تطور حماس وحزب الله وآثارها على إسرائيل
| |||
تحليلات ودراسات | 2013-03-27 | |||
عكا أون لاين- إن حماس وحزب الله منظمتان مركبتان متعددتا الوجوه لكونهما في آن واحد جهتين عسكريتين وحركتين اجتماعيتين وحزبين سياسيين. ويميل محللون غربيون الى تحليل هاتين المنظمتين بحسب البنية التحتية والنشاط العسكري والارهابي لهما. لكن الحديث عن منظمتين متطورتان مثل منظمات في ضمن دول كثيرة اخرى في أنحاء العالم الى جانب بنية عسكرية وبنى اجتماعية وسياسية وثقافية ايضا.
وفي واقع الامر أن البنى التحتية العسكرية والاجتماعية السياسية لهاتين المنظمتين يؤيد بعضها بعضا: فالقوة العسكرية تقوي القوة السياسية وتأثير المنظمتين، والنشاط الاجتماعي السياسي يزيد في قوتيهما ويوسع القاعدة التي تقوم عليها قوة المنظمة ومنها القوة العسكرية. ولما كان الامر كذلك فان المنظمتين تبذلان جزءا كبيرا من مواردهما الاقتصادية وثروتهما السياسية في نشاطات غير عسكرية، الهدف منها الحفاظ على التأثير السياسي والاجتماعي للمنظمتين وتعزيزه عامل حاسم في اتخاذ القرارات المتعلقة باستراتيجية عسكرية وتحقيقها.
وانه لأكثر من ذلك اثارة للاهتمام حقيقة ان حماس وحزب الله ليسا منظمتين مركبتين فقط لأنهما تؤلفان بين الجيش والسياسة والفاعلية الاجتماعية بل أن هاتين المنظمتين المسلحتين طورتا على مر السنين خصائص تُنسب على نحو عام الى جهات هي دول – برغم أنهما ليستا دولتين. فحماس تعمل كحكومة في قطاع غزة منذ 2007 أما حزب الله فهو يشارك منذ زمن بعيد في السلطة في المناطق ذات الأكثرية الشيعية التي يسيطر عليها – من جنوب لبنان الى الضاحية في جنوب بيروت.
تحلل هذه الدراسة دوري حماس وحزب الله في محيطيهما السياسيين، مع حصر العناية في نقاط التشابه والاختلاف بين خصائص الحال واتجاهات التطور للمنظمتين وتأثير "اليقظة العربية" فيهما. ويتناول النقاش التلخيصي التحديات الامنية التي تُعرض هاتان المنظمتان اسرائيل لها، وآثار السياسة الاسرائيلية على هذه التحديات.
حماس وحزب الله ومحيطاهما السياسيان
إن حماس وحزب الله مغروسان بعمق في المجتمعين اللذين نشآ فيهما. فقد تطورت هاتان المنظمتان في مسارين مختلفين ومع ذلك قطعتا مسافة طويلة بين مكانة هامشية في محيطهما الى مكانة سياسية وعسكرية تمثل تيارا مركزيا.
إن مصدر حماس حركة جماهيرية فهي الفرع الغزي عن منظمة الاخوان المسلمين المصريين. وقد انحصرت مشاركة الاخوان المسلمين في القطاع في بدئها في الدعوة وأساسها نشاط اجتماعي بغرض جلب "النهضة الثقافية" للإسلام الى غزة. وفي بدء الانتفاضة الاولى التي نشبت في نهاية سنة 1987 في المناطق الفلسطينية التي تسيطر عليها اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، أسس الاخوان المسلمون الذين كانوا في غزة حماس لتكون الذراع العسكرية. وكان هذا التغيير التنظيمي – البنيوي خطوة اولى في تشكل حماس كما هي معروفة اليوم. وكان التغيير – الذي عبرت عنه زيادة بُعد عسكري على القاعدة الشعبية للإخوان المسلمين يرمي الى الدفع قدما بهدفين متصلين بعضهما ببعض: في الساحة الفلسطينية – ضعضعة السيطرة التقليدية لـ منظمة التحرير الفلسطيني بقيادة فتح، وقيادة نضال لا هوادة فيه ضد إسرائيل تحت رايتي الاسلام والقومية، حلا لمشكلات الشعب الفلسطيني.
ونشأ حزب الله ايضا عن حركة جماهيرية وإن لم تكن جذور تنظيمه منظمة ومحددة كالجذور التي نشأت حماس منها. فقد أُنشئت المنظمة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي على أيدي عدد من رجال الدين والقادة السياسيين من لبنان وعلى يد طهران التي أرادت ان تستغل الظروف المحددة في لبنان في ذلك الوقت لتصدير الثورة الاسلامية الى خارج ايران. فقد عزز انشاء حزب الله اذا المسار المتواصل للتطرف والغليان الاجتماعي في الطائفة الشيعية في لبنان. وقد حفز الى اتجاه النهضة الشيعية ايضا خيبة أمل بعقب ما كان يُرى انه عدم قدرة حركة "أمل"، قائدة التيار المركزي الشيعي، على ضمان المصالح المحددة للطائفة، وعدم وجود حكومة مركزية قوية في الدولة واجتياح اسرائيل للبنان في 1982. ونشأ حزب الله بمساعدة دعم عسكري كثيف من ايران بهدي من رسالة واضحة هي المقاومة الاسلامية لإسرائيل. فقد كان الوجود العسكري الاسرائيلي في لبنان الذي استمر الى سنة 2000 تسويغا عند حزب الله متصلا دائما لتعزيز القدرة العسكرية ولا سيما في المنطقة الجنوبية من الدولة، وتجنيد تأييد شعبي للدور الذي تولته باعتبارها حامية ارض لبنان من مجتاح اجنبي. وتشكلت قاعدة حزب الله الاجتماعية السياسية واتسعت بالتدريج وعلى مر الوقت كلما عرفت المنظمة الحاجة الى الدعم الشعبي للقاعدة العسكرية، وفي موازاة ازدياد مطامحها السياسية قوة في الساحة اللبنانية.
وعلى مر السنين بنت حماس وحزب الله اجهزة عسكرية مركبة وإن تكن قوة حزب الله تفوق قوة حماس بأضعاف مضاعفة– بسبب الدعم الإيراني المباشر- فالمنظمة الشيعية اللبنانية هي بلا شك المنظمة العسكرية الأكثر تهديدا في لبنان وتتدرب وحداتها على اجراء هجمات على اسرائيل وعلى الحفاظ على السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها.
وتملك حماس ايضا قوة مدهشة ايضا وتسيطر المنظمة اليوم على بنيتي قوة متوازيتين: ذراع عسكرية (كتائب عز الدين القسام)، وذراع امنية في غزة. وعلى أثر الطرد العنيف لقوات فتح من قطاع غزة في سنة 2007 وسيطرة حماس على تلك المنطقة زادت ذراعها العسكرية اتساعا وقدرة.
وحشدت المنظمتان في العقود الاخيرة تأثيرا سياسيا كبيرا وأصبح حزب الله يشارك في الجهاز السياسي اللبناني منذ ان أصبح حزباً سياسياً بعد الحرب الأهلية في الدولة في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وعلى أثر الانسحاب السوري من لبنان استمر دور حزب الله السياسي وتأسس منذ ان انضم الى المجلس اللبناني الوزاري لأول مرة في 2005. وقد حدث هذا التطور في موازاة الاذن الرسمي الذي أُعطي للمنظمة بحسب شروط اتفاق الطائف بالحفاظ على قاعدتها العسكرية المستقلة في حين كان تسويغ ذلك وجود اسرائيل في جنوب لبنان. بل ان اتفاق الدوحة في أيار 2008 منح حزب الله وحلفاءه السياسيين الحق في استعمال النقض في المجلس الوزاري. هذا الى ان حزب الله أصبح منذ كانون الثاني 2011 جزءا من الأكثرية البرلمانية في الحكومة "الصديقة" التي يرأسها نجيب ميقاتي.
وحماس ايضا لاعبة مؤسسية في السياسة الفلسطينية، فمنذ ان جرى عليها تغيير استراتيجي استقر رأيها على المشاركة في المسيرة السياسية الرسمية في الساحة الفلسطينية. وقد عبر عن هذا التغيير مشاركة حماس في انتخابات المجالس البلدية التي أُجريت في سنة 2005 وفي انتخابات 2006 للمجلس التشريعي الفلسطيني. ومع ذلك فان مكانة حماس أكثر تركيبا شيئا ما، فالمنظمة تعمل مثل "لاعبة داخلية" في غزة حيث تؤدي دورها حكومة وهي في الآن نفسه "لاعبة خارجية" بالنسبة لمؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية التي تخضع لقيادة فتح وتتصل بـ م.ت.ف.
يعتمد نشاط المنظمتين باعتبارهما حزبين سياسيين حاكمين بالفعل، بقدر كبير على قاعدة الرفاه التي انشأتاها وطورتاها طوال سنين. وكلتاهما مستعدة جيدا لبذل طائفة واسعة من الخدمات الاجتماعية تبدأ بالعلاج الطبي وتنتهي الى التربية، وسجلتا انجازات في خفض نسبة الفقر. ويساعدهما هذا النشاط على الحفاظ على شرعيتيهما اللتين تحظيان بهما من الجمهور والتأييد الشعبي لهما وعلى زيادتهما.
في قطاع غزة مثلا حيث يعيش نحو من 39 في المائة من السكان تحت خط الفقر على حسب آخر المعطيات من سنة 2012، أصبحت حماس مع وكالة الغوث المزودة الأهم بالغذاء. وهي حقيقة في ذاتها مصدر مهم لشرعيتها. وحزب الله، بأعداد مطلقة عامل أكثر مركزية عندما يجري الحديث عن أنشطة رفاه اجتماعي. والتجسيد لهذه القاعدة المنظمة جيدا هو صندوق بناء المنظمة "جهاد البناء". فبعد الحرب مع اسرائيل في 2006 أعاد حزب الله بناء 5 آلاف بيت في 82 قرية وأصلح شوارع وبنى تحتية، ووعدت المنظمة الى ذلك ايضا بتعويض المواطنين عن البيوت التي دُمرت وعرضت 12 ألف دولار رسوم استئجار وتأثيث الى ان تتم اعادة الاعمار. وكان حاصل النفقات التي أنفقتها المنظمة في التعويض قد بلغ نحوا من 300 مليون دولار.
بعد ان نمت حماس وحزب الله وأصبحتا منظمتين اجتماعيتين وسياسيتين وعسكريتين كبيرتين واجهتا تحدي الملاءمة بين مطامحهما الايديولوجية ونشاطهما العسكري والبيئة السياسية المتغيرة، وكذلك الحاجة الى الحفاظ على الشرعية وتوسيع قاعدة التأييد الشعبي التي تعتمدان عليهان وفيما يتعلق بالشؤون الداخلية عدّلت هاتان المنظمتان في خلال العقود الاخيرة عددا من العناصر المتطرفة في عقيدتيهما من اجل التوجه الى أوسع جمهور ممكن.
بذلت حماس منذ كانت جهودا لتنسب الى نفسها هوية منظمة قومية بقدر لا يقل عن كونها اسلامية. وفي خطتها السياسية في 2005 خفضت على علم مطامح سابقة أعلنتها تتعلق بإجراء أحكام الشريعة الاسلامية في غزة، بل إن حماس تبنت بعد سيطرتها على قطاع غزة في 2007 وبرغم توجه "الأسلمة" في المنطقة توجها حذرا وتدريجيا في كل ما يتعلق بتطبيق الرؤيا الاسلامية الاجتماعية. وفيما يتعلق بحزب الله فانه ضاءل جدا هدفه الأصلي منذ ان تحولت المنظمة الى حزب سياسي وكان ذلك الهدف هو تحويل لبنان الى دولة اسلامية. ففي الوثيقة الايديولوجية المحدثة للمنظمة في 2009 حُذف كل ذكر لإنشاء دولة على النموذج الايراني – وهذا طموح عُرف بوضوح انه مصلحة من الطراز الاول في الميثاق السابق في 1985. وكذلك أنفقت المنظمة على الترويج لنفسها بأنها عربية ولبنانية باعتبار ذلك طريقة اخرى للتقليل من الشراكة الاستراتيجية بينها وبين ايران.
وتبنت حماس وحزب الله من جهة العلاقات الخارجية على نحو عام ولا سيما بإسرائيل توجهين مختلفين جدا. فكلتاهما في الظاهر تعتمد على خطابة هجومية متشابهة موجهة على اسرائيل ومع ذلك تبنت حماس على مر السنين خطابا أكثر مرونة بتطوير فكرة "الهدنة" مثلا (وهي وقف اطلاق نار لمدة طويلة وإن يكن ذلك مقابل انسحاب اسرائيل الكامل الى خطوط 1967)، في حين لا يترك خطاب حزب الله مكانا لأية مداورة مع اسرائيل.
وفيما يتعلق باختيار حماس وحزب الله سبيل النشاط العسكري، أكدت المنظمتان زيادة قوتيهما العسكريتين وأظهرتا بين الفينة والاخرى قدرتيهما العسكريتين اللتين كانتا ترميان الى نقل رسالة صادقة عن تمسكهما بفكرة النضال ضد اسرائيل ومع ذلك أثبتت المنظمتان وعيا لـ "خطوط حمراء" واعترافا بأن تجاوزها سيثير عمليات تواجه الهجمات شديدة من اسرائيل. وتحولت هذه السياسة وهي سياسة "السير على الحافة" الى مميز بارز لنشاط المنظمتين العسكري برغم حوادث ووقائع يمكن ان ننسبها الى تقدير خطأ من المنظمتين، والمثالان على ذلك هما اختطاف الجنود الاسرائيليين الذي أفضى الى حرب لبنان الثانية في 2006 وتصعيد اطلاق الصواريخ من قطاع غزة الذي عجّل نشوب الحرب بين اسرائيل وحماس في غزة في نهاية 2008 ومطلع 2009 ("الرصاص المصبوب"). وينبغي ان نذكر ان من البواعث المركزية على زيادة حماس وحزب الله لقوتيهما العسكريتين الطموح الى ردع نتائج كهذه لعملياتهما.
بالرغم من ان كل واحدة من المنظمتين مغروسة جيدا في المجتمع الذي نشأت وقويت فيه فانه من الخطأ ان نفترض أنهما تحظيان بالقبول والشرعية بصورة شاملة. فجهود حماس وحزب الله لترسيخ الشرعية والدعم لا تقنع أكثر السكان الذين تعملان بينهم وباسمهم تطمحان الى تثبيت أنفسهما. تُبين استطلاعات الرأي التي أجراها معهد البحث "بي.إي.دبليو" في خلال سنة 2012 ان تأييد حزب الله يقارب 40 في المائة، وهو استقطابي جدا بالمعنى الفئوي (يؤيد 94 في المائة من الشيعة المنظمة ويؤيدها 5 في المائة فقط من الطائفة السنية). وقُدر تأييد حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب استطلاع "بي.إي.دبليو" في أيار 2011 بنحو من 42 في المائة بل هناك معطى أعظم شأنا يُبينه استطلاع حزيران 2012 الذي أجراه معهد البحث الفلسطيني: المركز الفلسطيني للسياسة والبحث الاستطلاعي، ويُظهر ان نحوا من 27 في المائة من سكان الضفة الغربية و31 في المائة من سكان القطاع أعلنوا انه لو أُجريت انتخابات جديدة للمجلس التشريعي لصوتوا لقائمة حماس "التغيير والاصلاح".
ليس وضع حماس السياسي واضحا بسبب النقد العام على اسهامها في الانقسام المستمر بينها وبين فتح وبسبب الانجازات الاجتماعية السياسية الاقتصادية المشكوك فيها التي سُجلت لها منذ ان سيطرت على قطاع غزة في 2007. وحزب الله من جهته لا يحظى بثقة الأكثرية من الطائفة السنية في لبنان (وأقل من ذلك الطائفة المسيحية)، ولا سيما على أثر سيطرته العنيفة (والمؤقتة) على بيروت الغربية في أيار 2008. هذا الى ان الأحداث التي حدثت بسبب الربيع العربي قد تحدت بقدر أكبر مكانتي حماس وحزب الله في الساحة الداخلية وفي المنطقة كلها.
آثار "الربيع العربي"
تميزت الهزة التي انتشرت في أنحاء العالم العربي منذ أواخر 2010 بظهور خطاب جديد في المنطقة ينحصر في الحقوق الاجتماعية السياسية والحرية والمجتمع المدني والنضال الشعبي الواسع النطاق غير العنيف للدفع بهذه الأهداف الى الأمام، وهناك مميز بارز آخر لتلك الأحداث وهو تعالي صوت وتأثير المنظمات السياسية غير العنيفة كالإخوان المسلمين في مصر، وقد تم التعبير عن احتراق الأوراق السياسية التي سببتها تلك الظواهر في الساحة الفلسطينية وفي لبنان ايضا وإن تكن أمواج الاحتجاج في المنطقة لم تتحدَ مباشرة المنزلة المؤسسية لحماس وحزب الله لكن أحداث الربيع العربي وآثارها جعلت هاتين المنظمتين تُحدثان تغييرات ذات شأن في الصعد الايديولوجي والسياسي والاستراتيجي.
يلاحظ ان التكيف والاتجاهات الناشئة في الشرق الاوسط يقيم في وجه حزب الله خاصة تحديا مركبا. ويصبح هذا التقدير مجسدا بمعارضة المنظمة لتغيير جوهري ما في الخطاب السياسي الذي يقوده منذ سنوات في مواجهة الأحداث. وكذلك أظهرت المنظمة عدم اتساق عقائديا نحو الهبة في العالم العربي، فقد أيد حزب الله في البدء "الشارع العربي"، أي صوت الجموع وأيد الثورات حينما كانت تلائم الخطوط العقائدية التي توجهه – كما في حال مصر، لكنه تحول بعد ذلك ووقف الى جانب نظام بشار الاسد في مواجهة المعارضة في سوريا. وجر الدعم الذي يبذله حزب الله للأسد انتقادا شديدا على المنظمة ونفاقها الايديولوجي الذي عبرت عنه، من الداخل والخارج ايضا.
وفيما يتعلق بحماس فان الهبة الاقليمية دفعت قدما بقضية المصالحة الوطنية في الساحة الفلسطينية، فقد خشيت قيادة حماس من ان تتفشى الهبة التي انتشرت في الدول العربية في قطاع غزة ايضا مستمدة من عدم الرضا المحلي عن القطيعة المتواصلة بين فتح وحماس. إن الرغبة القوية (المشتركة بين حماس وفتح) في احباط "التأثير الثوري" المحتمل لـ "الربيع العربي" في الساحة الفلسطينية حثت الطرفين على التوقيع على "اتفاق المصالحة" في أيار 2011 وان يلتزما (على الورق على الأقل) باجتياز الاختلافات والاستقطاب. بيد ان اتفاق القاهرة الذي كان يرمي في أساسه الى تثبيت توازن القوى بين حماس وفتح لا الى مصالحة حقيقية وكان بالنسبة لحماس خاصة اظهار ارادة خيرة للمجلس العسكري المؤقت الذي حل محل حكم مبارك، لم يفضِ الى انهاء الانقسام. وبلغت محاولة رأب الصدوع بين المنظمتين الى طريق مسدود حينما أظهرت فتح وحماس معا معارضة المصالحة المطلوبة لإنشاء تعاون مؤسسي بينهما.
إن تأثير أحداث الربيع العربي في حزب الله كبير بنفس القدر، ومتصل هو ايضا بتحالف المنظمة مع الاسد ونظامه في سوريا، وان الدعم الذي يمنحه حزب الله للأسد قد أسهم في تدهور العلاقات المضعضعة أصلا بين المنظمة و"حركة 14 آذار" اللبنانية. وكذلك أفضى تأييد حزب الله والطائفة الشيعية لنظام الاسد الى زيادة التوتر بينهما وبين الطائفة السنية التي تدعم قوى المعارضة. ولذلك وقعت بين الفينة والاخرى صدامات عنيفة ونشأ تهديد لمكانة حزب الله مع حلفائه السياسيين، فقد ضعفت علاقة المنظمة برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وبزعيم الدروز وليد جنبلاط.
عُلم تأثير استراتيجي للصراع الذي نشأ في سوريا بين نظام الاسد وقوى المعارضة، في حماس وفي حزب الله ايضا. فقد كانت سوريا حليفة تقليدية مهمة للمنظمتين. ودعمت سوريا على الدوام حماس واستضافت فيها مقر القيادة السياسية للمنظمة. وكانت طوال سنين الحلقة التي تربط ايران بلبنان ومكّنت من نقل السلاح والدعم اللوجستي من طهران الى حزب الله. وكانت عائلة الاسد نفسها مؤيدة سياسية مهمة لحزب الله وفي خلال العقود الطويلة التي كان فيها لبنان دولة تحميها سوريا، دافعت دمشق عن المنظمة الشيعية اللبنانية وعن سلاحها، بيد ان حزب الله وحماس ردا على الازمة في سوريا بصورة مختلفة تماما.
تمتعت حماس بصلة سياسية قوية بالأسد، وبعلاقات دينية وطائفية بالأكثرية السنية المحتجة على النظام العلوي الحاكم ولذلك فان التأييد الذي لا هوادة فيه للنظام السوري – كما فعل حزب الله أو ايران – غير ممكن من جهة حماس. وكان هذا هو سبب التحفظ الاول الذي أظهره قادة حماس من التنديد بنظام الاسد وتأييد المظاهرات عليه – كما فعلت مصر وتونس مع نشوب الأحداث فورا – وجهودهم للحفاظ على مشاركة في الحد الأدنى في الازمة في سوريا.
ومع ذلك كلما ازدادت الازمة حدة بدأت سياسة عدم تدخل حماس تتغير، فبردت العلاقات بإيران وبنظام الاسد لأن حماس لم تعبر عن تأييد معلن للنظام السوري، ومع ازدياد الازمة حدة بدأت حماس بالتدريج تبتعد عن دمشق، كان ذلك أولا بتقليل وجودها في سوريا وبعد ذلك بنقل هادئ لمكتبها السياسي من دمشق. وكان قطع العلاقات بين سوريا وحماس من أهم تأثيرات الربيع العربي بالنسبة للمنظمة الفلسطينية. وهذا الاجراء بالنسبة اليها هو نافذة الفرص لتُحدد من جديد منظومة أحلافها الاقليمية وتبتعد عن "محور المقاومة"، مع الاقتراب من مصر ودول الخليج، وهذا وضع سيزيد معه تأثير هذه الدول في حماس وسياستها ويتوقع ان يشجع الجانب البراغماتي للمنظمة.
لا يستطيع حزب الله بخلاف حماس ان يسمح لنفسه بالانفصال عن الاسد فتعلقه اللوجستي بسوريا والصلات العقائدية واللوجستية بايران مصدر قوة حيوي للمنظمة في الطائفة الشيعية وفي لبنان كله لذلك. ويبدو انه لا يوجد لحزب الله في واقع الامر مؤيد فعال في المنطقة سوى سوريا وايران. وعلاقاته بقوى المعارضة السورية ايضا عدائية جدا ومن المحتمل ان تختار هذه المجموعات ادارة ظهرها لحزب الله حينما يُنحى الاسد وتتولى الحكم. ولهذا فان الأحداث في سوريا وتهديد نظام الاسد أقامت حزب الله في موقف حساس جدا. إن سقوط النظام السوري سيحدث زعزعة سياسية شديدة في لبنان ويمنح معارضة حزب الله قوة وتأثيرا – بدعم من العربية السعودية.
فاذا كان الامر كذلك، وبالرغم ان حماس وحزب الله تأثرتا بالربيع العربي، فانه يبدو ان مكانة حماس بإزاء الزعزعة الاقليمية أصلب من مكانة حزب الله وذلك لأن حماس برهنت على قدرة تكيف مع المحيط المتغير وذلك بالرغم من عقبات راكمت صعوبة ترجمة الاستعداد المعلن للمصالحة مع السلطة الفلسطينية الى تغيير حقيقي في الساحة السياسية الفلسطينية، وفي مقابل ذلك فان حزب الله – ذا الصلات الاستراتيجية العميقة بسوريا وبايران – كان ابطأ في رده على التغييرات في المنطقة وأثبت تمسكا بمواقفه التقليدية.
آثار استراتيجية بالنسبة لإسرائيل
بالرغم ان حماس وحزب الله جرت عليهم تطورات تنظيمية مختلفة – حينما نشأت حماس من حركة اجتماعية كبيرة وتشكل حزب الله في البدء بصفة منظمة ذات هدف عسكري فقط – وصلت المنظمتان على مر السنين الى وضعين متشابهين حينما أصبحتا منظمتين مؤلفتين من جيش ومجتمع وسياسة. وكذلك أصبحت المنظمتان على مر الزمن جسمين يشبهان دولة. وما زال كلاهما تحديا كبيرا لإسرائيل لكونهما ذوي قدرة على تهييج مواجهة عسكرية. ومن جهة سياسية توجد لهما أهمية متشابهة، حينما تُملي سياستهما المتعلقة بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني وتحدد موقف المجتمع الذي تعمل كل واحدة منهما فيه.
نجحت حماس وحزب الله بإزاء التغيير السياسي والاجتماعي الذي حدث في الشرق الاوسط إثر أحداث الربيع العربي ايضا في الحفاظ على قوتهما ومكانتيهما بقدر كبير. فلا توجد زعزعة حقيقية لسلطة حماس في غزة ومحاولات متحدثين من صفوف فتح تشجيع ربيع عربي فلسطيني في قطاع غزة لم تكن تحديا جوهريا للمنظمة. أما حزب الله فهو جزء من الأكثرية النيابية في لبنان منذ كانون الثاني 2011، ونجحت الحكومة اللبنانية برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي (الى الآن) في التغلب على الزعزعة التي سببتها الثورات في المنطقة. إن عدم الاستقرار في المنطقة والحرب في سوريا في الأساس تحديا هاتين المنظمتين في المستوى الايديولوجي والسياسي والاستراتيجي. وتشهد استراتيجيتا المواجهة المختلفتان اللتان استعملتهما حماس وحزب الله لتلائما أنفسهما وتأثيرات الزعزعة الاقليمية بأنه تجري عليهما في هذه الايام عمليات تنظيمية مختلفة جدا وعلى ذلك ينبغي ان نتبنى توجها مختلفا نحو كل واحدة منهما.
أما فيما يتعلق بحماس فقد أظهرت المنظمة قدرا أكبر من البراغماتية والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. ولا شك في ان استعدادها لتغيير الأحلاف ليس علامة على المرونة الاستراتيجية والايديولوجية فقط بل هو ايضا نتاج كونها ممثلة لمجموعة دينية – قومية لا طائفية، وهو نتاج امكان ان تخسر أقل بكثير من خسارة حزب الله من الانفصال عن محور ايران – سوريا. هذا الى ان حماس قد تخرج في المستقبل رابحة من بعض التغييرات التي أحدثها الربيع العربي ومنها تولي الاخوان المسلمين الحكم في مصر. وكلما مر الوقت أصبحت عزلة حماس الاقليمية تبدو سياسة أقل واقعية وهذا التطور يوميء الى اسرائيل أنه ينبغي ان تفحص من جديد عن سياستها نحو حماس وان تغيرها. وعلى نحو محدد – في موازاة استعمال ضغط على حماس لوقف زيادة قوتها ونشاطها العسكري، يجب على اسرائيل ان تزن انشاء اتصالات مباشرة بحماس وان تخطو خطوات لتخفيف القيود الاقتصادية المفروضة على القطاع وان تمتنع عن افشال محاولات المصالحة الفلسطينية الداخلية (التي لا شك في أنها تتم برضى فتح وحماس أنفسهما). وهذه الاعمال قد تخفف التوتر بين اسرائيل وحماس في ساحة غزة واذا حدث شق طريق نحو تنسيق مؤسسي بين فتح وحماس فينبغي ان تُحسن جدا ايضا احتمالات ان تؤسس في الساحة الفلسطينية شبكة تؤدي عملها تتمتع بشرعية وطنية.
لكن تقديرا مختلفا يفترض ان يوجه السياسة نحو حزب الله، فقد أظهرت هذه المنظمة قدرة على التكيف أدنى من القدرة التي برهنت عليها حماس وضعف موقفها. إن سقوط نظام الاسد سيوجه ضربة شديدة الى المنظمة الشيعية اللبنانية وإن لم تكن قاتلة بالضرورة. ويجب على اسرائيل ان تُظهر حساسية بهذا الوضع الاشكالي وان تمتنع عن نشاط معادٍ مبادر اليه موجه على المنظمة لأن هذه الخطوة قد تعكس اتجاه الازمة الداخلية التي تهدد مكانة حزب الله وتوحد السكان اللبنانيين من وراء "حزب الله".
يجب على اسرائيل في ضوء المواقف الاستراتيجية المختلفة لحماس وحزب الله ان تتوقع ايضا سلوكا مختلفا منهما ردا على هجوم اسرائيلي على ايران. فيمكن ان نتوقع ان تُبدي حماس حذرا وان تبقى في هامش المواجهة العسكرية كي تمنع خطر رد اسرائيلي مضاد يُعرض الانجازات التي جمعتها الى الآن للخطر بصورة حتمية. ويبدو هذا التقدير منطقيا ولا سيما في ضوء وقوف حماس بعيدة عن "محور سوريا – ايران" واقترابها من مصر ودول الخليج. ويتوقع من حزب الله في المقابل ان يتدخل اذا حدثت مواجهة عسكرية مع ايران، وإن لم نرَ التدخل العسكري المباشر والتام من المنظمة ردا مفهوما من تلقاء ذاته في هذه الحال اذا أخذنا في الحسبان محدودية قوته الحالية في الساحة اللبنانية والساحة الاقليمية.
مع ذلك وبإزاء الرؤية المعادية لإسرائيل المعلنة من حماس وحزب الله، لا يوجد الى الآن خيار أفضل لإسرائيل من ان تتبنى احتواء موزونا حذرا للوضع وان تُصعب بذلك على المنظمتين ان تُمليا عليها قواعد اللعب وان تبادرا الى جولات مكررة من العنف كلما كان هذا التطور مرغوبا لهما أو عن رغبة في تعزيز مكانتيهما في محيطيهما الداخليين.
تطور حماس وحزب الله وآثارها على إسرائيل
عكا أون لاين- إن حماس وحزب الله منظمتان مركبتان متعددتا الوجوه لكونهما في آن واحد جهتين عسكريتين وحركتين اجتماعيتين وحزبين سياسيين. ويميل محللون غربيون الى تحليل هاتين المنظمتين بحسب البنية التحتية والنشاط العسكري والارهابي لهما. لكن الحديث عن منظمتين متطورتان مثل منظمات في ضمن دول كثيرة اخرى في أنحاء العالم الى جانب بنية عسكرية وبنى اجتماعية وسياسية وثقافية ايضا.
وفي واقع الامر أن البنى التحتية العسكرية والاجتماعية السياسية لهاتين المنظمتين يؤيد بعضها بعضا: فالقوة العسكرية تقوي القوة السياسية وتأثير المنظمتين، والنشاط الاجتماعي السياسي يزيد في قوتيهما ويوسع القاعدة التي تقوم عليها قوة المنظمة ومنها القوة العسكرية. ولما كان الامر كذلك فان المنظمتين تبذلان جزءا كبيرا من مواردهما الاقتصادية وثروتهما السياسية في نشاطات غير عسكرية، الهدف منها الحفاظ على التأثير السياسي والاجتماعي للمنظمتين وتعزيزه عامل حاسم في اتخاذ القرارات المتعلقة باستراتيجية عسكرية وتحقيقها.
وانه لأكثر من ذلك اثارة للاهتمام حقيقة ان حماس وحزب الله ليسا منظمتين مركبتين فقط لأنهما تؤلفان بين الجيش والسياسة والفاعلية الاجتماعية بل أن هاتين المنظمتين المسلحتين طورتا على مر السنين خصائص تُنسب على نحو عام الى جهات هي دول – برغم أنهما ليستا دولتين. فحماس تعمل كحكومة في قطاع غزة منذ 2007 أما حزب الله فهو يشارك منذ زمن بعيد في السلطة في المناطق ذات الأكثرية الشيعية التي يسيطر عليها – من جنوب لبنان الى الضاحية في جنوب بيروت.
تحلل هذه الدراسة دوري حماس وحزب الله في محيطيهما السياسيين، مع حصر العناية في نقاط التشابه والاختلاف بين خصائص الحال واتجاهات التطور للمنظمتين وتأثير "اليقظة العربية" فيهما. ويتناول النقاش التلخيصي التحديات الامنية التي تُعرض هاتان المنظمتان اسرائيل لها، وآثار السياسة الاسرائيلية على هذه التحديات.
حماس وحزب الله ومحيطاهما السياسيان
إن حماس وحزب الله مغروسان بعمق في المجتمعين اللذين نشآ فيهما. فقد تطورت هاتان المنظمتان في مسارين مختلفين ومع ذلك قطعتا مسافة طويلة بين مكانة هامشية في محيطهما الى مكانة سياسية وعسكرية تمثل تيارا مركزيا.
إن مصدر حماس حركة جماهيرية فهي الفرع الغزي عن منظمة الاخوان المسلمين المصريين. وقد انحصرت مشاركة الاخوان المسلمين في القطاع في بدئها في الدعوة وأساسها نشاط اجتماعي بغرض جلب "النهضة الثقافية" للإسلام الى غزة. وفي بدء الانتفاضة الاولى التي نشبت في نهاية سنة 1987 في المناطق الفلسطينية التي تسيطر عليها اسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة، أسس الاخوان المسلمون الذين كانوا في غزة حماس لتكون الذراع العسكرية. وكان هذا التغيير التنظيمي – البنيوي خطوة اولى في تشكل حماس كما هي معروفة اليوم. وكان التغيير – الذي عبرت عنه زيادة بُعد عسكري على القاعدة الشعبية للإخوان المسلمين يرمي الى الدفع قدما بهدفين متصلين بعضهما ببعض: في الساحة الفلسطينية – ضعضعة السيطرة التقليدية لـ منظمة التحرير الفلسطيني بقيادة فتح، وقيادة نضال لا هوادة فيه ضد إسرائيل تحت رايتي الاسلام والقومية، حلا لمشكلات الشعب الفلسطيني.
ونشأ حزب الله ايضا عن حركة جماهيرية وإن لم تكن جذور تنظيمه منظمة ومحددة كالجذور التي نشأت حماس منها. فقد أُنشئت المنظمة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي على أيدي عدد من رجال الدين والقادة السياسيين من لبنان وعلى يد طهران التي أرادت ان تستغل الظروف المحددة في لبنان في ذلك الوقت لتصدير الثورة الاسلامية الى خارج ايران. فقد عزز انشاء حزب الله اذا المسار المتواصل للتطرف والغليان الاجتماعي في الطائفة الشيعية في لبنان. وقد حفز الى اتجاه النهضة الشيعية ايضا خيبة أمل بعقب ما كان يُرى انه عدم قدرة حركة "أمل"، قائدة التيار المركزي الشيعي، على ضمان المصالح المحددة للطائفة، وعدم وجود حكومة مركزية قوية في الدولة واجتياح اسرائيل للبنان في 1982. ونشأ حزب الله بمساعدة دعم عسكري كثيف من ايران بهدي من رسالة واضحة هي المقاومة الاسلامية لإسرائيل. فقد كان الوجود العسكري الاسرائيلي في لبنان الذي استمر الى سنة 2000 تسويغا عند حزب الله متصلا دائما لتعزيز القدرة العسكرية ولا سيما في المنطقة الجنوبية من الدولة، وتجنيد تأييد شعبي للدور الذي تولته باعتبارها حامية ارض لبنان من مجتاح اجنبي. وتشكلت قاعدة حزب الله الاجتماعية السياسية واتسعت بالتدريج وعلى مر الوقت كلما عرفت المنظمة الحاجة الى الدعم الشعبي للقاعدة العسكرية، وفي موازاة ازدياد مطامحها السياسية قوة في الساحة اللبنانية.
وعلى مر السنين بنت حماس وحزب الله اجهزة عسكرية مركبة وإن تكن قوة حزب الله تفوق قوة حماس بأضعاف مضاعفة– بسبب الدعم الإيراني المباشر- فالمنظمة الشيعية اللبنانية هي بلا شك المنظمة العسكرية الأكثر تهديدا في لبنان وتتدرب وحداتها على اجراء هجمات على اسرائيل وعلى الحفاظ على السيطرة على المناطق التي تسيطر عليها.
وتملك حماس ايضا قوة مدهشة ايضا وتسيطر المنظمة اليوم على بنيتي قوة متوازيتين: ذراع عسكرية (كتائب عز الدين القسام)، وذراع امنية في غزة. وعلى أثر الطرد العنيف لقوات فتح من قطاع غزة في سنة 2007 وسيطرة حماس على تلك المنطقة زادت ذراعها العسكرية اتساعا وقدرة.
وحشدت المنظمتان في العقود الاخيرة تأثيرا سياسيا كبيرا وأصبح حزب الله يشارك في الجهاز السياسي اللبناني منذ ان أصبح حزباً سياسياً بعد الحرب الأهلية في الدولة في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وعلى أثر الانسحاب السوري من لبنان استمر دور حزب الله السياسي وتأسس منذ ان انضم الى المجلس اللبناني الوزاري لأول مرة في 2005. وقد حدث هذا التطور في موازاة الاذن الرسمي الذي أُعطي للمنظمة بحسب شروط اتفاق الطائف بالحفاظ على قاعدتها العسكرية المستقلة في حين كان تسويغ ذلك وجود اسرائيل في جنوب لبنان. بل ان اتفاق الدوحة في أيار 2008 منح حزب الله وحلفاءه السياسيين الحق في استعمال النقض في المجلس الوزاري. هذا الى ان حزب الله أصبح منذ كانون الثاني 2011 جزءا من الأكثرية البرلمانية في الحكومة "الصديقة" التي يرأسها نجيب ميقاتي.
وحماس ايضا لاعبة مؤسسية في السياسة الفلسطينية، فمنذ ان جرى عليها تغيير استراتيجي استقر رأيها على المشاركة في المسيرة السياسية الرسمية في الساحة الفلسطينية. وقد عبر عن هذا التغيير مشاركة حماس في انتخابات المجالس البلدية التي أُجريت في سنة 2005 وفي انتخابات 2006 للمجلس التشريعي الفلسطيني. ومع ذلك فان مكانة حماس أكثر تركيبا شيئا ما، فالمنظمة تعمل مثل "لاعبة داخلية" في غزة حيث تؤدي دورها حكومة وهي في الآن نفسه "لاعبة خارجية" بالنسبة لمؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية التي تخضع لقيادة فتح وتتصل بـ م.ت.ف.
يعتمد نشاط المنظمتين باعتبارهما حزبين سياسيين حاكمين بالفعل، بقدر كبير على قاعدة الرفاه التي انشأتاها وطورتاها طوال سنين. وكلتاهما مستعدة جيدا لبذل طائفة واسعة من الخدمات الاجتماعية تبدأ بالعلاج الطبي وتنتهي الى التربية، وسجلتا انجازات في خفض نسبة الفقر. ويساعدهما هذا النشاط على الحفاظ على شرعيتيهما اللتين تحظيان بهما من الجمهور والتأييد الشعبي لهما وعلى زيادتهما.
في قطاع غزة مثلا حيث يعيش نحو من 39 في المائة من السكان تحت خط الفقر على حسب آخر المعطيات من سنة 2012، أصبحت حماس مع وكالة الغوث المزودة الأهم بالغذاء. وهي حقيقة في ذاتها مصدر مهم لشرعيتها. وحزب الله، بأعداد مطلقة عامل أكثر مركزية عندما يجري الحديث عن أنشطة رفاه اجتماعي. والتجسيد لهذه القاعدة المنظمة جيدا هو صندوق بناء المنظمة "جهاد البناء". فبعد الحرب مع اسرائيل في 2006 أعاد حزب الله بناء 5 آلاف بيت في 82 قرية وأصلح شوارع وبنى تحتية، ووعدت المنظمة الى ذلك ايضا بتعويض المواطنين عن البيوت التي دُمرت وعرضت 12 ألف دولار رسوم استئجار وتأثيث الى ان تتم اعادة الاعمار. وكان حاصل النفقات التي أنفقتها المنظمة في التعويض قد بلغ نحوا من 300 مليون دولار.
بعد ان نمت حماس وحزب الله وأصبحتا منظمتين اجتماعيتين وسياسيتين وعسكريتين كبيرتين واجهتا تحدي الملاءمة بين مطامحهما الايديولوجية ونشاطهما العسكري والبيئة السياسية المتغيرة، وكذلك الحاجة الى الحفاظ على الشرعية وتوسيع قاعدة التأييد الشعبي التي تعتمدان عليهان وفيما يتعلق بالشؤون الداخلية عدّلت هاتان المنظمتان في خلال العقود الاخيرة عددا من العناصر المتطرفة في عقيدتيهما من اجل التوجه الى أوسع جمهور ممكن.
بذلت حماس منذ كانت جهودا لتنسب الى نفسها هوية منظمة قومية بقدر لا يقل عن كونها اسلامية. وفي خطتها السياسية في 2005 خفضت على علم مطامح سابقة أعلنتها تتعلق بإجراء أحكام الشريعة الاسلامية في غزة، بل إن حماس تبنت بعد سيطرتها على قطاع غزة في 2007 وبرغم توجه "الأسلمة" في المنطقة توجها حذرا وتدريجيا في كل ما يتعلق بتطبيق الرؤيا الاسلامية الاجتماعية. وفيما يتعلق بحزب الله فانه ضاءل جدا هدفه الأصلي منذ ان تحولت المنظمة الى حزب سياسي وكان ذلك الهدف هو تحويل لبنان الى دولة اسلامية. ففي الوثيقة الايديولوجية المحدثة للمنظمة في 2009 حُذف كل ذكر لإنشاء دولة على النموذج الايراني – وهذا طموح عُرف بوضوح انه مصلحة من الطراز الاول في الميثاق السابق في 1985. وكذلك أنفقت المنظمة على الترويج لنفسها بأنها عربية ولبنانية باعتبار ذلك طريقة اخرى للتقليل من الشراكة الاستراتيجية بينها وبين ايران.
وتبنت حماس وحزب الله من جهة العلاقات الخارجية على نحو عام ولا سيما بإسرائيل توجهين مختلفين جدا. فكلتاهما في الظاهر تعتمد على خطابة هجومية متشابهة موجهة على اسرائيل ومع ذلك تبنت حماس على مر السنين خطابا أكثر مرونة بتطوير فكرة "الهدنة" مثلا (وهي وقف اطلاق نار لمدة طويلة وإن يكن ذلك مقابل انسحاب اسرائيل الكامل الى خطوط 1967)، في حين لا يترك خطاب حزب الله مكانا لأية مداورة مع اسرائيل.
وفيما يتعلق باختيار حماس وحزب الله سبيل النشاط العسكري، أكدت المنظمتان زيادة قوتيهما العسكريتين وأظهرتا بين الفينة والاخرى قدرتيهما العسكريتين اللتين كانتا ترميان الى نقل رسالة صادقة عن تمسكهما بفكرة النضال ضد اسرائيل ومع ذلك أثبتت المنظمتان وعيا لـ "خطوط حمراء" واعترافا بأن تجاوزها سيثير عمليات تواجه الهجمات شديدة من اسرائيل. وتحولت هذه السياسة وهي سياسة "السير على الحافة" الى مميز بارز لنشاط المنظمتين العسكري برغم حوادث ووقائع يمكن ان ننسبها الى تقدير خطأ من المنظمتين، والمثالان على ذلك هما اختطاف الجنود الاسرائيليين الذي أفضى الى حرب لبنان الثانية في 2006 وتصعيد اطلاق الصواريخ من قطاع غزة الذي عجّل نشوب الحرب بين اسرائيل وحماس في غزة في نهاية 2008 ومطلع 2009 ("الرصاص المصبوب"). وينبغي ان نذكر ان من البواعث المركزية على زيادة حماس وحزب الله لقوتيهما العسكريتين الطموح الى ردع نتائج كهذه لعملياتهما.
بالرغم من ان كل واحدة من المنظمتين مغروسة جيدا في المجتمع الذي نشأت وقويت فيه فانه من الخطأ ان نفترض أنهما تحظيان بالقبول والشرعية بصورة شاملة. فجهود حماس وحزب الله لترسيخ الشرعية والدعم لا تقنع أكثر السكان الذين تعملان بينهم وباسمهم تطمحان الى تثبيت أنفسهما. تُبين استطلاعات الرأي التي أجراها معهد البحث "بي.إي.دبليو" في خلال سنة 2012 ان تأييد حزب الله يقارب 40 في المائة، وهو استقطابي جدا بالمعنى الفئوي (يؤيد 94 في المائة من الشيعة المنظمة ويؤيدها 5 في المائة فقط من الطائفة السنية). وقُدر تأييد حماس في الضفة الغربية وقطاع غزة بحسب استطلاع "بي.إي.دبليو" في أيار 2011 بنحو من 42 في المائة بل هناك معطى أعظم شأنا يُبينه استطلاع حزيران 2012 الذي أجراه معهد البحث الفلسطيني: المركز الفلسطيني للسياسة والبحث الاستطلاعي، ويُظهر ان نحوا من 27 في المائة من سكان الضفة الغربية و31 في المائة من سكان القطاع أعلنوا انه لو أُجريت انتخابات جديدة للمجلس التشريعي لصوتوا لقائمة حماس "التغيير والاصلاح".
ليس وضع حماس السياسي واضحا بسبب النقد العام على اسهامها في الانقسام المستمر بينها وبين فتح وبسبب الانجازات الاجتماعية السياسية الاقتصادية المشكوك فيها التي سُجلت لها منذ ان سيطرت على قطاع غزة في 2007. وحزب الله من جهته لا يحظى بثقة الأكثرية من الطائفة السنية في لبنان (وأقل من ذلك الطائفة المسيحية)، ولا سيما على أثر سيطرته العنيفة (والمؤقتة) على بيروت الغربية في أيار 2008. هذا الى ان الأحداث التي حدثت بسبب الربيع العربي قد تحدت بقدر أكبر مكانتي حماس وحزب الله في الساحة الداخلية وفي المنطقة كلها.
آثار "الربيع العربي"
تميزت الهزة التي انتشرت في أنحاء العالم العربي منذ أواخر 2010 بظهور خطاب جديد في المنطقة ينحصر في الحقوق الاجتماعية السياسية والحرية والمجتمع المدني والنضال الشعبي الواسع النطاق غير العنيف للدفع بهذه الأهداف الى الأمام، وهناك مميز بارز آخر لتلك الأحداث وهو تعالي صوت وتأثير المنظمات السياسية غير العنيفة كالإخوان المسلمين في مصر، وقد تم التعبير عن احتراق الأوراق السياسية التي سببتها تلك الظواهر في الساحة الفلسطينية وفي لبنان ايضا وإن تكن أمواج الاحتجاج في المنطقة لم تتحدَ مباشرة المنزلة المؤسسية لحماس وحزب الله لكن أحداث الربيع العربي وآثارها جعلت هاتين المنظمتين تُحدثان تغييرات ذات شأن في الصعد الايديولوجي والسياسي والاستراتيجي.
يلاحظ ان التكيف والاتجاهات الناشئة في الشرق الاوسط يقيم في وجه حزب الله خاصة تحديا مركبا. ويصبح هذا التقدير مجسدا بمعارضة المنظمة لتغيير جوهري ما في الخطاب السياسي الذي يقوده منذ سنوات في مواجهة الأحداث. وكذلك أظهرت المنظمة عدم اتساق عقائديا نحو الهبة في العالم العربي، فقد أيد حزب الله في البدء "الشارع العربي"، أي صوت الجموع وأيد الثورات حينما كانت تلائم الخطوط العقائدية التي توجهه – كما في حال مصر، لكنه تحول بعد ذلك ووقف الى جانب نظام بشار الاسد في مواجهة المعارضة في سوريا. وجر الدعم الذي يبذله حزب الله للأسد انتقادا شديدا على المنظمة ونفاقها الايديولوجي الذي عبرت عنه، من الداخل والخارج ايضا.
وفيما يتعلق بحماس فان الهبة الاقليمية دفعت قدما بقضية المصالحة الوطنية في الساحة الفلسطينية، فقد خشيت قيادة حماس من ان تتفشى الهبة التي انتشرت في الدول العربية في قطاع غزة ايضا مستمدة من عدم الرضا المحلي عن القطيعة المتواصلة بين فتح وحماس. إن الرغبة القوية (المشتركة بين حماس وفتح) في احباط "التأثير الثوري" المحتمل لـ "الربيع العربي" في الساحة الفلسطينية حثت الطرفين على التوقيع على "اتفاق المصالحة" في أيار 2011 وان يلتزما (على الورق على الأقل) باجتياز الاختلافات والاستقطاب. بيد ان اتفاق القاهرة الذي كان يرمي في أساسه الى تثبيت توازن القوى بين حماس وفتح لا الى مصالحة حقيقية وكان بالنسبة لحماس خاصة اظهار ارادة خيرة للمجلس العسكري المؤقت الذي حل محل حكم مبارك، لم يفضِ الى انهاء الانقسام. وبلغت محاولة رأب الصدوع بين المنظمتين الى طريق مسدود حينما أظهرت فتح وحماس معا معارضة المصالحة المطلوبة لإنشاء تعاون مؤسسي بينهما.
إن تأثير أحداث الربيع العربي في حزب الله كبير بنفس القدر، ومتصل هو ايضا بتحالف المنظمة مع الاسد ونظامه في سوريا، وان الدعم الذي يمنحه حزب الله للأسد قد أسهم في تدهور العلاقات المضعضعة أصلا بين المنظمة و"حركة 14 آذار" اللبنانية. وكذلك أفضى تأييد حزب الله والطائفة الشيعية لنظام الاسد الى زيادة التوتر بينهما وبين الطائفة السنية التي تدعم قوى المعارضة. ولذلك وقعت بين الفينة والاخرى صدامات عنيفة ونشأ تهديد لمكانة حزب الله مع حلفائه السياسيين، فقد ضعفت علاقة المنظمة برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي وبزعيم الدروز وليد جنبلاط.
عُلم تأثير استراتيجي للصراع الذي نشأ في سوريا بين نظام الاسد وقوى المعارضة، في حماس وفي حزب الله ايضا. فقد كانت سوريا حليفة تقليدية مهمة للمنظمتين. ودعمت سوريا على الدوام حماس واستضافت فيها مقر القيادة السياسية للمنظمة. وكانت طوال سنين الحلقة التي تربط ايران بلبنان ومكّنت من نقل السلاح والدعم اللوجستي من طهران الى حزب الله. وكانت عائلة الاسد نفسها مؤيدة سياسية مهمة لحزب الله وفي خلال العقود الطويلة التي كان فيها لبنان دولة تحميها سوريا، دافعت دمشق عن المنظمة الشيعية اللبنانية وعن سلاحها، بيد ان حزب الله وحماس ردا على الازمة في سوريا بصورة مختلفة تماما.
تمتعت حماس بصلة سياسية قوية بالأسد، وبعلاقات دينية وطائفية بالأكثرية السنية المحتجة على النظام العلوي الحاكم ولذلك فان التأييد الذي لا هوادة فيه للنظام السوري – كما فعل حزب الله أو ايران – غير ممكن من جهة حماس. وكان هذا هو سبب التحفظ الاول الذي أظهره قادة حماس من التنديد بنظام الاسد وتأييد المظاهرات عليه – كما فعلت مصر وتونس مع نشوب الأحداث فورا – وجهودهم للحفاظ على مشاركة في الحد الأدنى في الازمة في سوريا.
ومع ذلك كلما ازدادت الازمة حدة بدأت سياسة عدم تدخل حماس تتغير، فبردت العلاقات بإيران وبنظام الاسد لأن حماس لم تعبر عن تأييد معلن للنظام السوري، ومع ازدياد الازمة حدة بدأت حماس بالتدريج تبتعد عن دمشق، كان ذلك أولا بتقليل وجودها في سوريا وبعد ذلك بنقل هادئ لمكتبها السياسي من دمشق. وكان قطع العلاقات بين سوريا وحماس من أهم تأثيرات الربيع العربي بالنسبة للمنظمة الفلسطينية. وهذا الاجراء بالنسبة اليها هو نافذة الفرص لتُحدد من جديد منظومة أحلافها الاقليمية وتبتعد عن "محور المقاومة"، مع الاقتراب من مصر ودول الخليج، وهذا وضع سيزيد معه تأثير هذه الدول في حماس وسياستها ويتوقع ان يشجع الجانب البراغماتي للمنظمة.
لا يستطيع حزب الله بخلاف حماس ان يسمح لنفسه بالانفصال عن الاسد فتعلقه اللوجستي بسوريا والصلات العقائدية واللوجستية بايران مصدر قوة حيوي للمنظمة في الطائفة الشيعية وفي لبنان كله لذلك. ويبدو انه لا يوجد لحزب الله في واقع الامر مؤيد فعال في المنطقة سوى سوريا وايران. وعلاقاته بقوى المعارضة السورية ايضا عدائية جدا ومن المحتمل ان تختار هذه المجموعات ادارة ظهرها لحزب الله حينما يُنحى الاسد وتتولى الحكم. ولهذا فان الأحداث في سوريا وتهديد نظام الاسد أقامت حزب الله في موقف حساس جدا. إن سقوط النظام السوري سيحدث زعزعة سياسية شديدة في لبنان ويمنح معارضة حزب الله قوة وتأثيرا – بدعم من العربية السعودية.
فاذا كان الامر كذلك، وبالرغم ان حماس وحزب الله تأثرتا بالربيع العربي، فانه يبدو ان مكانة حماس بإزاء الزعزعة الاقليمية أصلب من مكانة حزب الله وذلك لأن حماس برهنت على قدرة تكيف مع المحيط المتغير وذلك بالرغم من عقبات راكمت صعوبة ترجمة الاستعداد المعلن للمصالحة مع السلطة الفلسطينية الى تغيير حقيقي في الساحة السياسية الفلسطينية، وفي مقابل ذلك فان حزب الله – ذا الصلات الاستراتيجية العميقة بسوريا وبايران – كان ابطأ في رده على التغييرات في المنطقة وأثبت تمسكا بمواقفه التقليدية.
آثار استراتيجية بالنسبة لإسرائيل
بالرغم ان حماس وحزب الله جرت عليهم تطورات تنظيمية مختلفة – حينما نشأت حماس من حركة اجتماعية كبيرة وتشكل حزب الله في البدء بصفة منظمة ذات هدف عسكري فقط – وصلت المنظمتان على مر السنين الى وضعين متشابهين حينما أصبحتا منظمتين مؤلفتين من جيش ومجتمع وسياسة. وكذلك أصبحت المنظمتان على مر الزمن جسمين يشبهان دولة. وما زال كلاهما تحديا كبيرا لإسرائيل لكونهما ذوي قدرة على تهييج مواجهة عسكرية. ومن جهة سياسية توجد لهما أهمية متشابهة، حينما تُملي سياستهما المتعلقة بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني وتحدد موقف المجتمع الذي تعمل كل واحدة منهما فيه.
نجحت حماس وحزب الله بإزاء التغيير السياسي والاجتماعي الذي حدث في الشرق الاوسط إثر أحداث الربيع العربي ايضا في الحفاظ على قوتهما ومكانتيهما بقدر كبير. فلا توجد زعزعة حقيقية لسلطة حماس في غزة ومحاولات متحدثين من صفوف فتح تشجيع ربيع عربي فلسطيني في قطاع غزة لم تكن تحديا جوهريا للمنظمة. أما حزب الله فهو جزء من الأكثرية النيابية في لبنان منذ كانون الثاني 2011، ونجحت الحكومة اللبنانية برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي (الى الآن) في التغلب على الزعزعة التي سببتها الثورات في المنطقة. إن عدم الاستقرار في المنطقة والحرب في سوريا في الأساس تحديا هاتين المنظمتين في المستوى الايديولوجي والسياسي والاستراتيجي. وتشهد استراتيجيتا المواجهة المختلفتان اللتان استعملتهما حماس وحزب الله لتلائما أنفسهما وتأثيرات الزعزعة الاقليمية بأنه تجري عليهما في هذه الايام عمليات تنظيمية مختلفة جدا وعلى ذلك ينبغي ان نتبنى توجها مختلفا نحو كل واحدة منهما.
أما فيما يتعلق بحماس فقد أظهرت المنظمة قدرا أكبر من البراغماتية والقدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة. ولا شك في ان استعدادها لتغيير الأحلاف ليس علامة على المرونة الاستراتيجية والايديولوجية فقط بل هو ايضا نتاج كونها ممثلة لمجموعة دينية – قومية لا طائفية، وهو نتاج امكان ان تخسر أقل بكثير من خسارة حزب الله من الانفصال عن محور ايران – سوريا. هذا الى ان حماس قد تخرج في المستقبل رابحة من بعض التغييرات التي أحدثها الربيع العربي ومنها تولي الاخوان المسلمين الحكم في مصر. وكلما مر الوقت أصبحت عزلة حماس الاقليمية تبدو سياسة أقل واقعية وهذا التطور يوميء الى اسرائيل أنه ينبغي ان تفحص من جديد عن سياستها نحو حماس وان تغيرها. وعلى نحو محدد – في موازاة استعمال ضغط على حماس لوقف زيادة قوتها ونشاطها العسكري، يجب على اسرائيل ان تزن انشاء اتصالات مباشرة بحماس وان تخطو خطوات لتخفيف القيود الاقتصادية المفروضة على القطاع وان تمتنع عن افشال محاولات المصالحة الفلسطينية الداخلية (التي لا شك في أنها تتم برضى فتح وحماس أنفسهما). وهذه الاعمال قد تخفف التوتر بين اسرائيل وحماس في ساحة غزة واذا حدث شق طريق نحو تنسيق مؤسسي بين فتح وحماس فينبغي ان تُحسن جدا ايضا احتمالات ان تؤسس في الساحة الفلسطينية شبكة تؤدي عملها تتمتع بشرعية وطنية.
لكن تقديرا مختلفا يفترض ان يوجه السياسة نحو حزب الله، فقد أظهرت هذه المنظمة قدرة على التكيف أدنى من القدرة التي برهنت عليها حماس وضعف موقفها. إن سقوط نظام الاسد سيوجه ضربة شديدة الى المنظمة الشيعية اللبنانية وإن لم تكن قاتلة بالضرورة. ويجب على اسرائيل ان تُظهر حساسية بهذا الوضع الاشكالي وان تمتنع عن نشاط معادٍ مبادر اليه موجه على المنظمة لأن هذه الخطوة قد تعكس اتجاه الازمة الداخلية التي تهدد مكانة حزب الله وتوحد السكان اللبنانيين من وراء "حزب الله".
يجب على اسرائيل في ضوء المواقف الاستراتيجية المختلفة لحماس وحزب الله ان تتوقع ايضا سلوكا مختلفا منهما ردا على هجوم اسرائيلي على ايران. فيمكن ان نتوقع ان تُبدي حماس حذرا وان تبقى في هامش المواجهة العسكرية كي تمنع خطر رد اسرائيلي مضاد يُعرض الانجازات التي جمعتها الى الآن للخطر بصورة حتمية. ويبدو هذا التقدير منطقيا ولا سيما في ضوء وقوف حماس بعيدة عن "محور سوريا – ايران" واقترابها من مصر ودول الخليج. ويتوقع من حزب الله في المقابل ان يتدخل اذا حدثت مواجهة عسكرية مع ايران، وإن لم نرَ التدخل العسكري المباشر والتام من المنظمة ردا مفهوما من تلقاء ذاته في هذه الحال اذا أخذنا في الحسبان محدودية قوته الحالية في الساحة اللبنانية والساحة الاقليمية.
مع ذلك وبإزاء الرؤية المعادية لإسرائيل المعلنة من حماس وحزب الله، لا يوجد الى الآن خيار أفضل لإسرائيل من ان تتبنى احتواء موزونا حذرا للوضع وان تُصعب بذلك على المنظمتين ان تُمليا عليها قواعد اللعب وان تبادرا الى جولات مكررة من العنف كلما كان هذا التطور مرغوبا لهما أو عن رغبة في تعزيز مكانتيهما في محيطيهما الداخليين.
|
Sunday, April 21, 2013
Thursday, February 7, 2013
الرسالة التي يحملها هيغل عن إيران
واشنطن بوست
17 كانون الثاني/يناير 2013
فلنقل إن تشاك هيغل ربما يكون وزير دفاع مثالياً. لا تغير هذه الاحتمالية حقيقة أن ترشيح أوباما له لهذا المنصب يثير بالتأكيد شكوكاً بين الأنصار والخصوم على حد سواء؛ بأن أوباما قد لا يلتزم باللجوء إلى جميع الوسائل اللازمة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، كما تعهد خلال حملته الانتخابية الثانية. إذا لم يتخذ البيت الأبيض خطوات لتصحيح هذا الانطباع قريباً، فستقترب احتمالات القرار الذي يتم التفاوض عليه بشأن الأزمة الإيرانية من الصفر، وسيزداد احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية ضد إيران. ويأتي ترشيح هيغل في لحظة حرجة. ويعتقد بعض الخبراء أن إيران قد تراكم مخزوناً من اليورانيوم المخصب يكفي لمنحها قدرة نووية تسمح لها بإنتاج سلاح نووي سريعاً وقتما تشاء. على الجانب الآخر هناك مؤشرات تدل على نجاح استراتيجية إدارة أوباما المتمثلة في فرض عقوبات دولية صارمة مع التهديد باستخدام القوة في إجبار إيران على التوصل إلى اتفاق يحول دون حدوث مواجهة.
ويتطلب إحراز النجاح في المفاوضات النووية من الإدارة الالتزام الكامل بتنفيذ عقوبات يتزايد تأثيرها، وتهديد جاد باستخدام القوة العسكرية وبديل دبلوماسي معقول. قد لا يكفي هذا التوجه، فربما تتجه إيران إلى تصنيع سلاح نووي. ومع ذلك يجب أن يقوم أي اتفاق على مقعد ذي 3 أرجل تجسدها هذه الأمور الثلاثة. وإذا أهملت الإدارة أياً من هذه الأرجل الـ 3، سينهار المقعد، وفي كل الأحوال إما ستلجأ واشنطن إلى استخدام القوة العسكرية لتقويض برنامج إيران النووي أو عرقلته، أو أن يزداد احتمال اتخاذ إسرائيل خطوة من جانب واحد.
وحتى داعمو ترشيح هيغل عليهم الاعتراف بأنه من المستحيل الحصول على أي دليل في سيرته المهنية يؤكد فكرة «الردع» التي تدعم الاستراتيجية تجاه إيران. ويعني هذا المفهوم، الذي تبناه أوباما علناً، أن على الولايات المتحدة منع إيران، ليس من استخدام القنبلة النووية، بل من امتلاكها بالأساس، ومنع طهران بطريقة سلمية إن أمكن أو بطريقة عسكرية إن دعت الحاجة إلى ذلك.
وفي الوقت الذي رفض فيه هيغل بالتحديد الردع، انتقد الخطوط الأساسية للسياسة. وقد عبّر عن تشككه في ضرورة أن تهدد الولايات المتحدة إيران عسكرياً، وأشار إلى أن استعراض العضلات الذي تمارسه الولايات المتحدة في الخليج العربي يزيد من احتمال التوصل إلى تسوية مع إيران، وانتقد اللجوء إلى الخيار العسكري من أجل عرقلة أو تقويض البرنامج النووي الإيراني.
وفي هذا السياق، غطت المعركة التي تلوح في الأفق حول التصديق على قرار تعيين هيغل، على العواقب الاستراتيجية للترشيح. إن اختيار أوباما مرشحاً لوزارة الدفاع تختلف سيرته المهنية عنه كثيرا فيما يتعلق بهذا الموضوع الحرج يوضح الكثير عن الرئيس، أكثر مما يوضح عن المرشح. وبعيدا عن الجدال الأمريكي الداخلي حول مدى استحقاق هيغل لهذا المنصب، سيكون لدى قادة الدول الأجنبية أسئلة جادة بشأن مصداقية التزام الرئيس بردع إيران. ومن غير المرجح أن يتحدث أحد صراحة عن الأمر، بل سيغيرون توقعاتهم فقط بحسب الموقف. إنه أمر غير ذي بال كما يقول مؤيدو هيغل، حيث سيوضح هيغل كل الأمور خلال جلسات التصديق على قرار تعيينه. ومن المتوقع أن يدعم هيغل سياسة الردع بحماسة وجدية. وسوف يؤكد على حقيقة أن الرئيس في النهاية، لا وزير الدفاع، هو الذي يرسم السياسات، لكن كل ذلك إغفال للفكرة الرئيسية. وسوف يكون غرض الجلسات هو البحث في مدى استحقاق هيغل للمنصب لا اختيار التزام أوباما. ولم يهتم قادة الدول الأجنبية كثيراً بما إذا كانت الإدارة الأمريكية تحاول حل المشكلة بمجموعة من المسؤولين رفيعي المستوى الذين يحاولون الموازنة بين ترشيح هيغل وزيادة التأكيد على التزام الرئيس بالردع.
بالنسبة إلى العالم، عبّر أوباما صراحة عن اختياره لمرشح لم يؤمن يوماً بفكرة ضرورة منع إيران بأي ثمن من امتلاك سلاح نووي، وسيتطلب تغيير هذا الانطباع السلبي أفعالاً لا أقوالاً فحسب. كيف نعالج المشكلة إذا كان أوباما بالفعل ملتزماً بسياسة الردع؟
أولاً، البدء في التخطيط المستقبلي مع حلف شمال الأطلسي والحلفاء الآخرين حول كيفية استمرار الضغط الدولي على إيران بعد ضربات عسكرية، من أجل تقويض برنامجها النووي. وسوف يبعث هذا التخطيط المستقبلي رسالة مفادها أن الإدارة جادة في اللجوء إلى استخدام القوة.
ثانياً، دعوة مجموعة من الصحافيين لمشاهدة عرض لقنبلة ضخمة تقليدية مصممة لغرض واحد؛ تدمير المنشآت النووية الإيرانية في قرية فوردو التي تقع داخل جبل.
ثالثاً، تنظيم وتنفيذ تدريبات على مستوى عال في الخليج هدفها حماية الأصول الأساسية من أي ضربة انتقامية إيرانية. وسوف تركز هذه التدريبات على الدفاع عن مضيق هرمز وحماية البنية التحتية الأساسية.
رابعاً، توصيل مساعدات عسكرية بأسرع ما يمكن إلى المعارضة السورية، وهو ما من شأنه أن يدلل على رغبة الإدارة في الصراع مع إيران على عدة جبهات.
خامساً، ينبغي على أوباما التفكير في السفر إلى تل أبيب والرياض وأبوظبي لإطلاع الشركاء الإقليميين وشعوبهم على الخطط الأمريكية الرامية إلى منع إيران من امتلاك قنبلة.
المثير للمفارقة هو أن ترشيح هيغل زاد احتمال الدخول في صراع مع إيران، من خلال إثارة الشكوك حول مدى التزام واشنطن بسياسة الإدارة المعلنة. ويساعد تبني هذه الأفكار في استرجاع فرصة التوصل إلى حل سلمي.
روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي لمعهد واشنطن.
* نقلاً عن «موقع الشرق الأوسط»
سقوط الأسد واستقرار العراق
30 كانون الثاني/يناير 2013
"هذا المرصد السياسي هو جزء من من سلسلة من المقالات بعنوان "عدوى انتقال العنف السوري: وجهات نظر من الدول المجاورة"، حول الكيفية التي يؤثر فيها الصراع على تركيا والعراق وإسرائيل والأردن ولبنان."
العراق بلد يعاني من أوضاع هشة بعد مرحلة من الصراعات الدامية ولا غرو والحال هكذا ألا يستطيع هذا البلد تحمل الفوضى العارمة الحاصلة في سوريا المجاورة. وإذا انهار نظام الرئيس بشار الأسد، قد تصبح أجزاء شاسعة من مناطق شمال- وسط وغرب العراق غير مستقرة جداً، حيث ستشرع الفصائل المحلية في خوض حرب أهلية فعلية ضد القوات الاتحادية، سواء بشكل مؤقت أو غير محدد. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الحفاظ على وحدة العراق واستقراره سيمثل اختباراً هاماً لمهارتها الدبلوماسية في لحظة يتركز فيها الانتباه بشكل يمكن فهمه على سوريا نفسها. لكن بإمكان هذه الأزمة أن تفتح أيضاً نافذة أمل لإعادة تعزيز التأثير على بغداد.
الديناميات الطائفية
ينظر السنة والشيعة العراقيون إلى الصراع السوري بشكل بالغ التباين والاختلاف؛ إذ يراه غالبية السكان الشيعة تطوراً سلبياً ومخيفاً. فإدارة رئيس الوزراء نوري المالكي هي الحكومة العربية الأولى في العصر الحديث التي يقودها الشيعة، وهم يرون أن الدول السنية الكبرى مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وتركيا لن تتقبل هذا الوضع الحالي على المدى الطويل. وعلى نحو يعكس إحساسهم التاريخي بتعرضهم للظلم، يرى الشيعة العراقيون الذين هيمنوا على البلاد مؤخراً أن الأزمة السورية هي بداية لرد فعل سني انتقامي، وهم يخشون أن تكون قبضتهم على بغداد هي قطعة الدومينو التالية التي تسقط.
وهذه العوامل، جنباً إلى جنب مع استمرار النفوذ الإيراني، دفعت المالكي إلى السعي لإنهاء الصراع السوري عن طريق التفاوض. كما أنه سمح بتدفق المساعدات التي تقدمها طهران إلى الأسد عن طريق العراق، بل إنه غض الطرف عن نقل الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران (على سبيل المثال، "عصائب أهل الحق" ) إلى سوريا لدعم القوة القتالية للنظام.
وفي الوقت نفسه، ينظر مجتمع الأقلية العربية السنية في العراق إلى الأزمة في البلد المجاور من منظور مختلف تماماً. فالسياسيون السنة والجماعات المتشددة يصورون حكومة المالكي منذ فترة طويلة على أنها دُمية في يد إيران عازمة على إقصائهم من جميع مؤسسات الدولة. وبعد سنوات عديدة من الانتكاسات المستمرة، يرى بعض السنة أن الانتفاضة السورية ورد المنطقة عليها بمثابة ضوء في نهاية النفق المظلم -- فهي تعد الإشارة الأولى على أن الدول السنية تصعّد إجراءاتها للحد من نفوذ إيران.
وقد أسهمت تلك التوجهات على الأرجح في اكتساب احتجاجات السنة الأخيرة زخماً عبر مناطق شمال- وسط وغرب العراق، التي لوحظت خلالها أعلام "الجيش السوري الحر" في مناسبات عديدة. إن حرب سوريا كانت بمثابة نافذة أمل بأن يصبح بوسع المحافظات ذات الأغلبية السنية في العراق (على سبيل المثال، الأنبار، نينوى، صلاح الدين) التوحد معاً يوماً ما رسمياً أو غير رسمياً في ظل دعم دولة قوية يحكمها السنة. كما تشجعت بعض الفصائل جراء الموقف القوي المؤيد للسنة من جانب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حيث لوحظت صوره في احتجاجات السنة مؤخراً.
وهذه التوجهات الطائفية المتباعدة سوف تقود العراق إلى لحظة الذروة إذا انهار نظام الأسد وعندما يحدث ذلك. وفي هذا السيناريو، سوف يشعر المالكي ودوائره الشيعية بالضغط والقلق اللذان لا مثيل لهما، فيما قد يشعر السنة بلحظات عابرة من النصر والاتحاد والقوة وقد يكونوا معرضين للخطأ في الحسابات. ومن ثم فإن احتمالات وجود قمع اتحادي وحشي قد تكون مرتفعة.
لكن تلك اللحظة التي تنطوي على مخاطر كامنة تنطوي كذلك على احتمالات لتعزيز النفوذ الأمريكي. ويُرجح أن يؤدي سقوط الأسد إلى فضح لغز الصعود الإقليمي المفترض لإيران، مما يوفر فرصة سانحة -- وإن كانت محفوفة بالمخاطر -- للضغط على رئيس وزراء العراق التائه.
البعد الكردي
ثمة عامل آخر يُحتمل أن يزعزع استقرار العراق هو العلاقة المتنامية بين الأكراد السنة و"حكومة إقليم كردستان" في شمال العراق. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2011، نجح رئيس "حكومة إقليم كردستان" مسعود بارزاني في جمع عدد من الجماعات الكردية السورية لتشكيل "المجلس الوطني الكردستاني". وقد قام الحزب المعارض الرئيسي -- "حزب الاتحاد الديمقراطي" المناهض لتركيا -- بمعارضة نفوذ بارزاني بقوة. ولا أحد يعرف إلى أي مدى يمكن أن يتعايش "المجلس الوطني الكردستاني" مع "حزب الاتحاد الديمقراطي" في الأجزاء التي يسيطر عليها الأكراد من سوريا، كما لا يعرف أحد كيف سيتفاعلان مع المعارضة التي يقودها العرب السنة في المرحلة اللاحقة. كما أن التوترات العرقية في سوريا ما بعد الأسد قد تعمل على تعقيد الوئام الناشئ بين تركيا و"حكومة إقليم كردستان"، على الرغم من أنه يغلب على الظن أن يضع البارزانيين احتياجات "حكومة إقليم كردستان" فوق أية مخاوف أخرى تشمل عموم الأكراد.
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه القضايا أن تفاقم من التوترات الجارية بين بغداد و"حكومة إقليم كردستان". ففي تموز/يوليو 2012، اكتشفت الحكومة المركزية حدود سيطرتها عندما رفضت العناصر الكردية في اللواء 11 في الجيش العراقي الانتقال إلى الأجزاء الخاضعة لسيطرة "حكومة إقليم كردستان" على الحدود بين العراق وسوريا. ورغم أن نشر بغداد لوحدات عربية جنوبية إلى المنطقة لم ينجح في النهاية في منع وصول "حكومة إقليم كردستان" إلى سوريا، إلا أن المالكي قد يحاول القيام بذلك مجدداً.
وسواء سقط الأسد أم لا، وبغض النظر عن الاتجاه الذي يذهب إليه الأكراد السوريون (نحو دمشق، أو بارزاني، أو حتى تركيا)، فإن الحدود الخاضعة لإدارة "حكومة إقليم كردستان" مع سوريا سوف تظل منطقة جوهرية. وبالنسبة للأكراد العراقيين، فإن سوريا ما بعد الأسد قد يتعزز معها الاحتمال بعيد المنال المتمثل في إتاحة طريق آخر إلى البحر -- كوسيلة وسطى لتنويع مسارات تصدير النفط والغاز لـ "حكومة إقليم كردستان". وبطبيعة الحال، سوف يتطلب ذلك علاقة مُرضية مع الأكراد السوريين والحكومة التابعة في دمشق؛ وإلا قد ينتهي الأمر بقيام "حكومة إقليم كردستان" باستنساخ العلاقة المعقدة مع بغداد.
الآثار المترتبة على سياسة الولايات المتحدة
نظراً لأن الإطاحة بالأسد قد تحفز المحافظات العربية السنية في العراق على الدخول في تمرد علني ضد بغداد، يجب على القادة والدبلوماسيين الأمريكيين الاستعداد لتركيز جهودهم على الحكومة العراقية والمعارضة. إن الإعداد المسبق يعتبر ضرورياً لضمان الإدارة الفعالة للأزمة في العراق في وقت يتركز فيه جل الاهتمام على الأحداث الحاصلة في سوريا. كما ستحتاج واشنطن إلى تعزيز الإحساس بالهدوء والتطلع للمستقبل لدى جميع الفاعلين، واضعة بذلك حداً للخوف والمؤامرات اللتي غالباً ما تترعرع في مثل تلك اللحظات في العراق.
ويستطيع الدبلوماسيون الأمريكيون أيضاً استغلال رحيل الأسد لاستعادة النفوذ على المالكي، رغم مخاطر تفاقم الأوضاع المتفجرة بالفعل. وبالإضافة إلى تزويده بقائمة مفصلة من التوصيات، تستطيع واشنطن أن تؤكد على طبيعة التحول في اللحظة الراهنة، بإخباره أن العراق يستطيع توحيد مستقبله مع مستقبل الولايات المتحدة والعالم العربي الأوسع نطاقاً، أو الانجراف إلى نادي الوكلاء الإيرانيين المعزولين الآخذ في التضاؤل والتراجع. ويمكن ربط ذلك التحذير بمؤشرات تدرسها الإدارة الأمريكية بجدية وتراها تمثل "الخطة ب" -- ونقصد بذلك التحول باتجاه محور "حكومة إقليم كردستان" وتركيا وبعيداً عن بغداد. إن التأثير المحتمل لهذه الرسالة لن يُعظِّمه سوى تردد واشنطن السابق عن التعامل بحسم وغلظة مع المالكي. ورغم أن تلك الاستراتيجية يمكن أن تدفع المالكي نحو طهران، إلا أنه قد يصعب عليه تجاهل الأدلة الواضحة على عجز إيران عن إنقاذ الأسد.
مايكل نايتس هو زميل ليفر في معهد واشنطن ومقره في بوسطن
الحرب في سوريا تؤثر على تركيا بطرق غير متوقعة
29 كانون الثاني/يناير 2013
"هذا المرصد السياسي هو الأول في سلسلة من المقالات حول تداعيات الصراع السوري؛ وسوف تركز المقالات اللاحقة على الدول الأخرى المجاورة لسوريا."
في 21 كانون الثاني/يناير، قام أعضاء من "اتحاد الشباب التركي"، وهو جماعة قومية يسارية متطرفة، بمهاجمة طواقم ألمانية لصواريخ باتريوت تم إرسالها للمساعدة في الدفاع عن تركيا ضد التهديدات السورية. وقد كان ذلك الحادث بمثابة رسالة تذكير حول السبل غير المتوقعة التي يمكن أن تؤثر بها الحرب السورية على استقرار تركيا. وقد أصبحت أنقرة لاعباً مباشراً في الصراع من خلال دعمها للجماعات المسلحة وغير المسلحة التي تقاتل نظام بشار الأسد. ورغم ذلك فإن تركيا متورطة أيضاً في الحرب من منظور الاستراتيجية الأوسع نطاقاً، من خلال تأثرها بعدوى انتقال العنف على الحدود مع سوريا البالغ طولها 510 كيلومتر. يجب على واشنطن أن تراقب عن كثب آثارعدوى الانتقال هذه، لأنها تشكل خطر إجهاد الاقتصاد التركي، حيث أنها تحمل في طياتها إزكاء نار الانقسامات الطائفية والسياسية في تركيا وإضعاف استقرارالبلاد الكلي.
تكاليف دعم اللاجئين السوريين
يجري حالياً إيواء 163,000 سوري في ثلاثة عشر مخيم للاجئين واثنين من مراكز الاستقبال المؤقتة في تركيا. وتوفر لهم أنقرة أماكن للإقامة على المدى الطويل والرعاية الصحية وفرص التعليم؛ ووفقاً لنائب رئيس الوزراء علي باباجان، إن هذه المساعدة تكلف تركيا حوالي 40 مليون دولار شهرياً.
ورداً على تدفق اللاجئين، أنشأت أنقرة "نظام حماية مؤقت" استناداً إلى توجيه من الاتحاد الأوروبي بشأن التشريد الجماعي. ويتطلب هذا التوجيه التزام تركيا بضمان حقوق الإقامة المؤقتة والحصول على الخدمات الأساسية، لكنه لا يسمح للوافدين السوريين بالوصول إلى نظام اللجوء الذي يوفره "مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، كما أنه لا يشمل حق العمل. وبناء على ذلك، توفر أنقرة اللجوء المؤقت لأي شخص يعبر الحدود دون جواز سفر، ولكن على هؤلاء الأشخاص أن يوافقوا على الإقامة في مخيم للاجئين. وقد ذكرت التقارير أن العديد من السوريين نجحوا في التغلب على هذا الشرط بعبورهم الحدود بطريقة غير مشروعة، بينما دخل البعض الآخر بجواز سفر لكنهم تجاوزوا المدة المتاحة لإقامتهم التي أمدها ثلاثة أشهر. (وإجمالاً، يقدر بأن [حوالي]70,000 سوري قد استخدموا وثائق سفر لدخول تركيا).
كما أن هناك آلاف اللاجئين لا يزالون عالقين على الجانب السوري من الحدود، في معسكرات مثل "أتيما" قرب معبر جيلفيغوزو التركي. وعلى الرغم من جهود منظمات الإغاثة التركية من القطاعين العام والخاص والتبرعات من الخارج، إلا انهم يعيشون في ظروف مزرية. إن تكدس اللاجئين يشير إلى أن حتى قدرة أنقرة الهائلة قد طالها الإنهاك جراء عمليات تخليص الإجراءات والمراقبة وتوفير الإعانات لمثل تلك الأعداد الغفيرة من اللاجئين الفارين من العنف.
انتقال عدوى الطائفية
نظراً للعلاقات الديموغرافية العميقة بين جنوب تركيا وشمال سوريا، تخشى أنقرة أيضاً من أن يؤدي العنف الطائفي في البلد المجاور إلى تصدعات موازية على الجبهة الداخلية. فتركيا هي موطن لأكثر من نصف مليون من العلويين العرب، الذين يدينون بنفس ديانة الأسد، ومعظمهم يعيشون في أقصى جنوب إقليم هاتاي (يلقبون أحياناً بـ "النصيريين"، ويختلفون عن العلويين الأتراك -- وهو مجتمع لا يرتبط بصلة قرابة مع العلويين في سوريا) . ويؤيد بعض العلويين الأتراك بشار الأسد دون خجل، حيث ذكرت التقارير في جنوب البلاد أن المتظاهرين يحملون صوره ويهتفون ضد أنقرة وسياسة واشنطن تجاه سوريا.
وبصورة أكثر شيوعاً يُقر العلويون في تركيا بضرورة رحيل الأسد لكن ينتابهم القلق حول مدى تأثير انهيار النظام على سلامتهم. هناك تخوف عام تقريباً من قيام المقاتلين السنة العائدين إلى تركيا من حربهم مع الأسد بتوجيه غضبهم نحو العلويين. وبالفعل، اتخذت أنقرة بعض التدابير لمنع هذه الأنواع من الاحتدامات الطائفية، مثل نقل بعض اللاجئين العرب السنة إلى مخيمات في داخل تركيا، بعيداً عن محافظة هاتاي المختلطة للسنة والعلويين. إلا أن المشكلة تستحق المراقبة لأن سقوط الأسد قد يغير من طبيعتها ونطاقها.
حشد اليسار المتطرف
احتشدت الجماعات اليسارية الراديكالية وغيرها من الجماعات المتطرفة في تركيا ضد تعاون أنقرة مع حلف شمال الأطلسي وواشنطن خلال الأزمة السورية. ولا يزال المشهد السياسي في البلاد يحمل آثار عنف الحركات اليسارية من سبعينيات القرن الماضي، فضلاً عن التعصب القومي العميق المناهض للولايات المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، عمدت تلك الحركات إلى الخروج في مسيرات تعارض نشر صواريخ باتريوت في جنوب تركيا، ووقفت وراء الهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على طواقم الباتريوت حيث وصلت إلى ميناء الأسكندرونة في هاتاي، وأطلقت قنابل الدخان على جنود حلف شمال الأطلسي وحرقت الأعلام الأمريكية.
وعلى الرغم من أن أن تلك الجماعات تمثل تياراً سياسياً هامشياً، إلا أن تأثيرها قد يفوق حجمها. وقد أفردت وسائل الإعلام الإيرانية والروسية مساحات لتغطية تلك الأحداث على نطاق واسع من أجل تعزيز وجهات النظر المعارضة لحلف الأطلسي وزيادة تكاليف أنقرة السياسية على دعمها المعارضة السورية. وقد تؤدي هذه الرواية إلى وقوع المزيد من الاضطرابات في تركيا، مما يُعظم التصورات بعدم الاستقرار.
التأثير الأقتصادي
لقد كان التكامل الاقتصادي لجنوب تركيا مع العراق وسوريا أحد نجاحات أنقرة الكبرى في العقد الماضي. ورغم أن حجم التجارة الكلي للمنطقة كان طفيفاً بالمقارنة مع الحجم التجاري الكلي لتركيا، إلا أنه كان عاملاً هاماً في التنمية الاقتصادية لجزء من البلاد عانى من الفقر لفترات طويلة.
وقد أدى الصراع في سوريا إلى عكس هذا الاتجاه بشكل كبير. فمع تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود الجنوبية أغلقت أنقرة الحدود مع سوريا أمام حركة المرور التجارية. وفي الوقت نفسه، منعت بغداد بين الحين والآخر التجارة مع تركيا للاحتجاج على تقارب أنقرة مع أكراد العراق. وكل ذلك كان يعني وقف تجارة كانت مزدهرة بين جنوب تركيا وشمال الهلال الخصيب. على سبيل المثال، في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، تراجعت صادرات هاتاي إلى سوريا إلى أقل من من نصف مستواها من عام 2010، كما حدثت تراجعات مماثلة في في كل محافظة جنوبية (انظر إلى الرسم البياني).
استعادة نشاط "حزب العمال الكردستاني"
يُعد تجدد عنف "حزب العمال الكردستاني" التبِعة الأكثر حدة الناجمة عن تأثر تركيا بالحرب السورية. فعقب القطيعة بين أنقرة والأسد في خريف 2011، تخلت دمشق عن التزامها من عام 1998 بمنع "حزب العمال الكردستاني" من مزاولة عمله على أراضيها. وآنذاك كما هو الحال الآن، كانت هناك مكاسب هائلة يمكن أن يحققها الأسد من تعزيز التصور بأن استمرار حكمه كان عاملاً جوهرياً في الحد من قدرة "حزب العمال الكردستاني" على العمل في شمال سوريا.
لقد ازداد "حزب العمال الكردستاني" جرأة نتيجة هذا الدعم اللوجستي والمادي الجديد من سوريا (ومن إيران راعية الأسد)، ومن ثم شرع في شن حملة عنف جديدة في أواخر عام 2011 (انظر إلى الرسم البياني أدناه). وفي عام 2012، أعلن أحد زعماء الحزب مراد كارايلان أن الجماعة تتحول من استراتيجية حرب عصابات إلى أخرى تتمثل بالاستيلاء على الأراضي في معارك ضارية. وسرعان ما تصاعد القتال وأصبح أكثر حدة مما شوهد منذ عام 1999، عندما اعتقلت تركيا زعيم "حزب العمال الكردستاني" عبد الله أوجلان. وفي إحدى الهجمات التي وقعت في أواخر العام الماضي، على سبيل المثال، دمرت الجماعة الجسر الوحيد المؤدي إلى البلدة الصغيرة بيتوسيباب في جنوب شرق البلاد، ثم قطعت عنها الكهرباء وداهمت مقر حاكم المنطقة أثناء الظلام.
لقد أيقظت محادثات السلام الأخيرة بين أنقرة وأوجلان الآمال بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. غير أن الارتباط بين مقاتلي "حزب العمال الكردستاني" في ميدان المعركة والمصالح السورية- الإيرانية ربما يكون أخطر عقبة أمام نزع فتيل العنف.
الخاتمة
ينبغي أن تعمل واشنطن بشكل وثيق مع أنقرة لمراقبة الطرق العديدة التي ينتقل بها الصراع السوري إلى تركيا. ويشمل ذلك توفير التعاون الوثيق في مجال الاستخبارات ضد "حزب العمال الكردستاني" وحشد الحكومات الأوروبية لتقديم المزيد من المساعدات أيضاً. يجب على واشنطن أن تنظر أيضاً في إحياء التعاون الاستخباراتي التركي- الإسرائيلي الناجح ضد المجموعة الإرهابية، الذي توقف في أعقاب حادث أسطول غزة عام 2010. ويمكن أن يكون ذلك بمثابة مقدمة لتطبيع العلاقات الثنائية في أعقاب الانتخابات الإسرائيلية. وأخيراً وليس آخراً، يجب على واشنطن أن تولي اهتماماً خاصاً بصعود جماعات يسارية متطرفة وقومية في المجتمع التركي والعمل مع أنقرة لمنع أعمال العنف ضد عمليات انتشار حلف شمال الأطلسي في الحاضر والمستقبل.
سونر چاغاپتاي هو زميل "باير فاميلي" ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن. وتشمل مؤلفاته الكتاب الذي سيصدر قريباً "صعود تركيا: أول قوة إسلامية في القرن الواحد والعشرين".
إسرائيل تستعد لحالة عدم الاستقرار مع تدهور الأوضاع في سوريا
31 كانون الثاني/يناير 2013
"هذا المرصد السياسي هو جزء من من سلسلة من المقالات بعنوان "عدوى انتقال العنف السوري: وجهات نظر من الدول المجاورة"، حول الكيفية التي يؤثر فيها الصراع على تركيا والعراق وإسرائيل والأردن ولبنان."
كانت إسرائيل الأقل تأثراً بالعاصفة الهوجاء في سوريا الواقعة إلى الشمال منها وذلك بالمقارنة مع الدول المجاورة الأخرى. ويمكن رؤية القتال بين النظام وقوى المعارضة من مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل، ولكن الحدود نفسها هادئة، وكانت الأحداث القليلة التي شملت إطلاق النار باتجاه إسرائيل في أواخر عام 2012 غير مقصودة على الأرجح. ورغم ذلك فإن إسرائيل غير راضية عن الأوضاع -- ويأتي هجومها الجوي بالقرب من دمشق، الذي أوردته التقارير في الثلاثين من كانون الثاني/يناير، ليؤكد مخاوفها بشأن انفجار الأوضاع على الساحة السورية، وخاصة انتشار الأسلحة الاستراتيجية. وعلى نطاق أوسع، تتوقع إسرائيل أن تنتهي فترة الهدوء التي دامت ما يقرب من أربعين عاماً على طول الحدود السورية بمجرد سقوط بشار الأسد، أو حتى قبل ذلك.
من الذي سيملأ الفراغ؟
يتشكك المسؤولون الإسرائيليون في قدرة الأسد على الاستمرار في إحكام قبضته على السلطة إلى ما بعد هذا العام. بيد أنهم يدركون أيضاً أن الحرب الأهلية قد تستمر في إنهاك البلاد بعد الإطاحة به. ورغم أن الاضطرابات تُحد من احتمالية الدخول في خطر حرب تقليدية مع الجيش السوري، إلا أنها تُبرز مخاطر المواجهة مع الفاعلين المعادين من غير الدول.
وعلى النقيض من الإحساس العام في المنطقة، فإن إسرائيل لن تترحم على رحيل الأسد. فهو العامل الحيوي في محور إيران- «حزب الله» المتطرف ومنافس قوي لإسرائيل. ومن ثم سوف يكون سقوطه بمثابة صفعة قوية لطهران، ويضعف بشكل كبير «حزب الله»، ويفكك المحور الثلاثي -- ومن غير المحتمل أن تسعى القوى التي قد تهيمن على سوريا في المستقبل إلى التحالف مع أطراف فاعلة ساعدت الأسد على ذبح شعبه.
وفي الوقت ذاته، ينتاب إسرائيل الشك والخوف بشأن من يستطيع أن يملأ الفراغ الذي سيعقب الأسد. وهي منزعجة بصفة خاصة من ازدياد أهمية الإسلاميين ووزنهم في المعارضة، وتزايد أعداد الجهاديين الأجانب (الذين أصبحوا أقوى قوة قتالية على أرض المعركة)، واستمرار سلبية الغرب بشأن دعم قوى المعارضة غير الإسلامية. وفي النهاية، قد تجد إسرائيل نفسها في مواجهة إسلاميين معادين في جارتيها العربيتين الأكثر أهمية، وهما مصر وسوريا -- وهو واقع قد يكون له خطر آثار متتابعة على المنطقة.
صامتة علناً، لكن يساورها القلق سراً
لقد اختارت إسرائيل طوال الأزمة السورية أن تظل وراء الكواليس، إدراكاً منها أنها غير قادرة على التأثير بشكل كبير على مسار الأحداث. وعلاوة على ذلك، وفي ضوء المشاعر المعادية لإسرائيل المنتشرة على نطاق واسع في المنطقة، فإن أي تعبير عن التعاطف مع الثوار قد يكون بمثابة قبلة النهاية التي تقوضهم داخلياً وإقليمياً.
ومع ذلك، وجّه المسؤولون الإسرائيليون انتقادات في السر (والعلن أحياناً) إلى الغرب بسبب دوره السلبي في الأزمة بينما يحصل النظام السوري على دعم إيران و «حزب الله» وحتى روسيا بكل نشاط وفاعلية. فهم يرون أن تلك السلبية ساعدت على تعضيض وضع الإسلاميين والجهاديين وتمكينهم من إضفاء طابع راديكالي على الصراع. ويستخدم بعض المسؤولين أيضاً هذه الحجة للتأكيد على ضرورة اعتماد إسرائيل على نفسها فقط عند التعامل مع مسائل تمثل أهمية حيوية للأمن القومي، ويشمل ذلك الحفاظ على خيار عسكري مستقل ضد برنامج إيران النووي.
متابعة المنطقة عن كثب
تتابع إسرائيل عن كثب تأثير الصراع على جيران سوريا الآخرين. أولاً، ينتابها قلق بالغ من أن يعمل الاضطراب على توليد حالة خطيرة من عدم الاستقرار في الأردن، وهي بلد ذات أهمية استراتيجية لإسرائيل والغرب. وفي كانون الأول/ ديسمبر، ذكرت إحدى الصحف العربية أن الملك عبد الله التقى سراً مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في عمان لمناقشة الوضع في سوريا، وقد أكدت مصادر حكومية إسرائيلية هذا التقرير بشكل غير رسمي.
أما على صعيد لبنان، فإسرائيل سعيدة بالضغط الذي وضعته الأزمة على «حزب الله». غير أنها تراقب الأوضاع عن كثب أيضاً، حيث تتبع أي مؤشرات عن ارتكاب الجماعة لأعمال عنف مفاجئة رداً على هذا الضغط أو سعيها للحصول على أسلحة استراتيجية من سوريا.
لقد دفعت الحرب إسرائيل إلى إعادة التفكير في علاقاتها المضطربة مع تركيا. فالبلدان لديهما مصالح عديدة متقاربة في سوريا -- وهذه الحقيقة سوف تُحفز إسرائيل على الأرجح على القيام بمحاولة مجددة لتطبيع علاقاتها مع أنقرة، في ضوء الخلفية الإقليمية المشحونة بالمخاطر.
التحضير لحالات الطوارئ
تركز إسرائيل حالياً على الأحداث الطارئة التي تُحدث تأثيراً مباشراً على أمنها.
الأسلحة الاستراتيجية. يمثل مصير ترسانة الأسد الضخمة من الصواريخ والقذائف والأسلحة الكيميائية مصدر قلق رئيسي لإسرائيل حيث قد تقع تلك الترسانة بين أيدي الجهاديين في سوريا أو «حزب الله» في لبنان. وكلاهما يستطيع أن يستخدم تلك الأسلحة لتهديد إسرائيل.
وبينما يركز المجتمع الدولي على مخزون الأسلحة الكيميائية، فإن إسرائيل ليست أقل تركيزاً على الأسلحة الاستراتيجية الأخرى التي لدى النظام وفرة منها، بما في ذلك رادارات، وصواريخ أرض- أرض، وقذائف، وصواريخ أرض- جو وأرض- بحر متطورة. ومن الواضح أن الهجوم الجوي التي شنته إسرائيل في سوريا في ليلة 29-30 كانون الثاني/يناير كان يستهدف على ما يبدو مقاومة تلك التهديدات -- ووفقاً لبعض التقارير الإعلامية، استهدفت العملية قافلة تحمل أسلحة إلى «حزب الله» في لبنان. لقد التزمت الحكومة الإسرائيلية الصمت حول الحادث، ويُرجح أن الغرض من ذلك هو أن ألا يشعر المستهدفون بالاضطرار إلى الرد بعنف. وربما تحتاج إسرائيل أيضاً إلى شن هجمات أخرى في المستقبل.
وفيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، انضمت إسرائيل بالفعل إلى واشنطن وأطراف أخرى في الحوار الاستخباراتي والسياسي المكثف حول الموضوع. كما أنها أعدت خططها العسكرية الخاصة، التي تركز على الهجمات الجوية الدقيقة. وفي أوائل كانون الأول/ديسمبر، أفاد كاتب العمود في صحيفة "ذي أتلنتيك" الأمريكية جيفري غولدبرغ بأن إسرائيل قد طلبت بهدوء موافقة الأردن -- التي لم تمنح -- على خطة طوارئ لتدمير مواقع الأسلحة الكيميائية السورية. وكان السبب الذي ذُكر بشأن هذا الطلب هو التبعات المحتملة لمثل ذلك الهجوم على الأردن.
زعزعة الاستقرار على طول الحدود. ترى المخابرات الإسرائيلية أنه بمجرد سقوط نظام الأسد سوف يتدهور الوضع الأمني تدريجياً على طول الحدود. ويقوم هذا التقييم على العدد المتزايد من الجهاديين في المناطق القريبة من الحدود، فضلاً عن مؤشرات بأنهم يجمعون مخازن أسلحة هناك. ويُغذي تلك الجماعات عداء أيديولوجي عميق ولذا فمن المرجح أنها ستستهدف إسرائيل بمجرد انهيار النظام. وفضلاً عن ذلك، لم تستبعد قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي" السيناريو الأقل احتمالاً المتمثل في شن قوات الأسد عملاً نهائياً عدائياً عبر الحدود بدافع اليأس.
وبغض النظر عما سيحدث، فإن مؤسسة الدفاع مقتنعة بأن إسرائيل على وشك دخول عهد جديد من عدم الاستقرار يجتمع فيه تحدي الجهاديين الحالي على طول حدود سيناء مع تحدي مماثل يمثله الجهاديون من سوريا -- وربما يكون هناك تنسيق فيما بينهما في المستقبل. وإذا تفاقمت الأوضاع فمن غير الواضح ما الذي سيحدث مع "قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك" ("أوندوف") المتمركزة في المنطقة الحدودية منذ عام 1974. وطوال فترة الحرب، استخدمت إسرائيل ("أوندوف") لنقل رسائل رادعة في الغالب إلى النظام والجيش السوري. ولا يتضح كذلك مصير محطة استخبارات الإشارة التي تديرها إيران في مرتفعات الجولان لجمع معلومات عن إسرائيل.
واستجابة منها للتهديدات الحدودية، شرعت إسرائيل مؤخراً في بناء سور أمني متطور في الجولان على غرار السور الذي أكملته للتو في الجنوب. وعلاوة على ذلك، تم نشر قوات وقدرات استخباراتية إضافية في المنطقة ورفع مستوى التأهب ووضع خطط عملياتية للتدخل المحتمل عبر الحدود.
ما بعد سقوط الأسد مباشرة. من وجهة نظر إسرائيل إن السيناريو الأكثر احتمالاً عقب سقوط الأسد هو ظهور سوريا مجزأة، ولا مركزية، وعاجزة عن أداء وظائفها، وبقاء طهران نشطة في بعض من أنحاء البلاد. ورغم أن تجدد عملية السلام بين البلدين الآن يبدو أمراً يتعذر فهمه، فقد أثار البعض في دوائر الحكومة الإسرائيلية احتمالية السعي إلى إحداث مواءمة مع جماعات الأقلية غير المسلمة في سوريا وخاصة في المناطق الحدودية. وتلك الأفكار تُعيد إلى الأذهان المواءمات التاريخية مع الأقليات الإقليمية.
يرى الإسرائيليون أيضاً أن تداعي نظام الأسد قد يصب في صالحهم في وقت يواجهون فيه قرارات حاسمة تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وكما ذُكر سابقاً، فإن خسارة حليف استراتيجي هام قد تمثل صفعة قوية لطهران -- ولو قررت إسرائيل أو الولايات المتحدة لاحقاً الهجوم على إيران، فستكون سوريا عاجزة عن تقديم إسهامات جادة في رد إيران، كما سيفتقد «حزب الله» قناة حيوية لدعمه وإعادة إمداده بالأسلحة أثناء المواجهات وبعدها.
الخاتمة
إن المخاوف بشأن الفوضى المتنامية إلى الشمال تحدث دوياً قوياً بين قادة إسرائيل أكثر من أي وقت آخر منذ بدء الانتفاضة ضد الأسد. وبناءً عليه، ينبغي على الولايات المتحدة، وقوى غربية أخرى، والجهات الفاعلة الإقليمية الرئيسية أن تستمر في التحاور الوثيق جداً مع إسرائيل بشأن المخاطر وحالات الطوارئ التي سيخلّفها سقوط النظام السوري.
مايكل هيرتسوغ هو عميد (احتياط) في جيش الدفاع الإسرائيلي وزميل ميلتون فاين في معهد واشنطن مقره في إسرائيل. وقد شغل سابقاً منصب رئيس هيئة موظفي مكاتب أربعة وزراء دفاع وشارك في مفاوضات السلام بين إسرائيل وسوريا
Saturday, January 5, 2013
العالم لن يكون أكثر هدوءا في السنة الجديدة
AP
العالم لن يكون أكثر هدوءا في السنة الجديدة
سيكون عام 2013 على الصعيد الدولي استمرارا للأحداث التي بدأت في عام 2012 أو قبله. وليس من المتوقع أن نشهد اختتام العمليات السياسية الجارية ، التي يتطور كل منها وفق منطقه الداخلي. ولنحاول التنبؤ بالمعالم الرئيسية. في الشرق الأوسط يبدأ عام 2013 كسابقه بتوقعات عن سقوط وشيك لنظام بشار الأسد. وهناك احتمال أن ينتهي هذا العام أيضاً دون تحقق تلك التوقعات. شهدت نهاية العام الماضي تنشيط المحاولات الرامية لتنظيم الحوار بين الأطراف المتصارعة في سورية، وبدا أن الأطراف الخارجية ، الولايات المتحدة وروسيا بالدرجة الأولى ، ترغب فعلاً في تحريك العملية من نقطة الجمود التي تقف عندها.
والحقيقة، أن التوافق بين واشنطن وموسكو، حتى لو كان تاما ، لا يعني شيئاً في الواقع، فلكل من الأطراف المتحاربة على الأرض أسبابه الخاصة . وهذه الأطراف لا تخوض معركة من أجل السلطة ، بل من أجل البقاء. والحرب بينها تتحول بشكل ملحوظ الى حرب دينية، لا مكان فيها للحلول الوسطية. ومهما كانت نتيجة الصراع الدائر في سورية، يبقى السؤال الرئيس : ماذا بعد ؟.
يتحدث الكثيرون عن انفجار حتمي في الأردن، فـ "الإخوان المسلمون" هناك يحددون موعداً أقصاه - ربيع 2013 . وحتى ذلك الموعد سيكون على الحكم الملكي الهاشمي إما القبول بالديمقراطية وتسليم السلطة عملياً إلى الإسلاميين، أو أن يُزهر الربيع في الضفة الشرقية لنهر الأردن. ومن الجدير بالذكر أن الأردن يعتبر بلدا محوريا لمستقبل القضية الفلسطينية وعملية التوازن بين القوى الإيديولوجية والسياسية في المنطقة. وفي حال حدوث التغيير، فإن الكثير من الأمور ستتوقف على الجهة التي ستسيطر على هذا البلد.
ويبدو أن الأحداث الرئيسية ستحصل في شتاء وصيف عام 2013 ، ففي شهر كانون الثاني / يناير ستجري انتخابات برلمانية في إسرائيل، وفي شهر حزيران / يونيو انتخابات رئاسية في إيران. إن المعضلة الإيرانية الإسرائيلية ، التي بقيت في اطار التهديدات عام 2012، ستظل قائمة ، ولن يرفع السيناريو العسكري من جدول الأعمال. وفي الوقت نفسه تتعالى الأصوات، ولو في الكواليس ، حول احتمالات خطوة قوية قد تغير الجو المتوتر في الشرق الأوسط، فمن شأن اعتراف متبادل بين طهران وتل أبيب، أن يشكل انعطافا استراتيجيا في تطور الأحداث.
وعمليا ، لايمكننا تصور خطوة كهذه في الوقت الراهن، ولكن الأجواء قد تتغير برحيل الرئيس المتعنت محمود أحمدي نجاد، الذي لن يستطيع الترشح مرة اخرى. ولهذا السبب أيضاً لن يستطيع باراك أوباما تغيير السياسة الأمريكية تجاه إيران، التي تحتاج الى رئيس براغماتي من طراز نيكسون الذي مكنته سمعته أن يتصالح مع الصين في حينه. ومن المسائل الأخرى المثيرة للإهتمام على مستوى المنطقة، ماستؤول اليه الأمور في مصر بعد حصول الرئيس محمد مرسي على السلطات بموجب الدستور الجديد. وعما ستسفر عنه الانتخابات العامة في بلد "الربيع العربي" الأول ، تونس.
المصدر: GAZETA.RU
الكاتب: فيودور لوكيانوف – رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"
Saturday, February 18, 2012
الهند والكيان.. علاقات أمنية وتعاون متبادل |
|
|
اتسمت العلاقة بين الهند والكيان على مدى نحو أربعة عقود بالتوتر والتحفظ, بينما اختلف الأمر في التسعينيات، وقد ساعد على ذلك انهيار الاتحاد السوفياتي وضعف الدول العربية والإسلامية, وبدء علاقات شبه طبيعية بين الكيان وبعض الدول العربية، وتشجيع الولايات المتحدة الهند على إقامة علاقات قوية بما فيها العلاقات الإستراتيجية مع الكيان. بالإضافة إلى تصاعد موجات العنف داخل الهند من جماعات شبه إسلامية -وخاصة في النزاع على كشمير- تدعمها حكومة باكستان، وتصور الهند بأن لدى الكيان خبرة في معالجة قضايا العنف الإثني، ووصول قوى متعصبة إثنيا ومضادة للإسلام للحكم في الهند (حزب بهارتيا جاناتا عام 1998)، كذلك انقلاب الولايات المتحدة على الجماعات الإسلامية التي شجعتها ضد الاتحاد السوفياتي عن طريق باكستان، وتحول الحكم في باكستان إلى حكم عسكري دكتاتوري. كل هذا نتج عنه إقامة علاقات دبلوماسية بين الجانبين الهندي والصهيوني عام 1992، وجاء وصول حزب بهارتيا جاناتا إلى الحكم عام 1998 ليشكل بداية جديدة للتعاون بين نيودلهي وتل أبيب، وسرعان ما تطورت هذه العلاقات تشجعها التطورات السابقة بحيث وصلت إلى علاقات تعاون إستراتيجي في بعض المجالات وخاصة الدفاع. مجالات التعاون بين البلدين تنوعت العلاقات بين الهند والكيان فاشتملت على علاقات ثقافية، وعلاقات اقتصادية في مجالات الزراعة ونقل التكنولوجيا، واستخدام الكيان كمنصة لتوسيع التجارة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بينما شكلت السوق الهندية الكبيرة حلقة اتصال مع الشرق الأقصى ومبيعات السلاح. وأقام البلدان نحو 200 مشروع مشترك في مجالات الهندسة وإدارة المياه الجوفية ومحاربة التصحر والتكنولوجيا الرفيعة وغيرها. وقد ارتفعت الاستثمارات الصهيونية في الهند من 36 مليون دولار عام 1992 إلى مليار دولار عام 1999، واتفق البلدان على معاملة كل منها للأخرى معاملة الدولة الأولى بالرعاية, وارتفع معدل التبادل التجاري بينهما من 202 مليون دولار عام 1992 إلى أكثر من مليار دولار، كما اتسعت مجالاته وتنوعت. وعلى المستوى الدبلوماسي تعاونت الهند مع الكيان في بعض القضايا التي تعرضت فيها دولة الكيان للإدانة الدولية خاصة فيما يتعلق بالمساواة بين الصهيونية والعنصرية، وذلك في مقابل تأييد الكيان للهند في مواجهة باكستان. العلاقات الأمنية تتقدم العلاقات الأمنية بين الهند والكيان باطراد حيث أصبحت الكيان ثاني مورد للسلاح إلى الهند بعد روسيا، وقد زودت دولة الكيان الهند بالكثير من الأسلحة والمعدات العسكرية في حين تقدم الهند فرصة لنشر الغواصات الصهيونية التي تمثل في العقيدة القتالية الصهيونية قوة ضربة ثانية بحرية بعيدة عن أسلحة جيرانها، ويمثل المحيط الهندي بنية تحتية إدارية تسهل الانتشار غير متوفرة في البحر المتوسط ولا في البحر الأحمر. ولا شك في أن ذلك يتطلب تعاونا صهيونياً مع الأسطول الهندي، ويمثل التعاون الهندي مع الأسطول الصهيوني عملا مهما لإمكان تهديد الكيان لإيران التي طورت صواريخ يمكنها إصابة كافة المدن الصهيونية الكبرى، كما يساعد على تهديد دول الخليج وتطويق الوطن العربي من الجنوب. وفي هذا المجال قامت الغواصات الصهيونية عام 2000 باختبار وتجربة صاروخ "كروز" قادر على حمل رأس نووية في مياه المحيط الهندي أمام شاطئ سريلانكا. وتكررت التقارير عن مثل هذه التجارب بعد ذلك, وهناك تقارير عن رغبة مشتركة بين الجانبين في التعاون بمجال تطوير نظام مضاد للصواريخ على أساس النظام "أرو" باعتبار أن كليهما يتعرض لاحتمال التهديد باستخدام الصواريخ ضده. ويرى بعض الكتاب الصهاينة أن تحالفا بين الهند والكيان تؤيده الولايات المتحدة سيخلق قوة استقرار في المنطقة بالتعاون مع قوى لها عقلية مشابهة مثل تركيا، وأنه يمكن أن يساهم في مواجهة قوى التطرف الراديكالي المعادي لمصالح الولايات المتحدة في غرب ووسط آسيا. ومن المحتمل أن يكون أحد أهداف هذا التعاون إنشاء توازن وثقل مضاد لقوة الصين المتنامية والتي تتحدى الهيمنة الأميركية. واشتملت العلاقات العسكرية بين الكيان والهند على عدة جوانب أهمها الإمداد بالسلاح، ومنها تزويد دولة الكيان بمقاتلات ميغ/27 الهندية بعناصر إلكترونيات الطيران، وتحسين قدرات الطائرات 125 طائرة ميج/21 وطائرات سوخوي/30 وطائرات "جاغوار" ومروحيات مي/35 ومي/8، كما باعت للهند عددا غير معروف من طائرات بدون طيار، وقنابل موجهة بالليزر، وأحدث نظم إدارة النيران للدبابات "ت/72 "، و30 صاروخا مضادا للسفن من طراز "باراك"، وتحسين قدرات 180 مدفعا عيار 155 ملم وبيع دانات مدفعية عيار 155 ملم، ورادارات ونظم مساحية، وأجهزة رصد ومراقبة الحدود بما فيها مستشعرات شديدة الحساسية للمساعدة على تشغيل خط السيطرة على الحدود الهندية الباكستانية، وبنادق قناصة، وأجهزة رؤية ليلية، وأجهزة تقدير المسافات وتحسين إمكانيات المعدات السوفياتية المدرعة والطائرات. وتشتمل قيمة العقود ما يزيد على ثلاثة مليارات دولار من المعدات العسكرية. كذلك يتردد أن دولة الكيان زودت الهند برادار "غرين باين" المستخدم في نظام "أرو" بموافقة الولايات المتحدة، وتكنولوجيات الإجراءات الإلكترونية المضادة, وهناك تقارير بأن الهند تتفاوض لشراء نظام الإنذار المتقدم المحمول جوا من طراز "فالكون"، كما اشتملت المحادثات الهندية الصهيونية الأميركية على بيع الهند نظام "أرو" للدفاع ضد الصواريخ. وفي مجال الوحدات البحرية اشتملت مبيعات السلاح الصهيوني للهند على لنشين سريعين من طراز "دفورا" مسلحين بنظم مساحة حديثة ونظام مدافع معقد، وصواريخ مضادة للسفن سبقت الإشارة إليها. وفي مجال المشروعات المشتركة سبق أن أذاع مسؤول أميركي من البنتاغون في ديسمبر/ كانون الأول 2002 أن الهند والكيان تخططان لإنتاج مشترك لمروحية خفيفة متقدمة. وقد تعاونت شركة "هندوستان إيرونوتكس ليمتد" مع شركة الصناعات الجوية الصهيونية لتسويق مشترك للمروحية الخفيفة المتقدمة من صنع الشركة الهندية المذكورة. وقد أعلن مسؤولون من شركة هندوستان المذكورة في فبراير/ شباط 2003 عن اتفاق تكامل إلكترونيات الطيران من إنتاج شركة الصناعات الجوية الصهيونية في المروحية الخفيفة المتقدمة، وفي تسويق هذه المروحية عالميا. كما اتفقت الهند والكيان على إنتاج مشترك للنشات السريعة من طراز "دفورا". وفي مجال التدريب يقوم خبراء الكيان في مكافحة الإرهاب بتدريب نظرائهم الهنود في كشف التسلل على امتداد الحدود، وتتبع حركة المتطرفين في الدولة، واكتشاف المفرقعات وتأمين القنابل واستخدام الأجهزة والتكتيكات الأخرى. ومن المنتظر أن تقوم دولة الكيان بتدريب أربع كتائب أي ما يعادل نحو ثلاثة آلاف جندي هندي على ضربات ضد أعمال العصابات بالإضافة إلى تدريبهم في الصحراء والجبال والأدغال وتحرير المخطوفين. مخاطر هذه العلاقة على العالم العربي والإسلامي تعتبر أية علاقة تعاون بين الكيان ودولة أخرى خطرا على العالم العربي والإسلامي إذ يمثل ذلك فرصة للكيان لمزيد من التعدي على الحقوق العربية والإسلامية، كما يشكل فرصة لخروج الكيان من عزلتها في المنطقة حيث تحيط بها دول وشعوب عربية تدرك مخاطرها. وهكذا فإن تطور العلاقة بين الهند والكيان يمثل خطرا على الدول والشعوب العربية والإسلامية، لكن هذه المخاطر تختلف باختلاف أنواعها. وإذا كان من الضروري تحديد الأولويات، فإن المخاطر الناجمة عن العلاقات الإستراتيجية الأمنية والتي تتمثل أساسا في استخدام الكيان لمياه المحيط الهندي بالتعاون مع الأسطول الهندي تشكل الخطر الأكبر حيث يشكل الوجود البحري الصهيوني تهديدا مباشرا لجنوب شرق الوطن العربي وخاصة دول الخليج العربي والعراق، وللدول الإسلامية بجنوب غرب آسيا وخاصة إيران وباكستان حيث هنا يصبح التهديد للوجود ذاته. أما مبيعات الأسلحة الصهيونية للهند فإنها تزيد من قدرات الكيان على تطوير صناعتها العسكرية على نحو يزيد من قدرتها على تهديد الوطن العربي والإسلامي، كما أنها تساعد دولة الكيان على مواجهة المخاطر الاقتصادية الناجمة عن انتفاضة الأقصى وبالتالي القدرة على الاستمرار في تهديد الشعب الفلسطيني والدول العربية المجاورة. ولا يمكن إغفال أهمية التعاون الهندي الصهيوني في باقي المجالات إذ أنه يوفر فرصة لإفلات الكيان من الإدانة الدولية في المحافل المختلفة، كما أنه يفتح السوق الهندية الكبيرة أمام المنتجات الصهيونية مما يمكنها من الصمود في مواجهة المقاطعة العربية. |