انطلق جنيف 2...فما المتوقع ؟ العميد أمين حطيط جريدة البناء
كنا نستبعد انعقاد جنيف ـ 2 انطلاقا من فهمنا لحقيقة الموقف الاميركي من الحل السلمي للقضية السورية فاميركا شاءت من عدوانها على سورية ان تدمر هذا البلد وتعيد رسم خريطته السياسية والاستراتيجية بما يناسب مشروعها في المنطقة والعالم وبما يريح أتباعها أو من تسميهم حلفاءها وشركاءها في الإقليم. وحتى اللحظات الاخيرة كنا نشكك بانعقاد المؤتمر لان اميركا في دراستها للواقع تعلم انه اذا انعقد في ظرف اختلال التوزان لمصلحة الحكومة السورية لن يعطيها او لن يعوضها ما خسرته في الميدان او ما عجزت عنه عبر العمليات الارهابية التي نفذها ولا زال ينفذها جيشها الخفي المتعدد العناوين والمتحد تحت تسمية تنظيم «القاعدة»
.
لكن وفي الاسابيع الاخيرة طرأ على المشهد ما حمل اميركا على القبول بعقد المؤتمر لانها رأت أن الاستمرار في التسويف لن يكون في مصلحتها خصوصاً وانها في مقارنة سريعة للواقع القائم اليوم ولما كان عليه الحال في عام 2012 عندما صدر اعلان بيان جنيف ـ 1 وجدت ان رصيدها تآكل بشكل هائل وأن ما كان يمكن الحصول عليه في السياسة يومها استنادا للمعادلات القائمة آنذاك هواكبر بكثير مما يمكن الحصول عليه اليوم استناداً للمعادلات الجديدة التي تحكم المشهد.
لذلك استجابت اميركا لمتطلبات الحل السلمي بعد ان أُجبرت على التراجع عن التهديد بالحل العسكري في الصيف الماضي ولكن اضمرت الخديعة حتى تعوض خسائرها في الميدان بمناورات احتيالية وتلفيقية تلعبها على طاولة التفاوض. ولأجل ذلك عادت وحركت بجنيف ـ 2 من دون ان تقطع الصلة والمراهنة على العمل العسكري الذي اوكلت امره للسعودية ومنحتها فرصة الأشهر الثلاثة التي جددت لثلاثة اخرى انتهت مع مطلع العام الجاري.
ومع هذه الحقيقة يطرح السؤال الكبير الذي يتمثل بالقول لماذا قبلت سورية بالذهاب الى جنيف ـ 2 وهل لها مصلحة في الحضور بعد هذه الدعوة المفخخة الى المؤتمر وجدول الاعمال الملتبس والغامض والذي يمكّن البعض من تأويله بما يخالف المصلحة السورية أولاً وبما يقفز فوق حقائق الميدان ومستجداته خلال الاشهر الـ 18 التي مضت بعد اعلان جنيف في 30 حزيران 2012. كما وحضورها في غياب إيران أهم طرف دولي مؤيد لسورية وحقها بالسيادة وقرارها المستقل وفي مواجهة حشد من اطراف جلهم من التابعين لأميركا وبعضهم كان ولا يزال متحشدا في تجمع ما يسمى «اصدقاء الشعب السوري» وهوالتجمّع الذي يضم الأعداء الحقيقيين لسورية وشعبها والذين مارسوا ضده عدواناً متعدد الأشكال بما في ذلك سياسة الحصار والعقوبات والتجويع.
كان يمكن لسورية ان ترفض الحضور وهي اصلاً تحفّظت على بيان جنيف ـ 1 وتمسكت برفض اي تدخل خارجي في قرارها او مس بسيادتها ولكنها كانت لو رفضت ستعطي الخصم ورقة ثمينة جداً تظهرها رافضة للحل السلمي ومصرة على القتال وأعمال العنف حتى والإرهاب الذي يرميها الخصم به ولكن الحضور مع ذكاء في التصرف كان سيفتح لها المجال أو يتيح لها فرصاً ثمينة جداً ترتد عليها بشكل إيجابي للغاية اذا أُحسن استعمالها واستغلالها.
والآن وقد حصل ما حصل وعقد المؤتمر بحضور 40 طرفاً دولياً نعود ونطرح السؤال: ما الذي حققته سورية او خسرته جرّاء مشاركتها في مونترو الذي اطلق جنيف ـ 2؟
لا شك بأن شعوراً بالمرارة والمعاناة النفسية عاشته سورية والسوريون لمجرد نظرتهم الى مؤتر دولي يبحث شأناً داخلياً لهم أضف اليه ما عاناه الوفد السوري حتى وصوله الى قاعة المؤتمر وقد عبّر عنها رئيس الوفد بوجدانية بالغة واصفاً تلك اللحظات التي التأم فيها المؤتمر وباشر اعماله بانها من اصعب اللحظات. ولكن لوتذكرنا بان الحرب التي تجري على الارض السورية هي حرب كونية تنخرط فيها مباشرة او بصورة غير مباشرة اكثر من 133 دولة منها 83 دولة ترسل الارهابيين للقتال في سورية لأمكن التخفيف من هذا الشعور نوعاً ما لأن من يسعى لوضع حدّ للحرب وتحديد خسائرها قد يضطر للتفاوض مع المعتدي بعد ان يكون لقنه في الميدان درساً يلزمه فيه بالتراجع عن العدوان وهكذا فعلت سورية.
وعلى صعيد المكاسب نستطيع ان نسجل لصالح الوفد السوري في مونترو برئاسة وزير الخارجية وليد المعلم انه طرح القضية بشكل منهجي مدروس مزج فيه العاطفة بالعلم والمنطق وقدم الوقائع التاريخية والميدانية بشكل واقعي وموضوعي وأخرج نصّاً متماسكاً واضحاً عرض فيه لتاريخ الأزمة السورية وحقيقة ما يجري في سورية وأسمع العالم عبر مئات محطات التلفزة التي نقلت النص مباشرة على الهواء حقيقة ما يجري في سورية وطبيعة العدوان الإرهابي الذي يستهدفها بدعم وقيادة خارجية وهي حقيقة غيّبها الإعلام الأصفر وخنقتها موجات البترودلاور مؤكداً بأن ما يجري هو عدوان بيد إرهابية وليس ثورة بايد وطنية وتالياً هناك فارق كبير بين الارهاب وداعميه وبين الثورة التي يقوم بها وطنيون ولمصلحة وطنية.
ومن جهة اخرى ومن خلال الكلمات التي القيت في المؤتمر خصوصاً كلمات بعض الأطراف ذات الحيثيات الخاصة نستطيع أن نقول بأن الوفد السوري وقف على تحوّل في مواقف الكثير من الدول واقترابهم من الموقف السوري لجهة ضرورة محاربة الارهاب والأولوية في ذلك بما يمكن من استخلاص عناصر مشهد دولي جديد لحل الأزمة السورية يقوم على عناصر ثلاثة أولها أن الحل لا يمكن أن يكون إلا سلمياً والثاني أن أي سلطة يبحث عنها تحت تسمية سلطة انتقالية في سورية لا يمكن ان تكون الا توافقية برضى الجميع والحكومة السورية طبعاً أول هؤلاء وأخيراً ضرورة وقف العنف وأعمال الإرهاب الجارية على الأرض السورية بأي شكل من الأشكال.
وفي هذا السياق نسجل خرقاً كبيراً في مواقف أطراف كانت حتى الأمس القريب تقف موقف العداء للدولة السورية وتناصر العدوان عليها. فكان مثلاً موقف ألماني يؤكد على الحكومة السورية بوجوب مواجهة الإرهاب وموقف مغربي يتمثل بالقول ان لا فائدة من البحث في حل سلمي مع وجود عنف وإرهاب وموقف مصري متمسك بقوة بوحدة سورية من دون اي مسّ ما يعني بدء تحول دولي للاخذ بالمقولة السورية القائمة على فكرة محاربة الإرهاب اولاً والبحث عن حل سلمي بين السوريين وعلى أرض سورية بعد ذلك والمحافظة على وحدة التراب السوري في كل الاحوال.
والآن يبقى سؤال اخر يتعلق بمسار الأمور بعد أن انطلق مؤتمر جنيف وهنا نرى أن المؤتمر لن يكون محلاً لإنتاج حل خارجي يفرض على سورية على حد ما قال وزير الخارجية الصيني وأن الحل لن يكون الا نتيجة تفاوض وحوار بين الأطراف السوريين حوار سيكون مواكباً من الدول الاساسية المتابعة للملف وبصورة خاصة اميركا وروسيا وإيران التي لن يؤثر استبعادها عن حضور الافتتاح على دورها في الوصول الى مخرج وحل . نعم سيكون حوار فيه اخذ وردّ ومساومة بين معسكرين معسكر الشرعية ومحاربة الارهاب ومعسكر شهوة السلطة والاغتصاب.
وسيتأثر هذا الحوار أو قل المواجهة في الغرف المقفلة بمجريات الارض والميدان والمعادلات التي ترسم فيها. وفي هذا الإطار سيكون المعسكر الاول الممثل بالوفد السوري الرسمي في الموقع التفاوضي الأقوى من وجوه عدة فهو يمثل الشرعية الدستورية والشعبية وهو المسيطر على معظم المساحة السورية وهو الذي يملك القوة العسكرية المتماسكة التي تستطيع ان تتابع مهامها في محاربة الإرهاب. أما الوفد المعارض فهو واهن في اكثر من جانب إنه أولاً لا يمثل كل من يسمي نفسه معارضة سورية وهو لا يكاد يمثل اكثر من 20 من هذه المعارضة على اكثر تقدير. ثانياً هو لا يملك سلطة او سيطرة على الارض أو على الجماعات المسلحة التي تناهض الدولة. ثالثاً هو لا يملك قراره بعد ان جاء صنيعةً او منتجاً اميركياً بأموال سعودية خليجية.
وعلى هذا الأساس فإن ما يمكن توقعه من مؤتمر جنيف الذي انطلق بالشكل والظروف التي ذكرنا لن يعدو أحد امرين: الاستجابة للواقع والحق الذي يتمسك به الوفد االسوري الرسمي خلافا لما يشتهي الاميركي والسعودي او فشل الوصول الى حل والاستمرار في المواجهة في الميدان مع تطور مخاطرها على الجوار والزام هذا الجوار بالتدخل ليحمي نفسه عبر تجفيف مصادر الارهاب المنطلقة من اراضيه....والمسألة لن تكون محددة بالايام والاسابيع.
0 comments: