Friday, December 23, 2016

عندما كان عندنا زبالين

عندما كان عندنا زبالين
.... (المحرر).سلام الراسي .
  
قلت إنّي عرفت، منذ حداثتي، كيف صار الحمار مهندسًا، أمّا كيف صار الزبّال طبّالًا فخبره عند الأخ «أبو الجود»، قال:
في ذلك الزمان، كان متعهّدو تنظيف الشوارع في مدينة بيروت يجمعون الزبالة وينقلونها على الدواب إلى أمكنة معيّنة على الشاطئ.
وكان على الزبّال، ذلك الزمان، أن يقتني حمارًا كانت إجرته في النهار عشرة قروش، وإجرة صاحبه خمسة، أي نصف إجرة الحمار. وكنت إذا سألت زبّالًا عن أحواله، أجاب: «ما زال الحمار بخير، أنا وعائلتي بخير».
ويُحكى أنّ زبّالًا مات حماره، فولول وصاح: «واحماراه!»، وجلس قرب الحمار يعدّد خصاله ويذكر أفضاله.
وجاء جماعة من المعزِّين وقفوا حول صاحب الحمار صامتين، ثمّ تقدّم رجل وقال: «يجب أن تشكر الله لأنّ "الفقيد" حمار لا حصان، لأنّ الحصان إذا مات خسرت ثمنه لأنّ جلده لا يصلح لشيء. أمّا الحمار فإنّك تسلخه وتشدّ جلده طبلًا فتبيعه بثلاثة أرباع ثمن الحمار».
فانتبه الرجل وقام وشمّر عن ساعديه وسلخ الحمار وشدّ جلده طبلًا علّقه في رقبته، ومشى يقرع عليه في أزقّة المدينة، لعلّه يجد مَن يشتريه.
فالتمّ صبيان الحيّ على صوت الطبل، وخطر للرجل أن يجمع منهم ما تيسّر معهم، فوجد في المساء أنّه جمع من قرع الطبل أكثر ممّا كان يقبضه من نقل الزبل.
وحدث عرس في المدينة، فحمل طبله وجاء، وصال وجال، فنقدوه عشرين قرشًا. ثمّ رجع رجل من الحجِّ، فمشى بطبله أمام المستقبلين، وقبض خمسين قرشًا حلالًا زلالًا.
أخيرًا قرّر الرجل أن يعتزل كار الزبالة ليتفرّغ «للفنّ»، وعرف قيمة نفسه، وأسف لما فات من عمره في عشرة الحمير ومَن هم أحمر من الحمير. فطلّق زوجته، لينسى تعاسته، وتزوّج امرأة تليق بمقامه، وعمل لنفسه أبّهة، وصار من أصحاب الجاه في المدينة.
وفي أحد الأيّام، أراد زبّال آخر أن يحتفل بزواج ابنه، فدعا زميله السابق – الطبّال – وقال: «أنت صديقنا ومجبور فينا».فحضر الرجل بطبله وقام بالواجب، فشكره الزبّال وعرض عليه إكراميّة، فقال: «إجرتي مقطوعة، خمس ليرات!».
فوجم الزبّال، وقال: «ألا تخاف الله؟ أنسيت أنّي أعيش من تعب حماري؟ ألا تذكر أنّك كنت زميلي وصديقي في يوم من الأيّام؟ ألا تعلم أنّني أستطيع بخمس ليرات أن أشتري أحسن حمار في المدينة؟»
أجاب الطبّال: «تشتري أحسن حمار، لكنّك لا تصير "إبن كار"!»
يقول الراوي – على ذمّته – أنّ كثيرين من الزبّالين، بعد هذه الحادثة، باعوا حميرهم وشدّوا طبولًا وصاروا فنّانين «أبناء كار».
وقد نشأت أزمة الزبالة في شوارع بيروت، مذ صار عدد الزبّالين أقلّ من عدد الفنّانين في المدينة.


Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: