Fri, 06/13/2014
بقلم: جاكي خوري
بينما كنا هنا في اسرائيل منشغلين في انتخاب رئيس جديد، كانت عيون العالم كله تتطلع الى العراق. موجة عنف، هي الاكثر حدة منذ سبع سنوات، ثارت هناك من جديد، وفي ذروتها نجح مقاتلو المنظمة السلفية المتماثلة مع القاعدة في دفع الجيش وقوات الشرطة الى الفرار واحتلال محافظة نينوى في شمالي العراق، حيث المدينة الثانية في حجمها ـ الموصل. وأعلنت حكومة العراق عن حالة الطوارئ، وطلب رئيس البرلمان اسامة النجفي من العالم التعاطف. هذا يبدأ في الموصل، كما حذر، ولكنه قد يؤثر على المنطقة بأسرها. وبالفعل، فان الثوار لا يميلون الى الراحة. ففي سيطرتهم على الموصل، واصلوا نحو مدينتي كركوك وتكريت.
«ثلاث فرق عسكرية ترابط في نينوا» عجب النجفي غاضبا. «وتوجد أيضا قوة شرطة. وهم مزودون بالطائرات، بالدبابات وبكل الوسائل. كيف تنهار هذه القوات امام بضع مئات أو بضع الاف من الارهابين؟»
استمرت المعركة على مدينة الموصل أقل من اسبوع، ووصلت الى ذروتها أول أمس بانتصار الثوار، من مقاتلي منظمة «الدولة الاسلامية في العراق والشام». واقتحم المسلحون السجن المركزي في المدينة واطلقوا سراح 1.400 سجين. ودهش سكان الموصل لرؤية السجناء، يلبسون البزات الصفراء، يسيرن في الشوارع وكأنهم خرجوا في نزهة الصباح. وسقط المطار الدولي في المدينة هو ايضا في ايدي المنظمة. وهرب بضعة الاف من السكان من الموصل شمالا باتجاه الاقليم الكردي. وطلبت حكومة العراق من زعيم الاقليم، مسعود البرزاني، مساعدة الهاربين. ووضع برزاني جيشه البشمركة، في حالة تأهب وأمر باعداد فنادق وعيادات للاجئي الموصل. ولكن قلائل نسبيا وصلوا.
غنية ووحشية
في العالم الواسع يميلون الى معرفة من هم «القاعدة»، ولكن لمنظمة «الدولة الاسلامية في العراق والشام» يوجد تميز وهدف خاص بها. هذا الفصيل الذي يسمى بالاحرف الاولى من أسمه «داعش» يعتبر اليوم المنظمة الجهادية الغنية والوحشية في العراق. وهي تضم بضعة الاف من المقاتلين على الاقل، مزودين بالدافع الديني لاقامة دولة شريعة هناك، وبدعم مالي سخي. ورغم روح الجهاد التي تطغى على مقاتليها، فان خلفية نشوئها ليست دينية على الاطلاق. «داعش»، كباقي المنظمات السنية المتطرفة في العراق، هي ثمرة فجة للسلوك الامريكي المغلوط، الذي حطم الحكم ولكنه لم يعرف كيف يبني آخر بدلا منه. ومقاتلو «داعش» هم ضباط وجنود سنة من جيش صدام او موظفون القي بهم الى الكلاب من قبل الامريكيين فور احتلال بغداد في نيسان 2003. الرجل رقم 2 في المنظمة، الذي قتل قبل اسبوع في اشتباك مع الجيش، هو نقيب سابق في جيش صدام. ويدعى عدن اسماعيل البيلاوي (39)، وقد عمل «وزيرا للحرب» في «داعش».
فرع آخر للمنظمة يعمل في سوريا ويزرع الموت والدمار في المناطق التي ليست تحت سيطرة الاسد. وكونهم سنة هو سبب وجيه بما يكفي لاثارة الكراهية ضدهم من جانب الشيعة والاكراد، في سوريا والعراق معا.
من بين جملة المحافل الثائرة، فان «داعش» هي المنظمة الاقوى في العراق اليوم. هدفهم الديني هو اقامة دولة شريعة، ولكنه هدفهم القومي لا يقل اثارة للاهتمام. ففي نيتهم تحرير المناطق السنية شمالي بغداد واعادة النظام الذي كان متبعا في العراق في عهد حكم البعث الى سابقه حتى ولو جزئيا. واليوم توجد في أيديهم اجزاء واسعة من مدينة الفلوجة، من محافظة الانبار ومن مدينة سامراء – وكلها ذات أغلبية سنية. رمزهم هو العلم الاسود الذي يخط عليه باحرف بيضاء – «لا إله الا الله، محمد رسول الله».
الجيش يفر حفاظا على روحه
قلة في العراق فوجئوا من هزيمة الجيش في المعركة على الموصل. فقواته هزيلة، غير مدربة كما ينبغي وتعاني من تنسيق عليل مع القيادات في بغداد. «المعلومات الاستخبارية التي تصل اليهم – لا تستخدم على نحو سليم»، اشتكى الرئيس النجيفي.
وحسب آخر المعلومات من بغداد، فقد تلقت المنظمة مساعدة كاملة من السكان في الموصل في اثناء احتلالها. اما الجيش العراقي الذي فر حفاظا على روحه، فترك في ايديهم دبابات ومجنزرات، وسائل قتالية لم تكن على الاطلاق في ايدي مقاتلي داعش. عمليا، تقول المصادر في بغداد فان سكان المناطق السنية في شمال العراق اداروا ظهرهم الى الحكومة المركزية، وهم يؤيدون حكم الفصائل السنية. من ناحيتهم، هذا تحرير واعادة للنظام الى سابق عهده، مثلما ساد في عهد صدام. وتشريح هذه الحقائق معدل الهرب المنخفض نسبيا من الموصل مع احتلالها. الفان فقط فروا منها شمالي نحو المنطقة الكردية، غالبيتهم الساحقة من ابناء الاقلية المسيحية.
وهدد رئيس الوزراء، نوري المالكي كل جندي أو شرطي يهرب من أمام مقاتلي «داعش» بتقديمه الى المحاكمة. وضع المالكي السياسي صعب، ويحتمل جدا أن يسرع سقوط الموصل من استقالته. فرئيس الحكومة العراقي يتولى منصبه منذ ثماني سنوات ولكنه نجح مؤخرا في أن يقيم عليه كل جيرانه تقريبا. فتأييده لسوريا الاسد زرع توترا شديدا في العلاقات بينه وبين السعودية وتركيا السنيتين؛ ولكن حتى أبناء طائفته، الشيعة، غير راضين من سياسته المستقلة بعد أن عمل على ان يبعد من مراكز القوة حلفائهم الايرانيين في بغداد.
وقد استهدفت دول وقوى عديدة جدا رأس المالكي (64) وهم يسعون الى افشاله. والان، عندما تسقط المدينة الثانية في حجمها في الدولة في ايدي العدو السلفي، سيصعب على المالكي أن يؤدي مهامه كما ينبغي. وليس غريبا أن بورصة أسماء بغداد تعج بالحركة بالمرشحين للحلول محله. أحد أبرزهم هو أحمد شلبي، حبيب الغرب وصديق اليهودي.
ان حرب «داعش» ضد الحكومة هي بقدر كبير معركة باسم الاب: فمقاتلو المنظمة هم عمليا «ابناء صدام» الذين يثأرون على الاطاحة به وعلى عار الطائفة السنية. احد مصادر الدخل الاساسية لهم هو عائلة صدام حسين ومقربوها. ولا سيما ابنة صدام، رغد، وصديقه من الطفولة، الذي اصبح شريكه في القيادة، عزت ابراهيم الدوري. وقد نجح هذان الاثنان في النجاة من حملة الصيد الامريكية وهما يحوزان مليارات الدولارات من أموال العائلة. مصدر تمويل ثان لـ «داعش» هي الأموال التي يفرضها نشطاء المنظمة على المناطق التي يسيطرون عليها. كل دكان ومصلحة تجارية، او موظف، يدفع لهم مبلغا شهريا ثابتا يبدأ بخمسين دولار.
بغداد على بؤرة الاستهداف
حقيقة أن ورثة صدام هم في معظمهم شيعة تضيف دافعا للصراع الدموي على الحكم. وخلافا لصدام، الذي أدار نمط حياة علماني، فان الفصائل السلفية تبنوا ايضا نمط حياة ديني متزمت. ورغم ذلك، فان سكان المحافظات السنية مستعدون لان يقبلوا إمرتهم، شريطة الا يكونوا خاضعين لسيادة الحكم المركزي. ويمكن ان نحصل على مؤشرات اخرى على هذه المواجهة هذه الايام في سوريا، ولكن ايضا في لبنان. ساحات اخرى يعتور فيها التوتر الاسلامي الداخلي هادئة نسبيا، ولكن يمكنها أن تثور في كل لحظة. البحرين، اليمن او الكويت الصغيرة مثلا.
والان ينتظر الناس في العراق ليروا اذا ما حلت علامتا الاستفهام الكبريان. الاولى تتعلق بمستقبل رئيس الوزراء الحالي، الذي يتعرض لضغط شديد للاستقالة، والمسألة الثانية الاكثر اشتعالا واهمية هي هل سينجح مقاتلو «داعش» في أن يقضموا المزيد فالمزيد من لحم الجمهورية الجديدة. ابنة صدام ومقربه عزت الدوري يبتسمان بالتأكيد ولكنهما ليسا الوحيدين. في السعودية وفي تركيا أيضا، عدوتا الشيعة في العراق، يرتقبون تغيير الحكم في بغداد.
«لا ريب أن صدام حسين، الرئيس السابق للعراق، واسامة بن لادن، الزعيم القتيل للقاعدة، يضحكان في قبريهما»، كتب المتعلق عبدالرحمن راشد في صحيفة «الشرق الاوسط» السعودية. «فهما يهزآن من نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، المعروف بوقاحته وغروره». وقد سمح الصحافي السعودي القديم لنفسه بان يتسائل اذا كانت بغداد هي التالية في الدور. وبالفعل، علم منذ امس بان قافلة الثوار سيطرت على مدنة بيجي، المعروفة بمصانع تكرير النفط فيها، على مسافة 200كم من العاصمة، وهم يواصلون التحرك باتجاه بغداد.
«وسواء بقي المالكي في كرسي رئيس الوزراء أم لا»، اضاف راشد، «فان المعركة ضد منظمات الارهاب ستكون طويل وأليمة. عليه أن يعالج غضب المؤسسة المدنية والمؤسسة العسكرية، بما فيهما قادة القبائل في الانبار ونينوا. وبدون تعاونهم، ستفشل الحرب ضد «داعش» وهم سيصلون الى بغداد».
0 comments: