رغم التشدد إسرائيل تراجع مواقفها من إيران النووية
خرجت إسرائيل عن طورها وهي تحتفي بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عند وصوله أمس لزيارتها في أعقاب عرقلته لمحاولة أميركا إبرام اتفاق مع إيران يتضمن تخفيف العقوبات. وبدا أن إسرائيل بهذا الاحتفاء تمارس فعل النكاية بالإدارة الأميركية التي انتقل إليها الخلاف الداخلي بشأن الاتفاق من عدمه مع إيران وبأية شروط. ومعروف أن جانبا من الخلاف الدائر في الولايات المتحدة، سواء داخل الإدارة أم بين الإدارة ومجلسي الكونغرس بشأن إيران هو في الحقيقة ترجمة للخلاف القائم بهذا الصدد بين أميركا وإسرائيل.
ومع ذلك يلحظ عدد من المعلقين الإسرائيليين أن عرقلة الاتفاق مع إيران ليست بالضرورة بشارة خير لإسرائيل. ويعتقد البعض أن حكومة إسرائيل أساءت لنفسها جدا بظهورها في موقع متصادم مع الإدارة الأميركية ومع القوى العظمى حتى وإن وقفت فرنسا إلى جانبها. وتعود الإساءة أساسا إلى ظهور إسرائيل بمظهر من يحدد للعالم جدول أعماله وشروط حركته. وقد ظهر جزء من هذه الإساءة في التعليقات في الصحافة الأميركية والعالمية التي رأت أن لا شيء يرضي إسرائيل سوى قيام العالم بشن الحرب على إيران وتدميرها. ويستند هؤلاء إلى حقيقة أن إسرائيل، خلافا للدول الكبرى، حاولت طوال الوقت المحاججة بأن ليس من حق إيران أن تمتلك أي مشروع نووي لأن مثل هذا المشروع، ورغم كل الضمانات، سوف يقود آجلا أم عاجلا إلى امتلاكها القنبلة النووية.
ويجزم بعض المعلقين الإسرائيليين أن إيران، في كل الأحوال، باتت دولة حافة نووية وأن الخلاف حول ما إذا كانت تحتاج لأسابيع أم لشهور لانتاج القنبلة يغدو أمرا غير ذي شأن. ويوضح هؤلاء أن إسرائيل في الجوهر، ونتيجة للموقف المتشدد أصلا، حرمت نفسها من امتلاك المرونة التي تسمح لها بأن تكون في الموقع الذي يسمح لها بالتأثير في الموقف العالمي عموما والأميركي خصوصا. فإسرائيل كانت منذ البداية ضد العقوبات الاقتصادية وترى أنها لن تحقق الغاية المرجوة منها في تركيع إيران وإبعادها عن طريق المسار النووي. ولكن، ورغم التقدم الهائل الذي حققته إيران في مشروعها النووي سواء بإقامة المنشآت والمفاعلات الكبيرة أم بتعدد المسارات من امتلاك أجهزة الطرد المركزي للتخصيب أو إنشاء مفاعل أراك للمياه الثقيلة الذي ينتج بلوتونيوم، فإن إسرائيل صارت تتمسك بالعقوبات. وأمس فقط أعلن بنيامين نتنياهو أن إيران تحت ضغط اقتصادي هائل وأن بوسع مواصلة هذا الضغط عليها بل وتكثيفه أن يقود إلى نتائج أفضل بكثير لحل دبلوماسي بطرق سلمية.
ويبدو أن نتنياهو يحاول في الفترة القريبة إبداء مرونة لم يسبق له أن أبداها في طريقة تعامله مع الشأن الإيراني. ورغم أنه عاود هو ووزير دفاعه موشي يعلون الحديث عن الخيار العسكري والتلويح به إلا أنهما صارا أقرب إلى الواقع في مطالبهم. فلم يعد مطلب الضربة العسكرية ملحا كما كان، وتحولت الوجهة نحو المطالبة بحل دبلوماسي أفضل. ولم يعد المطلوب منع إيران من امتلاك مشروع نووي وإنما صار مطلوبا التشدد في ضمان التزامه بأن يكون لأغراض مدنية، بل إن قضية تخصيب اليورانيوم لم تعد الشأن الأبرز حيث صار التركيز على إغلاق مفاعل أراك لإبعاد إيران عن مسار المياه الثقيلة والبلوتونيوم وهو أصعب، ملاحظة انتقاله للوجهة العسكرية.
ومن المقرر أن يكثف نتنياهو اتصالاته هذا الأسبوع مع ضيفه الفرنسي ثم يسافر إلى العاصمة الروسية يوم الأربعاء ليتداول مع الرئيس فلاديمير بوتين في الشأن الإيراني قبل أن يلتقي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم الجمعة. وقد مهد للقاء كيري بمحاولة تخفيف التوتر عبر الإشادة به وتكريسه ليس فقط صديقا لإسرائيل بل هو صديق شخصي قديم له. وتأتي هذه الأقوال الرقيقة بعد حملات شديدة شنها سياسيون وإعلاميون إسرائيليون ضد كيري بوصفه الشخص الذي «يقامر» بأمن إسرائيل ولأنه بات «شخصا غير مرغوب به». وذهب بعض المعلقين إلى حد اتهامه بـ«خيانة» إسرائيل ليس فقط لأنه حاول إبرام اتفاق مع الإيرانيين، وإنما كذلك لأنه هدد بانتفاضة فلسطينية ثالثة إذا فشلت المفاوضات. وفي كل الأحوال، فإن الوجهة ليست منع إبرام اتفاق مع إيران وإنما تحسين شروط هذا الاتفاق عبر مواصلة الضغط، لأن إيران، وفق اعتقاده، في ضائقة، ولأن هذا موقف يتوافق عليه «كثيرون في المنطقة وخارجها أيضا».
ومن الجائز أن جانبا من «اعتدال» أو «مرونة» نتنياهو المستجدة بشأن إيران تنبع من إدراكه لواقع أن الغرب عموما وأميركا خصوصا ضجروا من الحروب التي دمرت اقتصاديات وعرضت السلام العالمي للخطر وبات الجميع أكثر ميلا للحلول السلمية. ولكن لا أقل من ذلك الخشية، كما سلف، من أن يشكل استمرار ظهور إسرائيل معزولة حتى عن أصدقائها موضع خطر استراتيجي بارز. وقد لخص تسفي بارئيل في «هآرتس» جانبا من هذه المخاوف في مقالته بعنوان «قصف الولايات المتحدة» التي جاء فيها: «إذا لم يتركونا نقصف ايران فسوف نقصف اميركا. يبدو أن هذه هي الاستراتيجية الاسرائيلية الجديدة لمواجهة التهديد الايراني... ولولا أن الحديث عن ازمة جدية جدا لأمكن أن يكون الحوار الشديد اللهجة وغير المهذب بين بنيامين نتنياهو وجون كيري أساسا ممتازا لانعطافة يوجه في نهايتها بنيامين نتنياهو لطمة مجلجلة الى كيري ويعلن الرئيس اوباما في الخلف قائلا: «نحن نستسلم».
ومع ذلك، فإن إسرائيل وهي تتعامل مع الشأن الإيراني لا تنسى عواقبه الإقليمية عموما وعلى الجبهة اللبنانية السورية خصوصا، وهو ما تبدأ به وتنهي المقالة المركزية هنا.
0 comments: