومترا من دون رخصة، والذي أراد أن يسافر الى مدينة اخرى كان يجب عليه أن يحصل على موافقة المخابرات السورية’.
كان يعيش في حلب الى مطلع ثمانينيات القرن الماضي نحو من ألفي يهودي لم يُسمح لهم بالعمل في وظائف حكومية، خشية أن يستغلوها للتجسس لاسرائيل. وكان والد ايتسيك وهيلل يبيع أدوية تنظيف كان يُعدها بنفسه. وأمهما ربة بيت ربت أربعة أولاد درسوا في المدرسة اليهودية ‘غمرا صموئيل’. ‘كان يوجد في المدرسة في كل صباح صف كنا ننشد فيه النشيد الوطني السوري. وكنا ندخل بعده الى الفصل لدرس الغمرا، وفي آخر النهار قبل أن نخرج الى الشارع كنا نُخبئ القبعات الدينية في الحقائب كي لا يعلموا أننا يهود. وعرفوا من نحن حقا في حي جبلية فقط الذي سكنا فيه’، يتذكر ايتسيك ج. ‘إن المسلمين كرهونا نحن والمسيحيين بنفس القدر، لكن عائلتنا كانت ذات مال والمال هناك له كلمة’، يضيف هيلل. ‘لا يمكن شراء حب السوريين لكن يمكن شراء الاحترام’.
وقد مكّنت المكانة الاقتصادية أبناء عائلة ج. من قضاء العطل والخروج في رحلات في أوقات متقاربة. ‘تبين لنا مرة أنه في الوقت الذي غبنا فيه عن البيت داهمه رجال استخبارات وأجروا فيه تفتيشا ليفحصوا هل هربنا’، يقول ايتسيك ج. ‘وفي مرة اخرى أخذوا الوالد لتحقيق دام يومين أُفرج عنه في النهاية. وشعرنا بأن عيون جهاز الأمن السوري علينا طول الوقت. فهم لم ينسوا أنه بعد حرب الايام الستة حاول والدنا أن يهرب من سورية مع رفاقه وضُبط وأُرسل الى السجن وعُذب’.
كان ايتسيك ج. يرى مستقبله محاميا أو طبيبا، وظن هيلل أن يشتغل بالتجارة، لكن كلمة ‘اسرائيل’ كانت تحيط بهم طول الوقت. ‘علمنا أن دولة اليهود هي أرض حليب وعسل كما ورد في الكتاب المقدس′، يُبين. ‘لا أزعم أن الشباب اليوم يحبون اسرائيل بقدر أقل مما كانوا في الماضي، لكنهم يتقبلون الدولة على أنها شيء مفهوم من تلقاء نفسه أما عندنا فلم يكن هناك شيء مفهوم. ولهذا تدمع عيناي في كل مراسم ومسيرة حينما نصطف لنشيد ‘الأمل’ ونرفع العلم. لم نكن شعبا حُرا. وعرّضنا أنفسنا لخطر الموت كي نصل الى هنا’.
حدث هذا في 1982. الاخوان المسلمون الذين تمردوا على حكم الرئيس حافظ الاسد هاجوا وماجوا في شوارع حلب. واختبأ اليهود في بيوتهم خشية على حياتهم. وقد اغتصب أحد ناشطي الاخوان المسلمين يهودية شابة كانت تسكن جارة لعائلة ج.، فقد عرض نفسه على أنه من رجال المخابرات وأقنعها بذلك بأن تفتح له الباب. ‘وبعد الاغتصاب ببضعة ايام جاء الى بيتنا عميل آخر للمخابرات وطلب اجراء تفتيش في البيت’، يقول هيلل. ‘وضمت أمنا أختنا الصغيرة التي كانت آنذاك في الثالثة آملة أن تثير شفقته. ومن حسن حظها أنه كان رجل أمن غير متنكر في الحقيقة’. وعقب هذه الحادثة التي توتر الأعصاب طلبت الأم الى زوجها أن يبدأ الاعداد للهرب.
المخابرات في الكنيس
انشأ الأب صلة بأقرباء في تركيا باستعمال كلمات شيفرة. وبعد اسبوع في منتصف الليل جاء الى بيتهم رجل غريب أُرسل لمساعدتهم. وأرشدهم الى بيع البيت ومحل العمل للتزود بالمال. وقبل أن يمضي مزق قطعة مال ورقية وأعطى الأب نصفها واحتفظ بالنصف الآخر علامة. وبعد بضعة ايام حينما جاء المُهرب عرض على والد العائلة نصف قطعة الورق المالية برهانا على أنه يمكن الوثوق به.
كان ايتسيك ج. الابن البكر آنذاك في العاشرة من عمره: ‘لم يُشركوني في التفصيلات، لكنني شعرت بأن شيئا ما يُطبخ لأن أمي ألبستني سراويل تحت السراويل وأعطتني قميصا آخر وحذاء آخر. وحينما سألتها لماذا أحتاج الى هذا القدر من الملابس همست لي سرا أننا مسافرون في رحلة’. ويُبين هيلل الذي كان آنذاك في الثامنة من عمره أن السرية كانت حاسمة: ‘فقد اعتاد رجال المباحث أن يأتوا في ايام السبت الى الكنيس. وعلموا في أي كرسي يجلس كل مُصلٍ. وحينما كانوا يرون أن شخصا ما غير موجود كانوا يأخذون كل المُصلين للتحقيق. وكانوا في حالات اخرى يطرقون أبواب البيوت في منتصف الليل ولم يتجرأ أحد على ألا يفتح. وكانوا يصرخون: ‘الويل لكم اذا لم تُبلغونا أن أحدا يريد الهرب’. وفي الاعلانات التي عُلقت في المدارس والكُنس هددوا من لا يكشف عن معلومات بالسجن، ولهذا لم نودع الجيران كي لا نُعرضهم ونُعرض أنفسنا للخطر’.
لكن قبل خروج العائلة من البيت بلحظة تقدم منهم جار يهودي وقال لهم: ‘أرى أنكم تغادرون. فاذا لم تدعوني أنضم إليكم فسأُبلغ عنكم’. ووافق الوالدان غير مُختارين على ضمه الى الرحلة ايضا. وقاد مُهرب عربي اليهود الفارين في البرد والوحل. ‘بكت أختاي الصغيرتان وتعبت أمي ايضا’، يتذكر ايتسيك ج. ‘جاءت بنعلين عاليين وقالت في مرحلة ما ‘ستوب’، لم أعد قادرة على الاستمرار’. وأعطاها المهرب نعليه وأخذ نعليها وكسر الكعبين واستمر يقود المسيرة. وسرنا في هدوء وأعطونا ‘أرقام حديد’ كي لا نضيع في الظلام. وحينما مررنا بالقرب من برج حراسة سوري كان يستطلع المنطقة بمصابيح قوية انبطحنا على الوحل الى أن مر الخطر. وحينما وصلنا الى النهر قسمنا المُهرب لمجموعتين. فاجتازت النساء والاولاد أولا. وفي منتصف النهر أفلتت يدي يد المُهرب وكدت أغرق. ولا أشك في أن موجودا ما حرسنا من أعلى. كانت هناك قوى عليا.
هيلل: ‘بعد أن اجتزنا النهر جلسنا في الظلام نرتجف من البرد، وكنا جائعين حتى الموت. وأدخل أبي يده في جيبه وتبين له أن كل المال الذي خُصص للمهربين قد ابتل. وخشي ألا يوافقوا أن يقودونا لانهم لم يساعدونا إلا للمال لا حباً بالصهيونية’. والى اليوم ما يزال في ظهر هيلل أثر من جدار الأسلاك الذي اجتازه لدخول تركيا، حيث حصل المُهربون على الأوراق المالية التي كانت قد جفت. ونام أبناء العائلة عند عائلة محلية واستمروا في طريقهم في سيارة الى مدينة اسكندرون حيث انتظرهم مبعوث الوكالة اليهودية الذي أخذهم الى فندق. وبعد أن ارتاحوا قليلا سافروا في حافلة الى اسطنبول، لكن أوقفهم في الطريق رجال شرطة أمروا الرجال بأن يعرضوا وثائقهم.
‘لم أنس تلك اللحظة’، يستعيد ايتسيك ج. ‘كنت أجلس بالقرب من النافذة، ورأيت أن رجال الشرطة يوقفون الرجال في صف وقلت في نفسي: انتهى الامر، اجتزنا السوريين بسلام كي يُمسك بنا الاتراك’. وبعد نصف ساعة حينما عاد الرجال الى الحافلة كشف لي أبي عن أن مبعوث الوكالة رشى الضابط’.
بعد ذلك بيومين حصلوا على جوازات جديدة وركبوا طائرة وهبطوا في تل ابيب. ‘كانت أضواء اللد أجمل منظر رأيته في حياتي’، يقول ايتسيك ج. متأثرا. ‘لم يخطر ببالنا أننا حينما نذهب الى المدرسة سيشير الاولاد إلينا ويسموننا ‘عربا’. وقد تحرشوا بنا لأننا فقط لم نعرف العبرية’، يقول مُتذكرا.
‘سمونا نحن ايضا ‘عربا’، لكننا ضربنا كل من تجرأ على فتح فمه ضربا شديدا’، يشهد الوكيل ايتسيك د.، إبن عم هيلل وايتسيك ج. الذي يخدم هو ايضا في 8200. وهو ايضا من مواليد حلب جاء الى البلاد في 1980. وكان آنذاك في التاسعة من عمره وكان الأصغر بين ثمانية إخوة: ‘كان عند أبي دكان وكان وضعنا الاقتصادي جيدا. لكننا شاهدنا في التلفاز صور اريك شارون وموشيه ديان وقلنا إننا نريد أن نكون معهما. وفي اليوم الذي غادرنا فيه أبلغني والداي أننا خارجون في نزهة. وبعد 11 ساعة كنا في اسرائيل. وكانت الكلمات الاولى التي سمعتها في الارض المقدسة هي ‘سيكون على ما يرام’، لكنه لم يكن أي شيء على ما يرام في البدء. واليوم وأنا في السن التي كان فيها أبي حينما نهض وخرج من سورية، اسأل نفسي كيف كانت عنده الشجاعة ليترك حياته خلفه. وأقول بكامل الصدق إنني لست على يقين من أنني أستطيع ذلك’.
يُعرف ايتسيك د. نفسه بأنه ‘ متيم بالدولة’، لكن في أعياد تشري (العبري) تثور فيه الأشواق الى الكنيس في حلب. إن ابن أخيه يوم طوف، الذي استمع منه للحكايات عن 8200 يسير في طريقه ويوشك أن يتجه الى الضابطية. ‘كان واضحا عندي أن هذا هو مكاني’، يعلن. ‘تشبعت بتراث الوحدة من سن الصفر’.
ذكريات عن ايلي كوهين
تزوجت احدى شقيقات هيلل وايتسيك ج. في البلاد ابنا للعائلة س. التي هاجرت من دمشق. وقدمت العائلة الى سلاح الاستخبارات ثلاثة أبناء: الوكيل ايتسيك س. (43)، زوج الشقيقة، وهو يخدم خدمة دائمة مع أخويه يهوشع (40) ويوسي (41)، وكلاهما برتبة مساعد أعلى. وقد رضعوا الصهيونية من قصص البطولة الشخصية لأبيهم الذي حاول أن يهرب من سورية عندما كان في السادسة عشرة. ‘هرب أبي مع اصدقائه الى لبنان. لكن سائق سيارة أجرة عرف أنهم ليسوا محليين، سلّمهم الى الشرطة اللبنانية. وكشف المحققون اللبنانيون عن أنهم يهود هربوا من دمشق وأعادوهم الى سورية. وطُرح أبي واصدقاؤه في السجن وعُذبوا بالصعق الكهربائي’. يقول ايتسيك. س الذي ولد وترعرع في حي اليهود (حارة اليهود) في العاصمة السورية.
عال الأب النجار أبناءه الخمسة بكرامة. وقد عاشوا في بيت خاص ذي ساحة كبيرة. ودرس ايتسيك. س في المدرسة اليهودية موسى بن ميمون. ويقول شاهدا: ‘كان وضعنا حسنا، لكن كل الجماعة اليهودية في دمشق كانت صهيونية. وفي الكنيس كانوا يتحدثون عن بيغن وعن اريك شارون البطل الذي يجعل العرب يهربون، وعن الجاسوس ايلي كوهين ايضا الذي كان يشتري الأدوات النحاسية من دكان المصنوعات القديمة لعائلة أمي.
وحينما اعتُقل ايلي كوهين اعتقل رجال أمن أبناء عائلتها واقتلعوا أظافرهم على أمل أن يستخلصوا معلومات منهم’.
ونُفذ هربهم بالفعل في 1987 بفضل زوجة الجار التي احترقت بحادثة سيارة وحصلت على رخصة للذهاب جوا الى سويسرا كي تُجرى عليها جراحة لزرع الجلد. ‘توجه زوجها هناك الى سفارة اسرائيل وقال إنه توجد في دمشق عائلات يهودية تريد الهرب. وبعد وقت ما جاء إلينا شخص غريب، وعرّف نفسه بأنه مُهرب وأعطانا نصف ورقة مالية لتكون علامة تعريف’، يقول ايتسيك. س ‘أتذكر آخر سبت لنا في سورية.
كان يوجد توتر في الجو. وقد نقلنا الكتب المقدسة التي كانت في بيتنا الى الكنيس، لأن أبي خشي أن يحرقوا البيت حينما يتبين أمر الهروب. وحينما استدعى سيارتي أجرة ذكر أسماء مسيحية كي لا يثير الشُبهة. فتحول يوسي الى جوجو، وايتسيك الى زوكي ويهوشع الى جوشوع.
وسأل السائق: ‘الى أين تسافرون؟’ وأجبنا بالاجماع: ‘الى عرس أقرباء في حلب’. وحينما وقف السائق خشي أبي أن يكون قد اتجه ليهاتف السلطات لينم عنا، ودعا الله بصوت عال الى أن عاد السائق الى سيارة الأجرة يحمل السجائر التي اشتراها’.
ما زال ايتسيك ويهوشع ويوسي يتذكرون الهدوء المخيف الذي صاحب خطواتهم (‘لم يسقسق عصفور كما كانت الحال حينما أُنزلت التوراة، حتى إن الاطفال الصغار فهموا أنهم اذا بكوا فسنموت جميعا’) الى أن اجتازوا الحدود الى تركيا.
وبنصيحة من المُهربين توجهوا الى الشرطة التركية وعرّفوا أنفسهم بأنهم لاجئون من سورية يطلبون اللجوء. ولم يكشفوا لرجال الشرطة عن مسار الهرب كي لا ‘يُحرقوه’ على اليهود الذين سيأتون بعدهم.
واختبأ أبناء العائلة مدة اربعين يوما في فندق عرّفوا أنفسهم فيه بأنهم مسلمون. ‘احتفلنا هناك برأس السنة سرا’، يقول يوسي. ‘وفي مساء يوم الغفران حينما جاءت جوازات السفر طرنا الى اسرائيل.
وسكنا في بات يام ولم ألقَ هناك ظواهر عنصرية موجهة الينا، لكننا علمنا أن أبانا يتعذب. فقد تحول من شخص ذي طبيعة زعيم الى انسان عاجز. وكيف يُطعم أولاده حينما لا يوجد عمل ولا مصدر رزق؟’.
بعد سنتين من هجرة يوسي الى البلاد جُند للجيش الاسرائيلي ووصل الى الوحدة 8200. ‘قدمنا أسهامات للوحدة وكافأتنا بحسب ذلك. وترعرعت فيها.
ولولا أنني أُدمجت فيها لما كان شك في أنني كنت سأصبح شخصا آخر. أنا فخور بحقيقة أننا نحن الثلاثة أنا وأخويّ تم اختيارنا ممتازين لهيئة القيادة العامة. وليس هذا شيئا يمكن الافتخار به على مسامع الرفاق، لكن من يعرف يعرف وحسبُنا ذلك’.
أشواق الى دمشق
لم تكف أصابع يوسي العشر كي يعد أبناء العائلة الآخرين الذين ساروا على آثارهم: ‘هذه عندنا قاعدة ذهبية. فكل من يبلغ سن التجنيد يتجه الى هذه الوحدة. إن التحدي هو أن نكشف في أسرع وقت ممكن عما يخطط له العدو ويكون الرضا حينما ننجح في الكشف عن أسرار العدو قبل أن يستطيع أن يخطو الخطوة الاولى. وحينما يسأل الاباء ‘ما الذي تفعلونه بالضبط؟’ نُجيب ‘نفعل شيئا مهما’. وهم لا يُصرون على أن يعرفوا فهم الذين علمونا الحفاظ على الأسرار’.
في كل رحلة الى الشمال تقودهم أقدامهم وكأنما من تلقاء نفسها نحو هضبة الجولان. فيقتربون من الحدود ويحاولون النظر الى ما وراء الجدار. يقول ايتسيك ج.: ‘لا نرى شيئا بالمنظار، لكن ذلك يصنع لي شيئا ما فيثير الذكريات. إنني أشتاق الى الاماكن التي أمضيت طفولتي فيها؛ والى الحدائق الواسعة التي كنا نقضي العطل فيها. وأقول للاولاد إنني ولدت هناك وأُحدثهم عن حسن حظهم لأنهم ولدوا في ارض حرة كاسرائيل. إن سورية دولة عدو لكنني ما زلت أحبها كما يعشق مخطوف خاطفه. وحينما يشارك منتخب كرة القدم السوري في بطولة آسيا أشجعه’.
‘ هل كنتم تريدون العودة لزيارة سورية لو استطعتم؟
‘ يوسي: ‘أريد الزيارة لكنني لا اؤمن بأن هذا سيحدث في الفترة القريبة. لا نستطيع أن نعلم الى أين ستقود الحرب الأهلية سورية. ويبدو هذا الآن بعيدا عن الأفق’.
‘ ايتسيك س: ‘اؤمن بأن المتمردين سيحاولون تحويل سورية الى دولة ديمقراطية، لكنني أشك في أن يصمد ذلك. لا اؤيد الاسد ولا المتمردين، بل اؤيد الانسانية’.
‘ ما الذي تشعرون به حينما ترون الصور الفظيعة التي تأتي من هناك؟
‘ يوسي: ‘أنا مثل كل انسان زعزعتني صور الاولاد الذين قُتلوا بالهجوم الكيميائي. وفُجر كنيس ‘النبي الياهو’ في حي جوبر في دمشق، وهو أقدم كنيس في سورية، حيث مسح الياهو اليسع نبيا بحسب ما يقول التراث، وسُلب. وأريد أن أزور سورية زيارة خاطفة لأراه فقط’.
‘ هل من أجل كنيس فقط؟ أما كنت تريد أن تأكل الحمص السوري في دمشق؟ أليس هذا حلم السلام؟
‘ يبتسم يوسي: ‘أصبح الحمص الاسرائيلي موجودا عميقا عميقا في فمي، لكنهم كانوا في المقبرة في المدينة في فطومة يبيعون ألذ حمص، لم يكن حبا بل كان مطحونا مع الطحينية ومُتبلا بصورة جيدة’. ويخالفه أخوه ايتسيك بقوله: ‘من الواضح أن مأكولات سورية ولبنان أفضل بكثير من مأكولات الدول الاخرى في العالم. كنت في مطعم المدرسة أشتري بعد الدراسة فلافل رائعة. لم تكن على صورة كرة كالفلافل الاسرائيلية بل كانت مستديرة وفيها ثقب’.
‘ اذا قرأ أحد ما في سورية هذا التقرير فماذا تريدون أن تقولوا له؟
‘ ايتسيك س: ‘أقول له إن أيدينا ممدودة للسلام وإننا مستعدون لتقبل كل انسان يأتينا بصورة صادقة. لكننا من جهة ثانية متأهبون دائما’.
يديعوت أحرنوت
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: