إيران وسوريا ومصر
ذي هيل
10 كانون الثاني/يناير 2014
تسعى الولايات المتحدة الآن إلى إبرام اتفاقات في جنيف مع كل من إيران وسوريا - وهما نظامان معاديان قمعيان ودكتاتوريان منذ وقت طويل. وفي الوقت نفسه، تنأى الولايات المتحدة بنفسها عن مصر - وهي حليف رئيسي منذ وقت طويل اتسم نظامه الحاكم بالاستبداد نوعاً ما. وإذا أعدنا صياغة مقولة تاليراند يمكننا القول إن هذا أسوأ من النفاق، إنه موقف خاطئ.
ويقول الداعمون لهذه السياسة بأن الفارق هو أن الولايات المتحدة تقوم في الحقيقة بتقديم الدعم لمصر - ولهذا ينبغي على واشنطن أن تستخدمه كنقطة نفوذ لتعزيز الديمقراطية هناك. ولكن بعيداً عن حقيقة أن هذا الدعم لا يؤتي ثماره، فإنه أيضاً يقلب المنطق رأساً على عقب. فالدعم المقدم لمصر ليس منة أو فضلاً في مقابل الديمقراطية ولكنه استثمار لدى حكومة صديقة تدعم مصالح أمريكية حيوية وهي: مكافحة الإرهاب والوصول الاستراتيجي والسلام مع إسرائيل والعلاقات الجيدة مع الدول العربية الرئيسية المنتجة للنفط. ولكن نرى اليوم مرة أخرى مشهداً عبثياً للولايات المتحدة التي لا تحاول مممارسة الضغط سوى على أصدقائها - وليس على أعدائها - لكي يقوموا بإصلاح أنظمتهم السياسية الداخلية.
وعطفاً على ذلك، يضيف الاتفاق النووي التكتيكي الحالي مع إيران عدة أسباب جديدة لتعزيز العلاقات الأمريكية مع مصر وليس لتقويضها. أولاً: هذا من شأنه أن يساعد في إعادة طمأنة حلفاء الولايات المتحدة الغاضبين من السياسية الأمريكية - من الخليج إلى إسرائيل وما وراءها بأن الولايات المتحدة سوف تبقى إلى جانب أصدقائها - على أن تكون مصر في القلب من اهتمامها على وجه الخصوص. ثانياً: من خلال دعم حلفاء الولايات المتحدة وخياراتها في المنطقة، فإن ذلك سيكون بمثابة حافز إضافي لإيران يدفعها إلى التفاوض على اتفاق نووي مقبول طويل الأجل. ثالثاً: العلاقات القوية مع مصر تعتبر بمثابة بوليصة تأمين جيدة لتقوية دائرة التحالفات الإقليمية الأمريكية الأساسية في حال ما فشل الاتفاق مع إيران.
والحجة الأخيرة لأنصار مدرسة "قطع المساعدات" هو أن من شأن ذلك أن يكون في صالح مصر لأن الضغط للقيام بإصلاحات هو وحده الذي سيعزز الاستقرار على المدى الطويل هناك. ولكن إذا ما نظرنا إلى النزاع بين الجيش و «الإخوان» الذي محصلته صفر، فمن المرجح في الواقع أن يسبب الدعم المتذبذب للحكومة المصرية إلى تشجيع ألد خصومها على شن حرب جهادية ضدها - وبالتالي يؤدي إلى تصاعد العنف والحُكم على 90 مليون مصري بمزيد من المعاناة. وبذلك ينتهي الأمر بالمؤيدين لسياسة ممارسة الضغوط من أجل الديمقراطية إلى إثارة حالة عدم الاستقرار البالغة التي يزعمون أنهم يسعون لتجنبها. وفي ضوء جميع الأسباب المذكورة، فإن المستقبل السياسي لجماعة «الإخوان» في مصر هو ليس في مصلحة الولايات المتحدة.
وفي مقابل ذلك، كان الركن الأساس في العلاقات الأمريكية المصرية هو التعاون العسكري فيما بينهما. حيث لعبت علاقة واشنطن الأمنية الإستراتيجية عميقة الجذور مع أقوى جيش عربي دوراً بارزاً في حربها ضد تنظيم «القاعدة» وعمليات مكافحة الإرهاب و أمن الطاقة الإقليمي والجيوسياسي. ولكن سياسة إدارة أوباما الحالية تجاه مصر تعرّض هذه المصالح المشتركة إلى الخطر.
ويأتي مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية إلى مصر في مقدمة تلك المخاوف. حيث أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية بياناً في 9 تشرين الأول/أكتوبر جاء فيه أنه سيتم تعليق بعض المساعدات، ولكن يمكن استئنافها "عند إحراز تقدم حقيقي نحو قيام حكومة مدنية شاملة لجميع الأطياف مُنتخَبة بطريقة ديمقراطية". ومع ذلك، يبقى معنى "الشمولية" غير واضح. فهناك شريحة واسعة جداً من المصريين تم إدماجها في العملية السياسية منذ الإطاحة بنظام مرسي. وحتى أن بعض السلفيين الذين يُعتبرون أكثر الحركات الإسلامية المحافظة في مصر غدوا جزءاً من العملية.
وحتى أن الجناح السياسي لجماعة «الإخوان» - "حزب الحرية والعدالة" - قد تمت دعوته في البداية للمشاركة في المرحلة الانتقالية التي بدأت في 3 تموز/يوليو. ولكنهم رفضوا الدعوة وظلوا غير معترفين بهذه الأحداث. وتحول هذا الرفض إلى حملة لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء حيث بدأ قادة «الإخوان» في تحريض جماهيرهم في ساحات التظاهرات على استخدام العنف ضد الدولة المصرية وضد الداعمين للإطاحة بمرسي من المدنيين. وأدى ذلك إلى اعتقال العديد من قادة «الجماعة». ولكن هناك كبار رموز «الإخوان» خارج السجن مثل عمرو درّاج الذين لم يقبلوا بعد بالواقع السياسي الجديد الموجود على الأرض.
وفي ظل هذه الظروف، فإن التصور الذي يلوح في الأفق بأن البيت الأبيض عازم على إدراج «الجماعة» المحظورة في العملية السياسية المصرية سيسهم في المزيد من زعزعة الاستقرار في البيئة الجيوسياسية في الشرق الأوسط. فتعليق المساعدات نال ترحيباً من جماعة «الإخوان» الأمر الذي شجعهم بشكل غير مباشر على الاستمرار في التمرد والعصيان. أما الجهاديون والإرهابيون في سيناء - الذين اغتالوا وارتكبوا عشرات الهجمات الإرهابية ضد الجنود المصريين - فهم يرحبون بأي قرار يصدره أوباما والذي يُضعف من القوات المسلحة المصرية - عدوهم الأوحد في هذه المرحلة - أو يشكل ضغطاً عليها.
وكان الوزيران الأمريكيان هاغل وكيري داعمين للحكومة الانتقالية في مصر حيث أقر كيري على الملأ بأن مصر "تستعيد الديمقراطية". وأوضح أن "تدخل الجيش كان انصياعاً لمطلب الملايين والملايين من المصريين" بعد "أن سُرقت الثورة من قبل الكيان الأكثر تنظيماً في الدولة - وهو جماعة «الإخوان»". ولعل هذه التصريحات تبدو متناقضة مع تلك التي أدلت بها [مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي] سوزان رايس التي أكدت على أنه "بعد استخدام الحكومة الانتقالية .... للعنف المفرط ضد المدنيين فإن الولايات المتحدة أوضحت جلياً أنه لا يمكن لنا أن نفعل أشياء كالمعتاد".
لذا يجب تسوية التوتر الداخلي بشكل سريع ويكون ذلك مستوحى من المصالح الإستراتيجية الواضحة للولايات المتحدة. وبالنظر إلى التعريف الجديد والضيق الذي صاغه الرئيس أوباما لهذه المصالح الأساسية في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل بضعة أشهر، فإن إدارته (وحلفاؤها في الكونغرس) ليسوا بحاجة للتظاهر بأن مصر تتبنى نظاماً ديمقراطياً بالكامل. وسوف يكون الاستفتاء القادم على الدستور في شهر كانون الثاني/يناير - والذي وافق الاتحاد الأوربي أن يشرف عليه مؤخراً - مناسبة مبكرة ملائمة لكي تستأنف الولايات المتحدة تقديم المساعدات الكاملة لمصر. وفي هذا الشرق الأوسط المضطرب، لم تكن العلاقة الأمريكية المصرية على نفس القدر من الأهمية الذي هي عليه الآن. ولا يزال الاتفاق الخاص بإيران ومؤتمر جنيف الثاني القادم بشأن سوريا يضيفان مجموعة أخرى من الأسباب الوجيهة لاستعادة تلك العلاقة الهامة بدلاً من تقويضها من خلال استمرار تعليق المساعدات.
عادل العدوي هو زميل الجيل التالي في معهد واشنطن. ديفيد بولوك هو زميل كوفمان في المعهد ومدير منتدى فكرة.
0 comments: