Wednesday, December 18, 2013

هؤلاء هم أخطر الإنتحاريّين...

هؤلاء هم أخطر الإنتحاريّين...

الأربعاء 18 كانون الأول 2013،    ي س. البستاني - 

من عبارة "عليّ وعلى أعدائي يا ربّ" التي أطلقها "شمشون الجبّار" قُبيل تدميره بيديه العاريتين "معبد داجون" في غزّة القديمة قبل 2900 عام تقريباً، بحسب ما تقول الأسطورة المُتوارثة بخلفيّات دينيّة، مروراً بقصّة "فرسان المعبد" المسيحيّين الذين صَدَموا عمداً سفينة معادية من نصفها ليغرقوا وإياها في خضمّ الغزوات الصليبيّة، وبالطيارين اليابانيّين (كاميكاز) الذين فجّروا طائراتهم بسفن أساطيل الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى التفجيرات في لبنان وفلسطين والعراق وسوريا وغيرها... سلسلة طويلة من العمليّات الإنتحاريّة الدمويّة التي بلغت في المرحلة الأخيرة نمطاً تصاعدياً، يتخوّف الكثيرون من أن يتحوّل لبنان معه، إلى ساحة مفتوحة للإنتحاريّين وللعمليّات الإنتحاريّة. فهل هذه الخشية في مكانها، ومن هم أخطر الإنتحاريّين؟
نعم، بكل تأكيد خطر تحوّل لبنان إلى ساحة للتفجيرات الإنتحاريّة قائم وبنسبة مرتفعة. والسبب ليس في غياب حكومة فعّالة أو قانون إنتخابي منصف، كما يدّعي البعض، بل نتيجة ربط الوضع السياسي اللبناني بشكل كامل بالحرب السورية المستمرة بضراوة. وهذا الربط تمّ نتيجة مراهنة فريق كبير من اللبنانيّين على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، في مقابل رهان فريق ثان لا يقلّ عدداً على سقوط الرهان على المعارضة السورية. وقد تُرجم هذا الربط تدخّلاً مباشراً في العمليّات القتالية، تسليحاً وتمويلاً من أكثر من طرف وجهة، وبلغ الذروة مع التورّط الكامل لمقاتلي "حزب الله" في المعارك الدائرة في الداخل السوري، مع التذكير أنّ هذا التدخّل تدرّج من حماية بعض الأماكن الدينيّة المحدّدة وبعض القرى الحدوديّة، ليتحوّل مع الوقت إلى إنغماس كامل في الحرب. وليس سرّاً، أنّ التدخّل اللبناني إستجلب عداء الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة التي تستخدم أسلوب القتل المُمَنهج الذي لا يستثني لا دور عبادة ولا مدنيّين آمنين، والتي لن تفوّت فرصة لإلحاق الأذى بخصومها وبمن يؤيّدهم.
وإذا كان الإنتحاريّون العقائديّون الذين ينفّذون عمليّة نوعيّة ضد مركز عسكري كبير، أو ضد مقرّ سياسي مهم، أو ضدّ شخصيّة قياديّة محدّدة، هم بضرباتهم أشدّ فتكاً وتسبّباً بالألم للخصوم، فإنّ الإنتحاريّين الذين يَستَسهلون قتل أنفسهم في مقابل "ثمن زهيد" بالمعنى الدموي للكلمة – إذا جاز التعبير، هم أخطر الإنتحاريّين على الإطلاق، والسبب أنّ الإنتحاريّين العقائديّين والذين يقومون بعمليّة محدّدة بهدف واضح، يمكن مواجهتهم عبر تشديد إجراءات الحماية حول مختلف المراكز والأماكن التي يمكن أن تكون هدفاً مهمّاً لضرباتهم. أمّا الفئة الثانية من الإنتحاريّين، فهي تتكوّن عادة من أشخاص تغلّب اليأس عليهم، بحيث صاروا يخطّطون لتنفيذ مطلق أيّ ضربة عشوائية، ضد مطلق أيّ هدف، وبغض النظر عن العدد المتوقّع للإصابات التي سيوقعونها في مقابل إنتحارهم. وهؤلاء لا يتردّدون في تفجير أنفسهم بحاجز عسكري لا يتجاوز عدد عناصره أصابع اليد الواحدة، أو في ضرب السور الخارجي لمكان محصّن بهدف التهويل، وكذلك على مهاجمة مختلف أنواع الأهداف المدنيّة البريئة. فالفشل في إستهداف شخصيّات سياسية مهمّة، أو مراكز عسكريّة فعّالة، أو في تنفيذ عمليّات إنتحاريّة يمكن أن تغيّر المعادلات قائمة، يزيدهم يأساً، ويدفعهم إلى التهوّر أكثر في طبيعة إستهدافاتهم. وهم غالباً ما يلجأون إلى القتل العشوائي الذي لا يغيّر أيّ واقع، بل يهدف إلى إلحاق الأذى، مهما كان صغيراً، بداعي الإنتقام فقط لا غير.
والمشكلة الكبرى أنّ هذا النوع الثاني من الإنتحاريّين يتصرّف ضمن خلايا صغيرة جداً، بتمويل محدود جداً، وبما تيسّر من عبوات أو متفجّرات تصل إلى أيدي هذه الخلايا التي باتت منتشرة بكثرة في مناطق لبنانية عدّة، بحسب أكثر من تقرير أمني وإعلامي. ومع هذا الواقع، وفي ظلّ إستشراس الصراع في سوريا، لا حول ولا قوّة لنا، سوى التمنّي بعدم نجاح مرور سيارة مفخّخة من الحدود السورية، أو من أحد المخيّمات الفلسطينيّة في الداخل اللبناني، أو من مطلق أي كاراج يُفترض أن يكون لأعمال الميكانيك والحدادة وليس للتفخيخ!
في الختام، لا بدّ من التذكير أنّ النظرة إلى العمليات الإنتحارية تختلف تبعاً لهويّة منفّذيها وللجهة المُستهدفة. فمثلاً تفجير سفارة تابعة للولايات المتحدة الأميركية، يوصف من قبل خصومها بالعمليّة الإستشهاديّة البطوليّة، بينما إستهداف سفارة تابعة لإيران يُعتبر من قبل هؤلاء عمليّة إرهابيّة جبانة، وهنا كل المشكلة التي نعاني منها في لبنان حالياً، لأنّ المنفّذين يرون في عمليّاتهم التي لا يصحّ وصفها إلا بالإرهابيّة، شأنها شأن غيرها من العمليّات الإنتحاريّة، خاصة تلك التي تستهدف المدنيّين أيّا تكن هويّتهم، يعتبرونها جهاداً في سبيل ما يؤمنون به من عقائد تنشد الثأر والإنتقام، علماً أنّها ذُرِعَت في رؤوسهم، تارة بغسل دماغ ديني، وطوراً بإغراء جنسي...

Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: