أفعال بوتين ستحدد كيف سيبدو العالم في العقود المقبلة
عاموس يادلين، المدير السابق لمعهد دراسات الأمن القومي - وأودي أفينطال محاضر في جامعة ريخمان
في الأسابيع الأخيرة، أشار كثيرون إلى عودة "الحرب الباردة" إلى النظام الدولي. هذه الليلة، انتقل بوتين إلى حرب حقيقية – حرب ساخنة. العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا لا يزال يحيطها غموض المعركة، وأساليب التضليل والأخبار المزيفة التي يستخدمها الطرفان تضفي ستاراً كثيفاً على ما يجري. في مثل هذه الظروف، لا يزال الهدف الاستراتيجي - السياسي الذي من المفترض أن تحققه العملية العسكرية غير واضح. هل يريد بوتين قضم أجزاء من أوكرانيا، أو أن يبتلع الدولة كلها؟ أيضاً يبدو أن إسقاط الحكومة الحالية وتعيين حكومة ألعوبة بين يديه مكانها، هو هدف روسي في أي سيناريو؟
لكن على الرغم من الغبار الكثيف، فإنه يمكننا أن نرى أننا أمام حدث له أبعاد تاريخية لم تشهد أوروبا مثيلاً له منذ الحرب الباردة. وهناك خطوط تشابُه من الصعب تجاهُلها مع أحداث سبقت الحرب العالمية الثانية. في مثل هذه الظروف، ليس من المبالغة التقدير أن نتائج الأزمة الأوكرانية ستحدد موازين القوى العالمي والمعايير الدولية وصورة العالم الذي سنعيش فيه في العقود المقبلة. بكلمات أُخرى، مستقبل النظام العالمي وصورته هما اليوم على المحك.
بعد وقت قصير على دخوله إلى البيت الأبيض، ألقى الرئيس بايدن خطاباً مُحكماً في السياسة الخارجية، أعلن فيه أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تقف موقف المتفرج، وعليها أن تقود العالم في مواجهة تحديات المستقبل. وشدد على أن الولايات المتحدة ستدافع مع حلفائها عن القيم الأميركية -سلطة القانون، والحياة الكريمة لكل فرد، والديمقراطية - في مواجهة القوى التي تشكل تحدياً لها. في نظرة إلى الوراء، تبدو هذه الكلمات نبوءة تحققت في توقيت أبكر مما هو مخطط له، وتحديداً في مواجهة الخصم الروسي الذي كان يُعتبر هامشياً، مقارنة بالتهديد المركزي – القوة العالمية الصاعدة، الصين.
مما لا شك فيه أن هذه هي لحظة الحقيقة بالنسبة إلى الغرب وحلف الناتو، وفي الأساس الرئيس بايدن والولايات المتحدة كلها كزعيمة للعالم الحر. ومن الواضح منذ الآن أن أزمة أوكرانيا ستحسم مصير الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وستكون الحدث الذي سيبلور رئاسة بايدن نحو الأفضل، أو الأسوأ. هذا النضال يشبه ما أعلنه ريغان ضد إمبراطورية الشر السوفياتية، أو أحداث 11 أيلول/سبتمبر التي واجهها الرئيس بوش. الاستقطاب الشديد في السياسة الأميركية دفع كبار المسؤولين في الجانب الجمهوري، حتى ليل أمس، إلى إبداء تعاطف خفي مع الحجج الروسية. من بين الأسئلة المثيرة للاهتمام، هل بوتين تحديداً، الذي يقارن كثيرون خطواته وكلامه بهتلر، سينجح في رأب التصدع الذي يزداد عمقاً وسط الجمهور الأميركي المنقسم، وتوحيد الشعب الأميركي حول قيَمه التقليدية.
هناك تحدٍّ مباشر يواجهه الرئيس بايدن، هو كبح بوتين ونياته التوسعية. في غزو أوكرانيا، أثبت بوتين أنه مستعد لرفع الرهان ودعم خطاباته بأفعال عسكرية عنيفة واسعة النطاق. لقد أشرنا سابقاً إلى أن بوتين يهدف إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، ومن منع انضمامها إلى حلف الناتو. في الواقع، يريد بوتين إعادة الوضع الأمني في أوروبا إلى مرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وإعادة إقامة منطقة نفوذ روسي في شرق أوروبا، وإجبار الولايات المتحدة على أن تبعد عن حدوده قواتها ومنظومات سلاحها الاستراتيجي الدفاعي والهجومي الذي نشرته في شرق القارة الأوروبية.
مطالب بوتين تقرع جرس الإنذار في دول شرق أوروبا وشمالها، وتعيد حلف الناتو إلى وسط المنصة بعد أن خسر دلالاته وحاول تبرير وجوده في نهاية عهد الحرب الباردة. السؤال الكبير، هل الدول الأعضاء في حلف الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة والرئيس بايدن، يمكنها تحدي بوتين وردعه؟ الطريقة التي ستنتهي بها الأزمة الأوكرانية والأثمان التي سيدفعها بوتين لقاء عدوانه يمكنهما أن يقررا ما إذا كان سيجرؤ على تخطّي الخط الخطر والتهديد بغزو دول في الناتو، خطوة من شأنها أن تشعل حرباً عالمية.
الانعكاسات الواسعة للأزمة ستتخطى حدود أوروبا، وسيبلغ صداها ساحات بعيدة. مثل الصين التي تبدو شريكة لروسيا في زعزعة النظام العالمي الليبرالي الذي صاغته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن أن تجد في الأحداث فرصة للقيام بفرض سيطرتها على تايوان، والذي كانت تخطط له منذ عقود. في أي حال، يبدو أن التوازن الاستراتيجي الهش في شرق آسيا، الذي يعتمد على ضمانات أمنية مقدمة من الولايات المتحدة، والذي هو الآن موضع إعادة تقدير لمدى صدقيته من طرف كل اللاعبين، يمكن أن ينهار.
لقد فشل ردع الغرب الذي كان من المفترض أن يمنع خطوة عسكرية، معتمداً فقط على التهديد بعقوبات شديدة، وهو اليوم صعد درجة بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة. يعتقد بوتين أنه قادر على مواجهة التحدي. فلديه نفَس طويل بسبب الاحتياطي الكبير لديه من العملات الأجنبية (630 تريليون دولار). ولديه أداة ضغط مهمة في مواجهة أوروبا، أي التهديد بوقف تزويد أوروبا بالغاز في وقت ترتفع أسعار الطاقة.
من أجل تقويض استراتيجية بوتين، ثمة شك في أنه يمكن الاكتفاء بخطوات اقتصادية ومالية شديدة، حتى لو لم نشهد لها مثيلاً في العقود الأخيرة. في ضوء ما هو مطروح الآن، المطلوب أن تكون العقوبات أقسى مما ينوي الغرب فرضه. منها فرض حظر شامل على البنوك الروسية الكبرى، وقطع العلاقات الاقتصادية الروسية مع المنظومة المالية في الولايات المتحدة، وطردها من الـ (SWIFT)، وعقوبات تستهدف ضرب المداخيل الروسية من النفط والغاز وغيرها. مثل هذه الخطوات له تداعيات دراماتيكية على الأسواق العالمية والاقتصاد الأميركي الذي يعاني جرّاء الزيادة في التضخم في ظل أزمة الكورونا. كما يمكن أن يظهر التأثير في أسعار النفط الآخذة في الارتفاع، وفي سلاسل التصدير العالمي، مثل تصدير الحبوب، وهو ما سيخلق أزمة غذاء محتملة في أجزاء متعددة من العالم، بما فيها منطقتنا. لكن بالإضافة إلى الخطوات الاقتصادية والعقوبات غير المسبوقة والإدانات والخطابات الحادة، من المهم أن يبحث الغرب في احتمال أن بوتين قد لا يتوقف عند أوكرانيا، وكيف نستعد لإدخال مركّبات قوة إضافية إلى معادلة الردع الاستراتيجية.
الاضطرابات في النظام العالمي وأصداؤها، من المتوقع أن تصل إلى دول الشرق الأوسط، وبينها إسرائيل. على المستوى المباشر، الأزمة في أوروبا يمكن أن تؤثر في التحدي الاستراتيجي الأكثر تأججاً، من وجهة نظر إسرائيلية: النووي الإيراني. ومن المحتمل أن تعرقل الأزمة المفاوضات في فيينا للعودة إلى الاتفاق النووي، والتي بلغت المراحل الأخيرة نحو الاتفاق بين طهران والدول الكبرى. ليس واضحاً ما إذا كانت الدول الكبرى ستفصل بين الأمرين، وستتمكن من إيصال المفاوضات إلى اتفاق، أم أن روسيا ستدعم بقوة المواقف الإيرانية المتصلبة، لتحدّي الولايات المتحدة وخلق جبهة أُخرى في مواجهتها. على أي حال، في المدى الأبعد، النظام في طهران يمكن أن يتعلم من أحداث أوكرانيا درساً مهماً، فما يجري لا يشجع دولة على التخلي عن قدرات نووية، وتجد نفسها في مواجهة قوات كبيرة تهدد حكومتها وسيادتها.
إسرائيل أيضاً يمكن أن تستخلص دروساً استراتيجية من الأزمة الأوكرانية وتطبيقها على الحالة الإيرانية. قرار بايدن مسبقاً بأن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً في الأزمة يذكّر بالاستراتيجية الأميركية أيضاً خلال ولاية ترامب، التي اعتمدت فقط على العقوبات في مواجهة طهران، من دون وضع تهديد عسكري موثوق به لدعمها. من هنا، مع كل الاحترام للقوة الناعمة ولمنظومات المعلومات والسايبر، فقد أثبتت الأحداث في أوروبا أنه لا يمكن التخلي عن قدرات عسكرية تقليدية، وفي حالات كثيرة، يمكنها حسم مصير المعركة. درس إضافي لإسرائيل، هو صلاحية العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تقول إنه من واجبنا في نهاية المطاف الدفاع عن أنفسنا بقوانا الذاتية.
ماذا بشأن سياسة إسرائيل حيال التطورات في أوروبا الشرقية؟ يجري الحديث أننا في مواجهة معضلة بين الإملاء الروسي المهدد في سورية، وبين المكان الطبيعي لإسرائيل في العالم الديمقراطي الحر. إن ضخامة الأحداث وتداعياتها تغيّر الواقع العالمي، وتتطلب موقفاً إسرائيلياً واضحاً، أخلاقياً وقيَمياً. في مرحلة من الصراع التاريخي على صورة النظام العالمي، وبينما يتحدث بوتين عن "محاربة النازية" في دولة رئيسها يهودي، لا تستطيع إسرائيل انتهاج سياسة "السير بين النقاط"، ويجب عليها أن تقف بقوة، ومن دون تردد، مع الجانب الصحيح من التاريخ.
لكن على الرغم من الغبار الكثيف، فإنه يمكننا أن نرى أننا أمام حدث له أبعاد تاريخية لم تشهد أوروبا مثيلاً له منذ الحرب الباردة. وهناك خطوط تشابُه من الصعب تجاهُلها مع أحداث سبقت الحرب العالمية الثانية. في مثل هذه الظروف، ليس من المبالغة التقدير أن نتائج الأزمة الأوكرانية ستحدد موازين القوى العالمي والمعايير الدولية وصورة العالم الذي سنعيش فيه في العقود المقبلة. بكلمات أُخرى، مستقبل النظام العالمي وصورته هما اليوم على المحك.
بعد وقت قصير على دخوله إلى البيت الأبيض، ألقى الرئيس بايدن خطاباً مُحكماً في السياسة الخارجية، أعلن فيه أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تقف موقف المتفرج، وعليها أن تقود العالم في مواجهة تحديات المستقبل. وشدد على أن الولايات المتحدة ستدافع مع حلفائها عن القيم الأميركية -سلطة القانون، والحياة الكريمة لكل فرد، والديمقراطية - في مواجهة القوى التي تشكل تحدياً لها. في نظرة إلى الوراء، تبدو هذه الكلمات نبوءة تحققت في توقيت أبكر مما هو مخطط له، وتحديداً في مواجهة الخصم الروسي الذي كان يُعتبر هامشياً، مقارنة بالتهديد المركزي – القوة العالمية الصاعدة، الصين.
مما لا شك فيه أن هذه هي لحظة الحقيقة بالنسبة إلى الغرب وحلف الناتو، وفي الأساس الرئيس بايدن والولايات المتحدة كلها كزعيمة للعالم الحر. ومن الواضح منذ الآن أن أزمة أوكرانيا ستحسم مصير الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وستكون الحدث الذي سيبلور رئاسة بايدن نحو الأفضل، أو الأسوأ. هذا النضال يشبه ما أعلنه ريغان ضد إمبراطورية الشر السوفياتية، أو أحداث 11 أيلول/سبتمبر التي واجهها الرئيس بوش. الاستقطاب الشديد في السياسة الأميركية دفع كبار المسؤولين في الجانب الجمهوري، حتى ليل أمس، إلى إبداء تعاطف خفي مع الحجج الروسية. من بين الأسئلة المثيرة للاهتمام، هل بوتين تحديداً، الذي يقارن كثيرون خطواته وكلامه بهتلر، سينجح في رأب التصدع الذي يزداد عمقاً وسط الجمهور الأميركي المنقسم، وتوحيد الشعب الأميركي حول قيَمه التقليدية.
هناك تحدٍّ مباشر يواجهه الرئيس بايدن، هو كبح بوتين ونياته التوسعية. في غزو أوكرانيا، أثبت بوتين أنه مستعد لرفع الرهان ودعم خطاباته بأفعال عسكرية عنيفة واسعة النطاق. لقد أشرنا سابقاً إلى أن بوتين يهدف إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، ومن منع انضمامها إلى حلف الناتو. في الواقع، يريد بوتين إعادة الوضع الأمني في أوروبا إلى مرحلة ما قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وإعادة إقامة منطقة نفوذ روسي في شرق أوروبا، وإجبار الولايات المتحدة على أن تبعد عن حدوده قواتها ومنظومات سلاحها الاستراتيجي الدفاعي والهجومي الذي نشرته في شرق القارة الأوروبية.
مطالب بوتين تقرع جرس الإنذار في دول شرق أوروبا وشمالها، وتعيد حلف الناتو إلى وسط المنصة بعد أن خسر دلالاته وحاول تبرير وجوده في نهاية عهد الحرب الباردة. السؤال الكبير، هل الدول الأعضاء في حلف الأطلسي، بقيادة الولايات المتحدة والرئيس بايدن، يمكنها تحدي بوتين وردعه؟ الطريقة التي ستنتهي بها الأزمة الأوكرانية والأثمان التي سيدفعها بوتين لقاء عدوانه يمكنهما أن يقررا ما إذا كان سيجرؤ على تخطّي الخط الخطر والتهديد بغزو دول في الناتو، خطوة من شأنها أن تشعل حرباً عالمية.
الانعكاسات الواسعة للأزمة ستتخطى حدود أوروبا، وسيبلغ صداها ساحات بعيدة. مثل الصين التي تبدو شريكة لروسيا في زعزعة النظام العالمي الليبرالي الذي صاغته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، يمكن أن تجد في الأحداث فرصة للقيام بفرض سيطرتها على تايوان، والذي كانت تخطط له منذ عقود. في أي حال، يبدو أن التوازن الاستراتيجي الهش في شرق آسيا، الذي يعتمد على ضمانات أمنية مقدمة من الولايات المتحدة، والذي هو الآن موضع إعادة تقدير لمدى صدقيته من طرف كل اللاعبين، يمكن أن ينهار.
لقد فشل ردع الغرب الذي كان من المفترض أن يمنع خطوة عسكرية، معتمداً فقط على التهديد بعقوبات شديدة، وهو اليوم صعد درجة بالتهديد بفرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة. يعتقد بوتين أنه قادر على مواجهة التحدي. فلديه نفَس طويل بسبب الاحتياطي الكبير لديه من العملات الأجنبية (630 تريليون دولار). ولديه أداة ضغط مهمة في مواجهة أوروبا، أي التهديد بوقف تزويد أوروبا بالغاز في وقت ترتفع أسعار الطاقة.
من أجل تقويض استراتيجية بوتين، ثمة شك في أنه يمكن الاكتفاء بخطوات اقتصادية ومالية شديدة، حتى لو لم نشهد لها مثيلاً في العقود الأخيرة. في ضوء ما هو مطروح الآن، المطلوب أن تكون العقوبات أقسى مما ينوي الغرب فرضه. منها فرض حظر شامل على البنوك الروسية الكبرى، وقطع العلاقات الاقتصادية الروسية مع المنظومة المالية في الولايات المتحدة، وطردها من الـ (SWIFT)، وعقوبات تستهدف ضرب المداخيل الروسية من النفط والغاز وغيرها. مثل هذه الخطوات له تداعيات دراماتيكية على الأسواق العالمية والاقتصاد الأميركي الذي يعاني جرّاء الزيادة في التضخم في ظل أزمة الكورونا. كما يمكن أن يظهر التأثير في أسعار النفط الآخذة في الارتفاع، وفي سلاسل التصدير العالمي، مثل تصدير الحبوب، وهو ما سيخلق أزمة غذاء محتملة في أجزاء متعددة من العالم، بما فيها منطقتنا. لكن بالإضافة إلى الخطوات الاقتصادية والعقوبات غير المسبوقة والإدانات والخطابات الحادة، من المهم أن يبحث الغرب في احتمال أن بوتين قد لا يتوقف عند أوكرانيا، وكيف نستعد لإدخال مركّبات قوة إضافية إلى معادلة الردع الاستراتيجية.
الاضطرابات في النظام العالمي وأصداؤها، من المتوقع أن تصل إلى دول الشرق الأوسط، وبينها إسرائيل. على المستوى المباشر، الأزمة في أوروبا يمكن أن تؤثر في التحدي الاستراتيجي الأكثر تأججاً، من وجهة نظر إسرائيلية: النووي الإيراني. ومن المحتمل أن تعرقل الأزمة المفاوضات في فيينا للعودة إلى الاتفاق النووي، والتي بلغت المراحل الأخيرة نحو الاتفاق بين طهران والدول الكبرى. ليس واضحاً ما إذا كانت الدول الكبرى ستفصل بين الأمرين، وستتمكن من إيصال المفاوضات إلى اتفاق، أم أن روسيا ستدعم بقوة المواقف الإيرانية المتصلبة، لتحدّي الولايات المتحدة وخلق جبهة أُخرى في مواجهتها. على أي حال، في المدى الأبعد، النظام في طهران يمكن أن يتعلم من أحداث أوكرانيا درساً مهماً، فما يجري لا يشجع دولة على التخلي عن قدرات نووية، وتجد نفسها في مواجهة قوات كبيرة تهدد حكومتها وسيادتها.
إسرائيل أيضاً يمكن أن تستخلص دروساً استراتيجية من الأزمة الأوكرانية وتطبيقها على الحالة الإيرانية. قرار بايدن مسبقاً بأن الولايات المتحدة لن تتدخل عسكرياً في الأزمة يذكّر بالاستراتيجية الأميركية أيضاً خلال ولاية ترامب، التي اعتمدت فقط على العقوبات في مواجهة طهران، من دون وضع تهديد عسكري موثوق به لدعمها. من هنا، مع كل الاحترام للقوة الناعمة ولمنظومات المعلومات والسايبر، فقد أثبتت الأحداث في أوروبا أنه لا يمكن التخلي عن قدرات عسكرية تقليدية، وفي حالات كثيرة، يمكنها حسم مصير المعركة. درس إضافي لإسرائيل، هو صلاحية العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي تقول إنه من واجبنا في نهاية المطاف الدفاع عن أنفسنا بقوانا الذاتية.
ماذا بشأن سياسة إسرائيل حيال التطورات في أوروبا الشرقية؟ يجري الحديث أننا في مواجهة معضلة بين الإملاء الروسي المهدد في سورية، وبين المكان الطبيعي لإسرائيل في العالم الديمقراطي الحر. إن ضخامة الأحداث وتداعياتها تغيّر الواقع العالمي، وتتطلب موقفاً إسرائيلياً واضحاً، أخلاقياً وقيَمياً. في مرحلة من الصراع التاريخي على صورة النظام العالمي، وبينما يتحدث بوتين عن "محاربة النازية" في دولة رئيسها يهودي، لا تستطيع إسرائيل انتهاج سياسة "السير بين النقاط"، ويجب عليها أن تقف بقوة، ومن دون تردد، مع الجانب الصحيح من التاريخ.
0 comments: