Wednesday, December 30, 2020

حملة ردع أميركية - إسرائيلية غير مسبوقة قبالة إيران: غواصات وقاذفات في الخليج

 موقع Ynet، 26/12/2020

حملة ردع أميركية - إسرائيلية غير مسبوقة قبالة إيران: غواصات وقاذفات في الخليج




رون بن يشاي - محلل عسكري

تُجري قوات من الجيشين الأميركي والإسرائيلي، منذ ما يزيد عن أسبوعين، حملة ردع استراتيجية مشتركة قبالة إيران، لم تشهد منطقة الشرق الأوسط مثيلاً لها من قبل. وترمي هذه الحملة إلى ردع إيران عن تنفيذ عمليات انتقامية أو استفزازية تهدف إلى ممارسة الضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن إيران.

تشارك في هذه الحملة، للمرة الأولى في تاريخ المنطقة، غواصات استراتيجية أميركية وإسرائيلية وقاذفات استراتيجية أميركية، بهدف إشعار إيران بأن ثمة قدرات عسكرية لا تستطيع هي مجاراتها أو مواجهتها، وأنه سيُصار إلى استخدامها وتشغيلها إذا ما أقدم الإيرانيون و/أو وكلاؤهم على تنفيذ عمليات تكبّد الولايات المتحدة وإسرائيل، أو أياً من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، ضحايا بشرية أو أضراراً مادية جسيمة. وقد أشرف على تنسيق هذه الحملة رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الجنرال مارك ميلي، خلال زيارته الأخيرة إلى المنطقة قبل أسبوع.

نشأت الحاجة إلى حملة الردع هذه نتيجة التقديرات المشتركة التي وضعتها وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، وإسرائيل، والتي أشارت إلى أن ثمة احتمالاً كبراً جداً لأن تلجأ إيران إلى تنفيذ عملية عسكرية أو عملية إرهابية، حتى قبل تأدية الرئيس الأميركي المنتخَب، جو بايدن، اليمين الدستورية في 20 كانون الثاني/يناير القريب. وأشارت تلك التقديرات إلى أن لدى إيران ثلاثة دوافع للقيام بذلك: الدافع الأول ـ تنفيذ عملية انتقامية ضد الولايات المتحدة بحلول الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، يوم 3 كانون الثاني/ يناير القادم، وكذلك ضد إسرائيل انتقاماً لاغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده؛ الدافع الثاني - دفْع الأميركيين إلى سحب قواتهم التي تشكل تهديداً استراتيجياً لإيران، من العراق في الغرب ومن أفغانستان في الشرق؛ الدافع الثالث ـ ممارسة ضغط نفسي على إدارة الرئيس بايدن لدفعها إلى رفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، والتي تسبب لها ضائقة اقتصادية واجتماعية حادة، وتشكل تهديداً جدياً لبقاء النظام الحاكم.

من المهم التنويه بأن التقديرات الأميركية بشأن نوايا إيران هي أكثر تشدداً من التقديرات الإسرائيلية. هنا في إسرائيل، يسود الاعتقاد أنه إذا ما أقدم الإيرانيون على تنفيذ عمل ما، فسيفعلون ذلك بواسطة عملاء لهم وستكون الأضرار قليلة جداً، لتجنب جنوح إدارة بايدن إلى تصليب مواقفها لدى تسلمها الحكم، حيال ضغط الرأي العام ومؤيدي ترامب.

في المقابل، تقول التقديرات الأميركية إن الإيرانيين يريدون حقاً فتح صفحة جديدة مع الرئيس المنتخَب وإدارته، ودفعهما إلى رفع العقوبات المفروضة عليهم، لكن رغبتهم في الثأر وطرد الأميركيين من الشرق الأوسط ـ وخصوصاً رغبة الجناح المحافظ المسيطر على السياسة الإيرانية اليوم ـ أقوى من صوت الجناح البراغماتي بقيادة الرئيس حسن روحاني، وكذلك "المرشد الأعلى" علي خامنئي، اللذين يعتبران رفع العقوبات أفضليتهما الأولى.

على هذه الخلفية تجري حملة الردع، بوسائل عسكرية وذهنية ومن خلال الدمج بينهما، إذ بدأت بإرسال قاذفات "بي ـ 52" (B-52) في رحلة جوية مباشرة من الولايات المتحدة إلى قطر في الخليج الفارسي. وقد أثبتت هذه القاذفات قدرة على الوصول من الولايات المتحدة إلى الخليج الفارسي، مباشرة ومن دون أي توقف، ثم العودة أيضاً. وتمتلك هذه القاذفات القدرة على إطلاق ما يزيد عن 30 طناً من الذخائر الدقيقة، خارج نطاق بطاريات الصواريخ الإيرانية المضادة للطائرات وقدرتها على إسقاط الصواريخ والطائرات، كما تمتلك القدرة على إبادة عشرات الأهداف المحصنة والمنشآت النووية في إيران، من دون أن يتمكن الإيرانيون أو عملاؤهم من إيقافها.

وقد تم استخدام قاذفات "بي ـ 52" الأميركية في الشرق الأوسط من قبل، في العراق وأفغانستان، غير أن القدرات التكنولوجية للصواريخ الدقيقة التي تحملها أصبحت أكثر تقدماً بكثير من تلك التي استخدمتها الولايات المتحدة حتى الآن.

يبدو أن هذه الإشارة لا تؤتي الأثر المرجو في الإيرانيين. ففي ليلة الأحد، أطلقت ميليشيات عراقية أكثر من 20 قذيفة قُطر كل منها 107 ملليمترات في اتجاه السفارة الأميركية في بغداد، بعد وقت قصير من تجنب ميليشيات عراقية أُخرى، ينشط بعضها تحت رعاية إيرانية، إصابة منشآت السفارة ذاتها. كانت تلك القذائف صواريخ "كاتيوشا" قصيرة المدى ولم توقع ضحايا بشرية، بل ألحقت أضراراً خفيفة فقط. لكن الرئيس ترامب اتهم الإيرانيين مباشرة بالمسؤولية عن هذه العملية. وقد وجّه ترامب تحذيراً مباشراً إلى إيران مدّعياً، في تغريدة على حسابه على "تويتر"، أن فحص القذائف أثبت أنها من إنتاج إيراني. لكن إيران استنكرت إطلاق القذائف على السفارة، كما نددت بها أيضاً الميليشيات الأكثر تشدداً في العراق، "كتائب حزب الله"، بينما لم تعلن أي ميليشيات مسؤوليتها عن العملية، لكن الأميركيين يدّعون بقوة أن الأمر تدبير إيراني، حتى أن الرئيس ترامب قال إنه إذا أصيب ولو مواطن أميركي واحد بأي أذى، فسيتحمل الإيرانيون العواقب.

في يوم الاثنين، غداة العملية المذكورة، كشف الأميركيون وعمموا على وسائل الإعلام صوراً لغواصة استراتيجية تدعى "جورجيا" تُبحر في مياه الخليج الفارسي وهي تحمل على متنها أكثر من 150 صاروخاً موجَّهاً. وفوق ذلك، هذه الغواصة هي جزء من قوة تقوم بمهمة خاصة تشمل مُدَمِّرات، ثقيلة وخفيفة، تحمل ـ هي الأخرى ـ صواريخ موجَّهة. يمثل وجود قوة هجومية استراتيجية كهذه على بعد بضع عشرات الأميال البحرية من شواطئ إيران تهديداً لا يمكن للإيرانيين التغاضي عنه، وعليهم أن يأخذوا في الحسبان أن الرئيس ترامب، غير المتوقعة تصرفاته، قد يستخدم هذه القوة، ولو لكي يجعل أمر المفاوضات بشأن الاتفاق النووي الجديد مع إيران أكثر صعوبة على الرئيس بايدن.

ثمة أهمية خاصة لاستخدام الغواصة، لأن الإيرانيين طوروا طرق عمل وصواريخ يمكنها إصابة حاملات الطائرات والقطع البحرية الأُخرى فوق سطح البحر. إلّا إن الإيرانيين عاجزون حيال الغواصة التي يمكن أن تطلق نحوهم أكثر من مئة من الصواريخ الموجّهة الاستراتيجية - ليست نووية بالضرورة - القادرة على زرع دمار هائل في منشآت المشروع النووي ومنشآت الصناعات الأمنية التي تنتج الصواريخ، والطائرات من دون طيار وغيرها. طريقة عمل الإيرانيين، في مهاجمة القطع البحرية الأميركية بواسطة قوارب سريعة تحمل مواد متفجرة وصواريخ، ليست ناجعة في مقابل مثل هذه الغواصة.

في يوم الاثنين إياه، نشر روعي كيس، في قناة التلفزة الإسرائيلية "كان 11"، اقتباساً عن مصادر عربية أن إسرائيل أرسلت غواصة من طراز "دولفين" إلى الخليج الفارسي، عبر قناة السويس. يمكن الافتراض أن إسرائيل ومصر كانتا معنيتين بهذا النشر الذي يُراد منه الردع أيضاً.

وفقاً لتقارير أجنبية، تمتلك الغواصة الإسرائيلية من طراز "دولفين"، أيضاً، قدرة على إطلاق صواريخ موجَّهة متقدمة، تحمل رؤوساً نووية أو تقليدية. ويمكن الافتراض أن ثمة توزيع أدوار هنا ما بين إسرائيل والولايات المتحدة: فالمتوقع من إسرائيل أن تشغّل الغواصة وقدراتها الأُخرى في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بينما تتكفل الولايات المتحدة بالعمل في داخل الخليج الفارسي.

توزيع الأدوار هذا ضروري لأسباب عملانية، على خلفية نشاط ميليشيات الحوثيين اليمنية - الشيعية، التي ترعاها وتسلحها إيران، في منطقة البحر الأحمر، في مقابل تنفيذها هجمات ضد أهداف ومصالح بحرية سعودية وقدرتها، ولو النظرية، على إطلاق صواريخ موجّهة من الجنوب نحو المناطق الإسرائيلية. وعليه، قد يؤدي وجود الغواصة الإسرائيلية في البحر الأحمر إلى دفع الحوثيين إلى التفكير مرتين قبل الإقدام على خطوة كهذه، لأن الغواصة تمتلك أيضاً قدرات استخباراتية، إضافة إلى قدرتها على إطلاق قذائف دقيقة. وما لا تستطيع الغواصة القيام به من البحر، يمكن أن تقوم به إسرائيل من الجو.

هذا الاستخدام للغواصات الاستراتيجية كوسيلة للردع هو أمر جديد في الشرق الأوسط، على الرغم من مشاركة الغواصات في المعارك البحرية خلال الحرب العالمية الثانية. أمّا كوسيلة ردع استراتيجي، فيبدو أنها المرة الأولى.

يتمثل مركّب الوعي في حملة الردع هذه في تصريحات الجنرالات الأميركيين، والجنرال أفيف كوخافي رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، ووزير الدفاع بني غانتس، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذين أوضحوا للإيرانيين أن هذا المسدس - القاذفات والغواصات - قد أُخرِج من الدُرج، وإذا لم يستوعب الإيرانيون الرسالة الكامنة فيه، فقد يتم اللجوء إلى استخدام هذه الوسائل وغيرها ضدهم.

بالإضافة إلى الوسائل العلنية، تقوم الولايات المتحدة بتحريك ونقل منظومات قتالية متعددة إلى أوضاع تشكل تهديداً لإيران إذا ما حاولت المساس بمصالح أميركية أو إسرائيلية. جزء كبير من هذه العمليات لا يحظى بأي نشر عنه حقاً، غير أن الإيرانيين ومبعوثيهم في سورية والعراق واليمن يدركون حقيقة وجودها ويلتزمون الحذر.

هذا الوضع المتوتر وحالة الردع سيستمران حتى تأدية الرئيس بايدن اليمين الدستورية، في 20 كانون الثاني/يناير القريب على الأقل، وربما بعد ذلك أيضاً. ويبقى السؤال الذي لا يملك أحد أي جواب عليه في هذه اللحظة: هل سيرتدع الإيرانيون فعلاً؟

 


Previous Post
Next Post

About Author

0 comments: