ألمانيــا وإســرائيــل: "عــلاقـــات خاصـــة" فــي أزمـــة
Mon, 01/13/2014 —
بقلم: إيلي بردنشتاين
تجري زيارة وزير الخارجية الألماني حديث العهد فرنك وولتر شتانماير، الحالية إلى إسرائيل والذي يعتبر صديقها، على خلفية تآكل متواصل في العلاقات الخاصة بين ألمانيا وإسرائيل. مجموعة أقلية في الإدارة الألمانية، مثلما من جانب كريستوف هويسغن، المستشار الأسطوري وشديد القوة لأنجيلا ميركل لشؤون الأمن القومي، تقود خطا واضحا هدفه إحلال "تطبيع للعلاقات مع إسرائيل". وبكلمات أخرى، على إسرائيل أن تحصل على شرعية لأن تنزع عن ظهرها الدين والمسؤولية التاريخيين، وتقيم مع إسرائيل علاقات ككل الأمم، تقوم على أساس المصالح.
تعكس هذه العملية مزاجا متعاظما في الرأي العام الألماني. ومع أنها تدريجية، إلا أنها على ما يكفي من الوضوح كي يستوعبوا في القدس الرسالة: إسرائيل بقيت وحيدة في أوروبا. الرأي العام الأوروبي معاد لسياسة الاستيطان، وإن إسرائيل لا يمكنها أن تعتمد حتى على ألمانيا في يوم الضائقة – وهذه هي صديقتها الكبرى في العالم القديم. أما باقي الأصدقاء الكبار فقد فقدتهم إسرائيل قبل ذلك. وهكذا يتضح من نقاش داخلي جرى في مؤتمر السفراء الأسبوع الماضي.
القصة تنشر هنا لأول مرة وتعكس تآكل العلاقات. الموعد هو أيلول 2012. الفلسطينيون يعتزمون طرح مشروع قرار في الجمعية العمومية للأمم المتحدة لرفع مكانتهم والاعتراف بهم كدول مراقبة.
وكان التقدير في القدس أن إسرائيل لن تنجح في إحباط القرار. وطرح وزير الخارجية ليبرمان فكرة تجنيد صديقه، وزير الخارجية الألماني في حينه غيدو فاسترفيلا في مهمة طموحة. الهدف: أن تعمل ألمانيا على تجميع أغلبية أوروبية واضحة من الدول التي تمتنع عن التصويت.
وجاء الاقتراح أيضا للتسهيل على ألمانيا كي لا تدحر إلى الزاوية مع موقف سياسي يميل في صالح إسرائيل بالنسبة لجيرانها. النهج الذي يقوده ليبرمان يستهدف مساعدة أصدقاء إسرائيل على مساعدتنا. غير أن ليبرمان يتفق مع فاسترفيلا على أنه إذا ما فشلت الخطوة تعود ألمانيا إلى موقفها التقليدي وتعارض الاعتراف الفلسطيني. فاسترفيلا يوافق. وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مطلعا على الخطوة، وتحدث في الموضوع مع فاسترفيلا في لقائهما.
غير أن ألمانيا فشلت. فاسترفيلا لم ينجح في تجنيد أغلبية من الدول الممتنعة. وفي لحظة الحقيقة انتهكت ألمانيا الاتفاق مع ليبرمان ونتنياهو وامتنعت عن التصويت، بدلا من المعارضة فيه. ولو كان الأمر بيد هويسغن، لكانت ألمانيا أيدت في التصويت. واستشارت ميركيل محافل مختلفة منها الملحن وعازف البيان دانييل برننباوم مستغلة مرة أخرى الضعف السياسي لفاسترفيلا. فقررت انتهاك الاتفاق مع إسرائيل والامتناع في التصويت.
أما إسرائيل فتميزت غضبا. ألمانيا كانت سندها الأخير في غرب أوروبا. وكان هذا انتهاكا فظا لاتفاق ثنائي. مس بالتأييد غير المتحفظ لإسرائيل وإضعافا لمكانتها في أوروبا.
جرى في الأيام التي تلت ذلك حديث عسير جدا، ارتفع إلى نبرات عالية، بين مستشار الأمن القومي في حينه يعقوب عميدرور وبين هويسغن، مستشار ميركيل. ولكن ما حصل لا يمكن إعادته إلى الوراء.
برلين لا تصدق نتنياهو
برلين لا تصدق نتنياهو حين يقول إنه يؤيد حل الدولتين. برلين غير مقتنعة بأن نتنياهو تحرر من تراث أبيه بالنسبة لبلاد إسرائيل الكاملة.
المستشار الوافد لنتنياهو لشؤون الأمن القومي، يوسي كوهن التقى مؤخرا هويسغن في برلين. مع تعيينه تساءل هويسغن بسخرية ظاهرة، هل كوهين يعتمر قبعة دينية مثل سلفه. والنبرات في اللقاء كانت متصالحة أكثر بكثير من اللقاءات المتوترة مع عميدرور. وكرر كوهين الرسائل الأساس لنتنياهو في أنه مستعد لحلول وسط أليمة.
رغم النبرات المتصالحة، واصل هويسغن مهاجمة نتنياهو على استمرار البناء في المستوطنات – بما في ذلك في الكتل – التي تدق برأيه العصي في عجلات المسيرة السلمية التي توجد في ذروتها. والبيان الأخير عن بناء 1400 وحدة سكن في المناطق لم تستطبه برلين أيضا.
ميركل، التي شهدت علاقاتها مع نتنياهو صعودا وهبوطا تواظب على جهودها لضمان استمرار العلاقات الخاصة بين ألمانيا وإسرائيل. ضمان ألمانيا لأمن إسرائيل هو جزء من البرنامج الائتلافي للحكومة برئاسة ميركل التي انتخبت مرة أخرى.
"لن نكون حياديين أبدا. إسرائيل يمكنها أن تكون واثقة بدعمنا عندما يكون الحديث عن ضمان أمنها"، قالت ميركل في إحدى المقابلات الأخيرة لها في الموضوع: "أقول دوما إن دعم ألمانيا لأمن إسرائيل هو جزء من فكرتنا القومية. هذا سبب وجودنا".
ورغم الكلمات العالية، تشعر القيادة السياسية في القدس أن ما كان لن يكون، وأن مستوى الدعم الذي اعتادت عليه إسرائيل من ألمانيا انتهى بلا رجعة. يشعرون هناك أكثر فأكثر بالصلة التي يعقدها الألمان بين البناء في المستوطنات والتقدم في المسيرة السياسية، وبين دعمهم الدولي لإسرائيل والمساعدة الأمنية الوثيقة والحيوية لها.
مؤخرا فقط كانت حاجة إلى استثمار مقدرات لا بأس بها لحل مسألة تتعلق بالمساعدات الألمانية الأمنية لإسرائيل.
فضلا عن ذلك، ثمة فارق بين ما يقصده نتنياهو بكلمتي "أمن إسرائيل" وما تقصده بهما ميركل.
الغواصات الخمس نُقلت من ألمانيا إلى إسرائيل، السادسة قيد البناء والتي لغرض ما يصفه الألمان بخيار "الضربة الثانية" حيال إسرائيل. وحسب الصحيفة الألمانية "بيلد"، طلبت إسرائيل من ألمانيا مساعدتها في شراء أسطول سفن يضمن أمن منشآت الغاز في البحر المتوسط.
يحوم في الخلفية تهديد بفشل المفاوضات مع الفلسطينيين، ونيتهم استئناف الحملة الدولية واستمرار الاتصالات بين مجموعة القوى الست وإيران. ولا غرو أن القدس تنتظر ميركل، لتصل مع وزراء حكومتها إلى إسرائيل في نهاية شباط للتشاور بين الحكومتين. فمسائل كثيرة جدا محملة بالمصير لإسرائيل موضوعة على الكفة. نتنياهو ما كان يريد أن يجد نفسه في المعركة دون دعم ألمانيا.
المصدر:
- معاريف
0 comments: