هآرتس"، 4/6/2017
عاموس هرئيل - مراسل عسكري
•إن التطور الاستراتيجي الأكثر أهمية في الشرق الأوسط في هذه الأيام لا يتعلق بالقرار المتوقع سلفاً من إدارة ترامب بعدم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وأجهزة الاستخبارات في إسرائيل والمنطقة تتابع الآن ما يجري على طول الحدود في سورية والعراق.
•في هاتين الدولتين تتحرك في اتجاه الحدود ميليشيات شيعية تقف وراءها طهران. وإذا نجحت هذه الميليشيات في التواصل من على جانبي الحدود وأنجزت إنشاء منطقة سيطرة فعلية، فإن هذا سيحقق طموحاً إيرانياً قديماً: إقامة نوع من ممر بري متواصل يستطيع من خلاله الإيرانيون بحرّية، تحريك قوات وسلاح، وقوافل إمدادات، من طهران مروراً بأراضي العراق، وصولاً إلى نظام بشار الأسد في سورية، وحتى إلى حزب الله في لبنان.
•يأتي هذا التواصل الجغرافي بالإضافة إلى الإنجاز الذي سجله المحور الذي تقوده إيران في المنطقة، بعد التدخل الروسي دعماً لنظام الأسد في الحرب الأهلية السورية. ومنذ الاستسلام النهائي لتنظيمات المتمردين في مدينة حلب في شمال سورية في كانون الأول/ديسمبر الأخير، يوسع النظام السوري ومؤيدوه (بصورة تدريجية وبطيئة) سيطرتهم على مناطق مختلفة في سورية.
•وفي الوقت نفسه، يساعد الإيرانيون من خلال ميليشيات شيعية محلية في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة وحكومة العراق ضد تنظيم "داعش" حول مدينة الموصل. وفي الواقع، فإن إبعاد "داعش" عن الحدود يتيح للميليشيات التي هي على علاقة بطهران احتلال مناطق استراتيجية في المنطقة الصحراوية الواقعة غربي الموصل، والقريبة من الحدود مع سورية. وقبل أسبوع سيطرت ميليشيات شيعية على عدة قرى حول بلدة بيجي في الجانب العراقي من الحدود، وأخرجوا منها عناصر "داعش". ورافق هذه الميليشيات مستشارون ومدربون إيرانيون.
•وذكرت وكالة رويترز أن احتلال تلك القرى سيسمح للإيرانيين ومؤيديهم بإعادة فتح جزء كبير من الطريق الأساسي الذي يربط بغداد ومناطق واقعة تحت سيطرة نظام الأسد في سوريا. ويرتبط استكمال التواصل الجغرافي الآن بتقدم جديد لقوات الأسد في الجانب السوري، في منطقة تنشط فيها ميليشيات كردية مدعومة من الولايات المتحدة.
•في نهاية الأسبوع قال حغاي تسوريال مدير عام وزارة شؤون الاستخبارات لـ"هآرتس": "إن الحدود العراقية - السورية هي الآن المكان الأكثر أهمية في المنطقة. هناك ستحدد صورة الوضع الإقليمي". وأضاف تسوريال الذي كان في الماضي رئيس شعبة الأبحاث في الموساد أن تواصلاً جغرافياً برياً خاضعاً لنفوذ إيران سيغير التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط. ووفقاً لكلامه: "إيران، بمساعدة الميليشيات الشيعية وبالتعاون مع قوى أخرى، تواصل القيام بخطوات تهدف إلى تعزيز قبضتها في سورية".
•وذكّر بأنه في موازاة الخطوات على الحدود العراقية - السورية، يجري الإيرانيون في الفترة الأخيرة اتصالات مع نظام الأسد لاستئجار مرفأ في شمال غربي سورية بصورة تمنح طهران موطئ قدم على شاطئ البحر المتوسط. وهذه خطوة حذر منها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في زيارته الأخيرة إلى موسكو في آذار/مارس من هذه السنة.
•إن صمود نظام بشار الأسد بسبب الدعم العسكري الروسي، بالإضافة إلى التهريج الإعلامي اليومي الذي يشيعه الرئيس دونالد ترامب من حوله، قللا إلى حد ما من المتابعة الصحافية لما يحدث في سورية. لكن سورية تبقى ساحة المواجهة الأساسية، وساحة مركزية للعبة صراع القوة بين القوى العظمى، وسبباً للتحالفات التي نشأت موقتاً أو على المدى البعيد.
•خلال زيارته إلى الرياض في الأسبوع الماضي وقّع ترامب صفقة لبيع سلاح أميركي للسعوديين، وأعرب عن دعمه لدول الخليج وحذر من نيات طهران. لكن عملياً، يبدو أن إيران تواصل التقدم خطوة خطوة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية. وحتى الآن، من غير الواضح ما إذا كانت الإدارة الجديدة في واشنطن تنوي اتخاذ خطوات عملية، سوى الكلام الإنشائي، لوقف النفوذ الإيراني. إن أغلبية الخطوات العسكرية للولايات المتحدة في المنطقة موجهة ضد "داعش"- وحتى ترامب يكثر في خطاباته من التركيز على المخاطر الناجمة عن هذا التنظيم، وليس فقط على خلفية الهجمات الأخيرة التي قام بها نشطاء إسلاميون متطرفون في بريطانيا، في مانشستر وقبلها في لندن.
•تتناول التصريحات الإسرائيلية الرسمية بشأن بسورية بصورة أساسية ما يجري بالقرب منها نسبياً - عدم الاستقرار بالقرب من المثلث الحدودي مع الأردن وما يبدو أنه توجه من جانب نظام الأسد لاستعادة السيطرة التدريجية على طول الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان. وقد أعربت إسرائيل علناً عن معارضتها لمجيء الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله إلى منطقة الحدود في الجولان، إذا نجح النظام في مساعيه.
•إن معظم الاهتمام الإسرائيلي مُوجّه نحو منطقة جنوب سورية. لكن يبدو أنه إلى الشرق من هناك، على الحدود السورية - العراقية، وفي منطقة يمكن أن تؤثر أيضاً على الأردن، يتشكل واقع ذات انعكاسات واسعة يمكن أن يؤثر في رسم صورة المنطقة خلال السنوات القادمة. حتى الآن على الأقل، فالإيرانيون هم الذين يفرضون الواقع الجديد، بينما تنظر الأطراف الأخرى إلى ما يجري من بعيد وتحاول بلورة خلاصاتها.
0 comments: