Sunday, April 17, 2022

ضعف الغرب قاد بوتين إلى أوكرانيا، وأعداء آخرون يترقّبون إشارات مماثلة

 ضعف الغرب قاد بوتين إلى أوكرانيا، وأعداء آخرون يترقّبون إشارات مماثلة

 ضعف الغرب قاد بوتين إلى أوكرانيا، وأعداء آخرون يترقّبون إشارات مماثلة

بواسطة دينس روس

٨ أبريل ٢٠٢٢




 

Also published in "ذي هيل"

Russian President Vladimir Putin meets Chinese President Xi Jinping at a summit in Beijing - source: Reuters

عن المؤلفين

Dennis Ross

دينس روس

السفير دينس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما.

مقالات وشهادة

وجّهت موسكو نداء صحوة للطريقة التي تفسّر فيها الجهات الفاعلة مثل إيران التقاعس المعتاد الذي تظهره الولايات المتحدة.


من الصعب المبالغة في تقدير أخطاء فلاديمير بوتين في أوكرانيا. فمن الاعتقاد بأن قواته كانت أكثر قدرة بشكل كبير مما هي عليه في الواقع، إلى تصديق أساطيره بأن أوكرانيا ليست دولة حقيقية، فإن مفاهيمه الخاطئة ساهمت في إقناعه بشن حرب كارثية.


وفي حين أن مفاهيمه الخاطئة عن أوكرانيا عميقة، إلا أنه من المفارقات أن سوء تقديره للغرب، لا ينبغي أن يكون مستغرباً إلى هذا الحد. هل حقاً أعطته ألمانيا وغيرها سبباً للاعتقاد بأنه سيكون هناك رد فعل سلبي إذا ما غزا أوكرانيا؟ وبالمثل، هل كانت الإجراءات الأمريكية بمرور الوقت موثوقة بما فيه الكفاية لإقناعه بتحذيرات إدارة بايدن بشأن الثمن الذي ستدفعه روسيا إذا قام بغزوها؟


لنتأمل هنا في حالة ألمانيا. فقد ألقى الغموض بظلاله على مصير خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم 2" إلى حين الغزو. وعلاوة على ذلك، ظلت ألمانيا وغيرها من البلدان في أوروبا لسنوات غير راغبة في تحديث قواتها أو تحقيق هدف منظمة حلف شمال الأطلسي )"الناتو"( المتمثل في إنفاق الأعضاء 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع.


أما بالنسبة للولايات المتحدة، فلننظر إلى حصيلة الإنجازات: بدأ بوتين يُظهر أنه لن يحترم الوحدة الإقليمية وحرمة الحدود مع غزو جورجيا في عام 2008، ومع فصل أوسيتيا وأبخازيا عنها - وكان الرد الأمريكي محدوداً للغاية.


وكذلك كان رد الولايات المتحدة وأوروبا على الاستيلاء على منطقة القرم الأوكرانية في عام 2014 - نعم، لقد طبقت واشنطن عقوبات محدودة، ولكن كان لها تأثير ضئيل على الاقتصاد الروسي. كما أنّ التورط الروسي الواضح في القتال في شرق أوكرانيا، حيث نفى بوتين هذا التدخل العسكري الروسي ثم اعترف لاحقاً بأن الجنود الروس ذهبوا إلى هناك في عطلاتهم، قوبل مرة أخرى برد فعل ضئيل. فقد اتخذ الرئيس أوباما قراراً بعدم تقديم مساعدة فتّاكة لأوكرانيا، معتقداً أن ذلك سيكون استفزازياً وسيؤدي إلى تصعيد روسي للصراع.


وعندما أرسلت روسيا قوات إلى سوريا في عام 2015 لإنقاذ نظام الأسد، لم ترد الولايات المتحدة ولا أوروبا [على ما قام به]، مع اعتقاد الكثيرين أنه إذا أراد بوتين الغرق في "مستنقع" سوريا، فلندعه يدفع الثمن. ولكنّ بوتين غيّر موازين القوى هناك بتكلفة زهيدة ودون أي مراعاة لقتل المدنيين - في الواقع، استهدف القصف المتعمّد للمدنيين إرهاب السكان المحليين وإخلاء المناطق من السكان. (ووفقاً لتحقيق أجرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أعطت الأمم المتحدة الروس إحداثيات عن مواقع المستشفيات والعيادات، ولكنهم استخدموا تلك المعلومات لضرب تلك المناطق بدلاً من تجنّب قصفها).


ومن المؤكد أن عدم التصرف وفقاً لـ"الخط الأحمر" الذي وضعه أوباما في ذلك الوقت يُشكّل مثالاً آخر على تردد الولايات المتحدة، ولكن هل لذلك أهمية أكبر في حسابات بوتين من واقع أنه نكث كل وعد قطعه مع إدارتي أوباما وترامب حول سوريا؟ وهنا لا بد من التنويه إلى أن ترامب، في لقاءاته مع بوتين في عام 2017، أعلن مرتين عن التوصل إلى تفاهمات، أولاً بشأن وقف إطلاق النار، ثم لاحقاً، بشأن إنشاء مناطق خفض التصعيد في سوريا - وهو ما لم يلتزم به الروس. وكما هو الحال مع إدارة أوباما، لم تتم محاسبتهم.


وبخلاف الرئيس أوباما، ربما وافق الرئيس ترامب على إرسال معدات فتّاكة لأوكرانيا، لكنّه لم يسمح بنشر صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات. والأسوأ من ذلك، أثار ترامب تساؤلات حول "المادة 5" من ميثاق حلف "الناتو" (التي تنص على أن  الهجوم على أي عضو من أعضائها يعتبر هجوماً على الجميع)، ووبخ أعضاء "الناتو" باستمرار، وأوجد انطباعاً بأنه قد ينسحب من الحلف في فترة ولايته الثانية. وكأن هذا لم يكن كافياً، فإنّ الانسحاب الفوضوي لإدارة بايدن من أفغانستان قد أكّد على ما يبدو أن الولايات المتحدة كانت تتراجع ولا تتطلع إلى التصرف وفقاً لالتزاماتها في الخارج - وبطبيعة الحال، لم يكن لواشنطن أي التزام أمني تجاه أوكرانيا.


ولكن، لا يبرر أيٌ من هذا حرب بوتين غير المعقولة على شعب أوكرانيا. ولكنّه يذكرنا بأنه رأى نمطاً من الرد المحدود أو المعدوم على جميع تصرّفاته التي تحدّت المعايير الدولية الأساسية.


إن التعبئة الفعّالة للأوروبيين التي اضطلعت بها إدارة بايدن لرفع الثمن الذي ستدفّعه روسيا بعد غزوها لأوكرانيا هي تذكير بأن الولايات المتحدة قادرة على قيادة الآخرين عندما تطرأ تحديات أساسية للقواعد التي تريدها من أجل توجيه السلوك الدولي. وفي الواقع، يمكن تفهّم سبب فرض واشنطن قيود معيّنة على ما تقدمه لأوكرانيا - فليس من الحكمة حشر شخص يملك 6000 رأس نووي في الزاوية. ولكنه أيضاً تذكير بأن الولايات المتحدة تبقى حذرة للغاية عندما يتعلق الأمر باستخدام القوة - وذلك، بلا شك، لأسباب وجيهة.


ومع ذلك، إذا أرادت واشنطن أن يعرف الآخرون المستعدون لتحدي المعايير الدولية أو الإقليمية أنهم سيدفعون ثمناً ذات أهمية لهم، فعليهم أن يعلموا أنهم يخاطرون بإثارة القوة الأمريكية العاتية ضدهم. وفي الشرق الأوسط - حيث كانت إيران تهاجم بصورة مباشرة ومن خلال وكلائها القواعد التي يتواجد فيها الأمريكيون في العراق وسوريا، وتضرب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وتروّج للإرهاب ضد إسرائيل - كانت ردود واشنطن محدودة للغاية، بينما تُظهر إيران القليل من الخوف من الولايات المتحدة. ولتغيير ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تقابلهم بالمثل عندما تتلقى ضربة ما - وتفرض تكلفة أعلى من تلك التي لحقت بها - وأن تعمل مع شركائها بنشاط لشن هجمات مضادة عليهم.


لم يكن الاستفزاز هو ما دفع بوتين إلى غزو أوكرانيا، بل قراءته للضعف الأوكراني والغربي.


وعلى غرار بوتين، يبحث آخرون - سواء الرئيس الصيني شي جين بينغ، أو زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أو المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي - عن أي علامات تشير إلى قوة الولايات المتحدة وليس ضعفها. فالأولى تجعلهم حذرين، والثانية، عدائيين.


لقد وجه بوتين للولايات المتحدة نداء صحوة، ومن المهم الإصغاء إليه.


 


دينس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. وكُتب هذا المقال تحت رعاية "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" التابع للمعهد حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط".

Saturday, January 23, 2021

لا داعي لأن يتسرع بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لنزع فتيل التوترات

 لا داعي لأن يتسرع بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لنزع فتيل التوترات

 لا داعي لأن يتسرع بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لنزع فتيل التوترات

بواسطة دينس روس

١٩‏/٠١‏/٢٠٢١


 

 

عن المؤلفين

Dennis Ross

دينس روس

السفير دينس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما.

مقالات وشهادة

لا يُخفى أن المفاوضات مع الإيرانيين حول التوصل إلى اتفاق نووي ليست سهلة على الإطلاق. ولكن إذا أرادت إدارة بايدن إجراء مفاوضات متابعة تتطلب الحصول على المزيد من جهة الإيرانيين بينما تمنحهم أيضاً المزيد من حيث الفوائد الاقتصادية وليس فقط تخفيف العقوبات، فقد يكون من المنطقي عدم الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي.


استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20٪ في منشأة "فوردو" السرية المبنية فعلاً داخل جبل. ومع تخصيب هذا العنصر الكيميائي إلى هذا المستوى، لن تكون إيران بعيدة عن إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع أسلحة نووية. وهذا بالتأكيد أكثر الخروقات الإيرانية إشكاليةً لأحكام «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني.


ولكن لماذا يحدث ذلك الآن؟ من الواضح أن إيران قررت ممارسة الضغط على إدارة بايدن، حيث تتمثل رسالتها، في الواقع، في أنه مهما كانت أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، فحريٌ بها التعامل مع الجمهورية الإسلامية قريباً. وكما لو أن الإيرانيين أرادوا التأكيد عن عزمهم على التصرف، كونهم مشكلة يجب معالجتها، فقد استولوا أيضاً على سفينة مسجلة في كوريا الجنوبية في مضيق هرمز.


ومن الواضح أن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وفرضها أقصى درجات الضغط الاقتصادي لم تنجحا في تغيير السلوك الإيراني، لكنهما نجحا بالتأكيد في إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الإيراني. واليوم تحتاج إيران إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها وتريد من الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» من خلال رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي.


وبعد أن سبق للرئيس جو بايدن أن أبدى رغبته في السعي لإعادة الانضمام إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ألا يكون الإيرانيون يطرقون بذلك باباً مفتوحاً؟ ليس هذا ما يحصل فعلياً، لأن موقف الرئيس بايدن هو الامتثال مقابل الامتثال، مما يعني أنه لا يمكن للولايات المتحدة رفع العقوبات قبل عودة الإيرانيين إلى الامتثال لشروط الخطة - ووفقاً لمعظم التقديرات، سيستغرق هذا الأمر بضعة أشهر [لضمان] حصول ذلك. (إن معاودة الامتثال ليست بسهولة كضغطة زر؛ ولإعطاء مثال واحد فقط على ذلك، جمعت إيران أكثر من 2400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، أي ما يقرب من 12 ضعف الكمية المسموح بها في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وسيستغرق الأمر وقتاً لتصديره أو تخفيفه). بالإضافة إلى ذلك، يطالب الإيرانيون بتعويضات عمّا كلّفتهم العقوبات ويصرون على أن تقوم الولايات المتحدة، وليس إيران، بالخطوة الأولى. وجدير بالملاحظة أن آية الله علي خامنئي شدد مؤخراً على أن الغرب ملزم برفع العقوبات على الفور، معلناً في الوقت نفسه "أننا لسنا في عجلة من أمرنا لعودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». فهذه ليست المشكلة بالنسبة لنا. ... إذا لم يتم رفع العقوبات، فقد لا تكون عودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» لصالحنا. (...) وبالطبع، إذا عادوا إلى التزاماتهم، فسنعود إلى التزاماتنا".


وبعبارة أخرى، تقع المسؤولية على عاتق واشنطن، والغرض من أعمال إيران الاستفزازية هو دفع إدارة بايدن إلى نزع فتيل المشكلة من خلال تخفيف العقوبات على إيران قبل القيام بأي خطوة أخرى. وفي حين قد يكون الرئيس الأمريكي مستعداً لتقديم الإمدادات الإنسانية والطبية، إلّا أن شرطه بالامتثال مقابل الامتثال يشير إلى أن تخفيف العقوبات غير ممكن طالما تنتهك إيران «خطة العمل الشاملة المشتركة».


وتتمثل إحدى الطرق الكفيلة بكسر الجمود وجعل الضرورة فضيلة هي قيام الولايات المتحدة بتحويل تركيزها من معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي بعد عودة إيران إلى الامتثال الكامل، إلى اتفاق قائم على مبدأ "أقل مقابل أقل"، أي أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات بدرجة محدودة، بينما تتراجع إيران عن أعمالها المخالِفة للامتثال. على سبيل المثال، أن تسمح واشنطن لطهران بالوصول إلى بعض حساباتها المجمدة في الخارج، مقابل وقف إيران لعمليات التخصيب إلى نسبة 20٪، وتقليص مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب من أكثر من 2400 إلى 1000 كيلوغرام، وتفكيك مجموعات أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لديها.


وسيكون هناك العديد من الفوائد لمثل هذا الاتفاق المتمثل بـ "الأقل مقابل الأقل": فسيقلص البرنامج النووي الإيراني بطريقة من شأنها أن تمدد زمن تجاوز العتبة النووية وتجعله أقل تهديداً؛ كما سيحافظ على نظام العقوبات الخاص بالولايات المتحدة وبالتالي على نفوذها، وسوف يُكسب واشنطن الوقت لمحاولة إنجاز الاتفاقات طويلة الأجل التي يسعى إليها الرئيس بايدن والتي يأمل أن تمدد أحكام انقضاء الاتفاق النووي من جهة وتؤدي إلى تفاهمات موازية بشأن الصواريخ الباليستية وسلوك إيران في المنطقة من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك سيسهّل هذا الاتفاق إلى حد كبير كسب بعض التأييد من الحزب الجمهوري نظراً لمعارضته شبه الموحدة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، حتى وإن كان ذلك سيحد من التهديد النووي الإيراني الذي هو من تركة ترامب. وأخيراً، هناك احتمالٌ أكبر في أن يؤدي هذا الاتفاق إلى طمأنة الإسرائيليين والإماراتيين والسعوديين الذين يخشون العودة المبكرة إليه، في حين أن رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي لن يعطي الإيرانيين سبباً يُذكر لتغيير سلوكهم المهدّد في المنطقة.


ولا يُخفى أن المفاوضات مع الإيرانيين ليست سهلة على الإطلاق. ولكن إذا أرادت إدارة بايدن إجراء مفاوضات متابعة تتطلب الحصول على المزيد من جهة الإيرانيين بينما تمنحهم أيضاً المزيد من حيث الفوائد الاقتصادية وليس فقط تخفيف العقوبات - وهو أمر سيتطلب دعم الكونغرس - فقد يكون من المنطقي عدم الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي. بعبارة أخرى، إذا أرادت واشنطن الوصول إلى "المزيد مقابل المزيد"، عليها أن تبدأ بالأقل مقابل الأقل.


 


دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. وهذا المقال مرتبط بمذكرة الانتقال الرئاسية الجديدة للمعهد بعنوان "المحادثات النووية الإيرانية القادمة: الافتتاحيات والعقبات".

Sunday, January 3, 2021

كيف يمكن أن تحظى سياسة بايدن تجاه إيران بفرصة للنجاح

كيف يمكن أن تحظى سياسة بايدن تجاه إيران بفرصة للنجاح

 تحليل السياسات 

كيف يمكن أن تحظى سياسة بايدن تجاه إيران بفرصة للنجاح

بواسطة دينس روس

٢٦‏/١٢‏/٢٠٢٠


  


Also published in "بلومبيرغ"


عن المؤلفين

Dennis Ross

دينس روس

السفير دينس روس هو مستشار وزميل "وليام ديفيدسون" المميز في معهد واشنطن والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما.

أوضح الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن أن هدفه هو امتثال إيران للاتفاق النووي، ولكن هل يمكن للغضب الناجم عن مقتل العالم النووي محسن فخري زاده أن يستبعد الدبلوماسية على المدى القريب؟ ولا تزال إيران تعاني من وطأة العقوبات الاقتصادية، ولا ينبغي أن يأتي تخفيف العقوبات من دون تقديم طهران تنازلات بشأن الاتفاق النووي.


لن تكون علاقة الولايات المتحدة بإيران سهلة أبداً. وحتى استعداد الرئيس المنتخب جو بايدن للانضمام ثانية إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي يُعرف أيضاً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»، لن يجدي نفعاً كبيراً. فقد أوضح أن هدفه هو امتثال إيران، ولكن هل يمكن للغضب الناجم عن مقتل العالم النووي محسن فخري زاده والفرصة الضئيلة قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران/يونيو أن يستبعدا الدبلوماسية على المدى القريب؟ من المرجح أن لا يحصل ذلك، لأن المرشد الأعلى علي خامنئي يعلم أن إيران بحاجة إلى تخفيف العقوبات، لكنه سيضغط على الولايات المتحدة لتخفيفها قبل قيام إيران بأي خطوة. ويمكن للإيرانيين العودة إلى الامتثال لاتفاق عام 2015 من خلال احترام القيود المفروضة على عدد أجهزة الطرد المركزي الخاصة بهم، والمستوى الذي يمكنهم التخصيب إليه، وكمية اليورانيوم منخفض التخصيب الذي يمكنهم تكديسه، وتفكيك سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة المثبتة، وما شابه ذلك. ومن جانبها، بإمكان الولايات المتحدة تعليق العقوبات مرة أخرى، مما يوفر الإغاثة الاقتصادية للإيرانيين الذين هم بأمس الحاجة إليها. ولكن، مع ذلك سيستغرق الأمر من أربعة إلى ستة أشهر لكي تعود إيران إلى الامتثال للاتفاق النووي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ستقوم الإدارة الأمريكية الجديدة بتخفيف العقوبات، حتى مع استمرار إيران في انتهاك الحدود المنصوص عليها في «خطة العمل الشاملة المشتركة»؟ إن الإيرانيين لا يصرّون على الاستمرار في هذا التصرف فحسب، بل يطالبون أيضاً بالتعويض عن تكلفة العقوبات التي فرضتها عليهم إدارة دونالد ترامب، مدّعين - بشكل مبرر بعض الشيء - أنهم استمروا في الوفاء بالتزاماتهم بموجب أحكام «خطة العمل الشاملة المشتركة» لمدة عام كامل بعد أن توقف ترامب عن احترام الالتزامات الأمريكية بموجب بنود الخطة.


وحتى إذا رفضت الإدارة الأمريكية الجديدة تقديم تعويضات لكنها عرضت تخفيف العقوبات على الفور في ضوء الخطوات الأولية التي بدأت إيران باتخاذها للامتثال مجدداً لأحكام «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فمن المرجح أن تصدر اعتراضات شديدة اللهجة من أعضاء الكونغرس الجمهوريين المعارضين لهذه الخطة، إذ أنهم سيعتبرون أي خطوات تحد من نفوذ الولايات المتحدة على أنها خطأ جوهري في حين لا تزال إيران غير ملتزمة بالخطة ولا تغيّر أياً من سلوكياتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. ومن المفارقات، أن ذلك سيخلق على الأرجح مشكلة لكل من الرئيس المنتخب، الذي يريد استعادة الشراكة بين الحزبين [الديمقراطي والجمهوري] في السياسة الخارجية، ولإيران، التي يريد قادتها ضماناً بأن أي اتفاق لن يتم عكسه في عام 2024 إذا أسفرت الانتخابات الأمريكية عن إدارة مختلفة.


سيتعين على إدارة بايدن التوفيق بين عدد من التضاربات إذا كانت سياستها تجاه إيران تريد أن تحظى بأي فرصة للنجاح. أولاً، تريد الدول الأوروبية أن تعود الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، في حين من المرجح أن يعارض معظم الجمهوريين في الكونغرس أي عودة إلى الاتفاق النووي الذي لا يتعامل مع بنود انقضاء الوقت أو الصواريخ الباليستية أو إثارة المشاكل الإيرانية في الشرق الأوسط.


ثانياً، ستشعر الإدارة الأمريكية الجديدة بالحاجة الملحة إلى إعادة فرض القيود على برنامج إيران النووي حتى عندما تتناول القضايا الأخرى، ولكنها لا تريد أن تجعل التفاهمات بشأن البرنامج النووي رهناً بالتقدم بشأن مسألة الصواريخ الباليستية أو التحديات الإقليمية.


ثالثاً، يدرك الرئيس المنتخب أن إسرائيل والسعودية والإمارات تريد تطمينات بشأن خطوات الولايات المتحدة تجاه إيران، وإلّا ستتصرف بطرق قد تعقّد الاستراتيجية الأمريكية. لكن هذه الدول تشكك في «خطة العمل الشاملة المشتركة» وتخشى أن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها قبل الأوان، وتشعر بالقلق من أن مصالح إدارة بايدن في عملية التفاوض ستؤدي إلى غض الطرف عن تهديدات إيران لجيرانها.


وأخيراً، حتى في الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن إلى الحفاظ على نفوذها على إيران وتُظهر التكاليف الباهظة لسلوك طهران السيئ، فإنها تريد أيضاً أن تكون قادرة على تقديم الحوافز لتحسين سلوك إيران تجاه الدول المجاورة لها في المنطقة.


ورغم صعوبة التوفيق بين هذه الأهداف المتضاربة، إلا أن ذلك ممكن. ولكنه يتطلب التفكير بشروط أكثر محدودية. وعلى وجه التحديد لأنه لن يكون من السهل للغاية الانضمام من جديد إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فيجب على إدارة بايدن أن تجعل من الضرورة فضيلة: على الولايات المتحدة أن تواصل إعلان استعدادها للانضمام مجدداً إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» والتفاوض على اتفاقية لاحقة - وهو أمر يُطمئن الأوروبيين ويبعث رسالة مفادها أن إدارة بايدن تحترم الاتفاقيات متعددة الأطراف - ولكن عليها أن توضح أيضاً أن الفهم المحدود الذي يحد من الموقف النووي الإيراني الحالي لا يحتاج إلى الانتظار، وأنه بالإمكان تخفيف العقوبات بصورة محدودة مقابل مثل هذه الخطوات. على سبيل المثال، أفادت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" أن إيران لديها 12 ضعف كمية اليورانيوم منخفض التخصيب مما هو مسموح به بموجب شروط «خطة العمل الشاملة المشتركة»؛ يمكن للإدارة الأمريكية أن تسعى إلى خفض [اليورانيوم الإيراني المخصب] من 2400 كيلوغرام إلى 1000 كيلوغرام وتفكيك سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي تم تركيبها. وفي المقابل، يمكن للولايات المتحدة إلغاء تجميد الوصول إلى بعض الحسابات التي تحتفظ باحتياطيات العملة الأجنبية الإيرانية مع استمرار العقوبات.


إن حسنات هذا الاتفاق المتمثل بـ "الأقل مقابل الأقل" هي أنه يقلّص زمن تجاوز إيران للعتبة النووية من أجل تطوير مواد انشطارية صالحة لصنع الأسلحة، ويحافظ على النفوذ الأمريكي، ولا يتطلب من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تبنّي «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهو رمز يجدون أنه يمثل مشكلة، كما يسمح بكسب الوقت لفعل ما أوضح بايدن أنه يريد القيام به - أي التفاوض على اتفاقية تخلف «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي تمدد أحكامها مع التصدي في الوقت نفسه أيضاً للموقف العدواني لإيران في المنطقة. لكن قبل تبني مثل هذا الموقف، يجب على بايدن التشاور مع الكونغرس والحلفاء الأوروبيين والإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين. وبينما يفضل الأوروبيون العودة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فإنهم سيدعمون أي خطوة أمريكية تحد من التهديد النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية حتى لو عرضت اتفاقاً أكثر محدودية في البداية. وسيرغب الكونغرس الأمريكي وأصدقاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في فهم الأهداف الأمريكية وكيف ستسعى إلى الحفاظ على نفوذها.


وللإيرانيين بالطبع، رأيٌ في ما هو ممكن. فعلى الرغم من التحدي الكلامي، يعلم خامنئي أن الإيرانيين بحاجة إلى الارتياح من وطأة العقوبات، وسيبحثون عن سبيلٍ لتحقيق ذلك. يجب ألا يحققوا ذلك مجاناً.


 


دينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن.