الثوار يعززون من قوتهم في سوريا: "الجبهة الإسلامية"
3 كانون الأول/ديسمبر 2013
يشكل الاندماج الأخير للعديد من جماعات الثوار السوريين لتشكيل "الجبهة الإسلامية" أحد التطورات الأكثر أهمية في الحرب الدائرة في سوريا. ورغم أن المعارضة السياسية والعسكرية تعرضت للتشرذم منذ فترة طويلة، إلا أن المنظمة الجامعة الجديدة تضم تحت لوائها سبع جماعات بقوة إجمالية يتراوح قوامها ما بين 45,000 و 60,000 مقاتل تحت قيادة واحدة. كما أنها تربط القتال في الشمال والجنوب. بيد أن الأمر الأكثر لفتاً للانتباه أن هذه الجبهة تؤكد المشاكل التي ستواجهها واشنطن عند تحديد السياسة التي ستتبعها في سوريا في الفترة المقبلة.
من هم هؤلاء؟
تم الإعلان عن تشكيل "الجبهة الإسلامية" رسمياً في 22 تشرين الثاني/نوفمبر، وهي تضم جماعات من ثلاث منظمات مظلية سابقة وهي: "الجبهة الإسلامية السورية"، و"جبهة تحرير سوريا الإسلامية"، و"الجبهة الإسلامية الكردية". وقد انضمت "حركة أحرار الشام الإسلامية" و "كتائب أنصار الشام" و "لواء الحق" التابعة إلى "الجبهة الإسلامية السورية" إلى هذه الجبهة الجديدة، مثلما فعلت "الجبهة الإسلامية الكردية" بشكل إجمالي وألوية "صقور الشام" و "لواء التوحيد" و "جيش الإسلام"التي كانت تابعة إلى "جبهة تحرير سوريا الإسلامية" سابقاً. ولم تدرج الحكومة الأمريكية أياً من هذه الجماعات كمنظمة إرهابية أجنبية.
ورغم أن هذه الجماعات أبقت من قبل على أسمائها تحت راية "الجبهة الإسلامية السورية" و "جبهة تحرير سوريا الإسلامية"، إلا أنها لم تعد تفعل ذلك مع "الجبهة الإسلامية"، على الرغم من أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت لإلغاء الأسماء الأصلية تدريجياً. وقد تأكد ذلك في نفس يوم الإعلان عن تشكيل "الجبهة الإسلامية"، عندما أصدر زعيم "الجبهة الإسلامية السورية" حسان عبود توجيهاً بحل منظمته.
وقد تم بالفعل توزيع المناصب القيادية في "الجبهة الإسلامية" بين خمس من الجماعات السبع.
· زعيم "مجلس الشورى" : أبو عيسى الشيخ من "صقور الشام"
· نائب المرشد العام لـ "مجلس الشورى" : أبو عمر زيدان حجي حريتان من "لواء التوحيد" -
· رئيس "المكتب السياسي" : حسن عبود من "حركة أحرار الشام الإسلامية"
· رئيس "مكتب الشريعة" : أبو العباس الشامي من "حركة أحرار الشام الإسلامية"
· رئيس "العمليات العسكرية" : زهران علوش من "جيش الإسلام"
· "الأمين العام" : الشيخ أبو راتب من "لواء الحق"
وعلى الرغم من أن "حركة أحرار الشام الإسلامية" - التي يُرجح أن تكون الجماعة الأكبر - لم تستحوذ على المنصب القيادي الأعلى، إلا أن سيطرتها على المكاتب السياسية والشرعية سيجعل لها رأيا هاماً في قضايا أساسية.
وحظيت "الجبهة الإسلامية" بدعم من العديد من الفاعلين المحليين الرئيسيين.
· 22 تشرين الثاني/نوفمبر : رجل الدين الدمشقي البارز الشيخ أسامة الرفاعي
· 23 تشرين الثاني/نوفمبر : رئيس "الهيئة العامة للعلماء السوريين"، الشيخ أحمد نجيب
· 23 تشرين الثاني/نوفمبر : رئيس "رابطة العلماء السوريين"، الشيخ ممدوح جنيد
· 23 تشرين الثاني/نوفمبر : رئيس "جبهة علماء حلب"، عبد الله محمد سلقيني
· 25 تشرين الثاني/نوفمبر : رئيس مجموعة من رجال الدين من "الثورة السورية في إدلب"، عبد المنعم زين الدين
· 29 تشرين الثاني/نوفمبر : رئيس "المجلس العسكري الأعلى"، سليم إدريس
وهذا الدعم يمنح "الجبهة الإسلامية" مساندة دينية محلية هامة من كل مركز من مراكز المدن الكبرى في سوريا. وقد صدرت تهنئة إدريس من موقف ضعف - فـ "المجلس العسكري الأعلى" الضعيف والمدعوم من قبل الغرب أصبح يفقد أهميته وتأثيره بصورة أكثر منذ أن قررت إدارة أوباما عدم اتخاذ إجراءات ضد نظام الأسد في أعقاب استخدامه الصارخ للأسلحة الكيماوية في أواخر آب/أغسطس.
ما الذي يريدون الحصول عليه؟
بعد أربعة أيام من الإعلان عن تشكيل "الجبهة الإسلامية" أصدرت الجماعة ميثاقاً رسمياً. وهناك شبه كبير بين الصياغة الأساسية للوثيقة وما كتبته "الجبهة الإسلامية السورية" في كانون الثاني/يناير، لكن النسخة الجديدة مليئة بالكثير من العموميات، ويرجح أن يكون الغرض من ذلك هو استيعاب الأفكار المختلفة بين الجماعات الأعضاء. وهناك بعض من هذه النقاط التي تستحق تسليط الضوء عليها.
أولاً، يدعو الميثاق لإقامة دولة إسلامية وتطبيق الشريعة رغم أنه لا يحدد ما يعنيه هذا على نحو دقيق. وتقف "الجبهة الإسلامية" بحزم ضد العلمانية والتشريع البشري (أي أنها تعتقد أن القوانين تأتي من الله، وليس من الناس)، وتشكيل حكومة مدنية وإقامة دولة كردية منفصلة. وينص الميثاق على أن الجماعة ستؤمن حقوق الأقلية في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد وفقاً للشريعة الإسلامية - وقد يقصد بذلك تطبيق نظام "أهل الذمة" أو فكرة المواطنة من الدرجة الثانية بحكم الأمر الواقع بالنسبة للمسيحيين وغيرهم من الأقليات، بيد أن هذا لم يتقرر بعد. كما تتطلع "الجبهة الإسلامية" إلى توحيد الفصائل الثورية الأخرى طالما تتفق هذه على الإقرار بسيادة الله. وتتردد حالياً بعض الشائعات حول إمكانية انضمام "الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" الذي مقره في الجنوب.
والهدف الرئيسي لـ "الجبهة الإسلامية" هو "الإطاحة بالنظام" ويشمل ذلك "وضع نهاية لسلطته التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى جانب مؤسساته العسكرية والأمنية فضلاً عن المحاكمة العادلة والنزيهة لكل من تورط في سفك دماء الأبرياء ومن ساندهم". ويشير ذلك إلى أن الجماعة ليست لديها أي نية للمشاركة في عملية المفاوضات التي ستنعقد في جنيف. وعلى نحو مواز، وقَّعت ست من الجماعات السبع المنضمة لـ "الجبهة الإسلامية" بياناً مشتركاً مع فصائل أخرى في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر أعلنت فيه أن "جنيف 2" هي مؤامرة وحذرت فيه بأن المشاركين من الثوار سيحاكمون بتهمة الخيانة أمام محاكم ثورية.
وفي الوقت نفسه، يشير الميثاق أيضاً إلى أن "الجبهة الإسلامية" مستعدة للتعامل مع الفاعلين الدوليين طالما أنهم لا "يظهرون أي عداوة أو خصومة تجاهها". كما أن لدى العديد من الجماعات المنضمة إلى "الجبهة الإسلامية" علاقات فضفاضة أو غير رسمية مع المملكة العربية السعودية (وأبرزها "جيش الإسلام") وكذلك مع قطر وتركيا من خلال بعض المنظمات غير الحكومية مثل "هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية" و منطمة "الخيرية".
وأخيراً، يدعم الميثاق وجود المقاتلين الأجانب في الثورة السورية، فقد جاء فيه: "هؤلاء أخوة وقفوا بجانبنا في الصراع ونحن نقدر دعمهم ونقدم لهم الشكر لما يقدمون لنا. ونحن مطالبون بضمان سلامتهم". ولذا فمن غير المرجح أن تقدم "الجبهة الإسلامية" على تسليم هؤلاء المقاتلين أو طردهم من سوريا عندما ينتهي الصراع الدائر حالياً. وفي الواقع، إن بعض "الجماعات الإسلامية" تضم في صفوفها منظمات خيرية أجنبية، أبرزها "هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية".
العلاقات مع الجهاديين العالميين
يصعب تحديد مقدار الأهمية التي يمكن إيلاؤها لبيانات "الجبهة الإسلامية" والتي تشير إلى العالم الإسلامي بأسره بدلاً من سوريا وحدها، حيث إن الشعار الرئيسي للجماعة هو "مشروع الأمة". واستناداً إلى المعلومات المتداولة والإجراءات السابقة للجماعات الأعضاء، لا يوجد أي مؤشر على أن "الجبهة الإسلامية" مهتمة بتأسيس الخلافة - وغاية الأمر أن المنظمة مهتمة بالتضامن مع الأخوة المسلمين والقضايا التي تمثل أهمية بالنسبة لهم. وبعبارة أخرى، إن "الجبهة الإسلامية" تختلف تماماً في نظرتها عن نظرات الجماعات الجهادية العالمية مثل "جبهة النصرة" و«الدولة الإسلامية في العراق والشام».
بيد أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن "الجبهة الإسلامية" سوف تنفصل تماماً عن الجهاديين وتصبح على غرار حركة "الصحوة" في العراق في العقد الماضي. فهناك علاقات عمل وثيقة تربط "الجبهة الإسلامية" مع "جبهة النصرة" وإلى حد أقل مع «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، رغم شكها في نوايا الجماعة الأخيرة وأساليبها. وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر، صرح علوش قائلاً إن أعضاء "جبهة النصرة" كانوا أخوة في الجهاد لمقاتلي "الجبهة الإسلامية"، بينما قال أبو راتب الشيء ذاته عن «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في 1 كانون الأول/ديسمبر، الأمر الذي يؤكد أن الجماعتين لا تكنان العداء لبعضهما البعض. بيد أن تشكيل "الجبهة الإسلامية" خلق الحد الأدنى على الأقل من المخاوف داخل دوائر جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث إن كلاً منهما ينافس الآخر.
وبالإضافة إلى ذلك، صدرت تعليقات إيجابية من قبل شخصيات جهادية عالمية رئيسية حول تأسيس "الجبهة الإسلامية". فقد نشر المُنظِّر السوري الشيخ أبو بصير الطرطوسي تعليقاً إيجابياً على صفحته على الفيسبوك تحدث فيه عن "المقاومة الإسلامية للنظام السوري"، بينما قال عالم "جبهة النصرة" سلطان بن عيسى العطوي إنه سيدعم "الجبهة الإسلامية" طالما أنها لا تقيم علاقات مع الغرب أو النظم العربية "الملحدة". وفوق كل هذا وذاك، نشر محمد المحيسني - وهو نجم صاعد في مجتمع الجهاديين وممول رئيسي لجهود الثوار في شمال سوريا - مقطع فيديو يؤيد فيه "الجبهة الإسلامية". كما أن المُنظِّر الأردني إياد قنيبي يبدو الآن أكثر تقبلاً للجماعة بعد أن أعرب عن بعض التشكك في البداية.
الخاتمة
إن "الجبهة الإسلامية" ليست جبهة جهادية عالمية، كما لم تصنفها الولايات المتحدة كمنظمة داعمة للإرهاب على غرار "جبهة النصرة" و «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، غير أنها جماعة قائمة على أسس أيديولوجية قوية، الأمر الذي جعل تعاون الولايات المتحدة معها أو مساندتها لها أمراً غير ملائم :فهي ترفض المشاركة في "جنيف 2"، كما ترفض الديمقراطية وحقوق الأقليات. بيد أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة قد يقررون مساندة "الجبهة الإسلامية" على أي حال، مما يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة للثوار أنفسهم وآمال إدارة أوباما التي تنعقد على أن تفلح "جنيف 2" في إرساء السلام بسوريا. إن تحديد طريقة التعامل مع هذه المنظمة سيشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لواشنطن.
هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن.
0 comments: