Friday, October 25, 2013

طرابلس... فاتورةُ تبدّل المعادلات

طرابلس... فاتورةُ تبدّل المعادلات

الجمعة 25 تشرين الأول 2013،     الياس قطار - "صدى البلد"
ليست المشهدية جديدة في طرابلس. وليس جديداً الارتقاء ببعض النظريات القائلة إن الشمال ضحيّة جغرافية كبيرة للأزمة السورية. الجديد في المنطقة التي تغلي منذ أيامٍ مع سقوط هدنةٍ لم تكن هدنةً بروز نظريّتين متباعدتْين عن حقيقة الشرارة التي أيقظت مارديْ باب التبانة وجبل محسن: إما أن تصدق التبانة بعزوها التقاتل الى احتضان الجبل متورطين في تفجيري طرابلس، وإما أن يصدق الجبل بتوجيهه أصابع الاتهام الى السعودية المُحرَجة من التقارب الأميركي-الإيراني ومشهديات الانفتاح الجديدة إقليمياً.
قد يخلط مقتل القيادي العسكري في الحزب العربي الديمقراطي بسام عبدالله أمس كلّ الأوراق على إيقاع التحوّلات المتسارعة سوريًّا، وقد لا يكون وقع الاغتيال كبيراً أمام محاولات الحزب إبعاد الشُبهات “عن أهلنا في التبانة” مقابل إصرار قيادات التبانة أنفسهم على أن عبدالله واحدٌ من مئات من سقطوا ويسقطون يوميًا. وفيما تضيع طاسة القاتل والمقتول في بحر الأسباب والإسقاطات، واقعان ثابتان لا ثالث لهما: الجيش في قلب المعركة ومصادر التصويب عليه كثيرة بلا من يتبناها، وأهالي طرابلس ملّوا هذا التوتّر والإصرار على جعل مدينتهم ومناطقهم وأحيائهم “فشّة خلق” لكلّ تقاربٍ إقليمي أو لكلّ تقدمٍ ميداني يحرزه الرئيس بشار الأسد أو المعارضة ميدانياً وسياسيًا.


حوافز وتأثيرات حتمية
في حال النظر الى الوضع الطرابلسي من منافذ المظلة الإقليمية-الدولية الكبرى، ولا يمكن إلا النظر اليه من هذه الزاوية، تتضح جملة عناصر يرصدها الكثيرون على أنها حوافز وإن لم تكن كذلك فلها تأثيراتٌ حتمية: أولاً التقارب الأميركي-الإيراني لا يرضي أنصار السعودية في لبنان، خصوصًا أن هذا التقارب يصبّ في أول المطاف ونهايته في خانة بقاء الرئيس الأسد الذي يشكّل نقطة الخلاف المركزيّة في طرابلس المنقسمة، ما يعني أن أيّ تقدمٍ يُحرزه الأسد في سورياه لا بدّ أن ينعكس تراجعاً في الوضع بين معارضيه في طرابلس وهم كثر ومؤيديه أو حتى “ممثليه” في جبل محسن تحديداً. هذه الفرضية تقود الى العنصر الثاني والمتجسد في تحقيق الأسد نقاطًا جديدة في مسار الأزمة السورية على حساب المعارضة المنقسمة على ذاتها والتي لم تأخذ بعد على نفسها كلمةً موحّدة إزاء مشاركتها أو عدمها في مؤتمر جنيف 2 ليقينها بأن النتائج لن تكون في صالحها. ثالثاً وهو العنصر الأكثر أهمية، لا يرضي أنصار السعودية في لبنان، وتحديداً في طرابلس، أن تكون المملكة خارج منظومة التحوّلات، وهو ما يحيل “فشّة الخلق” المُمتَعَض منها حلاً إلهائيًا لم تكن نتائجه سوى استشهاد مواطنين وإصابة ورحيل آخرين، وصولاً الى المطالبة بحلّ الحزب العربي الديمقراطي.


خسارة للتبانة قبل الجبل
وإذا كانت أسباب الاشتعال الجديد متضاربة لا بل غارقةً في حسابات أكثر من فريق ضمن نطاق طرابلس وباب التبانة وجبل محسن، فإن الروايات شأنها شأن الفوضى التي تعمّ المكان. بالنسبة الى الدولة الخطّة الأمنية لم تُطبّق بعد للحديث عن سقوطها أو تلاشيها بل ما تشهده المنطقة ليس سوى بوادرها وأكثر دقةً تطويق محاولات الإخلال بالأمن التفجيرية بعد تفجيري المسجديْن. وبالنسبة الى جبل محسن مقتل عبدالله هو الحدث والفاعلون “موتورون مجرمون”، أما على جبهة باب التبانة فالحكاية محلية لا إقليمية والمجرمون المفجّرون أيضًا مع ارتباطاتٍ خارجية معروفة. وفي هذا المضمار، أكد مسؤول الإعلام في “الحزب العربي الديمقراطي” عبد اللطيف صالح لـ “صدى البلد” أن “الشهيد عبدالله هو خسارةٌ لباب التبانة قبل أن يكون خسارة لجبل محسن لأنه لم يكن قائداً عسكرياً بل قائداً ميدانياً وأكثر من ذلك قائد مصالحة وكان له تواصل دائم مع فاعليات التبانة وعلى رأسهم إمام مسجد معروف. ونحن كحزب عربي ديمقراطي نستوعب فورة عائلته وغضبها”. إذاً القول إنه خسارة للتبانة يعني أنها بريئة من دمه؟ يجيب صالح: “طبعاً التبانة بريئة، قد يكون موتورٌ هو من أقدم على هذا العمل لإيقاظ التوتر بيننا”. ولكن هذا الوعي لمَ لا يُترجَم ميدانياً بين المنطقتين؟ يعلق صالح: “من جهتنا هو مترجمٌ، فأمننا في قبضة الجيش ونحن لم نشارك في هذه المعركة نهائيًا. والمعارك يخوضها موتورون في المنطقتين ومخلون في الأمن وغير منضبطين. حتى الجيش يعلم أننا لم نشارك في هذه المعركة”. إذاً الاستهداف هو للجيش؟ يضيف: “حكماً ولكن ليس من باب التبانة بل من بعض عصابات بندر بن سلطان”. هل تفضي هذه التهمة من جانبكم الى تثبيت فرضيّة تحويل طرابلس مسرحاً للسعودية للردّ على التقارب الأميركي-الإيراني أم أن في الأمر مبالغة؟ يختم صالح: “كل ما يحصل في لبنان سببه السعودية ومعركة القلمون التي يتوعّدون بها خير دليل على هذا الكلام، حتى إنهم قالوا: جبل محسن مقابل عرسال. بدأت المرحلة الأولى في جبل القلمون وتوازيها على ما يبدو المرحلة الأولى في جبل محسن”.


هم افتعلوا المشكلة
من جهته، تساءل عضو هيئة العلماء المسلمين الشيخ نبيل رحيم عبر “صدى البلد”: “لمَ سيتحوّل المشهد الطرابلسي إذا قُتِل الشخص الأول اليوم (أمس) في جبل محسن فيما استشهد المئات في طرابلس، فهل روح هذا الشخص أغلى من باقي الأرواح؟”. ولكن جبل محسن لا يتهمكم بل يقول إن موتورين يضربون الجيش؟ يتلقف رحيم: “موتورون يضربون الجيش؟ التبانة لا تضرب الجيش”. إذاً من هما طرفا هذه المعارك؟ يجيب: “بعض العناصر من المنطقتين والجيش يردّ على مصادر النيران من أي جهةٍ أتت”. اليوم كثرٌ يقولون إن هذا التضييق على الحزب العربي الديمقراطي هو وليد إقصاء السعودية من المنظومة الانفتاحية التقاربية؟ يختم رحيم: “ما يحصل في طرابلس لا علاقة له بالمستجدات الإقليمية وبالتقارب الأميركي-الإيراني-السوري، جلّ ما في القصّة أن هناك تفجيرات شهدتها طرابلس ذهب ضحيتها 51 شهيداً ومئات الجرحى وثبت أن هناك متورطين من جبل محسن نطالب بتسليمهم للدولة اللبنانية. إذا كانوا لا يثقون في فرع المعلومات فليسلّموهم للأمن العام. نحن لا ننكر أن هناك بعض الشباب في طرابلس غير منضبطين ولكن من افتعل المشكلة هو الحزب العربي كما بات الجميع يعلمون”.


هذا هو الخوف الحقيقي
اليوم، وفي غمرة ما تشهده طرابلس والذي لن ينتهي قريباً رغم كلّ محاولات الامتصاص التي أطاحها اتهام عناصر من جبل محسن بالضلوع في التفجيرين، يخشى الكثيرون أن تكون معركة الردّ على المتغيرات الإقليمية تُخاض عبر جهاز أمن محلي هو ليس سوى فرع المعلومات الذي لا “يهضمه” عددٌ كبيرٌ من أبناء المدينة وجوارها المؤيدين للأسد وحليفه الشيعي اللبناني. فهل تدفع طرابلس فاتورة متغيراتٍ أكبر منها ومن موقعها ما يجعلها نقطةً سخيفة في بحر الحسابات الأميركية-السورية-الإيرانية-القطرية ومجرّد ورقةٍ رخيصة يُلوّح بها بين حين وآخرٍ لكشح النظر أو للتنفيس أو لنقل الصراع؟
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: