Monday, April 28, 2014

هل غير حزب الله قواعد اللعب جنوب لبنان؟

هل غير حزب الله قواعد اللعب جنوب لبنان؟

Mon, 04/28/2014 

بقلم: عاموس هرئيل

بدت حدود اسرائيل مع لبنان هادئة جدا في جولة قصيرة هذا الاسبوع، لكن قادة كتائب الجيش الاسرائيلي التي ينتشر رجالها على طولها يقولون شيئا مختلفا. اصبحت تجري في توازن الردع بين اسرائيل وحزب الله في الاشهر الاخيرة تطورات جوهرية القليل منها فقط يعلمه المواطنون المهتمون بأمور اخرى من وصول مكابي تل ابيب الى النهائي حتى الجولة النهائية من برنامج طبخ في التلفاز.
في بداية شهر آذار انفجرت في مزارع شبعا عبوة ناسفة كبيرة قاتلة اصابت بالصدفة فقط سيارة مدرعة لسرية مظليين اصابة سطحية. والى الغرب من هناك في منطقة افيفيم، يلاحظ جنود كتيبة الهندسة القتالية نشاطا ظاهرا واضحا لحزب الله الذي أصبح رجاله الآن يتجولون في اوقات متقاربة بالقرب من الشريط الحدودي بثياب مدنية في الحقيقة لكن في سيارات معروفة جيدا لقوة اليونفيل ايضا بل مع حمل السلاح علنا احيانا. والى الشرق على طول الحدود مع سوريا في هضبة الجولان ولا سيما في منطقة جبل الشيخ التي ما زالت تسيطر عليها وحدات سورية موالية لنظام الاسد حدثت سلسلة محاولات تنفيذ عمليات بواسطة عبوات ناسفة واطلاق قذائف صاروخية. وفي أشدها في 18 آذار جرح بتفجير عبوة ناسفة ضابط مظليين وثلاثة من جنوده ما زالت حالة احدهم خطرة.
فسرت وسائل الاعلام سلسلة الهجمات المنسوبة الى التحالف بين سوريا وحزب الله بأنها رد على الحادثة في بلدة جنتا في البقاع في 24 شباط. ففي تلك الليلة هاجم سلاح الجو كما قالت وسائل الاعلام الاجنبية، مخزن سلاح لحزب الله على بعد بضع عشرات الامتار من الجانب اللبناني من الحدود مع سوريا، وهاجم حزب الله الذي كان على نحو عام يضبط نفسه في مواجهة الهجوم على قوافل السلاح المنتقلة اليه وهي ما زالت في داخل سوريا، هاجم ردا على ذلك مزارع شبعا ووقف مباشرة أو غير مباشرة وراء العمليات في الجولان ايضا.
وصف اجراء حزب الله بأنه محاولة لرسم خط احمر لاسرائيل: ففي سوريا يجوز لكم ان تهاجموا لكنكم ستدفعون الثمن اذا اعتديتم على سيادة لبنان. لكن أخذ يقوى الظن في واقع الامر أنه يحدث هنا شيء أعمق وأن حزب الله يحاول أن يُعرف من جديد قواعد اللعب في المواجهة العسكرية مع اسرائيل بعد سنوات من الاستقرار النسبي على طول الحدود. قد تكون سلسلة الحوادث التي جذورها احداث السنة الماضية، تعبر عن نهاية السنوات السبع الهادئة على الحدود منذ كانت الحرب في صيف 2006.
إن التجربة التشكيلية لعلاقة حزب الله باسرائيل هي في نظره نجاحه الكبير ايضا وهو انسحاب الجيش الاسرائيلي من المنطقة الامنية في جنوب لبنان في ايار 2000. ويعتقد رجال الاستخبارات أن ذلك كان التأليف المثالي من وجهة نظر المنظمة بين هويتيها وهما ايديولوجية النضال الجهادي بالهام ايران وكونها لاعبة فعالة في الميدان اللبناني. وبعد الانسحاب ثبت حزب الله نفسه في جنوب لبنان مع سيطرة كاملة على ما يجري هناك واظهار وجود ظاهر متحد لقوات الجيش الاسرائيلي على طول الحدود. وفي الوقت نفسه حافظ على ميدان صراع على نار هادئة في منطقة مزارع شبعا حيث ادعى السيادة اللبنانية على مزارع شبعا. وأحرقت اوراق اللعب في الحرب، فقد فشل الجيش الاسرائيلي في الحقيقة في محاولته أن يهزم حزب الله، لكن قرار مجلس الامن 1701 أبعد رجال المنظمة عن الحدود وانتشرت قوة من الامم المتحدة وجيش لبنان في اماكنهم.
حذر الطرفان بعد القدرة التدميرية التي ثبتت في الحرب أن يتورطا في مواجهة اخرى وحصرا أنفسهما في عمليات مركزة دون اعلان وبعيدا عن الحدود المشتركة في الأكثر. اغتالت اسرائيل بحسب وسائل الاعلام الاجنبية عماد مغنية في دمشق في 2008؛ وحاول حزب الله أن يضرب سلسلة اهداف اسرائيلية في العالم، وفي النهاية قتل خمسة سياح من اسرائيل بعملية انتحارية في بلغاريا في صيف 2012. واضطرت المنظمة ايضا الى أن تغير استعدادها في جنوب لبنان فقد ركزت قياداتها ومخازنها في القرى الشيعية وتخلت عن أكثر القرى المسيحية، وطوت مواقعها في المناطق المفتوحة التي كان الجيش الاسرائيلي يسميها في الحرب ‘محميات طبيعية’.
وحدث تغيير آخر مع نشوب الحرب الاهلية في سوريا في 2011. فقد أوجبت الصلة القوية بالرئيس بشار الاسد الذي وضع في العقد الماضي صناعته العسكرية في خدمة حزب الله، أوجبت على المنظمة الشيعية ان تمد يد المساعدة.
وفي منتصف السنة الماضية نجح الاسد في صد تقدم المتمردين الذين أرادوا اسقاط حكمه بفضل المساعدة الكثيفة التي حصل عليها من روسيا وايران وحزب الله. وينتشر اليوم بين 3500 الى 5000 مقاتل من حزب الله في سوريا ويوليهم النظام المهمات الاكثر حساسية. إن حزب الله لم يحسم فقط لصالح الاسد المعارك التكتيكية المهمة في القصير قبل سنة وفي القلمون في بداية 2014، بل يحرس مقاتلوه الآن أهم المواقع للاسد مع رجال الفرقة العلوية الموالية لنظام الجمهورية.
إن المشاركة في القتال كلفت حزب الله مئات الخسائر من الارواح وانتقادا داخليا شديدا لأنه ورط اللبنانيين في الدوامة السورية. لكن يبدو أن الحديث المتوالي في هيئة القيادة العامة الاسرائيلية عن الازمة الاستراتيجية التي دُفعت المنظمة اليها مبالغ فيه بصورة واضحة. فالمنظمة حشدت تجربة عملياتية مهمة مع ثقة متزايدة بقدرتها العسكرية. وبنت في مقابل ذلك ترسانة فيها عشرات آلاف الصواريخ القادرة على اصابة كل هدف داخل اسرائيل، وعادت فقوت سيطرتها الدينية والاقتصادية على السكان الشيعة في لبنان، لكن نشأ في هذه الصورة عنصر مُغضب من وجهة نظر حزب الله وهو سلسلة الهجمات الاسرائيلية على قوافل السلاح في سوريا منذ مطلع 2013 فما بعد.
يبدو أنه تشكل عند حزب الله رويدا رويدا فهم أن تلك ليست أحداثا نقطية بل هي معركة اسرائيلية ترمي الى ضرب زيادة قوة المنظمة ومنع نقل منظومات سلاح متطورة الى داخل لبنان. وفي أيار الماضي بعد هجومين جويين بالقرب من دمشق قضي فيهما على صواريخ فاتح 110 كانت معدة لحزب الله، أعلن الرئيس الاسد أن هضبة الجولان ‘مفتوحة’ لمنظمات المقاومة أي لعمليات على اسرائيل. وخصص حزب الله الاشهر التالية لتنظيم نفسه استعدادا لامكانية أن يقرر العمل هناك.
إن الخط الفاصل لم يمر بجنتا بل بالضاحية وهي الحي الشيعي جنوبي بيروت. ففي ليلة 3 كانون الاول العام الماضي اغتيل هناك باطلاق الرصاص من مسافة قصيرة حسن اللقيس وهو من كبار قادة الذراع العسكري لحزب الله. وكان ذلك حادثا تأسيسيا من وجهة نظر الامين العام للمنظمة حسن نصر الله. ولم يكن يحتاج الى معلومات استخبارية سرية كي نحزر بالتقريب الحيرة التي واجهتها قيادة حزب الله العليا. من المؤكد أنه وجد من أوصى الامين العام بضبط النفس عن تصور أن المواجهة مع اسرائيل هي سباق ماراثون تُجمع فيه نقاط (ويتم تحمل اصابات) وقتا طويلا. ورأى آخرون أن ذلك تحدٍ مباشر للامين العام. فاذا كانت اسرائيل أو مُرسَلوها (اتهم حزب الله اسرائيل علنا) يستطيعون أن يرسلوا اشخاصا تحت جنح الظلام الى قلب الضاحية فان ذلك أشد إخافة من العبوة الناسفة عند مسند الرأس التي أنهت حياة مغنية. أفلا يدرك نصر الله أنه قد يكون التالي بعد ذلك؟.
كتب توم فريدمان ذات مرة في ‘نيويورك تايمز′ أن الحياة في الشرق الاوسط تجري على نحو يعاكس ما في الغرب: فالزعماء الغربيون يكذبون على جماهيرهم دون أن يطرف لهم جفن، لكنهم حينما يخلو بعضهم الى بعض يقول بعضهم لبعض الحقيقة. وزعم أن المنطق مختلف في العالم العربي فهم يكذبون في الغرف المغلقة لكنهم في تصريحاتهم يقصدون كل كلمة. قال نصر الله في خطبة معلنة بعد اغتيال اللقيس إن لمنظمته حسابا قديما مع اسرائيل (مغنية)، وحسابا جديدا (اللقيس) وحسابا متجددا (أي الصراع كله كما يبدو).
وبعد الخطبة فورا نشر المحلل اللبناني الاقرب الى نصر الله، محرر ‘الاخبار’ ابراهيم الامين مقالة انتهت بالتحذير التالي: ‘توجد رائحة دم على الحدود الجنوبية. إنتظروا وسترون’. وكان ذلك تحذيرا استراتيجيا تقريبا من وجهة نظر اسرائيل فحزب الله يعود الى الحدود مع حضور اظهر ومع عمليات ايضا. وقد بدأ حزب الله معركة تضاد المعركة الاسرائيلية.
وحينها جاء الهجوم على جنتا في شباط. وبعد ذلك بثلاث ساعات أفادت قناة ‘المنار’ وقوع تفجير كبير في البقاع اللبناني ‘في الارض السورية’. ومر يوم ونصف يوم فنشرت الشبكة اعلانا تصحيحيا قالت فيه إن ذلك كان هجوما اسرائيليا في ارض لبنان وإن حزب الله سيرد بحسب ذلك. ويمكن أن نخمن بيقين أن نصر الله وافق على كل حرف في ذلك المنشور. وصيغت الاستراتيجية الجديدة في كانون الاول على إثر ما حدث للقيس وبدأ تنفيذها منذ نهاية شباط بعد جنتا.
ومنذ ذلك الحين استعملت العبوة الناسفة في مزارع شبعا وبُثت عبوتان ناسفتان في هضبة الجولان (شهدتا كتلك التي كانت في شبعا على مستوى فني عالي لمنفذي العملية) وأطلقت قذائف صاروخية على جبل الشيخ.
وكشفت شرطة تايلاند عن خطة لحزب الله لضرب سياح اسرائيليين في بانكوك واعتقلت مواطنين لبنانيين وهي تطارد سبعة آخرين مشتبها فيهم من رجال المنظمة. وعلى حسب ما تقول وسائل الاعلام في تايلاند، جاءت المعلومة التي أفضت الى احباط العملية من الاستخبارات الاسرائيلية.
إن رد حزب الله على الهجوم في جنتا يبدو أنه معركة واسعة يُشك في أن تكون بلغت نهايتها، في مزارع شبعا وفي الجولان وفي الخارج ايضا. وما زالت حدود منطقته وقوته خاضعة للاستيضاح من قبل قيادة المنظمة الشيعية ورعاتها في ايران وسوريا. يبدو أن نصر الله لا يريد حربا اخرى مع اسرائيل، فما زالت جروح 2006 مؤلمة ولا سيما اتهام المنظمة بأنها جلبت الخراب على لبنان عن بواعث خارجية، باستدعائها الرد الاسرائيلي الشديد. ويبدو من جهة اخرى أن نصر الله يدرك أن اسرائيل لا تبحث عن حرب ايضا، وهو مستعد لأن يزيد المخاطرة بل لأن يمضي حتى النهاية كي ينقل رسالة الى اسرائيل ويحذرها ألا تمس مرة اخرى رجاله في لبنان أو جهود تهريب السلاح على الحدود مع سوريا. وأخذ يتشكل واقع استراتيجي جديد منذ كانون الاول، وشباط بقدر أكبر، لم تتضح قواعده الى الآن.
إن الشيء الواضح هو أن حزب الله أخذ يتجرأ لاول مرة منذ 2006 على الهجوم على الحدود مع اسرائيل. وبقي أن نرى هل اجراءاته ردود على خطوات اسرائيل فقط أم سيبادر هو نفسه الى تحرشات جديدة.
تثير هذه التطورات من جديد سؤال هل عملت اسرائيل بالحذر المطلوب في الجبهة الشمالية في السنة ونصف الاخيرة. أولم تفض سلسلة هجماتها المنسوبة اليها من الهجوم على مخازن السلاح في ضواحي دمشق الى الهجوم على موقف السيارات في قلب الضاحية، الى تغيير في توجه حزب الله؟ اذا حدث تصعيد آخر على الحدود فيبدو أنه لن يمكن تجاهل الاسهام الاسرائيلي في ذلك.
معضلة الاقنعة

إن المذبحة الجماعية التي نفذها جنود الاسد في مواطنين سوريين في ريف دمشق في آب العام الماضي أثارت ردا متسلسلا انتهى الى تحسن حقيقي لوضع اسرائيل الامني. إن القيادة الاسرائيلية انتقدت بشدة في الحقيقة تحول الادارة الامريكية في آخر لحظة مع الغاء القرار على الهجوم على سوريا لعقابها. لكن الاتفاق البديل الذي صاغته الولايات المتحدة مع روسيا أفضى الى النقض التدريجي لمخزونات السلاح الكيميائي الضخمة التي كان يسيطر عليها النظام السوري. ويحسن أن نُذكر بأن تلك المخزونات اشتراها وصنعها النظام العلوي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لا ليستعملها في يوم ما على أعدائه السنيين بل لردع تلك التي كان يراها الاسد الأب، حافظ الاسد، التهديد المركزي لسلطته وهي اسرائيل التي اقتربت مدافعها الى مسافة 40 كم عن دمشق في أواخر حرب يوم الغفران.
بعد مذبحة آب بثمانية اشهر نقض السوريون أكثر من 60 بالمئة من المخزونات بمساعدة دولية، واستتبع تقليص الخطر قرارات في الجانب الاسرائيلي ايضا، ففي كانون الثاني استقر رأي المجلس الوزاري المصغر على تجميد توزيع الاقنعة الواقية على الجمهور. وستبقى الاقنعة مع 60 بالمئة من المواطنين يملكونها لكن لن يتوزع اقنعة جديدة. وسيحصر المصنعان اللذان يصنعان الاقنعة العناية في طلبيات اجتمعت لديهما لصنع أقنعة واقية لرجال قوات الانقاذ والتخليص. وتم تعليل القرار بانخفاض الخطر المباشر على المواطنين. لكن أخذت تجتمع منذ الشهر الماضي تقارير لم يتم التحقق منها نهائيا الى الآن عن حالات اخرى لاستعمال السلاح الكيميائي في سوريا من قبل النظام كما يبدو.
يوجد في تقديرات المجلس الوزاري المصغر الذي قبل توصية وزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي، عنصر آخر اقتصادي: فان اقتصاد الاقنعة قد استعمل مع فجوة دائمة في الموارد ويبدو أن المسؤولين ضاقوا ذرعا بمحاولة اللحاق بالميزانية كل سنة وانتهزوا الفرصة التي أتاحها التغيير في سوريا. وتثير التقارير الاخيرة سؤال ألم يكن القرار سابقا لأوانه، أوما كان يحسن انتظار التطورات في سوريا وقتا ما واستكمال نقض المخزونات الكيميائية قبل القرار النهائي؟.

المصدر:

  • هآرتس
Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: