Saturday, March 19, 2022

هل يزور جونسون السعودية لتأمين كميات أكبر من النفط؟

 هل يزور جونسون السعودية لتأمين كميات أكبر من النفط؟

 هل يزور جونسون السعودية لتأمين كميات أكبر من النفط؟

بواسطة سايمون هندرسون

١٤ مارس ٢٠٢٢

 


 

عن المؤلفين

Simon Henderson

سايمون هندرسون

سايمون هندرسون هو زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج الفارسي.

تحليل موجز

تعكس الزيارة المتوقعة لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى السعودية مدى إلحاح الأزمة والفتور بين الرياض والبيت الأبيض.


تُعتبر زيادة السعودية لكميات النفط التي تنتجها خطوة ضرورية لاستبدال الصادرات الروسية الخاضعة لعقوبات واسعة النطاق، ولكن الرياض لم تبادر بذلك بعد على الرغم من ازدياد الضرورة القصوى التي تفرضها الحرب. وتحدثت تقارير إخبارية الأسبوع الماضي عن انقطاع واضح للتواصل السعودي مع الرئيس بايدن، الذي يريد من المملكة أن تتراجع عن اتفاقية الحدّ من الإنتاج التي وقعتها مع روسيا، زميلتها في منظمة "أوبك بلس".


وهذا ما دفع ببوريس جونسون إلى التدخل. فحتى تاريخ كتابة هذه السطور، كانت الحكومة البريطانية تتحدث عن إجراء محادثات مع السعودية بشكل عام فقط، لكن احتمال زيارة رئيس الوزراء البريطاني للرياض في وقت لاحق من هذا الأسبوع يبدو شبه مؤكد. ووفقاً لبعض التقارير تربط علاقة جيدة لجونسون مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، حيث يُقال أنهما يتراسلان بانتظام عبر تطبيق "واتساب".


وفي الرابع عشر من آذار/مارس، صرّح وزير الصحة البريطاني ساجد جاويد، الذي ينقل في كثير من الأحيان وجهات نظر جونسون: "من المهم أن نقرّ، سواء أعجبنا ذلك أم لا، أن السعودية هي إحدى أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، وفي ظل أزمة طاقة عالمية كبيرة نتجت عن الحرب الدائرة في أوروبا...من الصواب أن يتواصل رئيس الوزراء وغيره من قادة العالم مع السعودية". وتشير عبارة "سواء أعجبنا ذلك أم لا" إلى بواعث قلق بشأن حقوق الإنسان في المملكة، لا سيما مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في عام 2018.


ومن المحتمل أن تتفاقم هذه المخاوف بسبب قرار الرياض الصادر في 12 آذار/مارس بإعدام 81 سجيناً، وهو رقم قياسي لأحكام الإعدام في يوم واحد. ولا تزال التفاصيل المتعلقة بالسجناء - الذين ربما قُطعت رؤوسهم بالسيف - ضئيلة، ولكن يبدو أن معظمهم اتُهموا إما بالإرهاب (غالباً ما يكون رمزاً للجرائم من قبل المعارضين الشيعة للعائلة المالكة السنية) أو "باعتناق فكر ضال" (أي المتطرفين السنة). واتهمهم بيان رسمي بارتكاب "جرائم شنيعة متعددة أودت بحياة عدد كبير من المدنيين وضباط إنفاذ القانون". كما ركّز الإعلان على أنه تمّ اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة في كل قضية، رغم أن توقيت صدور الحكم وعدد المحكومين يشيران إلى أن الرياض أرادت توجيه رسالة سياسية أيضاً.


وإحدى التداعيات المباشرة لعمليات الإعدام هي إلغاء جولة أخرى من المحادثات الدبلوماسية الإيرانية الحذرة مع الرياض، والتي كان من المتوقع إجراؤها في وقت لاحق من هذا الشهر. ويُفترض أن طهران لاحظت أن أكثر من نصف المحكومين بالإعدام هم من الشيعة، على الرغم من أن هذه الطائفة تشكّل جزءاً صغيراً نسبياً من إجمالي عدد سكان المملكة (حوالي 15 بالمائة).


وربما تنبع قدرة لندن على الانخراط مع الرياض من العلاقة الدفاعية الطويلة الأمد التي تجمع البلدين وتشمل عمليات بيع الطائرات المقاتلة من نوع "تايفون" وتسليحها وصيانتها، وهي الطائرات التي استخدمها السعوديون في الصراع مع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.


وفي الوقت نفسه، لا تزال العديد من علامات الاستفهام تحيط بجونسون وقد تؤثر على قرار قيامه بهذه الزيارة. فثمة تحقيق تجريه الشرطة حول دوره في انتهاك الحظر المفروض أثناء تفشي جائحة فيروس كورونا إثر استضافته حفلات قُدم خلالها النبيذ وأنواع من الجبنة في مكاتبه وحديقته في "داونينغ ستريت". بالإضافة إلى ذلك، نشرت صحيفة "صنداي تايمز" للتو مقالة تحقيقية طويلة حول علاقاته بابن أوليغارشي روسي وضابط سابق في الاستخبارات السوفيتية قام بتعيينه في مجلس اللوردات عام 2020. كما استذكرت وسائل الإعلام البريطانية كيف سخر جونسون خلال اجتماعين خاصين العام الماضي من أنه خلال عهد وزير الداخلية المتشدد في حكومته، المسؤول عن السجون، يمكن أن تصبح بريطانيا "أشبه بالسعودية من حيث السياسة الجزائية".


ولا يزال هناك احتمال قيام الرئيس بايدن بجولة في الشرق الأوسط في الأشهر القليلة المقبلة، تشمل السعودية. لكن في غضون ذلك، من المرجح أن تعكس زيارة جونسون مدى إلحاح الأزمة الأوكرانية وضرورة الاستفادة من الميزة الدبلوماسية لأي فرصة متاحة لحلها.


 


سايمون هندرسون هو "زميل بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن. ونُشر هذا المقال تحت رعاية "برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر" التابع للمعهد حول "منافسة القوى العظمى والشرق الأوسط".


 

Saturday, January 23, 2021

هل "مدينة المستقبل" السعودية طموحة بشكل مفرط؟

  هل "مدينة المستقبل" السعودية طموحة بشكل مفرط؟

  هل "مدينة المستقبل" السعودية طموحة بشكل مفرط؟

بواسطة سايمون هندرسون

١٤‏/٠١‏/٢٠٢١

 


Also published in The Hill

Concept art of the Saudi NEOM project

عن المؤلفين

Simon Henderson

سايمون هندرسون

سايمون هندرسون هو زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج الفارسي.

مقالات وشهادة

لم تؤد التشتيتات الرئيسية من خارج السعودية إلى تغيير الواقع بأن نيوم لا تزال مركزية في رؤية ولي العهد محمد بن سلمان لتحويل المملكة، على الرغم من التحديات السياسية والمالية الحادة.


في هذا الوقت من انتشار جائحة "كوفيد-19" والانتقال الرئاسي الأمريكي، يتساءل الكثيرون: "ما هو المستقبل؟" إنه السعودية على ما يبدو. وبشكل أكثر تحديداً، إنها منطقة في الصحراء الجبلية شمال غرب المملكة تشكل موقع إقامة مدينة مستقبلية عالية التقنية تسمى نيوم.


وكان قد تمّ الإعلان عن مشروع "نيوم" في عام 2017. ويبدو أنه قد أعيد إطلاقه هذا الأسبوع وسط حملة علاقات عامة ضخمة شملت عرضاً عبر الفيديو قدّمه الداعم الرئيسي للمشروع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي ذو الرؤية المستقبلية (والمثير للجدل).


وأثناء كتابة هذه السطور، لم تقدم صحيفة "وول ستريت جورنال" أي إشارة افتتاحية لتلك الأخبار، لكن في يوم الثلاثاء حملت الصفحة الخلفية لقسمها الرئيسي إعلاناً عرض لقطة جوية رمادية اللون لمدينة ما، ربما نيويورك، مقسمة عامودياً بواسطة خط بعرض الإصبع تصوّر أوراق الشجر الخضراء التي تطغى على فسحة غابة. وفي جهة من الصفحة كُتبت الكلمات التالية "المدن فصلتنا عن الطبيعة"؛ ومن الجهة الأخرى "حان الوقت لرسم الخط". أما في أسفل الصفحة، فورد الموقع الإلكتروني whatisTHELINE.com وكلمة "نيوم".


ويبدو أن مدينة "ذا لاين" هي قطاع تطوير بطول 105 أميال من مضيق تيران، حيث يلتقي خليج العقبة بالبحر الأحمر، وصولاً شرقاً إلى مدينة تبوك، عاصمة المحافظة المحلية. وفي الفيديو، يعلن محمد بن سلمان أن سكان "نيوم" (نموذج للمستقبل الجديد) سيتمكنون من الوصول من أبعد نقطة في "ذا لاين" إلى [نظيرتها] الآخرى في 20 دقيقة. ولن يحتاج معظمهم حتى إلى القيام بهذه الرحلة. فهم يستطيعون أن يقضوا حاجاتهم اليومية سيراً على الأقدام لمدة أقصاها 5 دقائق ضمن محطات التوقف الأربع على ما يبدو، وفقاً للرسم البياني، في مدينة "ذا لاين".


وتمّ نشر فيديو آخر طُرحت فيه سلسلة من الأسئلة: "ماذا لو ألغينا استخدام السيارات؟ و"ماذا لو تخلصنا من الشوارع؟" و"ماذا لو أضفنا ابتكارات على المساحات العامة؟" (أياً كان معنى ذلك). وفي هذه المدينة المستقبلية، لن يكون هناك تنقل [بين الأماكن] وهذا أفضل أيضاً لأنه "لن تكون هناك سيارات، لن تكون شوارع". وقال للصحفيين إن العمل في مشروع البنية التحتية سيبدأ في الشهرين المقبلين ومن المتوقع أن يكتمل بحلول عام 2025 بتكلفة تقديرية تتراوح بين 100 مليار و 200 مليار دولار. ومن المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية لنيوم حوالي 500 مليار دولار.


قد يكون ذلك هو المستقبل المرجو، لكن الواقع الحالي يشير إلى قيود على حجم الطموح والجدول الزمني. وقد يؤكد عدم وجود أي ذكر حتى لكلمة "سعودي" في الإعلان في صحيفة "وول ستريت جورنال" للبعض أن الكثيرين من الذين لا يزالون مصعوقين من حادثة قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي واحتجاز الناشطة لجين الهذلول يعتبرون المملكة مؤذية.


ويشير العرض الذي نُشر بعد أسبوع من حث محمد بن سلمان دول الخليج العربية على حل نزاعها مع قطر إلى أنه أدرك أن الإجراءات القانونية الناتجة عن هذا الخلاف تضر بمدى قدرته على جذب المستثمرين الأجانب. ووصفت خدمة "رويترز بريكينغ فيوز" (Reuters BreakingViews) الشركات الأجنبية بأنها ترى المملكة وكأنها مادة "كريبتونايت" (مادة مضرة)، وأن سجلها في حقوق الإنسان لا يزال يشكل مصدر قلق كبير لإدارة بايدن المقبلة. 


وكلما قلّت مساهمة الأجانب في "نيوم" وغيرها من المشاريع، زاد اعتماد المملكة على عائدات النفط - وبالتالي، عكس الاعتماد على مبيعات النفط لتمويل مستقبل ما بعد النفط. وما فاجأ السوق، أن المملكة خفّضت مبيعات النفط هذا الأسبوع بواقع مليون برميل يومياً، لتساعد افتراضياً في دعم الأسعار خلال انخفاض الطلب الموسمي في نهاية فصل الشتاء. وارتفعت الأسعار بالفعل، لكن بالنسبة للرياض، ربما لم يكن ذلك كافياً لتعويض انخفاض حجم المبيعات.  


ويمكن القول إن التحدي الرئيسي الذي يواجه "نيوم" هو جذب السعوديين والأجانب لكي يرغبوا في العيش فيها. فالأجانب لا يريدون حتى العيش في الرياض، وفقاً لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، التي ذكرت هذا الأسبوع أن الحكومة السعودية كانت تواجه صعوبة في حث الشركات الأجنبية التي تعمل في الشرق الأوسط على نقل مقرات أنشطتها إلى المدينة. وسيكون الخاسر الرئيسي دبي في دولة الإمارات، وهي المدينة المفضلة حالياً للأجانب المقيمين في المنطقة. وكونها مركز "طيران الإمارات"، فإن شركة الطيران التي لديها وجهات مباشرة إلى معظم أنحاء العالم، هي عامل مساعد، إلى جانب المدارس وغيرها من المرافق التي تبحث عنها العائلات المغتربة الوافدة.  


وفي قصة في نهاية الأسبوع الماضي، وصفت "فاينانشيال تايمز" دبي بأنها "مدينة الحفلات" حيث "يمكن للزوار، خلال فترة الوباء، الاستمتاع بالمطاعم والحانات وحتى الهذيان المتباعد اجتماعياً". ولم يتم ذكر الاحتمال الأخير كجزء من رؤية محمد بن سلمان لنيوم في مقاطع الفيديو على المواقع الألكترونية للمشروع.


ويمكن القول إن المفاجأة في إعادة إطلاق "نيوم"، هي التذكير بأن رؤية محمد بن سلمان بتحويل المملكة لا تزال محورية في طريقة تفكيره، على الرغم من التشتيت الذي تسببه إيران، والتطبيع مع إسرائيل من قبل حلفائه في الإمارات والبحرين، والرحيل الوشيك لمستشار البيت الأبيض وصهر دونالد ترامب جاريد كوشنر، الذي سهّل الكثير مع واشنطن. كما يصادف هذا الشهر، مؤتمر المستثمرين السنوي الذي يعقده "صندوق الاستثمارات العامة" السعودي، وهو صندوق الثروة السيادية في المملكة.


وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن الأمير محمد بن سلمان يأمل في اغتنام هذه الفرصة من أجل إقناع شركات متعددة الجنسيات بدخول مركز الملك عبد الله المالي، وهو مشروع يضم 59 ناطحة سحاب في الرياض غير مشغولة. وتُعتبر هذه المشاريع الفخمة بل المهجورة، الإرث الطبيعي للقادة السعوديين. ولابد أن محمد بن سلمان يأمل ألا تلقى مدينة "نيوم" المصير نفسه وتؤثر على مستقبله. 


 


سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.

فك شفرة رسالة إيران النووية الأخيرة

 فك شفرة رسالة إيران النووية الأخيرة

 فك شفرة رسالة إيران النووية الأخيرة

بواسطة سايمون هندرسون

١٤‏/٠١‏/٢٠٢١

 


عن المؤلفين

Simon Henderson

سايمون هندرسون

سايمون هندرسون هو زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج الفارسي.

تحليل موجز

ركّز فريق الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن على وضع قيود على جوانب فنية مختلفة من برنامج إيران النووي، لا سيما فيما يتعلق بعدد أجهزة الطرد المركزي الفائقة السرعة. ورداً على ذلك، أعلنت طهران أو هددت باتخاذ خطوات نووية جديدة في مسعى واضح لتحسين موقفها في المساومة، بدءاً باستئناف "التخصيب بنسبة 20٪" في منشأة "فوردو" وصولاً إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة إذا لم يتم رفع العقوبات.


خلال إعرابه عن نيّته عكس انسحاب إدارة ترامب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام 2018، ركّز فريق بايدن الذي سيتولى السلطة قريباً على وضع قيود على جوانب فنية مختلفة من برنامج إيران النووي، لا سيما فيما يتعلق بعدد أجهزة الطرد المركزي الفائقة السرعة وأنواعها المستخدمة في فصل النظير الأساسي "يورانيوم-235" عن اليورانيوم الطبيعي. ورداً على ذلك، أعلنت طهران أو هددت باتخاذ خطوات نووية جديدة في مسعى واضح لتحسين موقفها في المساومة، بدءاً باستئناف "التخصيب بنسبة 20٪" في منشأة "فوردو" وصولاً إلى طرد مفتشي الأمم المتحدة إذا لم يتم رفع العقوبات.


غير أن هذه الخطوة قد تكون لعبة دبلوماسية خطيرة. وإذا شعر المسؤولون الإيرانيون بأنهم مرغمون على وصف البرنامج بأنه أعظم مما هو عليه فعلياً، فإنهم يخاطرون بالدعوة إلى التدخل الدولي، وربما إلى العمل العسكري. وبدلاً من ذلك، يمكن أن ينتهي المطاف بمزيد من التدقيق الأجنبي إلى الكشف عن قيود فنية رئيسية، مما قد يضرّ بقيمة البرنامج نسبةً إلى مساعي الردع التي يبذلها النظام خارج البلاد والشرعية السياسية في الداخل. 


ولتجنب الكشف عن أوراقها قبل الأوان أو إخفاء كل شيء، غالباً ما تحرص إيران على أن يطغى الغموض على تصريحاتها النووية بحيث تستخدم عبارات يصعب فهمها من دون خلفية علمية. وبالتالي، من المهم مراجعة القضايا النووية الرئيسية قيد المناقشة حالياً من خلال إعادة صياغتها بلغة الأشخاص العاديين.


أجهزة الطرد المركزي


على غرار الغسالة التي يتمّ تحميلها من الأعلى خلال الدوران، فإن الهدف من جهاز الطرد المركزي هو فصل الشكل الغازي لليورانيوم إلى مادتين: النظير المهيمن "يورانيوم -238" والنظير الأكثر ندرةً بل الأهم "يورانيوم-235". ويعتمد نجاح هذه الخطوة على كون الطرد المركزي متوازناً بصورة جيدة ومصنوعاً من مادة قوية جداً لا تضعف تحت ضغط التسريع إلى سرعات عالية.


وتتناسب كفاءة جهاز الطرد المركزي - قدرته على فصل "يورانيوم 235" - مع ارتفاعه وسرعة دورانه. فكلما كان الجهاز أطول وأسرع، كلما كان تراكم "يوارنيوم -235" أسرع وأفضل. وعند مستويات التخصيب المنخفضة، يمكن استخدام "يورانيوم-235" كوقود للمفاعلات، ولكن عند التخصيب العالي، يمكن أن يشكّل الصمام المتفجر لقنبلة ذرية.


وكانت إيران قد اكتسبت تكنولوجيا التخصيب من باكستان، التي طوّرت نموذجي أجهزة الطرد المركزي P1 و P2 من تصاميم أوروبية. وفي إيران، يُعرف النموذج P1 بأنه جهاز طرد مركزي من الجيل الأول (IR-1). وطوّرت إيران أيضاً نسخة معدّلة من نموذج P2، المعروف باسم جهاز الطرد المركزي المتطور من نوع "آي آر-2 إم" (IR-2m)، وكان يجب تحويله لأغراض غير نووية بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة». والآن، تدعي طهران أنها ستعيد استخدام "آي آر-2 إم" لأغراض نووية، ولكن يُعتقد أن القليل من هذه الآلات، إن وجدت، صالحة للعمل بسبب قلة الاستخدام، وقد تضررت المحطة المستخدمة لتجميعها بشدة بسبب انفجار في تموز/يوليو 2020. بالإضافة إلى ذلك، في حين أن "آي آر-2 إم" وما يرتبط به من "آي أر 4" و "آي آر 6" غالباً ما يطلق عليهم اسم "متقدم"، إلّا أن تقنيتهم ​​تعود إلى السبعينيات.


التخصيب


مقابل كل ألف ذرة من اليورانيوم الطبيعي، هناك سبع ذرات فقط من "يورانيوم-235"، لذلك يُقال إن اليورانيوم الطبيعي مخصّب بنسبة 0.7٪. وعندما يكون مستوى التخصيب (الذي يوصف أحياناً في وسائل الإعلام على أنه "تنقية") 3.67٪ - الحد الأقصى المتفق عليه في «خطة العمل الشاملة المشتركة» - يكون معدل الذرات قد تغير من 993:7 إلى 183:7. ويوضح هذا التحوّل في النسب أنه على الرغم من القفزة الصغيرة على ما يبدو في النسب المئوية، فقد تم إنجاز معظم أعمال الفصل بمجرد الوصول إلى 3.67٪.


وحتى أن معدل التخصيب بنسبة 20٪ أقوى ويبلغ معدل الذرات فيه 28:7 - ومن هنا جاء القلق بشأن قرار إيران الأخير بالتخصيب عند هذا المستوى. ونظرياً، يمكن استخدام اليورانيوم المخصب بنسبة 20٪ لإحداث انفجار نووي، على الرغم من أن 90٪ (1: 7) هو شرط التصميم المعتاد لسلاح نووي.


الآلات التعاقبية


يتمثل عامل رئيسي آخر بالنسبة لتخصيب اليورانيوم في توصيل الأنابيب التي تسمح لغاز سداسي فلوريد اليوارنيوم ("UF6") بالمرور عبر أجهزة الطرد المركزي مراراً وتكراراً، حيث يتمّ في كل مرة تسييل ذرات "يورانيوم-238". ومن خلال تعديل تصميم تم الحصول عليه من باكستان، تجري عملية التخصيب الإيرانية على مرحلتين: من 0.7٪ إلى 3.5٪، ومن ثم 3.5٪ إلى 20٪. وإذا ما رغبت إيران في الحصول على مواد مستخدمة في صنع قنبلة ذرية، ستحتاج إلى مرحلتين إضافيتين: 20٪ إلى 60٪ ومن 60٪ إلى 90٪. ونظرياً، سيتطلب تحقيق هذا الهدف 38 آلة تعاقبية تضم ما مجموعه 5832 جهاز طرد مركزي - وهو نفس العدد تقريباً الذي حُدد لإيران بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة». غير أنه من الناحية العملية، لا يمكن استخدام أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول (IR-1) لإنجاز توصيل الآلة التعاقبية هذه بسبب مشاكل استقرار سداسي فلوريد اليوارنيوم التي تمنعها من التخصيب إلى أعلى المستويات.


وعادة ما يكون التخصيب عملية بطيئة. فقد حصل البرنامج النووي الباكستاني على بداية قوية في عام 1981 عندما أهدته الصين يورانيوم عالي التخصيب بقيمة 93٪ ما يكفي لصنع قنبلتين وخطط لتصميم الأسلحة النووية. وبحلول أواخر التسعينيات، كان معملا التخصيب الباكستانيان المتواجدان في كاهوتا - كل منهما مجهزاً بـ 5500 جهاز طرد مركزي من النوع P2 - ينتج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لجهاز نووي واحد كل شهرين.


زمن تجاوز العتبة النووية


يصف هذا المصطلح مقدار الوقت اللازم للحصول على ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية. ورغم أن إيران بدأت بشراء أجهزة الطرد المركزي في تسعينيات القرن الماضي، إلا أن الجدل مستمر حول ما إذا أنجزت على الإطلاق العمل على تصميم سلاح نووي، حيث اقترح البعض أنها لا تزال على بعد عامين على الأقل من تطوير مثل هذه الخبرة أو جهاز اختبار. ولأغراض المقارنة، أجرت باكستان "اختباراً بارداً" ناجحاً (أي باستخدام مواد غير نووية) لأول سلاح مصنوع من قبلها في تشرين الأول/أكتوبر 1984، بعد ثلاث سنوات من تلقيها خطط التصميم من الصين.


تجدر الملاحظة أن احتساب الوقت الضروري لمراكمة نسبة 90٪ من اليورانيوم العالي التخصيب اللازم لصنع سلاح واحد (المعروف باسم "كمية كبيرة") سهل نسبياً حين تكون المعلومات بشأن كفاءة أجهزة الطرد المركزي الخاصة بالبرنامج متوافرة. وتُقاس إنتاجية الجهاز من خلال "وحدات فصل" ("إس دبليو يو") أو كمية "يورانيوم-235" التي يمكن لجهاز طرد مركزي واحد إنتاجها في عام واحد وتُقاس بالكيلوغرامات.


ووفقاً للعالم النووي الباكستاني عبد القدير خان، فإن النوع P1 أو الجيل الأول "آي أر 1" قادر على بلوغ 3 "وحدات فصل" - على الرغم من أنه كما ذُكر سابقاً، لا يمكن استخدام "آي أر 1" لمستويات أعلى من التخصيب. وادعى خان أيضاً أن نوع P2 يمكن أن يبلغ نحو 8 وحدات. ومن أجل إنتاج "كتلة حرجة" من "يورانيوم-235" - أي الكمية المطلوبة لصنع سلاح واحد، حوالي 15 كغم - يجب أن يتمكن البرنامج من إنتاج 3500 "وحدة فصل"، أو حوالي أربعة أشهر من الدوران في مصنع للطرد المركزي باستخدام ما لا يقل عن 5000 آلة قادرة على التخصيب العالي. ويمكن تقليل هذا الوقت إذا تم استخدام مادة منخفضة التخصيب كمادة وسيطة.


دور "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"


كما هو الحال مع الدول الأعضاء الأخرى، يقوم مفتشون من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" بمراقبة إيران للتأكد من التزامها بالموجبات المنصوص عليها في "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية" وكذلك في «خطة العمل الشاملة المشتركة» في حالة طهران. ويقومون بذلك من خلال تثبيت كاميرات والقيام بزيارات شخصية لمنشآت معروفة. وإذا أرادت إيران وقف هذه الزيارات أو تقييدها لفترة طويلة من الوقت، فستؤجج أزمة مع الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل وحلفاء واشنطن العرب. وفي 11 كانون الثاني/يناير، صرح المدير العام لـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" رافائيل غروسي بصورة غامضة أنه لم يتبق سوى أسابيع لإحياء الدبلوماسية مع إيران. وبعد يومين، كشفت "الوكالة" أن إيران كانت تطور القدرة على إنتاج معدن اليورانيوم، وهي مهارة ضرورية لمجموعة متنوعة من الأغراض، بما في ذلك بناء نواة قنبلة نووية.


وحتى من دون "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، لن تكون واشنطن بالضرورة ملزمة بما يحصل. ويكاد يكون من المؤكد أن المراقبة الاستخباراتية لبرنامج إيران النووي وعملية صنع القرار فيها شبه شاملين. وعلى الرغم من وضع محطات الطرد المركزي في منشآت جيدة الدفاع في "ناتانز" ("نطنز") وداخل جبل "فوردو"، إلّا أن البرنامج النووي لا يزال عرضة لهجمات عسكرية.


ومن المؤكد أن إيران قد أنشأت مصانع تخصيب أخرى، ربما تكون مخفية على مرأى من الجميع. وفي الثمانينيات، بنت باكستان منشأة بسعة 2000 جهاز طرد مركزي في مستودع غير معروف يقع في مصنع ذخيرة كبير خارج إسلام أباد، بالإضافة إلى منشأة أصغر حجماً في نفق في التلال المحيطة بكاهوتا. (باكستان ليست من الدول الموقعة على "معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، لذلك لم يتم التفتيش على مرافق التخصيب الخاصة بها).


وبغض النظر عن الوضع الحالي للمنشآت الإيرانية، فمن المرجح أن تكون القضية النووية الاختبار الأول للسياسة الخارجية لإدارة بايدن. وفي نهاية المطاف، قإن الولايات المتحدة في وضع أقوى، لكن إيران قد تتمكن مع ذلك من ممارسة هذه اللعبة بشكل جيد رغم موقفها الضعيف.


 


سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن. ولمزيد من المعلومات حول القضايا الفنية التي تمت مناقشتها في هذا المقال، راجع تقريره المشترك مع أولي هاينونن، إيران النووية: قائمة مصطلحات.

Sunday, January 3, 2021

الحُكْم السعودي على ناشطة نسائية يمهّد للتصادم بين الرياض وبايدن

 الحُكْم السعودي على ناشطة نسائية يمهّد للتصادم بين الرياض وبايدن

 تحليل السياسات 

صفحات رأي ومقالات

الحُكْم السعودي على ناشطة نسائية يمهّد للتصادم بين الرياض وبايدن

بواسطة سايمون هندرسون

٢٨‏/١٢‏/٢٠٢٠


 

Also published in "ذي هيل"


عن المؤلفين

Simon Henderson

سايمون هندرسون

سايمون هندرسون هو زميل بيكر في معهد واشنطن ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في المعهد، ومتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج الفارسي.

مقالات وشهادة

من المحتمل أن يعني الحكم على الناشطة السعودية لُجين الهذلول بالسجن ستّ سنوات تقريباً إطلاقَ سراحها المشروط في شهر آذار/مارس. وأصبح موضوع حقوق الإنسان خطاً أحمر بالنسبة للقادة السعوديين، الذين يبدو أنهم ينظرون إليه على أنه مسألة محلية بحتة لن يقبلوا أي ضغط خارجي بشأنها.


من المحتمل أن يعني الحكم على الناشطة السعودية لُجين الهذلول بالسجن ستّ سنوات تقريباً إطلاقَ سراحها المشروط في شهر آذار/مارس. ولكن إذا اعتقدت الرياض أنّ هذا سيحول دون تحوّل قضية لُجين، التي هي ليست أمريكية، إلى مشكلة مع إدارة بايدن المقبلة، فمن شبه المؤكد أنها خاطئة.


ونالت خريجة "جامعة كولومبيا البريطانية" البالغة من العمر 31 عاماً إعجاب منتقدي السعودية بقدر ما فعل جمال خاشقجي تقريباً، وهو كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" الذي قُتل في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018. ويبدو أن كليهما قد وقع ضحية للحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.


ويبدو أن الخطيئة المحددة التي ارتكبتها لُجين كانت دعوتها إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة. وتم اعتقالها في أيار/مايو 2018، قبل شهر من إعلان محمد بن سلمان تخفيف قيود قانون القيادة، وهي انطلاقة أراد أن ينسبها إلى أسلوب قيادته التقدمي، وليس نتيجة ضغط اجتماعي وسياسي.


وفي الأشهر، وخاصة الأسابيع، القليلة الماضية، حصل تسلسل غريب للأحداث القانونية في السعودية، ربّما بالتوازي مع الكثير من المحادثات الدبلوماسية الصريحة بين كبار المسؤولين في الرياض وواشنطن. وبدأت محاكمة لُجين في آذار/مارس 2019 ولكن تم تأجيل جلسة الاستماع التي حُدّدَت في نيسان/أبريل 2019 دون سبب معلن، ثم تم تأخيرها إلى أجل غير مسمى في أيار/مايو 2020 بسبب وباء فيروس كورونا. وفي تشرين الأول/أكتوبر، بدأت لّجين إضراباً عن الطعام، وطالبت بالاتصال بأسرتها، وفي تشرين الثاني/نوفمبر، قال السفير السعودي في لندن، إن المملكة تفكر في الإفراج عنها قبل قمة مجموعة العشرين التي استضافتها السعودية في وقت لاحق من ذلك الشهر تقريباً.


وعلى الرغم من استماع المحكمة الجنائية لقضية لُجين في مرحلة معينة، إلا أن الحكم الذي صدر في 28 كانون الأول/ديسمبر كان من قبل محكمة الأمن القومي وصُنّفَتْ جرائمها على أنّها مخالِفة لقانون مكافحة الإرهاب. وقيل إن تلك الجرائم "كانت تسعى إلى تغيير النظام السياسي في البلاد" ودعم "أجندة خارجية داخل المملكة باستخدام الإنترنت". وتضمنت التقارير السابقة حول ما قد يعنيه ذلك أنها زارت السفارتين البريطانية والهولندية وتقدمت للحصول على وظيفة في الأمم المتحدة.


وقد حُكم عليها الآن بالسَجن لمدّة خمس سنوات وثمانية أشهر، منها سنتان وعشرة أشهر مع وقف التنفيذ "مراعاةً لظروفها". واستناداً إلى تاريخ اعتقالها الأصلي في أيّار/مايو 2018، تُظهر العملية الحِسابية أنّ تاريخ الإفراج عنها سيصادف في آذار/مارس أو ربما شباط/فبراير. ويُلغى الحكم مع وقف التنفيذ إذا ارتكبت أي جريمة خلال السنوات الثلاث القادمة. كما أنها تواجه حظر سفر لمدة خمس سنوات. ولكل من المدعي العام ولُجين الحق في استئناف الحكم في غضون 30 يوماً.


ونظراً إلى هذه الظروف، من المرجح أن تستأنف لُجين الحكم. وأفادت بعض التقارير أنه قد تم إلغاء إطلاق سراحها الذي كان مخطّطاً له قبل عامَين بعد أنْ أصرّ المسؤولون السعوديون على أنْ تقول في مقطع مصوَّر إنّها لم تتعرّض للتعذيب. (في الأسبوع الماضي، برأت محكمة سعودية المسؤولين من تعذيب لُجين في الحجز، قائلة إنه لا يوجد دليل يدعم هذه المزاعم). ووفقاً لوكالة "رويترز"، أخبرت أسرتها أنّها تعرّضت لسوء المعاملة، بما في ذلك الصعق بالكهرباء، والإيهام بالغرق، والجَلْد، والاعتداء الجنسي. ووفقاً لأحد التقارير فإن سعود القحطاني، أحد مساعدي محمد بن سلمان المتورط أيضاً في مقتل خاشقجي، كان شاهداً على بعض تلك الانتهاكات.


واعتُقلت 12 ناشطةً تقريباً مع لُجين وتواجهن المحاكمة. كما تضغط واشنطن على الرياض للإفراج عن الطبيب السعودي وليد فتيحي الذي يحمل الجنسية الأمريكية، والذي حُكم عليه قبل ثلاثة أسابيع بالسجن ستّ سنوات، بسبب نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي وحصوله على الجنسية الأمريكية دون إذن الرياض على ما يبدو.


ووفقاً للمصطلحات السعودية، يبدو أن "حقوق الإنسان" خط أحمر، وهي قضية داخلية لن تقبل الرياض بشأنها أي ضغط خارجي. وفي إشارة إلى محمد بن سلمان، قال الرئيس ترامب للصحفي بوب وودوارد بعد مقتل خاشقجي: "لقد أنقذتُ حياته". وقد يكون مصير لُجين النهائي الآن بين يدَي الرئيس المنتخَب بايدن. وغرد مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، أن الحكم على لُجين "غير عادل ومُقلق. وكما قلنا سابقاً، إدارة بايدن-هاريس ستقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان أينما كانت".


 


سايمون هندرسون هو زميل "بيكر" ومدير "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن.ش