Thursday, July 19, 2018

قمة ترامب - بوتين: فرصة لتصويب الوضع في سوريا

مقابلات وعروض تقديمية

قمة ترامب - بوتين: فرصة لتصويب الوضع في سوريا

 13 تموز/يوليو 2018
سيواجه الرئيس الأمريكي ترامب أجندة حافلة في القمة التي يعقدها مع فلاديمير بوتين يوم الاثنين. فكوريا الشمالية وإيران وأوكرانيا/جزيرة القرم، ومجموعة من القضايا الثنائية الشائكة لا توفر سوى القليل من الأرضية الواضحة لتوصّل واشنطن وموسكو إلى مقاربة مشتركة.
وتستمر التكهنات حول احتمال توقيع اتفاق مع روسيا بشأن سوريا. ومع ذلك، فمن الضروري توخي الحذر لأنه من غير المرجح أن يؤثر أي قرار على مسار الأحداث في الشرق الوسط خلال السنوات القادمة أكثر من مسألة فترة بقاء القوات الأمريكية في سوريا. ومن شبه المؤكد أن يتوقف أي اتفاق يعرضه بوتين على انسحاب القوات الأمريكية - التي كانت ضرورية لتدمير مقر الجهاديين العنيفيين في سوريا. وبعد استمرار الحرب الأهلية الرهيبة في سوريا لسبع سنوات، يبدو أنها تتجه إلى نهايتها لا محالة، إلى جانب الحملة الأمريكية لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو على الأقل لطي هذه المرحلة منها.
على الولايات المتحدة ألا تُخطئ، بأن القوات الأمريكية الصغيرة الحجم تُعتبر مهمة للغاية بالنسبة لأصدقاء واشنطن وأعدائها على حد سواء. فبتكلفة متواضعة ومخاطر معتدلة، تعود هذه القوات بفائدة كبيرة على الأمن القومي للولايات المتحدة. وإذ إنها مدمجة بحذر في إستراتيجية أكبر، يشكل وجود قوات أمريكية محدودة العدد ولكن فعالة عقبة كبيرة أمام تهديدين - نهوض مجدد لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وجهود إيران لاستخدام سوريا كمنصة لعرض نفوذها في صميم الشرق الأوسط العربي وضد إسرائيل.
لقد خسر أقرب حلفاء أمريكا في المنطقة ثقتهم بإدارة أوباما بسبب عدم انخراطها الواضح في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فمرة أخرى، وربما بشكل أعمق، تبرز شكوك واسعة حول مدى التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها - ونحو الاستقرار والأمن على نطاق أوسع. السبب؟ تردد إدارة ترامب في سوريا والفجوة المتسعة بين خطابها وواقع سياستها تجاه إيران. فإعادة فرض عقوبات على طهران أمر سهل، لكنه لن يكون كافياً لقلب المكاسب التي حققتها إيران في المعارك الدائرة في الشرق الأوسط بفضل «الحرس الثوري الإسلامي»، وجيشها المتنامي من الوكلاء. وبالفعل، تتزايد الشكوك في المنطقة بأن الإدارة الأمريكية الحالية لا تجرؤ على إكمال العمل الصعب اللازم للحد من أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار.
وتُعتبر سوريا النقطة الرئيسية لإطلاق هذه الجهود، لا سيما في ظل تسريع طهران وتيرة حملتها لبناء هندسة دفاعية واستخباراتية دائمة هناك. فأهداف إيران تتعارض مباشرة مع أمن إسرائيل، كما أن "جيش الدفاع الإسرائيلي" اتخذ إجراءات مراراً وتكراراً لمنع تحوّل سوريا إلى منصة للهجمات ضد الدولة اليهودية.
وإذا تُركت إيران دون رقابة، فإن انخراطها المتزايد في سوريا سيؤجج ثانية التطرف السني في حرب أهلية لم تخمد نيرانها بعد. وكان لحملة القمع التي شنها نظام الأسد بدعم من إيران أثر رهيب وهائل على العراق، حيث ساهمت في بروز دولة خلافة انتشرت في بلدين، وموجات من الإرهاب الدولي، وهجمات داخل الولايات المتحدة، وتجنيد مقاتلين أجانب بوتيرة هددت بشل أجهزة الشرطة والاستخبارات في جميع أنحاء العالم. ولا يمكن لواشنطن المخاطرة بعودة تلك الأيام من خلال سحب القوات الأمريكية قبل الأوان.
ولن تساهم مقاربة "سلام القبر" التي تنتهجها موسكو وطهران حالياً في وقف معاناة سوريا وأحزانها - أو في الحدّ من احتمال زعزعتها لاستقرار الأردن ولبنان وأوروبا بسبب تدفق اللاجئين هرباً من العنف. وتُعتبر الوحشية الفوضوية التي يبذلها نظام الأسد لاستعادة جنوب غرب سوريا، بدعم من القوات الجوية الروسية والمقاتلين الأجانب الذين توفرهم إيران و«حزب الله»، تذكيراً مروعاً إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
لكن هذه ليست نتيجة حتمية. ومن المفارقات أن لدى الولايات المتحدة حلفاء أكثر قوة وأن واشنطن تملك الوسائل لمواجهة الإيرانيين ووكلائهم من أجل رسم معالم مستقبل مختلف لسوريا. وكما ظهر في دراسة حديثة أجراها "معهد واشنطن"، بإمكان الولايات المتحدة تحقيق ذلك من خلال اتخاذ الخطوات التالية:
أولاً، الحفاظ على وجود عسكري أمريكي - بالحجم المطلوب للمهمة معززاً بمنطقة حظر طيران/آليات للحؤول دون نهوض تنظيم «الدولة الإسلامية» - من أجل تجنب قيام القوات التي تدعمها إيران بدعم نظام الأسد المتداعي، ومنع إيران من بناء "جسر بري" إلى البحر الأبيض المتوسط.
ثانياً، التوصل إلى تفاهم مع تركيا في الشمال من شأنه السماح للولايات المتحدة وحلفائها ببسط سيطرتهم على 40 في المائة من الأراضي السورية، بما فيها القسم الأغنى بالموارد في البلاد.
ثالثاً، استهداف المصارف - التي توفر الائتمانات لنظام الأسد والدعم الإيراني للوكلاء في سوريا وأتباع الأسد الذين يسهلون الاستثمارات الإيرانية في سوريا - وذلك بمساعدة الحلفاء الخليجيين للولايات المتحدة.
رابعاً، الطلب من شركاء الولايات المتحدة في الخليج توفير المساعدة إلى شمال شرق سوريا وتعزيز رفاهها الاقتصادي. ولا يقوم ذلك على تقديم المساعدات فحسب، بل يتطلب أيضاً إيجاد أسواق بديلة لصادرات النفط والزراعة في المنطقة.
خامساً، التركيز على ضرورة تطبيق كامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يمهد الطريق للتوصل إلى حل سياسي في سوريا.
وأخيراً، إبلاغ موسكو أن الولايات المتحدة ستدعم الضربات الإسرائيلية ضد الميليشيات الإيرانية/الشيعية في سوريا، الأمر الذي يرغم الروس (ودمشق) على الاختيار بين إبقاء نظام الأسد في السلطة أو السماح لإيران و«حزب الله» وغيرهم من وكلاء الشيعة الأجانب بالبقاء في سوريا.
ويُعتبر اعتماد الولايات المتحدة لإستراتيجية صحيحة في سوريا ضرورياً للأمن القومي الأمريكي. فهي لا تتطلب قوة برية أمريكية كبيرة على المدى الطويل؛ وبالفعل، كما حصل في العراق، يجب أن تكون قدرات القوات العسكرية الأمريكية مصممة بطريقة تتناسب مع المتطلبات المتزايدة الماثلة أمام واشنطن. لكن يتعين على الولايات المتحدة تعويض التأخير، بما أن إيران وروسيا قد سبقتها هناك. فإرثهما يكمن في مشهد سوريا المدمرة وملايين اللاجئين، وهو وضع يمْكِنه بسهولة التسبب في نهوض مجموعة من المتطرفين العنيفين. وفي هذا السياق فإن سوريا، التي تعمها الفوضى وتهيمن عليها إيران، تسبب تداعيات وخيمة على المنطقة - وعلى الولايات المتحدة - في ظل غياب أي قرار أمريكي مباشر بالاستفادة من الأوراق التي بحوزة واشنطن.

المؤلفون هم سفراء سابقون، ومن كبار الزملاء في معهد واشنطن حالياً.

Wednesday, June 6, 2018

هل سيؤدّي التقدم الأمريكي-التركي في منبج إلى تعاونٍ أكبر في سوريا؟

هل سيؤدّي التقدم الأمريكي-التركي في منبج إلى تعاونٍ أكبر في سوريا؟
تنبيه سياسي

هل سيؤدّي التقدم الأمريكي-التركي في منبج إلى تعاونٍ أكبر في سوريا؟

 5 حزيران/يونيو 2018

تشير كافة التقارير إلى أن الاجتماع الذي عُقد في واشنطن في الرابع من حزيران/يونيو بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أحرز تقدماً ملحوظاً حول حل مسألة ثنائية شائكة، وهي كيفية التعامل مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» - الحليف السوري المحلي للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». ويمكن تفهّم أنقرة التي ترى أن الجماعة السورية الكردية وتسليح واشنطن لها يشكّلان مصدر تهديد، بما أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» مرتبط بـ «حزب العمّال الكردستاني» - المنظمة المتمردة التي حاربت الحكومة التركية لأكثر من ثلاثة عقود.
وتتمحور المشكلة بالتحديد حول المنطقة المحيطة بمدينة منبج في سوريا، حيث تقدّمت أوّلاً قوات «حزب الاتحاد الديمقراطي» المدعومة من الولايات المتحدة غرباً عبر نهر الفرات في عام 2016، متجاوزةً بالتالي الخط الأحمر الذي أعلنت عنه تركيا مراراً. ومَثَلها مَثَل إدارة أوباما قبلها، تعهّدت إدارة ترامب من حيث المبدأ بإخراج عناصر «حزب الاتحاد الديمقراطي» من المنطقة رجوعاً عبر نهر الفرات. إلا أن رفض الجماعة الانسحاب ـ إلى جانب مقتضيات الحرب غير المكتملة التي تشنها الولايات المتحدة ضد بقايا تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال شرق سوريا، والتي تتطلب تعاون «حزب الاتحاد الديمقراطي» ـ قد أحدث تغييراً هائلاً في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، بحيث أن الدولتين الحليفتين في منظمة حلف شمال الأطلسي قد وصلتا في مرحلة ما إلى درجة تهديد القوات العسكرية لبعضهما البعض.
وفي وقتٍ سابق من هذا العام تمت تهدئة الوضع نوعاً ما، عندما اجتمع وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتعهدا مبدئياً بالتوصل إلى حل. ومنذ ذلك الوقت، عمل المسؤولون الأتراك والأمريكيون على خارطة طريق لإخراج «حزب الاتحاد الديمقراطي» من منطقة منبج التي تضم عدداً كبيراً من السكان العرب (على الرغم من أن ذلك لا يصل ربما إلى نسبة 90 في المائة التي يدعيها الأتراك). وبمجرد انسحاب الجماعة، سيتولى التواجد الأمريكي - التركي المشترك والسلطات المحلية توفير الأمن للمنطقة.
ومع ذلك، فإن الحواجز الأساسية - رفْضْ «حزب الاتحاد الديمقراطي»المغادرة، وحاجة الجيش الأمريكي لمواصلة عملياته في شمال شرق البلاد - ما زالت قائمةً، وأدت عدة خلافات ثنائية أخرى إلى المزيد من التشويش في العلاقة، بدءاً من مطالبة أردوغان من واشنطن بتسليم العقل المدبّر المزعوم لانقلاب عام 2016 فتح الله كولن، وإلى شراء أنقرة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية "إس-400". كما أن خطابات أردوغان المعادية للولايات المتحدة قبل الانتخابات الوطنية التركية المقرر إجراؤها في 24 حزيران/يونيو قد أثارت الغضب أيضاً، مما حفز الساسة الأمريكيين، ووسائل الإعلام، والمحللين إلى التكهن بأن أنقرة تنحرف نحو المعسكر الروسي.
إلا أن المحادثات التي جرت في الرابع من حزيران/يونيو في واشنطن قد تمثّل خطوةً كبيرةً نحو تبديد هذه التوترات. فبعد الاجتماع، غرّد جاويش أوغلو قائلاً إنه اتفق مع بومبيو على خارطة طريق في منبج، وأطلع المراسلين في وقت لاحق عن المزيد [من التفاصيل] حول "النتائج الملموسة" المنبثقة عن القمة "المثمرة والناجحة". ووفقاً لمصادر أمريكية وتركية مختلفة، تشمل الخطة بدء «حزب الاتحاد الديمقراطي» في الرجوع عبر نهر الفرات، ربما خلال تسعين يوماً إذا سمحت الظروف ذلك. وسوف تتولى القوات الأمريكية والتركية عمليات الدوريات في المنطقة، وتعمل مع أجهزة الأمن والحكم المحلية.
ويرى الأتراك وبعض الأمريكيين أيضاً أن هذه الخطة هي الخطوة الأولى في نوعٍ جديد من التعاون الثنائي في سوريا، بعد فشل جهود مماثلة خلال إدارة أوباما. وفي تغريدته لمّح جاويش أوغلو إلى هذا التعاون الأوسع نطاقاً. ووفقاً لمصادر في كلا الحكومتين، تتمثّل الفكرة في الضغط المشترك على نظام الأسد وإيران، وأخيراً روسيا لقبول حل سياسي من خلال عملية جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة، وهو هدف تركي مهم طويل الأجل توافق عليه الولايات المتحدة، وإن كان بأقل عزماً. وعندما يتحدث المسؤولون الأتراك بشكلٍ عام عن "الضغط" على معسكر الأسد، فإن ما يقصدونه عادةً هو احتلال القوات التركية والأمريكية لشمال سوريا بشكلٍ شبه تام تقريباً، وهي المنطقة التي تضم أكثر من 40 في المائة من أراضي البلاد، وعشرات الآلاف من الحلفاء المحليين المسلحين تسليحاً جيداً، وملايين المواطنين السوريين المقيمين هناك أو المشردين بسبب الحرب، من بينهم العديد عبر الحدود في تركيا.
لكن إلى حين بدء تطبيق هذه الخطط بشكل فعلي، شعرت تركيا بأنها ملزَمة بالانخراط مع روسيا وإيران بشأن فض النزاع العسكري بشكلٍ محدود في سوريا، ويشمل ذلك إلى حد بعيد ما فعلته القوات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية مع موسكو. ومع ذلك، يبدو أن الأتراك يعتقدون أن دمشق وطهران ما زالتا عازمتان على تحقيق انتصار عسكري في بقية أنحاء سوريا - وهو سيناريو لا يمكن أن يمنعه سوى التعاون بين الولايات المتحدة وتركيا.
إنّ تحويل النجاح الثنائي التكتيكي في منبج إلى جبهة استراتيجية هو تصوّرٌ مثيرٌ للاهتمام، ولكن هناك العديد من التحديات الجدية التي يجب التغلب عليها. أولاً، يجب أن تبقى الولايات المتحدة منخرطة عسكرياً في شمال شرق سوريا على أقل تقدير، وربما في أماكن أخرى. غير أن ذلك يتطلب التعاون مع «حزب الاتحاد الديمقراطي» في موطنه شرق الفرات - وهو احتمالٌ شائك نظراً إلى أن تركيا تعتبر منطقياً ما زالت في حربٍ مستمرة مع هذه الجماعة. وعلى الرغم من أن القوات التركية وقوات «حزب الاتحاد الديمقراطي» قد حافظتا على وقف إطلاق النار الفعلي على طول الحدود الشمالية الشرقية، إلا أن تركيا سحقت الجماعة في المنطقة الشمالية الغربية من عفرين، ويبدو أنها تستعد للقيام بعملية مماثلة ضد "أبناء عمومة «حزب الاتحاد الديمقراطي»" في شمال العراق.
ثانياً، يبدو أن واشنطن لم تضمن بعد إذعان «حزب الاتحاد الديمقراطي» لخارطة طريق منبج. وإذا تردد الأكراد في قبولها، فمن المرجح أن تتردد أيضاً القيادة العسكرية الأمريكية المسؤولة عن التنسيق معهم ضد بقايا تنظيم «الدولة الإسلامية».
ثالثاً، تبقى الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في سوريا غامضة. فتوقعات الرئيس ترامب بأن القوات الأمريكية ستنسحب في غضون ستة أشهر لا تتوافق مع النهج التركي. وفي الوقت نفسه، يبدو أن بعض المسؤولين في الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل يراهنون على طرفٍ آخر حول سوريا وهو روسيا، إذ يرون أنها المفتاح لجعل إيران تنسحب. إلا أنه في نظر أنقرة، إن أي حل يترك نظام الأسد دون قيود لن يؤدي إلى انسحاب إيراني؛ بل على العكس من ذلك، سيشكل مخاطر أكبر على الجميع.
أما بالنسبة إلى الاعتبارات المحلية في تركيا، فسيحاول أردوغان على الأرجح استخدام اتفاق منبج لتلميع مصداقيته القومية في الانتخابات المقبلة. وفي الوقت الذي يواجه فيه منافسة قوية في استطلاعات الرأي، فقد يسجّل أردوغان خطة انسحاب «حزب الاتحاد الديمقراطي» شرق الفرات، الذي اقترحته خارطة الطريق، على أنه انتصارٌ ضد «حزب العمّال الكردستاني»، رغم أنه من المستبعد أن يسبق الانسحاب عملية التصويت حتى في أفضل الظروف.

جيمس إف. جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن، والسفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا.

Thursday, April 19, 2018

مواجهة إيران ومستقبل «خطة العمل الشاملة المشتركة»

المرصد السياسي 2956

مواجهة إيران ومستقبل «خطة العمل الشاملة المشتركة»

 ١٦ نيسان/أبريل ٢٠١٨
"في 12 نيسان/أبريل، عقد معهد واشنطن حلقة جديدة من سلسلته المتواصلة ضمن منتدى (LINK) "تعلّم، إطّلع، تواصَل، إعلَم"، تضمنت عروض من قبل جاي سولومون، كيرن ديونغ، جيمس جيفري، ودينيس روس. وسولومون هو زميل زائر مميز في "زمالة سيغال" في معهد واشنطن ومؤلف "حروب إيران: ألعاب التجسس، معارك المصارف، والاتفاقات السرية التي أعادت تشكيل الشرق الأوسط". وديونغ هي محررة مشاركة، وكبيرة المراسلين لشؤون الأمن القومي في صحيفة "واشنطن بوست". وجيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في المعهد والمساعد الخاص السابق للرئيس جورج دبليو بوش. وروس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في المعهد والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم".
كيرن ديونغ
طوال الحملة الرئاسية لدونالد ترامب وصف الرئيس الأمريكي «خطة العمل الشاملة المشتركة» بأنها أسوأ صفقة تم التفاوض حولها على الإطلاق، وقال أنها تتعارض مع المصالح الأمريكية. ومنذ توليه منصبه، رفض مرتين المصادقة على حفاظ إيران على التزاماتها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، على الرغم من أن كبار أعضاء إدارته قد تحققوا من امتثال طهران - من بينهم مايكل بومبيو، مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السابق الذي عُيّن مؤخراً وزيراً للخارجية. بالإضافة إلى ذلك، وبينما وقّع الرئيس الأمريكي على تنازل آخر عن العقوبات التشريعية في كانون الثاني/يناير، أعلن أنه لن يفعل ذلك مرة أخرى عندما يصل الموعد النهائي المحدد بعد 120 يوماً، أي في منتصف أيار/مايو، ما لم تتم "معالجة الثغرات" الواردة في الاتفاق النووي.
وعلى وجه الخصوص يرى الرئيس الأمريكي ضرورة إحداث ثلاثة تغييرات حتمية وهي:
1. إعادة النظر في بنود "الغروب" التي ينتهي نفاذها بعد انقضاء عدد معين من السنوات، من بينها القيود المفروضة على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم.
2. معالجة افتقار «خطة العمل الشاملة المشتركة» للقيود التي تمنع طهران من تطوير برنامج الصواريخ البالستية بعيدة المدى.
3. تشديد أحكام التحقق من الالتزام بالاتفاق.
وفي هذا الصدد، يشاطر الحلفاء الأوروبيون المشاركون في الاتفاق - بريطانيا وفرنسا وألمانيا - بعضاً من مخاوف ترامب، وأعربوا عن استعدادهم لمساعدة واشنطن في معالجتها بطريقة لا تؤدي إلى تغيير الاتفاق نفسه. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، قاموا بالتفاوض على حلول محتملة مع المسؤولين الأمريكيين، لكن التغييرات الأخيرة في الدائرة المقربة من الرئيس الأمريكي - والتي تشمل الوزير بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، اللذان سبق لهما أن دعيا إلى الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» - تجعل الخطوات التالية غير مؤكدة.
جيمس جيفري
عندما قرر الرئيس جورج دبليو بوش معالجة مسألة إيران، كان على إدارته أن تختار بين مسارين. وقف كافة القدرات النووية لطهران  بشكل نهائي، مما كان سيتطلب غزواً برياً مشابهاً لما حصل في العراق، لذلك تم رفض هذا المسار لصالح المفاوضات. ومع ذلك، وبالنظر إلى طبيعة المجتمع الدولي، فقد كان من المتوقع أن تؤدي تلك المفاوضات إلى حل مؤقت غير كامل. ومن خلال الشروع في المسار متعدد الأطراف، لم يكن بوسع واشنطن التوصل إلى اتفاق أفضل في ذلك الوقت، الأمر الذي كانت تدركه طهران.
ويبدو أن إدارة أوباما لم ترغب في التوصل إلى اتفاق مقايضة محض، أي رفع العقوبات مقابل الامتثال النووي الإيراني، على الرغم من التصريحات العلنية عكس ذلك التي أدلى بها نائب الرئيس الأمريكي في ذلك الحين جو بايدن. وبدلاً من ذلك، أعربت عن أملها في أن يكون الاتفاق تحويلياً من خلال تحفيز النظام لكي يصبح عضواً أكثر مسؤوليةً في المجتمع الدولي. أمّا الأوروبيون الذين تحركهم المصالح التجارية فيشاركون الهدف نفسه. وتشير المادة 33 من "خطة العمل الشاملة المشتركة" وغيرها من العوامل إلى الرغبة في تغيير مسار إيران والترحيب بها مرةً أخرى في مجتمع الأمم، وذلك بشكل أساسي من خلال استمالة تعطشها للتقدم التكنولوجي والاقتصادي الغربي. وحتى إذا استثنينا هذه الرؤية المتفائلة، فإن ألمانيا والاتحاد الأوروبي ينفران نفوراً قوياً استخدام القوة، لذلك كانا من أشدّ مؤيدي الحفاظ على الاتفاق.
ويمكن لإنهاء «خطة العمل الشاملة المشتركة» أن يثير صعوبات دبلوماسية في بلدان أخرى أيضاً. فعلى سبيل المثال، يساور تركيا القلق من فكرة إمكانية قيام الإدارة الأمريكية الجديدة وبسرعة بإلغاء اتفاق أساسي كانت قد توصلت إليه الإدارة التي سبقتها. فمثل هذه التقلبات قد تقود الحلفاء والخصوم على حد سواء إلى التشكيك في جدية الولايات المتحدة بشأن الالتزام بالاتفاقات. وفي الوقت الحالي، لا يزال الرئيس ترامب يتمتع بعلاقات جيدة نسبياً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأمر الذي قد يخفف من مخاوف أنقرة مع اقتراب الموعد النهائي القادم لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة».
جاي سولومون
على الرغم من أن الرئيس ترامب سينسحب على الأرجح من «خطة العمل الشاملة المشتركة» في الشهر المقبل، بدا أن الاتفاق يتجه نحو الانهيار المبكر أو نحو عملية إعادة التفاوض في السنوات القادمة على أي حال، وذلك لأسباب متعددة. أولاً، يسمح الاتفاق لإيران بتطوير قدرة نووية على نطاق صناعي عندما ينتهي نفاذ بعض القيود على مدى العقد والنصف القادمين. ومن غير المرجح أن يوافق المجتمع الدولي على احتمال وصول إيران مرةً أخرى إلى عتبة الأسلحة النووية، لذلك من المفترض أن يسعى إلى مراجعة "بنود الغروب" قبل وقت طويل من تاريخ استحقاقها المتفق عليه أصلاً.
ثانياً، لا تزال واشنطن وطهران تختلفان حول إمكانية فرض العقوبات. فإيران ترى أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» تحظر على الولايات المتحدة فرض أي قيود من هذا القبيل، في حين يدّعي المسؤولون الأمريكيون أنه لا يزال بإمكانهم فرض عقوبات على النظام في القضايا غير النووية مثل انتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب والتورط المحتمل في هجمات الأسلحة الكيميائية في سوريا. لذلك حتى إذا جدّد الرئيس الأمريكي التنازلات التشريعية بشأن العقوبات النووية في الشهر المقبل، قد تتداعى «خطة العمل الشاملة المشتركة» إذا صدرت عقوبات شديدة غير نووية ضد البنك المركزي الإيراني أو صادرات إيران النفطية، لأن طهران قد تعتبرها انتهاكات فعلية.
ثالثاً، نصّ الاتفاق على تمتع المفتشين بإمكانية الوصول إلى المواقع الإيرانية المشبوهة "في أي زمان وأي مكان". ومع ذلك، لم يتوصل الطرفان أبداً إلى توافق في الآراء حول هذا البند، حيث جادلت إيران بأن بعض المواقع لا تزال محظورةً وهي تمنع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" من إجراء عمليات تفتيش كاملة فيها. إن هذا الوضع غير قابل للاستدامة على المدى الطويل.
وفي النهاية، بإمكان الرئيس ترامب إيجاد طريقةً لحل هذه القضايا أو الانسحاب من الاتفاق. فلم يعمل حتى الآن على إيجاد الإجماع الدبلوماسي الأوروبي اللازم لإعادة التفاوض على الاتفاق، رغم أن بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي أبدوا استعدادهم للموافقة على عقوبات معينة في ضوء الأنشطة الإقليمية الإيرانية ومقاومة طهران لعمليات التفتيش. فخلال المفاوضات الأصلية حول «خطة العمل الشاملة المشتركة»، كانت فرنسا في الواقع أكثر المؤيدين للعقوبات، لكن منذ ذلك الحين منح الأوروبيون الأولوية لمصالحهم التجارية فوق الاعتبارات الأخرى. لكن في النهاية، قد يعمل ذلك لصالح واشنطن، حيث تضمن قوة الدولار أن لا تخاطر أوروبا بأعمالها التجارية مع الولايات المتحدة لمجرد مواصلة التجارة مع إيران، لا سيما وأن اقتصادها يبدو على حافة الهاوية، وعملتها الرئيسية قد انخفضت بنسبة 50 في المائة، والاحتجاجات العامة مستمرة.
دينيس روس
في هذه المرحلة، يجب أن يركز المسؤولون الأمريكيون على التوصل إلى تفاهم مع الأوروبيين حول كيفية رفع الثمن الذي تدفعه إيران حينما تزيد حتماً من نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة. ولن تقوم "الثلاثية الأوروبية" بإعادة التفاوض أو الانسحاب من الاتفاق، ولكنها مستعدة لمعالجة مخاوف الإدارة الأمريكية.
وفيما يتعلق ببنود "الغروب"، قد يكون الأوروبيون مستعدين لإصدار بيان يوجز التوقعات حول الأنشطة النووية الإيرانية المستقبلية حتى إذا رفضوا تغيير الأحكام الأصلية لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفيما يتعلق بالبرنامج الصاروخي الإيراني ونزعة طهران السياسية إلى اتخاذ قرارات سريعة في المنطقة، فإن الأوروبيين على استعداد تام لفرض عقوبات. وقد تبنت الحكومات الأوروبية مواقف جديدة منذ أن قامت الولايات المتحدة ببناء النفوذ، لذلك على واشنطن أن تستخدم هذا النفوذ بدلاً من الانسحاب من الاتفاق.
يجب أن تؤدي المخاوف الحقيقية بشأن قدرات إيران النووية في الفترة 2025-2030 إلى دفع الإدارة الأمريكية إلى العدول عن الانسحاب من الاتفاق. فالهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو الضغط على طهران، لكن الانسحاب من «خطة العمل الشاملة المشتركة» لن يؤدي إلّا إلى تحويل الضغط نحو واشنطن. ولتجنّب هذا السيناريو، يتعين على الولايات المتحدة وضع استراتيجية بشأن إيران، وإقرانها باستراتيجية واضحة بشأن سوريا. وإذا كانت الإدارة الأمريكية لا ترغب في اتخاذ إجراء مباشر ضد الأنشطة العسكرية الخارجية لطهران، فعليها على الأقل تزويد إسرائيل بالقدرة على استهداف أي بنية تحتية نووية مرتبطة بإيران في سوريا. وبما أنه سيكون من الصعب على الرئيس الأمريكي تأجيل تعهده المناهض لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» إلى أجل غير مسمى، يجب أن يأخذ في عين الاعتبار أن الآن هو الوقت المناسب بشكل خاص لاستخدام الاتفاق كوسيلة ضغط على نظام يواجه تحديات اقتصادية وسياسية كبيرة على المستوى المحلي.

أعد هذا الملخص ماديسون ريندر.

Thursday, October 12, 2017

«خطة العمل الشاملة المشتركة» ترزح تحت وطأة الضغوط (الجزء الأول): قرارات ترامب الخمسة

«خطة العمل الشاملة المشتركة» ترزح تحت وطأة الضغوط (الجزء الأول): قرارات ترامب الخمسة
مرصد السياسي 2866

«خطة العمل الشاملة المشتركة» ترزح تحت وطأة الضغوط (الجزء الأول): قرارات ترامب الخمسة



 6 تشرين الأول/أكتوبر 2017
حظي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باهتمام كبير، أولاً لتعليقاته حول عدم رغبته بمتابعة المصادقة على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بإيران وبالاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 المعروف بـ«خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهي مصادقة يفرضها الكونغرس كل تسعين يوماً وفقاً لـ "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015" (أو "قانون كوركر- كاردين"). وقد فعل ذلك مرة ثانية قائلاً انه سبق أن حزم أمره حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستواصل الالتزام بالاتفاق ولكنه لم يكشف عن مسار عمله. وبالفعل، أفادت تقارير إخبارية في 5 تشرين الأول/ أكتوبر بأن ترامب سيعلن عن خطط لعدم المصادقة على الاتفاق في خطاب من المقرّر أن يلقيه في12 تشرين الأول/ أكتوبر.
وبالإضافة إلى ذلك، يتضح من تعليقات الرئيس الأمريكي حتى الآن، وتلك التي عبّر عنها وزير الخارجية ريكس تيلرسون والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي - التي قدّمت نقداً مفصّلاً لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» في "معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة" (AEI) في أيلول/ سبتمبر - أن الإدارة الأمريكية ستُدخل قرارها، مهما كان، في السياسة الأمريكية الأوسع نطاقاً تجاه إيران تماماً كما ينص عليه "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني".
ولا تستعرض هذه الدراسة توصيات سياسية محددة، وإنما مختلف خطوات "شجرة القرارات" التي قد تتخذها الولايات المتحدة عند التعامل مع مسألة المصادقة ومستقبل «خطة العمل الشاملة المشتركة». وتستند إلى التحليل التقني في تقرير "قسم أبحاث الكونغرس" الذي يحمل عنوان "الخيارات لوقف تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني" Options to Cease Implementing the Iran Nuclear Agreement الذي صدر في أيلول/ سبتمبر.  
القرار الأول: المصادقة أم عدم المصادقة
1.1: المصادقة: يكمن الخيار الأول بالردّ إيجاباً بحلول 15 تشرين الأول/ أكتوبر على أربعة أسئلة بموجب شروط "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني" هي: (1) هل تنفّذ إيران الاتفاق (2) لم ترتكب خرقاً مادياً من دون تصحيح (3) لا تعمد إلى تحقيق تقدّم كبير في برنامجها للأسلحة النووية، و (4) هل أن تعليق العقوبات الأمريكية بمقتضى الاتفاق (أ) يتلاءم ويتناسب مع التدابير التي تتّخذها إيران لإنهاء برنامج أسلحتها النووية (ب) ويصب في المصالح الحيوية للولايات المتحدة. وإذا وافق الرئيس الأمريكي على هذه الاستنتاجات، لن يصادق على امتثال إيران بالاتفاق فحسب - على سبيل المثال، راجع 1 و2 أعلاه - بل على أنها لا تحقق تقدماً في برنامج أسلحتها النووية أيضاً بما في ذلك خارج نطاق قيود «خطة العمل الشاملة المشتركة» (راجع النقطة 3)، وعلى أنه من المنطقي تعليق العقوبات الأمريكية من وجهتي النظر الأوسع نطاقاً للتعويض على التدابير الإيرانية لإنهاء برنامجها غير المشروع للأسلحة النووية والمصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة (راجع النقطة 4). وفي هذه الحالة، سيتعيّن على الولايات المتحدة التعامل على مسار ثان مع إجراءات إيران الإقليمية.   
ويقوم هذا الموقف على تركيز متطلبات مصادقة "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني" في المقام الأول، وليس بالكامل، على امتثال إيران لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». ولم تقدّم السفيرة هيلي في معرض حديثها في "معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة" أدلة محددة جديدة على استمرار الانتهاكات الفعلية للقانون. وفي 17 أيلول/ سبتمبر، أفاد وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون أن إيران تمتثل تقنياً للقانون، وقد ازداد تشديد "الوكالة الدولية للطلقة الذرية" مراراً وتكراراً على هذا الموقف. ويمكن القول إن إيران تنتهك أحكام قرار مجلس الأمن رقم 2231 بموجب الفصل السابع الملزم قانوناً بشأن برامج القذائف الصاروخية وعمليات نقل الأسلحة. ولهذه الغاية، ضمت الولايات المتحدة صوتها إلى المشاركين الأوروبيين في «خطة العمل الشاملة المشتركة» في تموز/ يوليو لإدانة إيران رسمياً حول تجاربها الصاروخية ("التي تتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 2231"). ولكن مجلس الأمن لم يتخذ إجراءات رسمية بشأن هذه الانتهاكات. وبالتالي، تشكّل المصادقة على استفسارات "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني" الأربعة مسار عمل مبرَّر.
ومن شأن هذا الخيار "إيقاف" شجرة القرارات. وقد تصادق الإدارة الأمريكية أيضاً، بل قد تضغط من أجل مفاوضات متابعة لتحسين «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو تمديدها، إلّا أن ذلك يتطلّب جهداً طويل الأمد في غياب توافق دولي بشأن عدم الالتزام الإيراني.
1.2: عدم التصديق: يتمثل المسار البديل بعدم مصادقة الرئيس الأمريكي على الاتفاق. ويعود هذا المنطق إلى الاضطرابات التي تخلّفها إيران في جميع أنحاء المنطقة، في حين تشهد في الوقت نفسه نهضةً تجارية ودبلوماسية مع الكثير من دول العالم، ولا سيما الأوروبية منها، في ظلّ رضوخ الولايات المتحدة للأمر الواقع كما تبيّن من خلال قرارات "الامتثال" المتكررة. ولكن نظراً لغياب أي انتهاكات كبرى من الجانب الإيراني لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة»، يكمن على الأرجح أساس هذا القرار في متطلبات القانون (راجع النقطة 4، ب، أعلاه) التي تفرض أن تعكس العقوبات المستمرة المصلحة الوطنية الأمريكية الحيوية. وهنا، تحمل الاعتبارات خارج إطار الامتثال لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» تأثيراً ملحوظاً، ومن ضمنها سلوك إيران في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، كما أكدت هيلي. ولفت تيلرسون أيضاً إلى أن إيران لم تتصرّف وفقاً للتوقعات الواردة في مقدمة «خطة العمل» المذكورة قائلاً: "تتوقع [أطراف الاتفاق] أن يساهم التنفيذ الكامل لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» هذه على نحو إيجابي في تحقيق السلام والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي". ومن الواضح أن هذا لم يحدث.   
وبالتالي، إن نطاق "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني" واسع بما فيه الكفاية لكي لا يعمد الرئيس الأمريكي إلى سحب التصديق. (ويعتبر القانون مسار العمل الرئاسي الثالث المحتمل والمتمثّل بعدم اتخاذ قرار بمثابة عدم المصادقة). وبصرف النظر عن اعتبارات "الخطوات المقبلة"، يتعيّن على الإدارة الأمريكية تفسير ما تغيّر في سلوك إيران في المنطقة منذ المصادقة الرئاسية الأخيرة قبل تسعين يوماً وفقاً لنفس المعايير المنصوص عليها في القانون. ويضطلع ذلك بأهمية بالغة نظراً إلى أن طبيعة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار أو أنشطتها الصاروخية لم تشهد تغيراً يُذكر منذ منتصف تموز/ يوليو. وإذا ما اتخذ الرئيس الأمريكي هذا القرار - سواء عن طريق عدم المصادقة أم عدم اتخاذ أي قرار - لا بدّ أن تقرّر الإدارة الأمريكية إما مواصلة الامتثال الكامل بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» بحكم الأمر الواقع أو التصدي لها.
القرار الثاني: إجراءات إضافية في حال عدم مصادقة الرئيس الأمريكي
2.1: عدم المتابعة: يتمثّل الخيار الأول بعدم اتخاذ أي إجراءات إضافية وقت اتخاذ القرار المناهض لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة». ويكمن السبب وراء هذا الموقف غير المنطقي على ما يبدو في صعوبة استمالة المجتمع الدولي، وهو أمر ضروري "لإصلاح" غياب الدليل القاطع على عدم الامتثال لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» والصعوبات المحيطة بالتفاوض على «خطة عمل» جديدة أو حتى فرض نظام جديد للعقوبات الدولية. ويمكن بدلاً من ذلك اعتبار قرار عدم الامتثال بمثابة تحذير لإيران وإدانة أخلاقية لكل من العيوب التي تشوب الاتفاق وسلوك إيران في المنطقة، وضغط يُمارس على مجتمع الأعمال العالمي لثنيه عن التعامل مع إيران. وتتمثّل صعوبة هذا القرار في جانبه غير المنطقي المذكور أعلاه: إذا أعلن الرئيس الأمريكي أن استمرار العقوبات لا يصب في المصالح الحيوية الأمريكية، فالسؤال هو إذاً، ألا يتعيّن على الولايات المتحدة متابعة هذا القرار الهام؟
وعلى أي حال، إذا لجأت الإدارة الأمريكية إلى خيار "عدم المتابعة" ستتوقف شجرة القرارات هنا، في الوقت الراهن.
2.2: المتابعة: بدلاً من ذلك، يستطيع الرئيس الأمريكي متابعة القرار عن طريق اتخاذ خطوات تؤثّر بشكل خاص على الالتزامات الأمريكية بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي حال اتخاذ قرار بعدم المصادقة، فإن ذلك سيكون الخيار الأكثر منطقية. بيد أن اتخاذ أي من من مسارات العمل هذه يتطلب من الإدارة الأمريكية النظر في ثلاثة أسئلة إضافية:
1. ما هو الهدف: إصلاح الاتفاق من دون إعادة التفاوض أو تفاوض دولي جديد مع إيران، أو الخروج من الاتفاق بكل بساطة؟
2. أي فرع من فروع الحكومة ينبغي أن يأخذ زمام المبادرة؟
3. ما هي الآليات التي يمكن استخدامها وفقاً للاتفاق؟
القرار الثالث: الهدف - الضغط على إيران أو إبرام اتفاق جديد؟
3.1: الضغط على إيران: يكمن الهدف المحتمل الأول من اتخاذ قرار مناهض لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» في الضغط على إيران مع التركيز على السلوك الإقليمي للبلاد. ويعود سبب هذه الخطوة إلى الاعتقاد السائد في الغرب بأن «خطة العمل الشاملة المشتركة» قد تمكّن المعتدلين في طهران وتشجّع إيران على التعامل مع بقية العالم بطريقة أقل عدائية. وقد يؤدي العمل ضد «خطة العمل الشاملة المشتركة» حتى ولو بطريقة رمزية فقط، إلى حرمان الجمهورية الإسلامية من مكانتها التي تمنحها إياها «خطة العمل الشاملة المشتركة» كدولة عضو في منظمة الأمم المتحدة تتمتع بوضع جيّد ترغب فيه إيران على ما يبدو، وإلى الضغط على الدول ولا سيّما الشركات للتعامل بحذر مع إيران على الصعيد التجاري والاستثماري والدبلوماسي وحتى المبادرات. ونظراً لقوة النظام المصرفي الدولي المقوّم بالدولار، كما يتّضح من العقوبات النفطية الفعّالة للغاية المفروضة على إيران بموجب "قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2012"، فإن ذلك قد يشكّل أداةً فعالة. وقد يشير أيضاً العمل ضد «خطة العمل الشاملة المشتركة» إلى ضرورة تعامل المجتمع الدولي، وليس فقط الولايات المتحدة وحدها، مع الإجراءات الدولية الإيرانية التي يخلّف بعضها - مثل تدمير سوريا، وفتح المجال أمام تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وتعزيز التطرف الإسلامي السنّي بطريقة غير مباشرة - تأثيراً أكبر على دول أخرى من تأثيرها على الولايات المتحدة.
ويتمثّل الجانب السلبي لهذا الخيار بإعلان إيران أنها ستردّ على أي عدم امتثال أمريكي بالاتفاق بانتهاكاتها الخاصة - المسموح بها تحديداً في المادة 36 من «خطة العمل الشاملة المشتركة» - مثل تسريع تخصيب اليورانيوم. وبالإضافة إلى ذلك، تلزم اللغة المبهمة في المادتين 29 و33 من «خطة العمل الشاملة المشتركة» الولايات المتحدة بدعم الاقتصاد الإيراني، ويمكن القول إن الأمريكيين ينتهكون هذا الحكم بالفعل. وقد تواجه واشنطن بالتالي "مبادلةً سيئة" - ضغط نظري "رمزي" إلى حد كبير على الاقتصاد الإيراني من خلال عدم الامتثال المحدود للولايات المتحدة، مقابل تخفيف ملموس لالتزامات إيران بموجب الاتفاق والأسى لدى حلفاء الولايات المتحدة. وسيصعب الاستمرار في هذه السياسة إلى أجل غير مسمى مع الضغط الذي تتعرّض له الولايات المتحدة إما للعودة إلى الاتفاق أو اقتراح نظام نووي جديد. (وبدلاً من ذلك، تستطيع إيران ببساطة مواصلة الامتثال للوقيعة بين دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» الأخرى - أي بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا - والولايات المتحدة).
3.2: إبرام اتفاق جديد: يطرح الهدف البديل المتمثّل بالتفاوض على نظام نووي جديد بالكامل مع إيران صعوبات كبيرة. فقد تم تمكين «خطة العمل الشاملة المشتركة» من خلال فرض عقوبات اقتصادية ساحقة، وخاصة على تجارة النفط الإيرانية، من قبل الاتحاد الأوروبي، و"قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2012" الأمريكي على الصعيد العالمي، الذي يخفّض في نهاية المطاف الصادرات النفطية بنسبة 50 في المائة تقريباً. بيد أن مثل هذا النظام الدولي للعقوبات الرئيسية يتطلب من الدول تقبّل التهديدات الأمريكية "خارج حدودها" لقطاعاتها المصرفية، وهذه شروط قاسية قد تؤدي إلى احتمال تعرّض هيمنة الدولار على الأسواق العالمية للخطر. ولكن المجتمع الدولي تَحمّل هذه التهديدات بسبب انتهاكات إيران المتكررة لاتفاقها النووي، وجمعها ما يكفي من اليورانيوم المخصّب لتصنيع جهاز نووي في غضون أسابيع، والخطاب العدائي للرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد، والمخاوف من استخدام الولايات المتحدة أو إسرائيل للقوة العسكرية ضد إيران.
ولم يعد أي من هذه العوامل قائماً اليوم. ولا تزال إيران، في ظل «خطة العمل الشاملة المشتركة»، على بعد عام من تصنيع جهاز نووي. ويُعتبر سلوك إيران المزعزع للاستقرار، الذي تعترف به معظم دول العالم، مشكلة لا بدّ أن تتعامل معها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميين. وفي حين تملك معظم الدول مصالح في الشرق الأوسط أكثر أهمية من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، إلّا أن الاتفاق يحظى باستحسان في أوساط "النظام الدولي". بالإضافة إلى ذلك، تكن روسيا والصين بشكل عام اليوم عدائية أكبر تجاه الولايات المتحدة مما كانت عليه عندما بدأت المفاوضات النووية الجدية. ونظراً لكل ذلك، من الصعب تصوّر كيف يمكن لواشنطن أن تحشد المجتمع الدولي مرةً أخرى.
القرار الرابع: الجهة الفاعلة - الكونغرس أو السلطة التنفيذية؟
4.1: الكونغرس: يسمح "قانون مراجعة الاتفاق النووي الإيراني" بتعجيل إجراءات الكونغرس في غضون ستين يوماً من عدم المصادقة الرئاسية. ولا يحتاج الرئيس الأمريكي إلى أي تشريع جديد، فلديه في الدفاتر عقوبات مختلفة يتراجع عنها حالياً ولكن يستطيع إعادة تفعيلها في أي وقت. ولكن إشراك الكونغرس للعالم المتشكك قد يشير بأنّ الولايات المتحدة ككل، وليس مجرد الرئيس ترامب، ترغب في اعتماد مقاربة جديدة تجاه إيران.
4.2: السلطة التنفيذية: هناك عوامل مختلفة تدعو، مع ذلك، إلى قيادة تنفيذية حتى وإن كانت منسّقة مع الكونغرس في خضم النظر في إجراء جديد يتخذه الكونغرس. وقد يشكّل التحدي الرئاسي لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة» قضيةً سياسة خارجية "رفيعة المستوى" من النوع الذي ترغب أي إدارة أمريكية في إدارته عن كثب. وقد يؤدي تسليم القيادة إلى الكونغرس، بصرف النظر عن "قانون كروكر- كاردين" الذي يسمح بذلك، إلى تقويض السيطرة الإدارية. وإذا تولّى الكونغرس دور قيادي، قد تجد الإدارة الأمريكية نفسها إما أمام عجز كونغرس منقسم عن اتخاذ قرار أو كونغرس يتّفق على مسار عمل ضد «خطة العمل الشاملة المشتركة» الذي يقوّض سياسة الإدارة الأمريكية.
القرار الخامس: ما هي الآلية؟
5.1لجنة مشتركة: لدى «خطة العمل الشاملة المشتركة» تدابير تبدأ بلجنة مشتركة لتسوية النزاعات، تنص عليها الفقرتين 36 و37من الاتفاق. وتستطيع الإدارة الأمريكية أن "تبقي الزخم متواصلاً" من خلال إثارة قضايا مختلفة في «اللجنة المشتركة» والمنتديات البديلة (أي اجتماعات وزراء الخارجية ولجنة استشارية من خبراء خارجيين)، ولكن دون دليل واضح على إخلال إيران بـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وقد يزيد مسار العمل هذا من الاستياء من الولايات المتحدة أكثر من الضغط على إيران. ومن أجل الضغط على إيران بشكل جدي أو التقدّم نحو اتفاق جديد، سيتعيّن على الإدارة الأمريكية إعادة فرض عدد من العقوبات.
ويمكن الاطلاع على المسار المؤدي إلى هذه النتيجة في الفقرة 36 التي تسمح لأي طرف في الاتفاق بوقف الامتثال "كلياً أو جزئياً"، إذا اعتبر ذلك الطرف أن عملية تسوية النزاعات المذكورة أعلاه غير مرضية. وفي جوهرها، تسمح هذه المادة "بالردّ بالمثل" عند عدم امتثال الطرف الآخر، بدلاً من شرط الانقضاء "باهظ الثمن" كما نوقش سابقاً. ومع ذلك، يكمن خطر استخدام هذا المسار باحتمال الردّ الإيراني. ويتمثل أحد الخيارات الإيرانية في الانسحاب من الاتفاق، مع تحمل جزء من اللوم على الأقل لإنهاء الامتثال. ولكن نظراً للمزايا التي يمنحها الاتفاق لإيران، وعلى افتراض أن الولايات المتحدة لا تستطيع إعادة فرض العقوبات النفطية المؤلمة فعلاً، يمكن للجمهورية الإسلامية مواصلة الاستفادة من العلاقات التجارية والدبلوماسية مع معظم بقية دول العالم ببساطة من خلال انتهاك بعض التزاماتها "الانتقامية" من دون الخروج تماماً، كما تتيح به المادة 36. وفي غضون ذلك، قد تساعد طهران على عزل واشنطن.
وقد يؤدي هذا التطور إلى برنامج نووي إيراني أقل تقييداً، مما قد يخفض على الأرجح الوقت اللازم لتصنيع الجهاز النووي النظري من اثني عشر شهراً حالياً إلى ستة أشهر أو أقل، الأمر الذي يخلق بالتالي مشكلة "الآن" بدلاً من فترة "ما بعد عام 2026"ـ مقابل عقوبات أمريكية ثنائية ومحدودة نسبياً. ومن هذا المنطلق، تخضع بالفعل معظم الأنشطة الإيرانية مع الولايات المتحدة لعقوبات لأسباب غير نووية تشمل الإرهاب وتبييض الأموال وبرنامج الصواريخ، وهذه ليست أموراً تافهة بالنسبة لطهران. ويقوم الافتراض هنا على أن الولايات المتحدة لن تنجح في إعادة فرض العقوبات النفطية العالمية خارج حدودها بموجب "قانون تفويض الدفاع الوطني"، بالنظر إلى أن العديد من الدول الأوروبية واليابان والهند وكوريا الجنوبية والصين ستحبط ذلك على الأرجح مع غياب الشروط المذكورة سابقاً والتي سادت خلال الفترة 2010 - 2015.
5.2. الانقضاء: ينطوي خيار بديل على فرض الولايات المتحدة ما يسمى بأحكام الانقضاء (الفقرة 37) في «خطة العمل الشاملة المشتركة». ويتطلّب الانقضاء عملية حل النزاع والنقاش نفسها المنصوص عليها في الفقرة 36 ولكن في هذه الحالة يمكن للطرف المعني - في ختام هذه العملية - طلب إجراء تصويت تلقائي في مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن إبقاء القرار 2231 الذي حلّ محل جميع قرارات مجلس الأمن السابقة التي تدين البرنامج النووي الإيراني وفرض الأمم المتحدة عقوبات متعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. وإذا كانت الدولة التي تلتمس الانقضاء عضواً دائماً في مجلس الأمن كالولايات المتحدة، يمكنها إذاً استخدام حق الفيتو للقضاء على قرار "إبقاء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 ساري المفعول"، وبالتالي إعادة العمل بقرارات الأمم المتحدة وعقوباتها المعلّقة كافة. ويعني ذلك القضاء على الاتفاق بأكمله وقد تَعتبر دول «مجموعة الخمسة زائد واحد» الأخرى ذلك، في ظل غياب الأدلة على انتهاك إيران للاتفاق، وكأن الولايات المتحدة "تلعب" بالنظام القانوني الدولي، ولن ترغب على الأرجح في التوقيع على مفاوضات تترأسها واشنطن من أجل نظام أكثر صرامةً، وسترفض إيران أيضاً هذه المفاوضات من دون شك.  
5.3. انسحاب الولايات المتحدة من دون "تدمير" الاتفاق: ينطوي خيار بديل عن الانقضاء على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، خاصة إذا أرادت واشنطن وقف امتثالها من دون إنهاء الاتفاق بالضرورة. وتشكّل «خطة العمل الشاملة المشتركة» رسمياً تفاهماً غير موقّع حول الإجراءات المتبادلة بين عدد من الدول "يدعمه" قرار مجلس الأمن رقم 2231 "ويحث على تنفيذه الكامل"، ولكن ليس بموجب القانون الدولي - أي ليس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وبالمقارنة، تتمتع إجراءات مجلس الأمن وفقاً للاتفاق - التي تبطل بشكل أساسي قراره السابق المتعلق بإيران - بقوة القانون بموجب المادة 41 من الفصل السابع. وفي حال انسحب مشارك واحد من «خطة العمل الشاملة المشتركة» (باستثناء إيران) من الممكن أن تستمر التزامات الاتفاق وتفاهماته من دون شك.

جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق وألبانيا.

Thursday, September 14, 2017

الاتفاق الإيراني على جليد رقيق، ويجدر به أن يكون كذلك

الاتفاق الإيراني على جليد رقيق، ويجدر به أن يكون كذلك

صفحات رأي ومقالات

الاتفاق الإيراني على جليد رقيق، ويجدر به أن يكون كذلك




 "فورين بوليسي"
8 أيلول/سبتمبر 2017
أصبح مستقبل الاتفاق [النووي] الإيراني من جديد في موضع تساؤل. فقد حظي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باهتمامٍ كبيرٍ في تموز/يوليو عندما قال إنه لم يعد يريد أن يصادق على امتثال إيران للاتفاق النووي، وهذا ما يقتضيه القانون كل ٩٠ يوماً، وبالتالي سيحين موعد مصادقته مرة أخرى في الشهر المقبل. وفي هذا الإطار، جاء رد الزعماء الأوروبيون بتأكيد دعمهم للاتفاقية المعروفة باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة». وزعمت الحكومة الإيرانية بأنها تمتثل تماماً للاتفاق - ولكنها ستتخذ تدابير لتسريع برنامجها النووي إذا ما قررت واشنطن وقف الامتثال للاتفاق. وفي الوقت نفسه، صادقت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على امتثال إيران مجدداً في حزيران/يونيو، مما أضعف قضية الرئيس الأمريكي.
من الواضح أن أولئك الذين يحيطون بترامب يفكرون بالفعل في أفضل طريقة لإعادة صياغة السياسة الأمريكية تجاه إيران. وقد نشرالسفير السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون مؤخراً "خطّة [مفصّلة]" للانسحاب من الاتفاق واعتماد مسار للضغط السياسي على إيران يكاد يصل إلى حد تغيير النظام. وفي الأسبوع الأول من الشهر الحالي، في خطاب ألقته السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي في "معهد المؤسسة الأمريكية"، عرضت قضية عدم امتثال إيران للاتفاق من دون تأييد أي إجراء من قبل الإدارة الأمريكية.
وقالت هالي إن إدارة ترامب ترى أن الاتفاق معيب لأنه محدد زمنياً وفي صالح إيران من الأساس ولا ينهي التخصيب. وبالتالي، فإنها لا تستبعد تماماً قيام إيران بتجميع المواد الانشطارية بكمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية. وبالإضافة إلى ذلك، لا يعالج هذا الاتفاق بفعالية جهود إيران السابقة للتسلح النووي، التي تُركت لاتفاق جانبي غامض بين "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" وإيران، الأمر الذي يعرقل الآن إجراء عمليات التفتيش على المنشآت العسكرية.
وترى هالي أن المشكلة الرئيسية في الاتفاق تكمن في أنه لا يقف بوجه تطلعات إيران للتوسع الإقليمي العدواني. وهذا السلوك الذي يثير قلق عميق لكل زعيم ودود في الشرق الأوسط وصل إلى أعلى مستوياته بعد أسابيع قليلة من توقيع «خطة العمل الشاملة المشتركة» في عام ٢٠١٥. ومن الواضح أن الاتفاقات الدولية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل على وجه الخصوص، مهمة في حد ذاتها، ولكن لا ينبغي تجاهل سياقها الاستراتيجي. فعلى سبيل المثال، في حين لم يُثِر برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي انزعاجاً كبيراً، كان القلق الإقليمي والعالمي بشأن الأسلحة النووية الإيرانية عميقاً بسبب سياسات إيران الإقليمية المُزعزِعة للاستقرار.
وتجدر الإشارة إلى أن إدارة أوباما قد أجّجت النهج الإيراني العدواني الإقليمي. فقد غفل المسؤولون الأمريكيّون في الإدارة السابقة عن كشف "الصلة" بين الاتفاق وجدول أعمال إيران الإقليمي المدمّر. وفي بعض الأحيان، على سبيل المثال عندما ألقى نائب الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، خطابه في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في نيسان/أبريل ٢٠١٥، جادل المسؤولون بأن الاتفاق كان متعلّقاً فقط بضبط التسلّح النووي، وأنه سيتم التعامل مع سلوك إيران الإقليمي بطرق أخرى. لكنه لم يكن كذلك قط، لا في سوريا أو اليمن أو في أي مكان آخر. وفي هذا الصدد، كشفت مقابلة أجرتها مجلة "أتلانتيك" مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في عام ٢٠١٥ عن الموقف الضمني للإدارة، حيث قال إن مسار المفاوضات الطويل التي أسفر عنه الاتفاق سيساعد على إعادة احترام إيران وتهدئة المنطقة، وأشار أيضاً إلى أنه لا يشعر بالقلق بشكل مفرط إزاء فساد إيران. ورأى أن على المملكة العربية السعودية أن تجد وسيلة "للتعايش" مع إيران، وأن دعم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بشدّة ضد إيران من شأنه أن يُذكي لهيب الصراعات.
ولكن تجاهل سلوك إيران في الوقت الحالي أصبح يشكّل تهديداً خطراً. فقد سهّلت طهران اعتماد بشار الأسد لسياسة الأرض المحروقة، وشجّعت روسيا على التدخل في سوريا، وحرّضت على بروز تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال السماح للأسد وعملائه في العراق بقمع العرب السنّة إلى حد احتضانهم للتنظيم الجهادي. وفي حين أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» نفسها لم تجيز سياسات إيران الإقليمية ولم تموّل حملاتها الاستكشافية - التي كانت تحظى بتمويل جيّد قبل عام ٢٠١٥ - إلّا أنّ الاتفاق شجّع إيران على هذا السلوك. ومن المؤكد أنّه لم يكن من الممكن لإيران شراء الأسلحة بكمية هائلة من روسيا في ظل العقوبات المفروضة على تصدير النفط والودائع الأجنبية، إلّا أن هذا الاتفاق جاء ليشكّل "ختم موافقة" يسهّل العدوان الإيراني.
إن استخدام الاتفاق الإيراني كورقة ضغط على طهران أو حتى التفاوض على اتفاق أكثر تقييداً، قد يبدو للوهلة الأولى على أنه مهمّة شبه مستحيلة. وعلى الرغم من جميع القضايا المذكورة أعلاه، لا يوجد حتى الآن أي انتهاك إيراني خطير لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي ظل هذه الظروف، كما أفاد ريتشارد نيفو وإيلان غولدنبرغ في مجلّة "فورين بوليسي" [السياسة الخارجية]، هناك احتمال ضئيل في أن تستطيع الولايات المتحدة إقناع الموقّعين الآخرين على الاتفاق والأطراف الثالثة بتنفيذ العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية، التي جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات في المرّة الماضية.
وفي حين أن هذا الواقع يدعو إلى ترك الاتفاق وشأنه، يجب على الإدارة الأمريكية أخذ شؤون أخرى في عين الاعتبار، ومنها الأزمة الجديدة التي تلوح في الأفق في منطقة الشرق الأوسط، وتكمن في أن حملة إيران والأسد وروسيا للهيمنة في سوريا، وحملة التحالف بقيادة الولايات المتحدة لتدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» هما على وشك الانتهاء. وهذا يترك للولايات المتحدة وشركائها خيار الانسحاب من الجيوب في سوريا وشمال العراق، التي أنشئت لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» والتي تفيد في مواجهة التحالف الإيراني، أو في خلاف ذلك مواجهة صدام عسكري مباشر محتمل مع إيران وأتباعها في كلا البلدين، حيث يرون أن هذه الجيوب تمثّل عقبات أمام الهيمنة الإيرانية على بلاد الشام. وفي ظل ظروف كهذه، يجب إعادة النظر في كل جانب من جوانب العلاقات الإيرانية، بما في ذلك «خطة العمل الشاملة المشتركة».  
بإمكان الولايات المتحدة اتخاذ تدابير من دون إبطال «خطة العمل الشاملة المشتركة» كلياً، لأن ذلك سيشكل كارثة دبلوماسية نظراً للصعوبات التي يمكن مواجهتها في فرض عقوبات دولية. وفي هذا الصدد، انضم الحلفاء الأوروبيون إلى الولايات المتحدة في تحدّيها لاختبار صاروخ إيراني على الرغم من قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢٣١ الذي أيّد «خطة العمل الشاملة المشتركة». وفي هذا الإطار، ينبغي أيضاً إعادة النظر في مسألة منع وصول "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى المنشآت العسكرية الإيرانية.
لكن المنافع التجارية التي تتوقعها إيران من «خطة العمل الشاملة المشتركة» هي نقطة ضعفها. فقد تحثّ الإدارة الأمريكية الشركات العالمية على عدم التعامل مع إيران، من خلال عدم الإفصاح عن قرارها النهائي حيال الاتفاق، وبذلك تعرّض هذه الشركات أعمالها مع الولايات المتحدة للخطر. وهذا خرق تقني لشروط «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ولكنه انتهاك لأكثر الشروط غير الواقعية وهو الالتزام بدعم التنمية الاقتصادية الإيرانية. وفي حين أن مثل هذه التصرفات قد تخيّب ظنّ إيران، إلّا أنه من غير المحتمل دفع الجمهورية الإسلامية إلى الخروج من هذا الاتفاق النافع بالإجمال.  
وفضلاً عن ذلك، وكما أشارت السفيرة هالي في كلماتها في "معهد المؤسسة الأمريكية"، فإن القانون الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي والذي يطالب الرئيس بأن يصادق على التزام إيران بالاتفاق يحدّد "الامتثال" وفق نطاق أوسع من «خطة العمل الشاملة المشتركة». وعلى عكس اتفاق إيران، يتعيّن على الرئيس الأمريكي أن يُقرّ بأن تخفيف العقوبات يصبّ في المصالح الأمنية الوطنية الحيوية للولايات المتحدة. وبالتالي، يمكن للرئيس أن يعتبر إيران في حالة "عدم امتثال" بموجب هذا القانون بدون أن يوقف بالضرورة الامتثال الأمريكي لشروط «خطة العمل الشاملة المشتركة» أو يسمح للكونغرس الأمريكي بوقفه. وبموجب الفقرة ٣٦ من «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يمكن للولايات المتحدة أيضاً إعادة فرض عقوبات رمزية أو جزئية رداً على الإجراءات الإيرانية من دون الانسحاب من الاتفاق.
وهذه الخطوات هي لعنة بالنسبة إلى الكثيرين في المجتمع الدولي، في أوروبا على وجه الخصوص وإلى حد أقل في البلدان الأقرب إلى إيران. لكن الدول التي تعتبر المحافظة على «خطة العمل الشاملة المشتركة» أولويتها العليا قليلة جداً إن وُجدت في الشرق الأوسط. وحتى في أوروبا، فإن ما يؤثر حقاً على الشعوب هي التهديدات الصادرة عن تنظيم «الدولة الإسلامية» وتدفقات اللاجئين غير الخاضعة للسيطرة، وهي تأتي بالإجمال نتيجة سياسات إيران في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، إذا أدّت إيران الجامحة إلى انهيار محتمل لنظام الأمن في الشرق الأوسط الذي تقوده الولايات المتحدة، ستُعرَّض هذه الدول للخطر أكثر ممّا تفعله الولايات المتحدة.
وبغض النظر عمّا يفعله ترامب أو أي رئيس آخر، فإن الاتفاق الإيراني مهيّأ لمواجهة واقع سياسي غير مريح. فبموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، يجب على الكونغرس الأمريكي أن ينهي رسمياً العقوبات بحلول كانون الثاني/يناير ٢٠٢٤، تلك العقوبات التي لم تتنازل عنها حتى الآن سوى السلطة التنفيذية. ومن الصعب اليوم التصديق أنه نظراً لسلوك إيران الحالي سيتّخذ أي كونغرس مثل الكونغرس الحالي خطوة كهذه بحلول عام ٢٠٢٤. ولكن عدم الالتزام بذلك من شأنه أن ينتهك «خطة العمل الشاملة المشتركة» وأن يوقف تقيّد إيران الرسمي بـ "البروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم الانتشار". وفي ظل هذه الظروف، قد يصبح بالإمكان الضغط على المجتمع الدولي المؤيد لـ«خطة العمل الشاملة المشتركة»، لإعادة النظر في العلاقات الشاملة مع إيران باعتبارها "السعر" لإنقاذ قيود الاتفاق النووي. ولكن بالنظر إلى التهديد غير الاعتيادي الذي تفرضه إيران على توسعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى، فضلاً عن المراجعة المستمرة التي تقوم بها الإدارة الأمريكية حول سياستها تجاه إيران، لا يمكن اعتبار الحالة الراهنة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» مصونة عن التغيير.

جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق وألبانيا.

Thursday, June 8, 2017

احتواء إيران؟ حسناً، ولكن يجب الإجابة على هذه الأسئلة أولاً

 احتواء إيران؟ حسناً، ولكن يجب الإجابة على هذه الأسئلة أولاً
 1 حزيران/يونيو 2017

خلال اجتماعاته الأخيرة مع القادة العرب في الرياض، التزم الرئيس ترامب بمخطط هدفه التصدي للنفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة. إلّا أنّ البيانات المشتركة بين الجانبين الأمريكي والعربي بشأن مكافحة التهديدات الإيرانية ليست بالظاهرة الجديدة؛ فقد سبق للرئيس أوباما أن تبنّى اثنين منها مع «مجلس التعاون الخليجي» بعد التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران ، على الرغم من أنه لم يبدُ مؤمناً بتلك المهمة أو مواظباً على تحقيقها. لكن الزمن تغيّر الآن، فقد اتخذت إدارة ترامب موقفاً أكثر عدائيةً بكثير تجاه إيران، بينما بدأ مصدر الخطر الرئيسي في المنطقة، أي تنظيم «الدولة الإسلامية»، بالتراجع، على الأقل كقوة عسكرية شبه تقليدية. وفي حين كان تركيز ترامب كمرشّح رئاسي قد انصبّ بالدرجة الكبرى على تنظيم «الدولة الإسلامية» وعلى الاتفاق النووي، يبدو أنّ ترامب الرئيس على توافق مع الكثير من كبار مستشاريه العسكريين بشأن اتخاذ موقف أكثر صرامةً تجاه أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة - وهي طريقة تفكير تستند على التجارب المريرة التي مر بها هؤلاء المستشارين في التعامل مع العنف الذي ترعاه إيران في العراق ودول أخرى.
وفي المقابل، ازدادت طهران عدائيةً منذ إبرام الاتفاق النووي، معزَّزة بتدخل روسيا في سوريا ومستندةً إلى نظام عميل لها في دمشق يتحلى بجرأة عالية ولا يظهر اهتماماً يُذكر بالتفاوض على إنهاء الحرب. كما أنّ الاستفزازات الإيرانية الأخيرة استدعت ردّاً عسكرياً من الولايات المتحدة ضد وكلاء إيران في سوريا واليمن. وفي حين أنّ الرئيس "المعتدل" حسن روحاني فاز للتو بولاية رئاسية ثانية، إلا أنه لا يستطيع أن يفعل الكثير لتغيير موقف إيران المتشدد في الخارج حتى لو أراد ذلك، وينطلق هذا القول من واقع أنه لم يحرّك ساكناً في هذا الشأن خلال ولايته الأولى، ومن طبيعة هيكل السلطة في الجمهورية الإسلامية.
أما من الناحية البلاغية على الأقل، فإن البيانات الصادرة في أعقاب قمم الرياض الثلاث (القمة الثنائية، القمة الأمريكية مع «مجلس التعاون الخليجي»، والقمة "العربية الإسلامية الأمريكية") اتسمت بوضوحٍ تام. فقد تم تسليط الضوء على إيران دون سواها بفعل "تدخلها الخبيث" وصُنّفت أعمالها (بصورة غير دقيقة أحياناً) بـ"الإرهابية"، وتعهّد الموقّعون على البيانات بالعمل يداً بيد للتصدي لها. وقد سمع ترامب رسالةً مماثلة خلال الاجتماعات المنفصلة التي جمعته مع الزعيمين الإسرائيلي والتركي. ومع ذلك، لم يتم حتى الآن وضع سياسية أمريكية جدية لاحتواء إيران تكون مشابهة للحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» أو المفاوضات النووية. فهذه السياسة ستتطلب أكثر من مجرد ضربات عرضية، وإعلانات دبلوماسية، و"تحالف عسكري إسلامي" بقيادة السعودية، ومبيعات أسلحة تقليدية (المفيدة على نحو معين، ولكن ليس كثيراً في مواجهة التهديد الإيراني الذي يعتبر بالدرجة الأولى غير متناسق، وإيديولوجي، وإرهابي أكثر مما هو تقليدي).
ويجدر بالذكر أنّ لدى طهران خطة شاملة خاصة بها وهي تعمل على تنفيذها. لذلك، يتعين على واشنطن وحلفائها الإجابة عن عددٍ من الأسئلة الاستراتيجية من أجل وضع خطة خاصة بهم.
من هو العدو؟
تَمثل أحد الأهداف الرئيسية للمملكة العربية السعودية من عقد مؤتمرات القمة في الرياض في إقناع المشاركين بأن إيران تشكل التهديد الأكبر في المنطقة - ليس كدولة فحسب، وإنما كتيار شيعي "خبيث" في منطقة الشرق الأوسط السنّية إلى حد كبير. ولم يكن هذا الأمر مفاجئاً، إذ لطالما صوّر السعوديون منافستهم مع إيران من منطلق ديني. ومع ذلك، فكلما ازداد تبني هذه الصيغة، كلما ازداد طابع المنافسة المطلق، وقلّ احتمال "تقديم" إيران أي تنازلات (حيث لا يمكنها ببساطة التنازل عن جوهرها الديني) وازداد التردد بين الحلفاء.
وصحيحٌ أن كل من إسرائيل وتركيا ومصر تعتبر إيران مصدر خطر وتهديد، ولكن ليس على النحو نفسه الذي تراه الرياض. على سبيل المثال، أشارت حكومة أنقرة مؤخراً إلى "نزعة التوسع الفارسية" كمصدر القلق الأكبر، متحاشيةً استخدام الصيغة الطائفية التي تعتمدها الرياض، مما يشير إلى أن تركيا تفضل الاحتواء التقليدي على غرار الحرب الباردة. وحتى الأوروبيون أقل اهتماماً بوصف النزاع بتعابير دينية؛ وفي الواقع، يرى بعضهم أن السعودية التي تتبع "عادات القرون الوسطى" مشكلةً أكبر من إيران "العصرية" القائمة في عهد روحاني. من هنا، يتعيّن على إدارة ترامب إما أن تجد قاسماً مشتركاً في السياسات بين هذه النظرات الشديدة الاختلاف، أو أن تكون مستعدة للاعتماد بشكل أكبر على بعض الشركاء أكثر من غيرهم.
ما دور «خطة العمل المشتركة الشاملة»؟
منذ توليه منصبه، يلتزم الرئيس الأمريكي الصمت إلى حد كبير بشأن «خطة العمل المشتركة الشاملة»، وهي الوثيقة التي وضعت شروط الاتفاق النووي. وعلى الرغم من أن إدارته احترمت الالتزامات التي نص عليها الاتفاق، إلا أنه لم يتراجع عن الوعد الذي قطعه خلال حملته الرئاسية بإلغاء «خطة العمل المشتركة الشاملة».
وإذا حدث وقام الرئيس الأمريكي بإبطال هذه الخطة، سوف تُلام الولايات المتحدة على نكث صفقة يعتبرها العالم بمعظمه منطقية. إن الفكرة القائلة أن بإمكان واشنطن التفاوض على اتفاق أشد صرامة مع روسيا والصين وأوروبا هي نظرة تفتقر ببساطة إلى المنطق والواقعية. والنتيجة هي أن إيران ستصبح حرة بالتوجه نحو [تطوير] أسلحة نووية، وأن العقبة الوحيدة التي ستواجهها هي التهديد العسكري الأمريكي المباشر. وإذا أصبح هذا الإجراء ضرورياً، فقد يفوق ذلك الذي شوهد خلال الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق.
والحل البديل هو أنه بإمكان الرئيس ترامب أن يعترف رسمياً بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»، فيكتسب بذلك أصدقاء له في بعض الأوساط، ولكن ذلك قد يشجع إيران على تجاهل إنذاراته غير المتعلقة بالشأن النووي. ومن شأن هذا النهج أن يقلق أيضاً السعودية وإسرائيل.
والخيار الثالث هو ترك الاتفاق في طي النسيان. ومن شأن ذلك أن يضعف أوروبا وإيران ولكنه ربما يسر الحلفاء في الشرق الأوسط، على الرغم من أنهم ما زالوا يتوقعون سياسة احتواء أمريكية جادة.
كيف يجب التعامل مع إيران في سوريا والعراق؟
على الرغم من التحدي الذي تشكله إيران للأمن في المنطقة من اليمن إلى أفغانستان، تبقى سوريا والعراق الجبهة الرئيسية التي لطالما أثرت فيها طهران على نظام بشار الأسد والحكومة الشيعية في بغداد، على التوالي. وفي أعقاب "الربيع العربي" عام 2011، حثّ الزعماء الإيرانيون هؤلاء الوكلاء على ممارسة نفوذٍ أكبر، إلّا أنّ هذه الجهود أدّت أيضاً إلى تفاقم التطورات الكارثية التي تشهدها كل دولة، وهي: الانتفاضة الشعبية ضد الأسد وظهور تنظيم «الدولة الإسلامية».
ومنذ ذلك الحين قامت إيران بحملة شاملة لإبقاء الأسد في السلطة وتوسيع نفوذها في العراق - ويا لها من مفارقة أن ذلك حدث بمساعدة من الحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وبينما تُسحق قوات تنظيم «داعش» في معاقلها الأخيرة في الموصل والرقة، يسارع وكلاء طهران إلى إنشاء ممر بري بين إيران والعراق وسوريا و«حزب الله» في لبنان، مما ينذر بتحوّل استراتيجي جغرافي استثنائي. وكما أشار "مركز سياسة الحزبين" مؤخراً، من الممكن أن يضع هذا التحوّل نحو عشرين مليون عربي سني تحت وصاية شيعية فعلية في سوريا والعراق، الأمر الذي قد يُنتج على الأرجح تياراً سنياً متطرفاً جديداً يحل محل تنظيم «الدولة الإسلامية».
وتعود أهمية هذه الجبهة إلى أسبابٍ أخرى أيضاً. فقد أنشأت الولايات المتحدة وحلفاؤها مراكز لها في شمال سوريا ، وعلى طول الحدود الأردنية، وفي كردستان العراق، لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في المقام الأول. وما أن يتم هزيمة التنظيم، سوف تضطر واشنطن إما إلى ترك هذه المراكز أو التمسك بها في وجه عاصفةٍ حتمية من الهجمات المدعومة من إيران التي تهدف إلى إخراج القوات الأمريكية. إن البقاء في المنطقة إلى أجل غير مسمى سيتطلب ترتيبات سياسية معقّدة مع تركيا والأردن وبغداد ومختلف الفصائل الكردية والعربية السنية، وربما مع إيران وروسيا أيضاً. وأياً كانت الترتيبات التي سيتم التوصل إليها، ستحتاج إدارة ترامب أن تكون واضحة حول المخاطر: إذا لا توقف أمريكا الإيرانيين على هذه الجبهة، فسيظهرون قريباً كقوة مهيمنة في المنطقة، معادين للغاية للولايات المتحدة وحلفائها .
كيف يجب التصرف عندما تقوم إيران بالرد على ضربة؟
إذا كان التاريخ دليلاً، فإن أي جهد أمريكي لمواجهة طهران سيولّد هجمات على المصالح الأمريكية. فمنذ عام 1979، عمل النظام على ضرب أهداف أمريكية مباشرة أو من خلال وكلاء في مناسبات متعددة، من الكويت ولبنان واليمن وإلى المؤامرة التي تم إحباطها في جورج تاون [لقتل السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير في عام 2011]. وهناك مثالان لهما أهمية خاصة: تفجير "أبراج الخبر" في المملكة العربية السعودية عام 1996، الذي أسفر عن مقتل تسعة عشر جندياً أمريكياً، وطفرة عمليات القتل المستهدف في صيف عام 2011 التي أودت بحياة ستة عشر جندياً آخر في العراق. ورداً على ذلك، تجنبت واشنطن الانتقام الواضح أو اتخذت إجراءات ضد الوكلاء خارج إيران مع نتائج متباينة. وسواء كان الانتقام المباشر داخل إيران مطروحاً على الطاولة أم لا، يتعين على المسؤولين الأمريكيين أن يحدّدوا مسبقاً كيف سيكون ردهم قبل أن يختاروا الدخول في معركة.
هل يجب على واشنطن التواصل مع طهران؟
أعطى وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إجابة مثيرة للاهتمام على هذا السؤال بينما كان في الرياض، ورفض استبعاد [قيام مثل هذا التواصل]. وبالتأكيد سوف تستمر الاتصالات التقنية المحدودة مع إيران (على سبيل المثال، بين القوات في الخليج العربي؛ وحول المسائل المتعلقة بـ «خطة العمل المشتركة الشاملة»). لكن هل ستضغط واشنطن من أجل بناء حوار سياسي أو تُوافق على قيامه؟ إذا كان الأمر كذلك، فمع من سيجري هذا الحوار: مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف أو قائد «قوة القدس» الغامض قاسم سليماني، المسؤول بشكل كبير عن تنفيذ السياسات الإقليمية الإيرانية؟ هل ستكون هذه الاتصالات علانية أم سرية (كما كانت مع إدارة أوباما في البداية)؟ وإذا تم التوسط فيها من قبل طرف ثالث، فمن سيكون؟ هل ستكون إيران مستعدة للدخول في مثل هذا الحوار، وبأي ثمن؟ وأخيراً، ما هي الغاية التي سيقُصد تحقيقها في هذه المحادثات؟ إن هذا يؤدي إلى السؤال النهائي أدناه.
ما هو الهدف النهائي مع إيران؟
يجب على الولايات المتحدة أن تحدد أهدافاً نهائية واضحة لكي تنجح في أي سياسة تجاه إيران. هل تريد فقط التصدي لعدوان طهران الإقليمي، كما فعلت مع سلوبودان ميلوسوفيتش في تسعينيات القرن الماضي؟ أم أنها تسعى إلى تحقيق سياسة احتواء طويلة الأمد لإحداث تغييرات أساسية في السياسة في إيران (بمعنى آخر، الصيغة الأولية لجورج كينان في مرحلة ما بعد الحرب الباردة)، أو حتى تغيير النظام؟ وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن تنفيذ هذه السياسة من الناحية العملية؟ إن الخبراء المختصين في شؤون إيران في الولايات المتحدة منقسمون حول ما إذا كان إسقاط النظام أو استمرار سياسة التقارب التي اتبعها أوباما هي أفضل طريقة لإحداث تغيير في إيران؛ كما أن حلفاء واشنطن الدوليين المحتملين منقسمون حول هذه القضية أيضاً. ولذلك إذا كانت الإدارة الأمريكية تريد تعظيم فرصها لكسب المؤيدين في الداخل والخارج فسيكون توضيحها حاسم الأهمية [في تحديد سياستها تجاه إيران].



جيمس جيفري

جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولونتز" 
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة "فيليب سولوندز" في معهد واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق لدى تركيا والعراق وألبانيا، ومؤلف مشارك في الورقة الانتقالية لعام 2017 باللغة الانكليزية بعنوان "المبادئ العامة لتوجيه سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط" (مع دينيس روس).