عهد السياسات والاستراتيجيا في جامعة ريخمان برئاسة رئيس المعهد عاموس جلعاد، 2/5/2022
باحثون من معهد السياسات والاستراتيجيا في جامعة ريخمان برئاسة رئيس المعهد عاموس جلعاد
- عشية الذكرى الـ 73 لقيام إسرائيل تواجه الدولة سلسلة تحديات معقدة تتبلور في تهديد استراتيجي عام، في طليعته إيران (البرنامج النووي والتوسع الإقليمي)، والمشكلة الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة)، والأزمة العالمية بأبعادها التاريخية وتداعياتها المباشرة على الشرق الأوسط. إلى جانب ذلك تعيش إسرائيل مرحلة استقرار، وتعكس قوة استراتيجية على الساحتين الدولية والإقليمية من خلال ترسيخ الردع والتفوق العسكري.
الساحة الفلسطينية: قابلة للانفجار تكتيكياً واستراتيجياً
- استعدت إسرائيل لمواجهة سيناريو تصعيدي في شهر رمضان، فعملت مسبقاً على تحييد مراكز الاحتكاك في القدس (الشيخ جراح والحرم القدسي الشريف)، وسمحت بدخول واسع النطاق للمصلين المسلمين إلى المسجد الأقصى، وبالاحتفالات برمضان في بوابة نابلس، ومنعت العقوبات الجماعية من خلال المحافظة على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.
- في المقابل، قامت "حماس" بجهد تحريضي واسع النطاق بهدف تصعيد الوضع في القدس والضفة الغربية ووسط العرب في إسرائيل، وعملت على جعل إسرائيل تدفع الثمن على صعيد الوعي على الساحتين الدولية والإقليمية. وكان الهدف من تحرك "حماس" تعزيز قيادتها على الساحتين الفلسطينية والإقليمية كمدافعة عن "المقدسات الإسلامية"، وتعزيز موقعها للاستيلاء على الزعامة السياسية في "اليوم التالي" بعد أبو مازن.
- في هذه المرحلة، نجحت إسرائيل في منع التدهور إلى تصعيد واسع النطاق في الضفة الغربية وفي قطاع غزة (على الرغم من إطلاق الصواريخ من القطاع ومن لبنان)، وفي عدم تحويل الانتباه الدولي من الساحة الأوكرانية إلى الشرق الأوسط. في المقابل، لم تجعل إسرائيل "حماس" تدفع الثمن على الرغم من أن الأخيرة هي التي قادت التصعيد من وراء الكواليس، فخاضت معركة لجم واحتواء تكتيكية في مواجهة استراتيجيا "حماس" الشاملة.
- على الصعيد الإقليمي، باءت محاولات التنسيق الاستراتيجي المسبق مع الأردن بالفشل، وأدت إلى نشوب أزمة علاقات ثنائية بين الدولتين بسبب سلوك إسرائيل في القدس، وطالب الأردن بتعزيز دور الوقف والتشدد في تطبيق الوضع القائم. مع ذلك، وعلى الصعيد الإقليمي الواسع النطاق، وعلى الرغم من ارتفاع حجم التحريض والانتقادات العلنية ضد إسرائيل، فإن هذا لم يؤد إلى تصدع التعاون الاسترتيجي والأمني الجاري.
هل هناك عودة إلى الاتفاق النووي؟
- قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين أمام مجلس الشيوخ إن إيران تستطيع أن تطور قنبلة نووية خلال أسابيع معدودة إذا قررت أن تفعل ذلك. وفي توضيح أصدره البيت الأبيض جرى التشديد على أن الحجة التي عُرضت تتعلق بالوقت الذي تستطيع خلاله إيران تخصيب المادة الانشطارية المطلوبة من أجل إنتاج قنبلة، بدءاً من اللحظة التي تقرر فيها تطوير سلاح نووي وليس إنتاج قنبلة فعلاً. وشدد بلينكين على أن الحل الدبلوماسي ما زال هو المفضل، ولم يستخدم لغة تهديدية ضد إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
- في هذه المرحلة، لم تتقدم المفاوضات بسبب مسألتين مركزيتين هما: عدم استعداد الولايات المتحدة إزالة الحرس الثوري الإيراني عن قائمة التنظيمات الإرهابية في ظل الانتقادات السياسية والأمنية، والتخوف من تداعيات القرار على الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر، وضغط حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الوسط على واشنطن وعلى البيت الأبيض؛ مطالبة إيران بضمانات أميركية بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من الاتفاق الجديد في حال تغيرت السلطة في واشنطن.
- بالنسبة إلى إيران، فإن العودة إلى الاتفاق النووي ستؤدي إلى تحرير الأموال المجمدة في الحسابات المصرفية في الخارج (حوالي 100 مليار دولار)، وإلى انخراطها كلاعب مهم في سوق النفط والغاز في فترة أزمة عالمية وارتفاع أسعار. مع ذلك، فإن عدم الثقة والشكوك المتبادلة بين الطرفين، بالإضافة إلى ظروف سياسية داخلية، كلها أمور يمكن أن تؤدي إلى فشل بلورة الصفقة.
- الاستراتيجيا الإيرانية شاملة وثابتة، فإلى جانب الاستمرار في التوظيف في تطوير المعرفة والقدرات النووية، تعمل طهران على تعزيز نفوذها الإقليمي، سواء بواسطة مواصلة تمركزها الإقليمي في العراق وفي سورية ولبنان أو من خلال إجراء حوار استراتيجي لتحسين العلاقات الثنائية مع السعودية وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الإمارات. في المقابل لا تتخوف طهران من استخدام الضغط على دول الخليج بواسطة قوات وكلائها في اليمن، أو الضغط على الولايات المتحدة من العراق، بل هي تسعى إلى تصديع اتفاقات أبراهام، وإضعاف المنظومة الموالية لأميركا في المنطقة، والدفع نحو انسحاب القوات الأميركية، وبالتالي ترسيخ نفوذها الإقليمي واستخدام ضغط عام على إسرائيل من خلال إبعاد التهديدات عن حدودها.
- في المقابل تتحرك إسرائيل من خلال المعركة بين الحروب لمنع التمركز الإيراني في المنطقة، والمحافظة على حرية تحركها العملاني من خلال آلية منع الاحتكاك مع الروس، وتعزيز العلاقات الاستراتيجية-الأمنية مع المعسكر السني الموالي لأميركا بهدف استخدام ضغط معاكس على طهران. وفي هذا الإطار فإن عودة الحرارة إلى العلاقات مع تركيا لها أهمية استراتيجية، في المدى البعيد، في المعركة في مواجهة إيران، وفي إضعاف الاعتماد الأيديولوجي والاقتصادي لـ "حماس".
...
توصيات لإسرائيل
- التصعيد على الساحة الفلسطينية خلال شهر رمضان يؤكد من جديد الحاجة إلى مناقشة الاستراتيجيا الإسرائيلية إزاء "حماس". فالمبادرات الإسرائيلية الواسعة النطاق التي أُعطيت لغزة بعد عملية "حارس الأسوار"، من دون المطالبة في المقابل بتنازلات من جانب "حماس"، سمحت للحركة بتوجيه "الإرهاب" والتحريض نحو الضفة الغربية وإسرائيل، مع المحافظة على مساعي إعادة إعمار القطاع، وعلى المساعدة في مقابل تهدئة أمنية. كذلك نجحت "حماس" في حمل العصا من الطرفين، وتطبيق استراتيجيا تؤدي إلى موضعتها في الساحة الفلسطينية بصفتها "المدافع عن القدس"، بالإضافة إلى تعزيز قوتها وبناها التحتية في غزة، في مقابل الحفاظ على الهدوء الأمني.
- يتعين على إسرائيل بلورة استراتيجيا شاملة هدفها إضعاف "حماس"، وتعزيز السلطة الفلسطينية. وفي هذا الإطار، يجب أن تدفع "حماس" ثمن أفعالها التدميرية، إلى جانب تعزيز السلطة الفلسطينية أمنياً واقتصادياً. ومن شأن عدم وجود استراتيجيا إسرائيلية شاملة، باستثناء السياسة الحالية لـ"إدارة النزاع" بواسطة سياسة "الجزرة والعصا"، تقليص القدرة الإسرائيلية على العمل في المجال العملاني وفي مجال الرد، الأمر الذي يساعد "حماس" على الساحة الفلسطينية.
- يشكل الأردن رصيداً استراتيجياً في عقيدة الأمن القومي لإسرائيل، وزعزعة الاستقرار فيه ستنعكس بصورة مباشرة على الأمن الإسرائيلي على المستوى الاستراتيجي، وعلى الصعيد التكتيكي-العملاني (حدود، و"إرهاب"، وتمركز قدرات نارية لقوى وكلاء إيران). على هذا الصعيد يجب انتهاج سياسة إسرائيلية حكيمة من خلال تعميق الأرصدة الإسرائيلية في أمن المملكة، وذلك على الرغم من الخطاب الهجومي لعمّان بشأن كل ما له علاقة بالمسجد الأقصى والوضع القائم في القدس.
- مستقبل الاتفاق النووي بين الدول الكبرى وبين إيران لم يُحسم بعد، لكن في أي سيناريو سيكون على إسرائيل مواجهة تهديد معقد ومتعدد الأبعاد. إذ تفرض الاستراتيجيا الإقليمية لإيران والتطورات المحتملة لبرنامجها النووي على إسرائيل توطيد التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات الأمنية مع المعسكر السني في المنطقة. وفي هذا النطاق المطلوب من إسرائيل التوظيف في بناء قوة خاصة بمساعدة أميركية من أجل تعزيز قدراتها المستقلة لمواجهة التهديدات الناشئة في الدائرتين الثالثة والأولى.
- بالإضافة إلى ذلك لا تزال المعركة بين الحروب تشكل أداة فعالة لإخراج إيران من الساحة السورية، والمس بعمليات بناء حزب الله لقوته، وتعزيز قوة الردع الإسرائيلية في المنطقة. حتى الآن يبدو أن التنسيق الاستراتيجي مع موسكو لم يتضرر، وما زال الجيش الإسرائيلي يحتفط بحرية التحرك العملاني، لكن مع ذلك يتعين على إسرائيل أن تستعد لمواجهة انعكاسات الصراع العالمي على السياسة الروسية في الشرق الأوسط، وخصوصاً حرية عمل الجيش الإسرائيلي.
- تعزز تطورات المعركة في أوكرانيا المخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة بين الغرب وروسيا. ذلك بأن حدود المعركة تتوسع، ويحاول كل جانب بلورة منظومة تحالفات استراتيجية لتشديد /أو كسر الحصار على روسيا. في السياق الشرق الأوسطي تنعكس الأزمة في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات على قدرة واشنطن على بلورة ائتلاف إقليمي ضد روسيا.
- - تقضي المصلحة الأمنية الإسرائيلية بقاء دول الخليج ومصر والأردن تحت الدعم الأميركي، في ضوء التداعيات الاستراتيجية الخطرة، في المدى البعيد، على أمن إسرائيل في حال حدوث تغيير، ولإسرائيل دور في التوسط بين واشنطن وبين المعسكر السني وتبديد التوترات. وهذا الدور يعزز أيضاً مكانة القدس وأرصدتها في واشنطن وفي دول المنطقة.
- تقدم المعركة في أوكرانيا دروساً على المستوى العسكري – التنظيمي، وعلى المستوى العملاني –التكتيكي، منها: أهمية وجود استخبارات ذات دلالة ونوعية، والحاجة إلى تعزيز التفوق الجوي، وقدرة فعلية على المناورة، ونيران دقيقة وفتاكة، والدفع من المستوى الاستراتيجي إلى المستوى التكتيكي، إلى جانب تعزيز الدفاع المتعدد الأبعاد، والقدرة على الصمود وامتصاص الضربات، وترسيخ شرعية دولية وداخلية.
- إن هذه الدروس يجب تعميقها في حال حدوث معركة على الجبهة الشمالية، أو معركة متعددة الجبهات قد تدخل فيها إسرائيل.
0 comments: